سودانايل:
2024-07-06@11:00:45 GMT

إيقاف وإنهاء الحرب ولكن كيف؟

تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT

د. شمس الدين خيال

مقدمة
كما هو معلوم لدي البشرية منذ الابد، أن الإنسان يمكن آن يتعلم من التاريخ، إذا توفرت عنده المعرفة والاستعداد للتعلم! وينطبق هذا الفهم علي ظاهرة الحروب بين الدول وبين ابناء الوطن الواحد.
بهدف المشاركة في النقاش حول كيفية وقوف الحرب الدائرة في السودان وإنهائها، تركز هذه الورقة علي ما استخلصته أبحاث السلام والصراع (peace and conflict research) من تجارب الحروب المختلفة في العالم من سيناريوهات أساسية لإيقافها وإنهائها.

مجملاً يعرف البحث العلمي لطريقة ايقاف وانهاء النزاعات المسلحة والسلام ثلاثة سيناريوهات أساسية، بإشكال وشروط مختلفة. ولا توجد حدود قاطعة بين السيناريوهات المحتملة، بل تكون منفتحة على بعضها، وفي غالب الأحيان تأتي ممتزجة. وذلك لأنها تمثل ايضاً العوامل الاساسية لتطور الصراعات وطريقة انهائها.
1) السناريوهات الاساسية لإيقاف وانهاء الصراعات
من التجارب التاريخية للحروب بين دولتين او بين عدة دول -كما في الحربيين العالمتين- او داخل الدولة الواحدة بين المواطنين، تبلورت في تاريخ البشرية ثلاثة سناريوهات أساسية تقود الي إيقاف مؤقت أو الي أنهاء دائم للحرب:
1- الدبلوماسية السياسية
2- ضغوطات الانهيار الاقتصادي، أو، والانفجارات الشعبية السياسية العريضة والقوية
3- الانتصار العسكري لإحدى الفريقين المتحاربين على الآخر
ويعتبر السناريو الأخير هو الأكثر حدوثاً ووضوحاً في تاريخ البشرية، بينما يمهد مزيجا لهذه السناريوهات الثلاثة -كعوامل- في كثيرا من التجارب لإيقاف وانهاء الحرب بين الدول وبين ابناء الوطن الواحد. ومن الملاحظ في تاريخ الحروب أن هدف إنهاء الحرب عبر سناريو الانتصار على "العدو"، يظل هو المفضل والهدف المهم عند المتحاربين. ومن المفارقة، يزداد هذا التفضيل شدةً، كلما طالت فترة الحرب، وكلما ارتفعت كلفت الأرواح، وكلما أهدرت قيم مادية أكبر، وكلما وقفت الحرب حائلاً في طريق الرفاهية وإعادة البناء. تحت هذه الأوضاع الناتجة عن استمرارية الحرب، يزداد الاعتقاد بضرورة وشرعية الحرب، وأن التضحيات والتكلفة البشرية والمادية التي دفعت فيها، يجب أن لا تذهب سدي.
وتحت الاعتقاد في شرعية وبضرورة الحرب ينشأ إحساس عند المتحاربين بالمسؤولية لتحقيق العدالة، سواء ان كانت للضحايا أو بمفهوم استرداد الحق المسلوب، أو بمفهوم المحاسبة بسبب التمرد على السلطة السياسية، كما يحصل في الحروب بين السلطة المركزية والمجموعات السياسية المسلحة. ويمتزج مفهوم العدالة مع اطالة الحرب وارتفاع اعداد الضحايا بنزعات الثأر من "العدو". ومع تزايد نزعات الثأر يزداد علو القرع علي طبول الحرب، كما جاء في تصريحات الفريق البرهان، حينما قال "نحن لن نوقف هذه الحرب، فإما نحن أم هم، إما يبيدونا أو نبيدهم". وجاءت نتيجة هذا الخطاب مترجمة في الجريمة البشعة، التي نشرت على الملأ في فيديو يظهر فيه جنود الجيش السوداني وهم يحملون رأسين لشابين تم ذبحهم بشبهة الانتماء الى قوات الدعم السريع، وقبلها حادثة مقتل 11 شخصا في منطقة "تورطعان" في دارفور بتهمة اصطفاف قبيلتهم إلى أحد طرفي القتال، وحادثة قطع رؤوس 3 شبان مدنيين في مدينة الأبيض بولاية كردفان، أيضا بتهمة موالاة أحد طرفي القتال. ولا تقل بشاعةً عن هذه الاحداث، جرائم الحرب التي يرتكبها منسوبي قوات الدعم السريع في دارفور والجزيرة...الخ!
تحت اطالت أمد الحرب وتزايد اعداد الضحايا، وتصاعد خطاب الحقد والكراهية ونزعة الثأر يكتسب الاعتقاد في تحقيق رجحة لكفة الميزان في ميدان الحرب أو بتحقيق النصر على العدو شدةً أكثر، خصوصًا عندما تظهر آفاق جديدة للحصول على عتاد ودعم عسكري، سواء كان من الداخل أو الخارج. وفي العادة تتطور مثل هذه العقلية عند كل القيادات العسكرية للفرق المتحاربة، محدثة أتساع لدائرة الحرب ولإطالتها، والي خسائر بشرية واقتصادية واجتماعية أكبر، أو الي نتائج سياسية تنتهي بتقسيم البلاد، كما حصل في السودان بانفصال الجنوب. في حالة الحرب الجارية في السودان، تتحدث التقارير الواردة والموثقة عن انتهاكات وفظائع كبيرة لحقوق الإنسان، وخاصة ضد النساء والأطفال. حيث اعلن مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في 23 فبرير الجاري، إن طرفي الحرب الأهلية في السودان ارتكبا انتهاكات قد تصل إلى حد جرائم حرب. ووثق محققو الأمم المتحدة، حتى الآن، 118 حادثة عنف جنسي ضد النساء والاطفال، ارتكب معظمها أفراد من قوات الدعم السريع.
وهناك أمثلة كثيرة في تاريخ الحروب المختلفة لمجري الصراعات المسلحة، ولطبيعة وتطور العقيدة العسكرية في المقدرة علي الانتصار في ساحة الحرب، ولما يرتبط بذلك من تزايد للخسائر البشرية والمادية وللتداعيات الانسانية، ولكل الأشكال الاساسية والممزوجة من السيناريوهات المذكورة اعلاه، لإيقاف وإنهاء الصراعات المسلحة بين الدول، وبين مواطنين الدولة الواحدة.
2- تجربة الحرب العالمية الاولي
البحث العلمي في تاريخ الحروب أوضح ان الحرب العالمية الأولي هي أكبر وأوضح مثالًا لمجري وافرازات الحروب التي أعقبتها. حيث تزايدت خلالها الاعتقادات والتوقعات والآمال والرغبات في الوصول الى انتصار عسكري، مع بداية كل هجوم، ومع كل دعم خارجي أو داخلي، ومع كل تورط لدول جديدة في الحرب، ومع كل إخفاق عسكري جديد. وذلك مع العلم، ان الامكانيات الدبلوماسية آنذاك كانت واردة لإيقاف وإنهاء الحرب. لكن، رغم ذلك، كان دائماً يتواجد، وفي وقت معين، طرفاً من الأطراف المشاركة له قناعة في مقدراته العسكرية للصمود أطول من الطرف الاخر وتحقيق النصر في ميدان الحرب، في أمل أن يكون النصر تبرير لكل الفقد في الأرواح والمال. واثبت امتداد الحرب العالمية الاولي الي أربعة أعوام، والفقد الهائل في الارواح (17 مليون، 10 مليون جندي و7 مليون مدني)، مدي اشكالية التقديرات الذاتية من قبل القادة العسكرين للقوي العسكرية لجيوشهم ولإمكانيات الانتصار على العدو، ولتوزيع فرص النجاح في الميدان.
هدنة القتال أو وقف اطلاق النار تكون دائماً موقتة ومعرضة للانتهاكات:
كثيرًا من الفاعلين والمراقبين للحروب المسلحة يقترحون هدنة للحرب عبر وقف للعمليات العسكرية كخطوة تمهد للوصول الي إنهاء الحرب. هذا الخيار يحمل عدة اشكاليات ويقود الي عدة إسالة:
كما هو معلوم، تؤدي هدنة الحرب دائماً الى إيقاف الحرب مؤقتاً. وكما في حالة الحرب القائمة في السودان، اتفق الطرفان على أكثر من هدنة في "منبر جدة"، الذي انطلق في مايو في العام الماضي، برعاية السعودية والولايات المتحدة، لكن لم يصمد بعض الهدن المتفق عليها، عدة ساعات، تحت يبادل طرفي النزاع الاتهامات بانتهاكها مراراً.
وكما هو مراقب، وكما في حالة الحرب الجارية في السودان، تعود الحروب الإسرائيلية/الفلسطينية، والاسرائيلية/اللبنانية، والحرب بين الحكومة الاثيوبية وجبهة التغراي، بعد انتهاء فترة الهدنة المؤقتة، دائما الى الاندلاع من جديد. في معظم الصراعات الجارية القائمة اليوم، تظل عملية البحث عن توافق علي الهدن العسكرية تظل دائماً الإسالة المهمة من غير إجابات. ومن أهم الاسالة التي يجب الإجابة عليها في أي عملية دبلوماسية لإيقاف وانهاء الصراعات، هي:
1- في ماذا يستفاد من الإيقاف المؤقت للحرب،
2- وما شكل الآفاق السياسية الواقعية المستقبلية لحل القضايا المسببة للحرب.
لكن، ورغم تعقيدات الصراعات المختلفة وطرق تسويتها، تظل المكاسب الانسانية، التي تنجم عن هدنة الحرب، والمتمثلة في وقف إهدار الدماء، ذات قيمة انسانية عظيمة. ويظل تحقيق الهدف الإنساني عبر الهدن العسكرية من أهم التحديات والواجبات للمجتمع المحلي والدولي، حتي ولو لم يكن هناك امكانيات لفعل ضغط سياسي (power political option) يؤدي الى إنهاء الحرب. وتأتي ضرورة فعل المجتمع المحلي والعالمي للضغط علي الفرق المتصارعة للتوافق علي ايقاف القتال مرتبطة بأمل ان تهمد الهدنة لطريق إنهاء دائماً للحرب.
كما زكر اعلاه تظل أهم اشكاليات اتفاقيات هدن الحرب من غير الإجابة علي الاسالة الاساسية لأسبابها، اندلاعها من جديد. علي سبيل المثال عرف تاريخ الحرب الاهلية في جنوب السودان مراحل وتنقلات عدة: من حرب الي هدنة حرب الي إنهاء للحرب والي سلام ثم الى حرب مجددا، انتهت بانفصال الجنوب في يونيو 2011. هذه التجربة وتجارب الشعوب الاخرى، مثل الحروب النابليونية من 1792 الي 1815، والحرب التي تلتها في أوربا، توضح المخاطر العسكرية والسياسية التي تكمن في هدنة الحرب أو تجميدها. وترتبط اندلاع الحروب بعد فترة هدن الاقتتال بإمكانية اعطاء مفاوضات وشروط الهدن العسكرية احد الأطراف المتحاربة مقدرات فعل حربي (act of war)، كما يحدث منذ 1948 في الحرب الاسرائيلية/الفلسطينية، أو كما حدث في مجري تاريخ الحرب الاهلية في جنوب السودان. كذلك، وكما حدث في الحرب العالمية الاولى بين ما سمي بالحلفاء (فرنسا، روسيا، بريطانيا، البرتقال ..الخ) بقيادة فرنسا ودول الوسط الأوربي (المانيا، النمسا-المجر، بلغاريا وتركيا) بقيادة المانيا. حيث تم، بعد أربعة أعوام من الحرب، وبعد هزيمة المانيا وحلفاؤها التوقيع على هدنة بموجب وقف اطلاق النار في 11 نوفمبر 1918. ولكن، وكما هو معلوم لم تعقب اتفاقية هدنة الحرب حلولًا سياسية لأسباب الحرب بموجب اتفاقية سلام، الأمر الذي جعل اندلاع حرب جديدة، الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1939، بعد 20 عاماً من الحرب العالمية الاولي، ممكناً.
في الحرب الحالية في السودان تهدف المجهودات الدبلوماسية التي ترعاها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، منذ مايو 2023، الي الوصول الي هدنة للقتال من اجل تسهيل الترتيبات الإنسانية وبناء ثقة بين الفريقين، تؤدي في آخر الطريق الي انهاء للحرب. وكانت قد فشلت نحو 14 هدنة العام الماضي تم التوافق عليها بين الفريقين في جدة. وبعد كل خرق لاتفاق وقف اطلاق النار، كان يأتي الانفجار للقتال أكثر توسعا وضراوة، بتفاقم لأعداد القتلة من الجانبين، وللضحايا المدنيين، وبتهجير متزايد للمواطنين، وبتدمير أكثر للبنية التحتية. وفي محاولة حديثة للوصول الي هدنة للقتال، ناشد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش عند احاطته لمجلس الامن، في 07.03.2024 عن الاوضاع في السودان، اطراف الصراع الي وقف الطلاق النار في شهر رمضان. ردا على مناشدة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لوقف الأعمال القتالية في السودان خلال شهر رمضان. وفي اليوم الثاني من هذا نداء، دعا مجلس الأمن إلى وقف فوري للقتال احتراما لشهر رمضان. وكانت وزارة خارجية "حكومة الأمر الواقع" قد ابدت قبولها للدخول في هدنة حرب اثناء شهر رمضان، ووضعت لذلك عن 4 شروط مسبقة، كانت جزء من المفوضات السابقة في منبر جدة. مقارنة بهذا الوضع في البحث عن امكانية لوقف الحرب في شهر رمضان ذو المعني الديني الكبير، جاءت تجربة هدنة القتال المشهورة في الحرب العالمية الاولي (Christmas Truce)، في عيد ميلاد المسيح في 24 ديسمبر 1914 وفي ايام العيد الاخرب، بشكل عفوي ومن غير توافق مسبق بين قيادات الجيوش المشاركة في الحرب.
3- تجميد الحروب – خطورتها
ظاهرة تجميد الصراعات الحدودية بين بلدين تأتي دائماً كحالة تجنب للحرب او هدنة لها. ويختلف هذا الوضع عن اتفاق لوقف الحرب، في أنه يأتي دائماً من غير ضرورة لتقديم تنازلات من أطراف الصراع. ومن امثال هذا النوع من مشاكل الصراعات الحدودية المجمدة، الصراعات المسلحة بين السودان وأثيوبية حول منطقة الفشقة، والتي تسيطر عليها ميليشيا إثيوبية، في منتصف عام 2021. بجانب المشكلة مع إثيوبيا، تتواجد ظاهرة تجميد المشاكل الحدودية ايضاً مع دولة جنوب السودان بخصوص منطقة ابيي ومع مصر علي منطقة "مثلث حلايب وشلاتين وأبي رماد". وتنذر كل هذه الحالات باندلاع عمل عسكري، إذا لم يتم التوصل الى حلول دبلوماسية يرتضي بها الطرفين. كذلك ينذر الصراع المسلح الجاري الآن في السودان، في حالة تجميده، الي عيش البلاد في حالة صراع دائم بحدوث سيناريو انتهاء الحرب الاهلية في الجنوب، مما يعني تقسيم ما تبقي من السودان الي "دويلات" تعيش في حالة صراع دائم علي الحدود.
نسبة لتوسع مساحة الحرب في السودان في مناطق متباعدة وضعف المقدرات العسكرية للفرقين للقيام بعمليات عسكرية في جبهات متباعدة وفي وقت واحد، يجعل حدوث تجميد للحرب أمرا ممكننا. وتكمن خطورة تجميد الحرب الدائرة في السودان تحت وضع سيطرة قوات الدعم السريع على مقار الجيش السوداني في أربع ولايات من ولايات إقليم دارفور الخمس، وفي مدني عاصمة ولاية الجزيرة وعلي جزء كبير من ولاية الخرطوم في خلق وضع مشابه لحالة الحرب في المناطق التي تقع منذ سنين تحت سيطرة الحركة الشعبية/شمال بقيادة عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان وجبال النوبة ومنطقة جبل مرة التي تقع تحت سيطرة حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور. بموجب هذا السناريو في حالة تجميد الحرب يصبح تسارع انهيار ما تبقي من الدولة السودانية وتتقوي عملية تحولها الي "دويلات" متحاربة، ممكننا.
كذلك، ونسبة لما هو معاش من تفلة لمنتسبي الفريقين، سوف يؤدي تجميد الحرب الي تزايد لحالة فقد سيطرة تنظيمات الجيشين المتحاربين علي افرادها في ميادين القتال المتباعدة، خصوصاً في المناطق السكنية، وتتزايد بذلك الممارسات البشعة في التعامل مع الجانب الآخر ومع المواطنين، كما يحدث الآن في دارفور والجزيرة، أو حادثة قطع الرؤوس. وتتحدث اليوم بعض منظمات المجتمع المدني وتقارير المنظمات العالمية والاممية عن عمليات نهب مسلح واغتصاب واختطاف للنساء للشباب الزكور بغرض الابتزاز وطلب الفدية أو التجنيد الإجباري من قبل قوات الدعم السريع والمليشيات القبلية المتحالفة معها. خصوصاً وجود القواعد العسكرية للجيش، وللدعم السريع، وسط المدن، يزيد من خطورة تمادي الاعتداء على المنازل، والاعتداء على النساء خاصة. كذلك يتوقع في حالة تجميد الحرب تكثيف – أكثر مما حدث منذ اندلاع الحرب- استخدام القوات المسلحة المنع المتعمد لإيصال المساعدات الإنسانية من غذاء دواء...عبر وكالات الإغاثة الي مناطق الخصم، كسلاح في الحرب، كما جرى في حرب نظام الإنقاذ الإسلاموي ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب وجبال النوبة والانقسنا. وقد يؤدي وضع التجميد للحرب الي تدمير كامل للبنية التحتية وللورثة التاريخية والثقافية للبلاد!
كذلك يصعب تجميد الصراعات المسلحة سواء أن كانت لها اسباب سياسية أو بسبب اختلاف حول مجري الحدود بين دولتين، التواصل الي حلول دبلوماسية، تتطلب تنازلات من الجانبين. وذلك لأن تجميد الصراعات يثبت الوضع والهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة المسيطرة عليها إحدى الفريقين. وغالبا ما ترتبط بالهياكل الناشاءه عن التجميد للصراعات -ومع اطالة فترة التجميد،- نشؤ وتتثبت لمصالح سياسية واقتصادية فردية وجماعية، تصعب الوصول الي حلول دبلوماسية تتطلب تنازلات من الجانبين. وتمثل الحرب الجارية الآن في السودان خير مثال للمخاطر التي توجه أي عملية سياسية تهدف للتغيير في هياكل سياسية واقتصادية وعسكرية خلقت من قبل نظام دكتاتوري شمولي بهدف التمكين السياسي والاقتصادي. في هذه الحالة تصبح الحلول السياسية للصراعات أكثر صعوبة عندما تلتقي المصالح الفردية والجماعية الداخلية بمصالح دول خارجية، تري في أي تغيير للأوضاع والهياكل القائمة خطورة علي مصالحها، سواء أن كانت مصالح جيوسياسية أو اقتصادية، كما في طبيعة الصراع المستمر في السودان منذ سقوط نظام الإنقاذ!

في الجزء الثاني، والاخير من هذا الرصد المبسط لسناريوهات ايقاف وانهاء الصراعات، سوف يتم، وايضا باختصار شديد، تناول طبيعة الحرب الحالية في السودان وفرص ايقافها وانهائها.

المانيا، في 09.03.2024

 

shamis.khayal@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الصراعات المسلحة تجمید الحرب إنهاء الحرب هدنة الحرب فی السودان حالة الحرب شهر رمضان فی تاریخ فی الحرب فی حالة حرب الی کما هو کما فی من غیر

إقرأ أيضاً:

مؤتمر القاهرة.. تحرك حثيث لرأب الصدع في السودان

سمر إبراهيم

كاتبة صحفية متخصصة في الشأن الأفريقي

تستضيف مصر في السادس والسابع من شهر يوليو الجاري، مؤتمر يجمع كافة القوى السياسية السودانية بهدف التوصل إلى توافق حول سبل بناء السلام الشامل والدائم في السودان، بحضور الشركاء الإقليميين والدوليين المعنيين، ويسعى لبناء التوافق عبر حوار وطني "سوداني - سوداني" يتأسس على رؤية سودانية خالصة، وذلك بدعوة من الخارجية المصرية.

وبدأت القاهرة في إرسال الدعوات الرسمية للقوى السياسية المؤثرة في المشهد الراهن، ورحبت ردود الأفعال من القوى السياسية السودانية تجاه الدعوة المصرية، تأكيداً على الدور الإيجابي للقاهرة في حلحة الأزمة السودانية، والاختراق الذي يُمكن أن تلعبه تلك المبادرة.
لقد حركت الدعوة المصرية الماء الراكد في ملف الحوار "السوداني - السوداني" منذ شهور، لتطرح العديد من الأسئلة التي تدعو للتفكير بمنظور مختلف للأزمة السياسية السودانية، أبرزها:

· أهمية الحوار الوطني وضرورة الجلوس سوياً بعيداً عن التجاذبات السياسية؟ وكذلك ضرورة وقف الحرب؟

· المخاطر التي تواجه الدولة السودانية؟

· لماذا تسعى القاهرة لرأب الصدع في السودان؟ وخطواتها منذ اندلاع الحرب وصولاً لتلك الدعوة؟

· ماهي نقاط القوة التي تتمتع بها المبادرة الراهنة؟

· هل المبادرة تُعد نقطة تمهيدية لخطوات مقبلة نحو السلام؟

· هل يمكن أن يُرمم الحوار جدار الثقة المتصدع ما بين القوى السياسية؟

وللإجابة على تلك الأسئلة، لابد من النظر إلى معطيات المشهد العام في السودان واستصحاب القلق المصري بما يدور في أهم محاور العمق الاستراتيجي للدولة المصرية.

الوضع الراهن في السودان عسكرياً وميدانياً ينذر بخطر وشيك على أمن البلاد، ويزيد من ارتفاع التكلفة الباهظة لاستمرار الحرب، خاصة في ظل سقوط عدد من المدن الاستراتيجية، وزيادة أعداد النازحين!

أما على الصعيد التفاوضي، لازال الغموض سيد المشهد في ظل تعثر قيام منبر جدة كما وعد المبعوث الأمريكي للسودان أكثر من مرة، هذا بجانب عدم صدور آي بيانات رسمية من قبل الجيش والدعم السريع على قبول قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي ودعوة اللجنة الرئاسية للمجلس بقيادة الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني، وقادة الدول الأفريقية، للجمع بين الفريق أول عبدالفتاح البرهان والفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، مما يفرض مشهداً صامتاً لا يُشير إلى أي توافق قريب بين طرفي النزاع.

أما على الصعيد الإنساني، وهو الملف الذي يفرض نفسه على الساحة - حسب تقارير منسقية الأمم المتحدة للشؤون الانسانية "أوشا" - نزوح ما يصل إلى 143,000 شخص من محلية الفاشر في ولاية شمال دارفور بسبب الاشتباكات بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في المنطقة، على مدى الأشهر الثلاثة الماضية.

· يوجد في السودان أكبر عدد من النازحين في العالم حيث يبلغ عددهم أكثر من 11 مليون شخص - أو واحد من كل خمسة أشخاص في البلاد - بما في ذلك النازحين منذ منتصف أبريل 2023.

· نزح ما يقدر بنحو 7.3 مليون شخص منذ منتصف أبريل 2023، بمن فيهم أولئك الذين عانوا من نزوح ثانوي.

· في المدة من 1 يناير إلى 30 أبريل 2024، قدم 125 من الشركاء في المجال الإنساني مساعدات إنسانية متعددة القطاعات لأكثر من 5.2 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد.

جميع المعطيات السابقة، تُشير إلى أن الحرب في السودان ستأخذ منحى خطير إذا استمرت بتلك الوتيرة على جميع الأصعدة، وتأثيرها على دول الجوار ومنطقة القرن الأفريقي عميق، في ظل هشاشة الأوضاع السياسية والأمنية في الأقليم وتنذر بمخاطر محتملة، فضلاً عن تأثير الحرب السودانية بشكل مباشر على مصر اقتصادياً وأمنياً.

ومن ثم لم تأتي مصر بتلك المبادرة بصورة مفاجئة، ولكن منذ اندلاع الحرب كان للقاهرة محاولات حثيثة لرأب الصدع الداخلي:

· فقد استضافت القاهرة في يوليو 2023 "قمة دول جوار السودان" لبحث سُبل إنهاء الصراع والتداعيات السلبية له على دول الجوار، لتسوية الأزمة بصورة سلمية وبالتنسيق مع المسارات الإقليمية والدولية الأخرى.

· وفي سبتمبر 2023 عُقد الاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول جوار السودان، بمقر البعثة الدائمة لمصر لدى الأمم المتحدة بنيويورك واتفق وزراء الخارجية على استمرار التنسيق والتواصل.

· احتضان مصر لعدد من المؤتمرات الصحفية والاجتماعات للقوى المدنية السودانية بمختلف مرجعياتها السياسية.

· وفي أغسطس 2023، قام الفريق أول عبدالفتاح البرهان بزيارة مصر كأول زيارة خارجية له منذ اندلاع الحرب، هذا بالإضافة إلى الزيارة التي سجلها في مارس الماضي، وأكدت القاهرة - آنذاك- على أهمية أمن السودان ودعم وحدة الصف الوطني وتسوية النزاع القائم.

مشاركة مصر في مفاوضات المنامة في ديسمبر 2023 رغم عدم الإعلان عن المشاركة رسمياً حتى الوقت الراهن.

· تنسيق الجهود مع الشركاء الإقليمين والدوليين في الملف السوداني بما يدعم وحدة تلك الجهود ووحدة الصف السوداني عسكرياً ومدنياً - لاسيما المشاورات مع المبعوث الأمريكي للسودان والمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة.

وبالنظر إلى الجهود المصرية سنجد أن الدعوة للم شمل القوى السياسية السودانية لم تأتي وليدة اللحظة بل جاءت بعد صبر وجهود استمرت بعناية على مدار الأشهر الماضية، في ظل انشغال العالم بقضايا الحرب في غزة، والحرب بين روسيا وأوكرانيا، وغيرها من التحديات في المنطقة لاسيما أن السودان أصبح يواجه مصيراً مخيفاً على الأصعدة كافة.

في هذا السياق، جاءت تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري، منذ أيام خلال فعاليات منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين، والذي أكد أن أي حل سياسي حقيقي في السودان لابد وأن يستند إلى رؤية سودانية خالصة تنبع من السودانيين أنفسهم دون إملاءات أو ضغوط من أية أطراف خارجية، وبالتشاور مع أطروحات المؤسسات الدولية والإقليمية الفاعلة، وشدد على أهمية معالجة الأزمة من جذورها عبر التوصل إلى حل سياسي شامل حفاظًا على مصالح الشعب السوداني ومقدراته، وعلى أمن واستقرار المنطقة ككل - مما يعكس الأسس الراسخة في ذهن القيادة السياسية المصرية تجاه السودان، ويعبر عن طبيعة التحركات الرسمية في الملف السوداني.

ولعل أبرز مؤشرات نجاح الدعوة المصرية، في قدرتها على اقناع الفرقاء السياسيين بالحضور والجلوس سوياً بعد شهور من الخلافات الحادة مما يبشر بتمهيد الطريق نحو التوافق، هذا بجانب مؤشر آخر وهو معالجة "قضية الأطراف" والتي كانت محل خلافاً شرساً قبل اندلاع الحرب، فقد تم تقديم الدعوات للقوى على أساس مكوناتهم السياسية وليس الكتل التي ينتمون إليها، بجانب دعوة عدد من القيادات الأهلية والطرق الصوفية والقساوسة والشخصيات العامة المؤثرة في المشهد، ما عدا المؤتمر الوطني.

كل ذلك يشير إلى عدة دلالات هامة، أبرزها: "أن مصر على مسافة واحدة من جميع الأطراف، كما أن تأثير معالجة ذلك الخلاف بصورة ايجابية على القوى السياسية بما يضعهم أمام مسؤولياتهم التاريخية وأن تلك المسؤوليات يتحملها الجميع وليس مكون سياسي على وجه التحديد، فضلاً عن أن دعوة بعض القيادات الرسمية التي تتولى مناصب في الدولة السودانية لم تكن الدعوة على أساس تلك الصفة الرسمية ولكن على أساس صفتهم السياسية، مما يدلل على أن القاهرة عملت على الترتيب الجيد والحثيث للمؤتمر واستبقت الإعلان عنه بمشاورات موسعة مع الجميع مراعاة لذلك الانقسام السياسي الحاد ومعالجة التناقضات السياسية المتجذرة منذ استقلال الدولة عام 1956.

يمكن القول بأن المؤتمر سوف يشهد تشاوراً موسعاً على معالجة آثار الخلافات بين القوى السياسية التي ألقت بظلالها على المشهد قبل وبعد اندلاع الحرب وتوحيد الروىء بين الفرقاء، بما يدعم وحدة الصوت المدني ويعود بالقوى السياسية إلى تأثيرهم الحقيقي النابع من وحدتهم وتماسكهم في تحقيق الأهداف الوطنية بعيداً عن التجاذبات الداخلية والخارجية، مما قد يمهد الطريق لعملية سياسية في حال التوصل إلى قرار وقف إطلاق النار ووقف العدائيات بين العسكريين، وتثبيت قضايا وأسس الحل "السوداني -السوداني" بعيداً عن الصراعات الإقليمية والدولية، ودعم وحده وسياده السودان، وكذلك بحث كيفية وآلية وقف الحرب، ومراعاة مخاطر استمرارها في البلاد بهذه الوتيرة التي تسقط فيها مدن وعواصم ولايات مؤثرة على الوضع الاقتصادي والغذائي والأمني أيضاً، وبحث جهود إحلال السلام بآليات قابلة للتنفيذ، ومحاربة خطاب الكراهية والقبلية والعنصرية المتداول من قبل اندلاع الحرب وظهر جلياً في واقعها الراهن، وحشد الدعم الإقليمي والدولي يأتي في ظل الاهتمام المصري بضرورة تكثيف الاهتمام بالكارثة الإنسانية ووضع العالم أمام مسؤولياته بعدم تجاهل القضية السودانية وتأثيرها على أمن وسلامة الأقليم في ظل التدفق الملحوظ للمقاتلين من دول الجوار وانتشار السلاح بما يعزز مخاطر تكوين بؤر للمتطرفين والإرهابيين.

على كلً، أن الاختراق الذي أحرزه الدور المصري بالتقريب بين الأطراف السودانية ودعوتهم يأتي تتويجاً للجهود المستمرة منذ بداية الحرب، ويُعد نجاحاً للمؤتمر قبيل انطلاقه، ويعول أن يكلل هذا النجاح بخروج السودانيين برؤية موحدة تُخرج البلاد من براثن الحرب، وفي السياق نفسه، هذا يضع السودانيين أمام مسؤولياتهم التاريخية تجاه وطنهم، ومن ثم لابد من استغلال هذه الفرصة حتى لا تضيع في ظل تآكل فرص وآفق الحل.

samar_ahmed198@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • بالبرهان السودان في كف عفريت
  • مصائب الكيزان في بلاد السودان!
  • السودان: رسائل إلى المجتمعين في القاهرة
  • مؤتمر القاهرة.. تحرك حثيث لرأب الصدع في السودان
  • الإعلام ومآلات حسم الحرب في السودان
  • إسرائيل تدرس رد حماس بشأن صفقة الأسرى وإنهاء الحرب
  • منبر جدة.. هل تفلح الضغوط في إحداث اختراق؟
  • جيش الاحتلال يشتكي من نقص الذخائر ويريد هدنة في غزة
  • الدويري ..معارك غزة أحدثت ثورة في طريقة إدارة الصراعات المسلحة
  • سيحاصرك الموت غدا!!