عودة الأموال الساخنة لمصر .. المخاطر والفرص
تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT
عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، خرج الكثير من أموال المستثمرين الأجانب، التي كانت تعمل في الدين الحكومي المحلي (أذون وسندات) بنحو 8 مليارات دولار، وفي السنوات 2018 و2020 و2022، تكرر نفس الأمر من قبل المستثمرين الأجانب، وكان هذا الأمر أحد أهم أسباب شح النقد الأجنبي خلال تلك الفترات، وانتعاش السوق السوداء للنقد الأجنبي.
وكانت أكثر عمليات خروج هذه الأموال ضررا لسوق الصرف في مصر، ما تم بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وتحديدا بعد أبريل/نيسان 2022، حيث خرجت أموال للمستثمرين الأجانب العاملين في الدين الحكومي المصري بما يتراوح بين 18 و20 مليار دولار.
ولكن في يونيو/حزيران 2022، قال وزير المالية المصري محمد معيط، خلال لقائه بغرفة التجارة المصرية الأميركية: "الدرس الذي تعلمناه أنه لا يمكن الاعتماد على الأموال الساخنة، لأنها تأتي من أجل العائد الكبير فقط.. مصر يجب أن تتعلم الدرس، لا يجب أن تعتمد على تلك الأموال، إذا جاءت مجددا فليس لدينا مشكلة".
ما الأموال الساخنة؟والأموال الساخنة هي أبرز صور الاستثمارات غير المباشرة، حيث تأتي لتشتري أذونا وسندات تخص الديون الحكومية، سعيا وراء سعر فائدة أعلى في سوق ما، دون غيره من الأسواق، لتستفيد من فرق سعر الفائدة.
وعادة ما تتسم بسرعة الدخول والخروج من الأسواق، وهو ما يحدث حالة من الإرباك، وخاصة عند خروجها، لما تحدثه من ضغط على الطلب على النقد الأجنبي.
وتوجد كذلك في سوق الأسهم والسندات التي لا تشترط مددا زمنية لعمليات البيع والشراء، وقد تتسع الدائرة لتشمل وجود الأموال الساخنة في مجال المضاربات التي تتسم بالسرعة مثل الذهب أو النقد الأجنبي، أو بورصات السلع.
تهيئة المناخ لعودة الأموال الساخنةولكن بعد قرابة عامين من تصريحات الوزير، وتحديدا في السادس من مارس/آذار 2024، اتخذت مصر قرارات تتعلق برفع سعر الفائدة وتخفيض قيمة الجنيه، وهو ما جعل توقع عودة الأموال الساخنة لمصر واردا بشكل كبير، فهذه الأموال تراهن على هذين الأمرين لوجودها في أي سوق يرفع سعر الفائدة ويخفض قيمة العملة المحلية.
وحسب وكالة بلومبيرغ فإن مصر تعد ثالث أعلى عائد من أذون الخزانة والسندات بالعملة المحلية من بين 23 دولة نامية يتم متابعتها من قبل الوكالة.
ووفق نفس الوكالة، فمصر باعت في السابع من مارس/آذار أذون خزانة بنحو 87.8 مليار جنيه (1.78 مليار دولار) بسعر فائدة 32.2%. وإن كبار مؤسسات الاستثمار العاملة في الديون المحلية ساهمت في شراء أذون السابع من مارس/آذار 2024، ومن بين هذه المؤسسات (غولد مان ساكس، وسيتي بنك، ومورغان ستانلي).
ونظرا لأن مخرج مصر من أزمتها الاقتصادية والتمويلية في مارس/آذار 2024، أتى عبر مصادر تتسم بعدم الاستدامة، مثل صفقة "رأس الحكمة" أو زيادة قيمة قرض صندوق النقد الدولي، أو الحصول على بعض القروض الخارجية، فإنه من المناسب أن تتعامل مصر بحذر في ضوء ممارستها السلبية السابقة، وفي ضوء ما صرح به وزير المالية الدكتور محمد معيط، من أنهم تعلموا الدرس، وأنه لا يجب أن يُعتمد على هذه الأموال.
الفرصة التي تتيحها الأموال الساخنةفي حالة مصر، لوحظ أن مواردها من النقد الأجنبي كانت دوما أقل من احتياجاتها، وهو ما نلمسه من بيانات الميزان التجاري السلعي، الذي عادة ما يُفضى عن عجز، وهو أمر مستمر منذ سنوات، وكانت أكبر قيمة لهذا العجز خلال السنوات العشر الماضية، في عام 2021-2022 حيث بلغ 43.3 مليار دولار.
كما أن مصادرها من النقد الأجنبي، في أغلبها مصادر ريعية، مثل إيرادات قناة السويس، والصادرات النفطية، وعائدات قطاع السياحة، وتحويلات العاملين بالخارج، وهي مصادر معرضة بشكل شبه دائم للتهديدات الإقليمية والدولية.
وهو ما جعل اللجوء للأموال الساخنة، أحد الملاذات التي اعتمدتها مصر للعمل على استقرار سعر الصرف، وشهدت فترة تولي فاروق العقد محافظا للبنك المركزي، توسعا في استخدام هذه الآلية، حيث كانت تبعات الديون الخارجية لمصر محدودة، وكانت السياسة المالية في ذلك الوقت لا تعبأ بقيمة وحجم الدين المحلي.
إلا أن التوسع الذي تم بعد 2016، وما تم توصل إليه من اتفاق مع صندوق النقد، أدى إلى الاعتماد على الأموال الساخنة للوصول لما تراه الحكومة استقرارا لسعر الصرف.
لذلك هبطت قيمة الدولار بعد استخدام الأموال الساخنة، وذلك وفق بيانات التقرير الشهري لوزارة المالية عن ديسمبر/كانون الأول 2023، فكان متوسط سعر الصرف في عام 2017 عند 17.8 جنيها للدولار، ووصل إلى متوسط سعر 15.6 جنيها للدولار عام 2021.
فالفرصة الوحيدة التي تتيحها عودة الأموال الساخنة لمصر خلال الفترة القادمة، هي إحداث زيادة في عرض النقد الأجنبي، وهو ما يساعد على تحسين سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية.
ولكن هذا مشروط بحسن أداء الحكومة لمواردها من النقد الأجنبي، وبخاصة أن شروط صندوق النقد الدولي أن تترك مصر سعر الصرف لآليات العرض والطلب، وأن تنظر الحكومة إلى هذه الأموال على أنها أداة استثنائية، ولا يتم الاعتماد عليها، وأن تستغني عنها في أقرب فرصة، بسبب أعبائها على الدين العام من جهة، ومن جهة أخرى اتسامها بعدم الاستقرار أو الاستدامة.
المحاذير وما أكثرها
ينظر الاقتصاديون بشكل عام للأموال الساخنة، على أنها لا تمثل استثمارا حقيقيا، فهي استثمارات غير مباشرة، ولا تتجه للإنتاج الحقيقي، وبالتالي فحاجة مصر كدولة نامية، أن تجذب الاستثمارات المباشرة، التي تتسم بالاستقرار، وتعمل على زيادة فرص العمل والصادرات، وتستقدم تكنولوجيا جديدة، كما تساهم في عملية ضخ نقد أجنبي من الخارج في شرايين الاقتصاد القومي.
الأمر الآخر، أن حالة مصر في مؤشر الدين العام، مثيرة للقلق، سواء كانت ديونا محلية أو خارجية، حيث مثلت أعباء الديون على الموازنة خلال السنوات الماضية، حملا ثقيلا، فهي صاحبة أكبر مخصصات ببنود الإنفاق في الموازنة العامة.
وفي آخر الإحصاءات لوزارة المالية، فإن فوائد الديون خلال الفترة (يوليو/تموز 2023 – يناير/كانون الثاني 2024) بلغت 962 مليار جنيه، بينما إجمالي الإيرادات العامة بلغ 951 مليار جنيه، أي أن الإيرادات العامة تعجز عن سداد فوائد الديون فقط.
وعلى ذلك فكل عبء إضافي إلى فاتورة فوائد الدين -حتى ولو كان قليلا- أمر مرهق للوضع المالي للدولة.
وستضيف الأموال الساخنة عبئا على موارد النقد الأجنبي، بسبب سعيها في نهاية كل فترة لإخراج ما حصلت عليه من فوائد على أموالها، وحسب آخر بيانات لميزان المدفوعات لمصر في العام المالي 2022-2023، فإن مدفوعات الاستثمار للأجانب بلغت 19.4 مليار دولار، وبالتالي سيكون وجود الأموال الساخنة في مصر، له دوران، الأول من الممكن أن يساعد على استقرار سعر الصرف، والآخر أن يساعد على نزيف النقد الأجنبي للخارج.
غياب الرؤية الحكوميةلا شك أن أمر الأموال الساخنة مقلق للجميع، وبخاصة للدول النامية، التي تنشد إنهاء مشكلاتها الاقتصادية، وتسعى للاستقرار الاقتصادي، ومن أهم منغصات عدم الاستقرار الاقتصادي وجود الأموال الساخنة.
وكالعادة، لم تعلن الحكومة برنامجا للتعامل مع الأزمة الاقتصادية الحالية، وبخاصة بعد انفراجة تمويلية أتت بكاملها من الخارج، فالمطلوب أن تقدم الحكومة رؤية تتضمن كافة التفاصيل للشركاء الاقتصاديين، من مجتمع أعمال وقطاع عائلي، ومجتمع مدني.
وبخاصة فيما يتعلق بالأموال الساخنة، ما هو برنامج الحكومة تجاه هذه الأموال، من حيث مستهدف المبالغ المطلوبة من هذه الأموال، وكيفية التعامل معها، ومتى يتم الاستغناء عنها، وكذلك تحديد قيمة فاتورة الفوائد التي يمكن تحملها في ظل وجود هذه الأموال بمصر.
فأمر وجود هذه الأموال مع الأسف، تم معرفته من خلال مصادر أجنبية، كما أن بيانات البنك المركزي عن هذه الأموال، تأتي متأخرة 3 أشهر على الأقل، فالمطلوب مزيد من الشفافية حول الأوضاع الاقتصادية بمصر، بما يجعل مناخ الاستثمار أكثر جاذبية للمصريين وللأجانب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الأموال الساخنة النقد الأجنبی ملیار دولار هذه الأموال مارس آذار سعر الصرف وهو ما
إقرأ أيضاً:
المشاط: إطلاق OECD التقرير الأول لمصر أحد أهم مخرجات البرنامج القُطري
أعربت الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي عن تقديرها لفريق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على دعمهم القوي وجهودهم في إطار البرنامج القُطري لمصر، والذي كان له دور مهم في دفع أجندة التنمية، مؤكدة حرص مصر على تعزيز التعاون مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والمضي قدمًا في تنفيذ البرنامج المتفق عليه، خصوصًا في ظل ما توليه الدولة من أهمية كُبرى لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي تُتيح مزيدًا من الفرص للقطاع الخاص ليقود معدلات النمو، وتنفيذ برنامج الحكومة الجديد للأعوام الثلاثة المقبلة، بما يدعم رؤية التنمية.
جاء ذلك خلال لقائها أورليك فيسترجارد نودسن، نائب الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «OECD»، وذلك ضمن فعاليات زيارته الأولى لمصر، والتي تستضيف خلالها منتدى التمكين الاقتصادي للمرأة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا «WEEF»، حيث شهد اللقاء مباحثات شاملة بين الجانبين في إطار الشراكة الوثيقة وتنفيذ البرنامج القطري لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في مصر، بما يُدعم جهود صياغة السياسات الاقتصادية القائمة على الأدلة وتنفيذ الإصلاحات الهيكلية.
وأوضحت أن البرنامج يعمل في إطار 5 ركائز رئيسية للحكومة المصرية تُمثل محاور مهمة في سياسات الإصلاح الاقتصادي، وتتمثل في الاستقرار الاقتصادي والإصلاح الهيكلي، والتكنولوجيا والابتكار والتحول الرقمي، والحوكمة العامة ومكافحة الفساد، والإحصاءات والمتابعة، والتنمية المستدامة، مؤكدة أن البرنامج يُمثل آلية رئيسية من أجل تعزيز التعاون مع المنظمة وانضمام مصر كدولة عضوة.
وأكدت أن الوزارة تعمل على تكثيف التنسيق مع الأطراف والجهات والوزارات المعنية في مصر لاستكمال تنفيذ البرنامج القطري والبناء على ما تحقق خلال الفترة الماضية، حيث تم الانتهاء من عدد من مشروعات البرنامج القطري بالتعاون مع الجهات الوطنية الشريكة بما في ذلك إطلاق التقرير الاقتصادي الأول لمصر، المُعد من قِبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وأوضحت أن الوزارة تتواصل بشكل مستمر مع مختلف الجهات الوطنية لمتابعة الموقف التنفيذي للتوصيات الواردة بالتقرير والاستفادة من هذه التوصيات في صياغة السياسات والإجراءات التي من شأنها تعزيز أداء الاقتصاد المصري في عدد من المحاور الهامة تتمثل في تحقيق استقرار الاقتصاد الكلي، وزيادة كفاءة السياسات المالية والنقدية، وتعزيز بيئة الاستثمار وزيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، وتعزيز كفاءة سوق العمل وخلق فرص عمل لائقة، ودعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر.
كما أشارت إلى التقرير الخاص بالمراجعة القُطرية لسياسات الذكاء الاصطناعي في مصر، حيث تأتي أهمية هذا التقرير كأداة فعالة لصياغة السياسات القائمة على الأدلة إلى جانب الاستناد إلى التوصيات الواردة بالتقرير في تنفيذ المرحلة الثانية من الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي، مشيرة كذلك إلى إدراج مصر في مجموعة أدوات التحول الرقمي الخاصة بالمنظمة «Going Digital Toolkit» وذلك في إطار تفعيل مشروعات المحور الثاني للبرنامج، وتهدف هذه المجموعة إلى مساعدة الحكومة المصرية على تقييم حالة التحول الرقمي وصياغة السياسات المناسبة التي من شأنها تعزيز التحول الرقمي في كافة المجالات.
كما أشارت إلى إطلاق تقرير مراجعة سياسات النمو الأخضر في مصر والذي قدم رؤى وتوصيات محددة لتعزيز التحول نحو الاقتصاد الأخضر من خلال عدد من المحاور البيئية الهامة تتمثل في تحسين الحوكمة والإدارة البيئية لتعزيز التحول الأخضر، وتخضير نظام الضرائب والرسوم، وتعزيز الاستثمار الأخضر، وكذلك التوصيات المتعلقة بالمدن الذكية مناخيًا وتعزيز الحوكمة الحضرية.
وذكرت أنه عقب توقيع مذكرة التفاهم مع الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية خلال الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الدولي بواشنطن، فإنه تم مد البرنامج لينتهي في عام 2025 بدلًا من 2024، وبالتالي فإنه يجري الانتهاء من عدد من المشروعات الهامة والاستفادة من مخرجاتها وعلى رأسها مشروع تعزيز الإنتاجية بالتركيز على قطاع الصناعة، ومراجعة سياسات التعليم العالي والابتكار، علاوة على إدراج مصر في قاعدة بيانات التجارة في القيمة المضافة المزمع الانتهاء منهم قبل نهاية العام الحالي، بالإضافة إلى التقرير الفني الأول الخاص بمراجعة ديناميكية الأعمال المزمع إطلاقه في بداية 2025.
وتناولت الوزيرة التعاون مع المنظمة في إعداد «دليل شرم الشيخ للتمويل العادل» خلال مؤتمر المناخ COP27، وذلك تماشيًا مع تعزيز التمويل المناخي، مؤكدة أهمية تعزيز أوجه التعاون مع المنظمة من أجل تسريع وتيرة تنفيذ أهداف التنمية المستدامة في ظل وجود أقل من عقد على 2030، إلى جانب بحث التعاون مع المنظمة فيما يتعلق بآلية تعديل حدود الكربون CBAM من خلال الدعم الفني.
وسلطت الضوء على إنشاء اللجنة الوزارية لريادة الأعمال بهدف تعزيز قدرة الشركات الناشئة وبيئة ريادة الأعمال لتحقيق نمو اقتصادي مستدام ومتسارع قائم على التنافسية والمعرفة ويسهم في خلق فرص عمل لائقة، ومجموعات العمل الفنية المشكلة والمهام الرئيسية لكل مجموعة، مشيرة إلى استضافة مصر لمؤتمر المناخ COP27 والمنتدى الحضري العالمي في إطار الدور الذي تقوم به مصر كدولة فاعلة في المحافل الدولية لمعالجة قضايا التنمية المستدامة.
ومن جانبه، قال نائب الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية «OECD» إن أفريقيا القارة الوحيدة التي ليس لها أعضاء بالمنظمة ونأمل أن تكون مصر أول دولة عضو، وتدشين البرنامج القطري يعد خطوة مهمة نحو ذلك وعلى مدار الفترة الماضية تم إحراز تقدم كبير فيما يتعلق بالعمل المشترك مع مصر لتنفيذ مشروعات البرنامج القطري، مشيرا إلى أهم مشروعات البرنامج وما تم تحقيقه خلال الفترة الماضية.
اقرأ أيضاً«التخطيط الاستراتيجي» دورة تدريبية ينظمها مركز ضمان الجودة والتأهيل للاعتماد بجامعة أسيوط
وزيرة التخطيط والتعاون الدولي تلتقي محافظ العاصمة اليابانية «طوكيو»
وزيرة التخطيط: مصر أنشأت بنية تحتية حضارية متطورة لتعزيز التنمية المستدامة