صحيفة أثير:
2025-04-17@15:26:53 GMT

سبرٌ لـ “أشجار تتبعها الطرقات” لطلال الغوّار

تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT

سبرٌ لـ “أشجار تتبعها الطرقات” لطلال الغوّار

أثير – مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري
لعلّني أقرأ أوّل مرة هذا النوع من الكتابة المفتوحة على كلّ الآفاق، كتابة يُوضع لها عنوان في واجهة الكتاب “سرد” لا نصوص سردية أو نثر مكثّف، لا شيء فقط.. سرد، ولك أن تقرأ أو تحجم على القراءة، فما كان عليّ إلا التوغّل في هذا المتن السرديّ، ولسان حالي يقول: سنرى بماذا سأخرج من هذه المغامرة، وثمّة صوت آخر يقول لي: اعتن به فصاحبه طلال الغوّار، قاسمك لحظات جميلة في البصرة أيام المربد وأهداك كتابين، وها أنت تتوغل في “أشجار تتبعها الطرقات”.

حقيقةً وصراحةً أدخلني الكاتب إلى عالمه وأنا ما زلت على عتبات النصّ، يا له من مخادع ذي أسلوب سلس وفيه الكثير من الإغراء، كمن يضع للقارئ ما يشتهي ليدخل النصّ، كأنه يضع جبنا وما يريده الفأر / القارئ، كي يتتبع ويصل إلى المصيدة، يصل إلى لذّة الفكرة والطرح معا، فلنواصل مع هذا المتن السردي الشعري وأوّل مقطع شدّني بصدقه واطلاعه على مراحل الكتابة من قلق وعزوف وتهاطل وبرود تامّ، هو هذه الفقرة الدّالة على أنّنا في حضرة كاتب قتلته الكتابة، جرّبها واكتوى بنارها، يقول طلال الغوّار هذا الأديب العراقي المتميّز:

“كثيرا ما أتوقّف عن كتابة الشعر لأيّام وأسابيع بل أحيانا لشهور، حتّى أكاد أحسّ وكأني توقفت نهائيا عن الكتابة، وليس ثمّة شيء يدفعني لأن أكتب، ممّا يسبّب لي وضعا في غاية الصعوبة بل ومحرجا أمام نفسي، وكأنّي أحمل همّا ثقيلا لا أعرف كنهه، وإحساسا غريبا ومزعجا، وكأنّ هاجس الشعر قد اختفى”.

يمرّ الكاتب بوجوه كثيرة في رحلة للذكرى، للحنين، للتأمّل، للمراجعة، للتصالح مع الذات، خاصة الذات الكاتبة، وقد قسّم متنه السرديّ إلى اثنين وعشرين نصّا يتداخل خلاله مع الأمكنة ومع الوجوه إضافة إلى القصيدة، وكلّ ما يخطر بباله وبهواجسه يطرحه على الأوراق، فمثلا يطرح موضوع الموت بشكل شعري فيقول:

“شجرة منفردة تنحني بغصونها وتتأمّل الأوراق الصفر التي تحتها، كأنّها ضجرة من وجود أيّامها المتساقطة وتنتظر ريحا كي تسفها بعيدا”

ثمّة نصوص كثيرة مسّتني وحاورتني وحاورتها، نصوص صادرة عن ذات أصيلة، لها في العراق حضور وأفراح وهموم ومآرب أخرى، وتأخذني معها إلى “الجسر” حيث أضاء الشهداء بدمائهم ومشى الصباح بخطواتهم، في هذا النصّ الحميمي الشعريّ يحمّل ذاته أكثر ممّا تتحمّله فالأسئلة كثيرة، ويشعر بها كما لو أنّها (أجنحة لطيور كثيرة تصطفق في رأسي)، ولكنّ الأهمّ ما أدخره لنصّ بعنوان “إيماءات” حيث يتحوّل إلى شاعر واضح وصريح، ويطرح جملة من هواجسه وقد اخترت لكم بعض المقاطع الغنيّة بالشعرية:
“خيّل لي
أنّ هذا النجم ليس إلاّ طائرا
إنّها هجرة الأفكار”
“عند الصباح
أفتح نافذتي وأنظر إلى البعيد
لا لكي أرى
‎أريد أن أتوحّد مع النهايات”

“ما أغربك أيّها الحبّ
ريشٌ ملوّن في الكلمات
وجمر متوهّج تحت الخطى”

“إلى أين تذهب بكَ القصيدة ؟
كلّ الطرقات التي تفتحها
وتسير في شجنها
لن توصلك إلى نفسك”

ربّما سؤال وجيه، ولكنّنا سنصل إلى المعنى الأدقّ والصور الجميلة والصدق والإخلاص مع النفس والناس والعالم، هكذا نكون قد أتممنا جولتنا في كتاب “أشجار تتبعها الطرقات” على أن نعود مرّة أخرى إلى كتاب بعنوان “نداء لصباحات بعيدة” وهو الكتاب الثاني الذي تلقيته كهدية في مربد العراق، مع الشكر لطلال الغوّار على المحبّة ومواصلة المسيرة الأدبية.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: مكتب تونس

إقرأ أيضاً:

مؤتمر لندن والسودان: قراءة تفكيكية في رمزية التمرد وسردية الرفض

لم يكن مؤتمر لندن حول السودان مجرّد فعالية دبلوماسية تُنظم بحكم العادة، بل ظهر كعلامة فارقة تُعيد مساءلة المنظور الدولي تجاه حربٍ تُنهك البلاد وتُعيد تركيب المجتمع والدولة بعنف. تتجاوز دلالاته البيان الختامي والإجراءات المعلنة لتلامس جوهر الأزمة: كيف يُعاد تشكيل السودان، ومن يملك حق الحديث باسمه؟

انحرف المؤتمر بوعي عن منطق المفاوضات الكلاسيكية الذي يحتفي بالأطراف المسلحة باعتبارهم وكلاء الحل. هذا الانزياح – بإزاحة الجنرالات من مركز الطاولة وتقديم المدنيين كمخاطَبين – يُمكن قراءته بوصفه فعلاً أخلاقيًا بقدر ما هو موقف سياسي، يُقرّ بفشل أدوات النظام الدولي ويُعلن الحاجة إلى هندسة جديدة لمداخل الحل. البيان المشترك، على الرغم من محدوديته، لم يطرح حلولاً بقدر ما طرح سؤالاً مؤرقًا: ماذا يعني الصمت في مواجهة الحرب؟ كان أقرب إلى مرآة تُواجه بها الدول نفسها قبل أن تُخاطب الأطراف السودانية.

النص الذي يُحلل المؤتمر يُدين بجرأة الاصطفافات الداخلية، لا سيما القوى المدنية التي استبطنت خطاب الدولة الأمنية، وتماهت مع فكرة "الأولوية للجيش" كشرط لبناء الدولة. في المقابل، لا يتوانى عن فضح استراتيجيات النظام القديم – الكيزان – الذين يتقنون فن الظهور كأوصياء على الوطنية بينما يُراكمون أسباب الفوضى. الأكثر خطورة هو تعرية المشهد الإقليمي: فشل مصر والسعودية والإمارات في التوافق داخل المؤتمر ليس خلافًا في وجهات نظر، بل تعبير صريح عن تورط بنيوي في استمرار الحرب. ما يُعرض كعجز دبلوماسي هو في جوهره تواطؤ مع منطق الانهيار.

يحاول المؤتمر – وفق التحليل – استعادة المعنى من ركام الدم. ليس عبر وعود كبرى، بل من خلال فرض خطاب جديد يُعيد الاعتراف بالضحايا، لا كمادة إعلامية، بل كقضية سياسية أخلاقية. ما طُرح من دعم مالي، وإن بدا هزيلاً أمام حجم الكارثة، كان بمثابة إزاحة للصمت الدولي، وتمرد ضمني على تقاليد التحفظ الدبلوماسي الذي يساوي بين القاتل والضحية. التمرد الرمزي هنا لا يتجسد فقط في شكل المؤتمر، بل في اللغة التي استخدمها، والتي تجرأت على تفكيك خطابات السيادة والسلام كما تُروجها القوى المتحاربة: سيادة البرهان فوق الجثث، وسلام حميدتي وسط المجازر.

ردود الفعل على المؤتمر كشفت هشاشة الخطاب الوطني المسيطر. الاتهامات بالعمالة والتبعية للغرب لم تكن سوى إعادة إنتاج لآلية الشيطنة التي تستهدف أي صوت يخرج عن نسق العسكرة. الهجوم على المؤتمر يعكس عمق الاستقطاب، لا بين الأطراف المتحاربة، بل داخل البنية المدنية نفسها، حيث يُستخدم الشباب كوقود في حرب الرموز والتمثيلات. ما يسميه النص لعبة المرايا هو تفكيك بالغ الدقة لديناميكية الغضب: كيف يتم الاستحواذ على الاحتجاج المشروع، وتوجيهه ضد كل محاولة للخروج من دائرة العنف، ليُعاد إنتاج القهر ذاته بلغة وطنية زائفة.

أهم ما يُميز التحليل هو إدراكه لحدود الرمزية، دون السقوط في اليأس. نعم، المؤتمر لا يكفي، لكنه يفتح نافذة في جدار الصمت. ليس بصفته حدثًا فاصلًا، بل كمحاولة لترسيخ لغة جديدة تُعيد السودان إلى مركز الاهتمام الإنساني لا بوصفه ملفًا أمنيًا، بل كقضية تستدعي رؤية للتحول. السؤال الذي يختم به النص لا يخاطب المجتمع الدولي فحسب، بل الشعب السوداني نفسه: هل سنظل نُعيد إنتاج أدوارنا كمرآة لصراعات الآخرين، أم نملك الجرأة على اختراع مسار جديد يُقصي العسكر والميليشيات من صياغة المصير؟

في نهاية المطاف، لا يدور الصراع فقط حول الأرض والسلاح والسلطة، بل حول اللغة ذاتها. مؤتمر لندن، في رمزيته، يُجسد محاولة لانتزاع اللغة من فم العسكر، وإعادتها إلى الناس. لكنها معركة لم تُحسم بعد. وحده الفعل المدني الجريء، المقرون بخطاب واعٍ ومتماسك، يمكنه تحويل هذا التمرد الرمزي إلى نقطة انطلاق لمسار إنقاذ حقيقي.

zuhair.osman@aol.com  

مقالات مشابهة

  • تلّ مشيهد بالأنبار.. أشجار بأسماء الموتى لمقاومة التصحر (صور)
  • سامر المصري: وافقت على آسر لأن النص أدهشني
  • مؤتمر لندن والسودان: قراءة تفكيكية في رمزية التمرد وسردية الرفض
  • المجلس الاقتصادي ينتقد إحالة مشروع المسطرة الجنائية على نصوص تنظيمية دون أفق زمني لاخراجها
  • مشروع إعادة هيكلة المصارف: عقبات كثيرة دون إقراره قبل اجتماعات الربيع
  • عامان من الحرب في السودان... تقلبات كثيرة والثابت الوحيد هو تصاعد الأزمة الإنسانية
  • زحمة سير على هذه الطرقات.. تجنّبوها
  • أشجار القرم توثّق علاقات الإمارات والفلبين
  • «بيئة أبوظبي» وسفارة الفلبين تزرعان أشجار القرم
  • NYT: المحادثات النووية الأمريكية مع إيران تتقدم.. عقبات كثيرة تنتظرها