د. شمس الدين خيال
مقدمة
كما هو معلوم لدي البشرية منذ الابد، أن الإنسان يمكن آن يتعلم من التاريخ، إذا توفرت عنده المعرفة والاستعداد للتعلم! وينطبق هذا الفهم علي ظاهرة الحروب بين الدول وبين ابناء الوطن الواحد.
بهدف المشاركة في النقاش حول كيفية وقوف الحرب الدائرة في السودان وإنهائها، تركز هذه الورقة علي ما استخلصته أبحاث السلام والصراع (peace and conflict research) من تجارب الحروب المختلفة في العالم من سيناريوهات أساسية لإيقافها وإنهائها.
1) السناريوهات الاساسية لإيقاف وانهاء الصراعات
من التجارب التاريخية للحروب بين دولتين او بين عدة دول -كما في الحربيين العالمتين- او داخل الدولة الواحدة بين المواطنين، تبلورت في تاريخ البشرية ثلاثة سناريوهات أساسية تقود الي إيقاف مؤقت أو الي أنهاء دائم للحرب:
1- الدبلوماسية السياسية
2- ضغوطات الانهيار الاقتصادي، أو، والانفجارات الشعبية السياسية العريضة والقوية
3- الانتصار العسكري لإحدى الفريقين المتحاربين على الآخر
ويعتبر السناريو الأخير هو الأكثر حدوثاً ووضوحاً في تاريخ البشرية، بينما يمهد مزيجا لهذه السناريوهات الثلاثة -كعوامل- في كثيرا من التجارب لإيقاف وانهاء الحرب بين الدول وبين ابناء الوطن الواحد. ومن الملاحظ في تاريخ الحروب أن هدف إنهاء الحرب عبر سناريو الانتصار على "العدو"، يظل هو المفضل والهدف المهم عند المتحاربين. ومن المفارقة، يزداد هذا التفضيل شدةً، كلما طالت فترة الحرب، وكلما ارتفعت كلفت الأرواح، وكلما أهدرت قيم مادية أكبر، وكلما وقفت الحرب حائلاً في طريق الرفاهية وإعادة البناء. تحت هذه الأوضاع الناتجة عن استمرارية الحرب، يزداد الاعتقاد بضرورة وشرعية الحرب، وأن التضحيات والتكلفة البشرية والمادية التي دفعت فيها، يجب أن لا تذهب سدي.
وتحت الاعتقاد في شرعية وبضرورة الحرب ينشأ إحساس عند المتحاربين بالمسؤولية لتحقيق العدالة، سواء ان كانت للضحايا أو بمفهوم استرداد الحق المسلوب، أو بمفهوم المحاسبة بسبب التمرد على السلطة السياسية، كما يحصل في الحروب بين السلطة المركزية والمجموعات السياسية المسلحة. ويمتزج مفهوم العدالة مع اطالة الحرب وارتفاع اعداد الضحايا بنزعات الثأر من "العدو". ومع تزايد نزعات الثأر يزداد علو القرع علي طبول الحرب، كما جاء في تصريحات الفريق البرهان، حينما قال "نحن لن نوقف هذه الحرب، فإما نحن أم هم، إما يبيدونا أو نبيدهم". وجاءت نتيجة هذا الخطاب مترجمة في الجريمة البشعة، التي نشرت على الملأ في فيديو يظهر فيه جنود الجيش السوداني وهم يحملون رأسين لشابين تم ذبحهم بشبهة الانتماء الى قوات الدعم السريع، وقبلها حادثة مقتل 11 شخصا في منطقة "تورطعان" في دارفور بتهمة اصطفاف قبيلتهم إلى أحد طرفي القتال، وحادثة قطع رؤوس 3 شبان مدنيين في مدينة الأبيض بولاية كردفان، أيضا بتهمة موالاة أحد طرفي القتال. ولا تقل بشاعةً عن هذه الاحداث، جرائم الحرب التي يرتكبها منسوبي قوات الدعم السريع في دارفور والجزيرة...الخ!
تحت اطالت أمد الحرب وتزايد اعداد الضحايا، وتصاعد خطاب الحقد والكراهية ونزعة الثأر يكتسب الاعتقاد في تحقيق رجحة لكفة الميزان في ميدان الحرب أو بتحقيق النصر على العدو شدةً أكثر، خصوصًا عندما تظهر آفاق جديدة للحصول على عتاد ودعم عسكري، سواء كان من الداخل أو الخارج. وفي العادة تتطور مثل هذه العقلية عند كل القيادات العسكرية للفرق المتحاربة، محدثة أتساع لدائرة الحرب ولإطالتها، والي خسائر بشرية واقتصادية واجتماعية أكبر، أو الي نتائج سياسية تنتهي بتقسيم البلاد، كما حصل في السودان بانفصال الجنوب. في حالة الحرب الجارية في السودان، تتحدث التقارير الواردة والموثقة عن انتهاكات وفظائع كبيرة لحقوق الإنسان، وخاصة ضد النساء والأطفال. حيث اعلن مكتب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في 23 فبرير الجاري، إن طرفي الحرب الأهلية في السودان ارتكبا انتهاكات قد تصل إلى حد جرائم حرب. ووثق محققو الأمم المتحدة، حتى الآن، 118 حادثة عنف جنسي ضد النساء والاطفال، ارتكب معظمها أفراد من قوات الدعم السريع.
وهناك أمثلة كثيرة في تاريخ الحروب المختلفة لمجري الصراعات المسلحة، ولطبيعة وتطور العقيدة العسكرية في المقدرة علي الانتصار في ساحة الحرب، ولما يرتبط بذلك من تزايد للخسائر البشرية والمادية وللتداعيات الانسانية، ولكل الأشكال الاساسية والممزوجة من السيناريوهات المذكورة اعلاه، لإيقاف وإنهاء الصراعات المسلحة بين الدول، وبين مواطنين الدولة الواحدة.
2- تجربة الحرب العالمية الاولي
البحث العلمي في تاريخ الحروب أوضح ان الحرب العالمية الأولي هي أكبر وأوضح مثالًا لمجري وافرازات الحروب التي أعقبتها. حيث تزايدت خلالها الاعتقادات والتوقعات والآمال والرغبات في الوصول الى انتصار عسكري، مع بداية كل هجوم، ومع كل دعم خارجي أو داخلي، ومع كل تورط لدول جديدة في الحرب، ومع كل إخفاق عسكري جديد. وذلك مع العلم، ان الامكانيات الدبلوماسية آنذاك كانت واردة لإيقاف وإنهاء الحرب. لكن، رغم ذلك، كان دائماً يتواجد، وفي وقت معين، طرفاً من الأطراف المشاركة له قناعة في مقدراته العسكرية للصمود أطول من الطرف الاخر وتحقيق النصر في ميدان الحرب، في أمل أن يكون النصر تبرير لكل الفقد في الأرواح والمال. واثبت امتداد الحرب العالمية الاولي الي أربعة أعوام، والفقد الهائل في الارواح (17 مليون، 10 مليون جندي و7 مليون مدني)، مدي اشكالية التقديرات الذاتية من قبل القادة العسكرين للقوي العسكرية لجيوشهم ولإمكانيات الانتصار على العدو، ولتوزيع فرص النجاح في الميدان.
هدنة القتال أو وقف اطلاق النار تكون دائماً موقتة ومعرضة للانتهاكات:
كثيرًا من الفاعلين والمراقبين للحروب المسلحة يقترحون هدنة للحرب عبر وقف للعمليات العسكرية كخطوة تمهد للوصول الي إنهاء الحرب. هذا الخيار يحمل عدة اشكاليات ويقود الي عدة إسالة:
كما هو معلوم، تؤدي هدنة الحرب دائماً الى إيقاف الحرب مؤقتاً. وكما في حالة الحرب القائمة في السودان، اتفق الطرفان على أكثر من هدنة في "منبر جدة"، الذي انطلق في مايو في العام الماضي، برعاية السعودية والولايات المتحدة، لكن لم يصمد بعض الهدن المتفق عليها، عدة ساعات، تحت يبادل طرفي النزاع الاتهامات بانتهاكها مراراً.
وكما هو مراقب، وكما في حالة الحرب الجارية في السودان، تعود الحروب الإسرائيلية/الفلسطينية، والاسرائيلية/اللبنانية، والحرب بين الحكومة الاثيوبية وجبهة التغراي، بعد انتهاء فترة الهدنة المؤقتة، دائما الى الاندلاع من جديد. في معظم الصراعات الجارية القائمة اليوم، تظل عملية البحث عن توافق علي الهدن العسكرية تظل دائماً الإسالة المهمة من غير إجابات. ومن أهم الاسالة التي يجب الإجابة عليها في أي عملية دبلوماسية لإيقاف وانهاء الصراعات، هي:
1- في ماذا يستفاد من الإيقاف المؤقت للحرب،
2- وما شكل الآفاق السياسية الواقعية المستقبلية لحل القضايا المسببة للحرب.
لكن، ورغم تعقيدات الصراعات المختلفة وطرق تسويتها، تظل المكاسب الانسانية، التي تنجم عن هدنة الحرب، والمتمثلة في وقف إهدار الدماء، ذات قيمة انسانية عظيمة. ويظل تحقيق الهدف الإنساني عبر الهدن العسكرية من أهم التحديات والواجبات للمجتمع المحلي والدولي، حتي ولو لم يكن هناك امكانيات لفعل ضغط سياسي (power political option) يؤدي الى إنهاء الحرب. وتأتي ضرورة فعل المجتمع المحلي والعالمي للضغط علي الفرق المتصارعة للتوافق علي ايقاف القتال مرتبطة بأمل ان تهمد الهدنة لطريق إنهاء دائماً للحرب.
كما زكر اعلاه تظل أهم اشكاليات اتفاقيات هدن الحرب من غير الإجابة علي الاسالة الاساسية لأسبابها، اندلاعها من جديد. علي سبيل المثال عرف تاريخ الحرب الاهلية في جنوب السودان مراحل وتنقلات عدة: من حرب الي هدنة حرب الي إنهاء للحرب والي سلام ثم الى حرب مجددا، انتهت بانفصال الجنوب في يونيو 2011. هذه التجربة وتجارب الشعوب الاخرى، مثل الحروب النابليونية من 1792 الي 1815، والحرب التي تلتها في أوربا، توضح المخاطر العسكرية والسياسية التي تكمن في هدنة الحرب أو تجميدها. وترتبط اندلاع الحروب بعد فترة هدن الاقتتال بإمكانية اعطاء مفاوضات وشروط الهدن العسكرية احد الأطراف المتحاربة مقدرات فعل حربي (act of war)، كما يحدث منذ 1948 في الحرب الاسرائيلية/الفلسطينية، أو كما حدث في مجري تاريخ الحرب الاهلية في جنوب السودان. كذلك، وكما حدث في الحرب العالمية الاولى بين ما سمي بالحلفاء (فرنسا، روسيا، بريطانيا، البرتقال ..الخ) بقيادة فرنسا ودول الوسط الأوربي (المانيا، النمسا-المجر، بلغاريا وتركيا) بقيادة المانيا. حيث تم، بعد أربعة أعوام من الحرب، وبعد هزيمة المانيا وحلفاؤها التوقيع على هدنة بموجب وقف اطلاق النار في 11 نوفمبر 1918. ولكن، وكما هو معلوم لم تعقب اتفاقية هدنة الحرب حلولًا سياسية لأسباب الحرب بموجب اتفاقية سلام، الأمر الذي جعل اندلاع حرب جديدة، الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1939، بعد 20 عاماً من الحرب العالمية الاولي، ممكناً.
في الحرب الحالية في السودان تهدف المجهودات الدبلوماسية التي ترعاها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، منذ مايو 2023، الي الوصول الي هدنة للقتال من اجل تسهيل الترتيبات الإنسانية وبناء ثقة بين الفريقين، تؤدي في آخر الطريق الي انهاء للحرب. وكانت قد فشلت نحو 14 هدنة العام الماضي تم التوافق عليها بين الفريقين في جدة. وبعد كل خرق لاتفاق وقف اطلاق النار، كان يأتي الانفجار للقتال أكثر توسعا وضراوة، بتفاقم لأعداد القتلة من الجانبين، وللضحايا المدنيين، وبتهجير متزايد للمواطنين، وبتدمير أكثر للبنية التحتية. وفي محاولة حديثة للوصول الي هدنة للقتال، ناشد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش عند احاطته لمجلس الامن، في 07.03.2024 عن الاوضاع في السودان، اطراف الصراع الي وقف الطلاق النار في شهر رمضان. ردا على مناشدة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لوقف الأعمال القتالية في السودان خلال شهر رمضان. وفي اليوم الثاني من هذا نداء، دعا مجلس الأمن إلى وقف فوري للقتال احتراما لشهر رمضان. وكانت وزارة خارجية "حكومة الأمر الواقع" قد ابدت قبولها للدخول في هدنة حرب اثناء شهر رمضان، ووضعت لذلك عن 4 شروط مسبقة، كانت جزء من المفوضات السابقة في منبر جدة. مقارنة بهذا الوضع في البحث عن امكانية لوقف الحرب في شهر رمضان ذو المعني الديني الكبير، جاءت تجربة هدنة القتال المشهورة في الحرب العالمية الاولي (Christmas Truce)، في عيد ميلاد المسيح في 24 ديسمبر 1914 وفي ايام العيد الاخرب، بشكل عفوي ومن غير توافق مسبق بين قيادات الجيوش المشاركة في الحرب.
3- تجميد الحروب – خطورتها
ظاهرة تجميد الصراعات الحدودية بين بلدين تأتي دائماً كحالة تجنب للحرب او هدنة لها. ويختلف هذا الوضع عن اتفاق لوقف الحرب، في أنه يأتي دائماً من غير ضرورة لتقديم تنازلات من أطراف الصراع. ومن امثال هذا النوع من مشاكل الصراعات الحدودية المجمدة، الصراعات المسلحة بين السودان وأثيوبية حول منطقة الفشقة، والتي تسيطر عليها ميليشيا إثيوبية، في منتصف عام 2021. بجانب المشكلة مع إثيوبيا، تتواجد ظاهرة تجميد المشاكل الحدودية ايضاً مع دولة جنوب السودان بخصوص منطقة ابيي ومع مصر علي منطقة "مثلث حلايب وشلاتين وأبي رماد". وتنذر كل هذه الحالات باندلاع عمل عسكري، إذا لم يتم التوصل الى حلول دبلوماسية يرتضي بها الطرفين. كذلك ينذر الصراع المسلح الجاري الآن في السودان، في حالة تجميده، الي عيش البلاد في حالة صراع دائم بحدوث سيناريو انتهاء الحرب الاهلية في الجنوب، مما يعني تقسيم ما تبقي من السودان الي "دويلات" تعيش في حالة صراع دائم علي الحدود.
نسبة لتوسع مساحة الحرب في السودان في مناطق متباعدة وضعف المقدرات العسكرية للفرقين للقيام بعمليات عسكرية في جبهات متباعدة وفي وقت واحد، يجعل حدوث تجميد للحرب أمرا ممكننا. وتكمن خطورة تجميد الحرب الدائرة في السودان تحت وضع سيطرة قوات الدعم السريع على مقار الجيش السوداني في أربع ولايات من ولايات إقليم دارفور الخمس، وفي مدني عاصمة ولاية الجزيرة وعلي جزء كبير من ولاية الخرطوم في خلق وضع مشابه لحالة الحرب في المناطق التي تقع منذ سنين تحت سيطرة الحركة الشعبية/شمال بقيادة عبد العزيز الحلو في جنوب كردفان وجبال النوبة ومنطقة جبل مرة التي تقع تحت سيطرة حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور. بموجب هذا السناريو في حالة تجميد الحرب يصبح تسارع انهيار ما تبقي من الدولة السودانية وتتقوي عملية تحولها الي "دويلات" متحاربة، ممكننا.
كذلك، ونسبة لما هو معاش من تفلة لمنتسبي الفريقين، سوف يؤدي تجميد الحرب الي تزايد لحالة فقد سيطرة تنظيمات الجيشين المتحاربين علي افرادها في ميادين القتال المتباعدة، خصوصاً في المناطق السكنية، وتتزايد بذلك الممارسات البشعة في التعامل مع الجانب الآخر ومع المواطنين، كما يحدث الآن في دارفور والجزيرة، أو حادثة قطع الرؤوس. وتتحدث اليوم بعض منظمات المجتمع المدني وتقارير المنظمات العالمية والاممية عن عمليات نهب مسلح واغتصاب واختطاف للنساء للشباب الزكور بغرض الابتزاز وطلب الفدية أو التجنيد الإجباري من قبل قوات الدعم السريع والمليشيات القبلية المتحالفة معها. خصوصاً وجود القواعد العسكرية للجيش، وللدعم السريع، وسط المدن، يزيد من خطورة تمادي الاعتداء على المنازل، والاعتداء على النساء خاصة. كذلك يتوقع في حالة تجميد الحرب تكثيف – أكثر مما حدث منذ اندلاع الحرب- استخدام القوات المسلحة المنع المتعمد لإيصال المساعدات الإنسانية من غذاء دواء...عبر وكالات الإغاثة الي مناطق الخصم، كسلاح في الحرب، كما جرى في حرب نظام الإنقاذ الإسلاموي ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان في الجنوب وجبال النوبة والانقسنا. وقد يؤدي وضع التجميد للحرب الي تدمير كامل للبنية التحتية وللورثة التاريخية والثقافية للبلاد!
كذلك يصعب تجميد الصراعات المسلحة سواء أن كانت لها اسباب سياسية أو بسبب اختلاف حول مجري الحدود بين دولتين، التواصل الي حلول دبلوماسية، تتطلب تنازلات من الجانبين. وذلك لأن تجميد الصراعات يثبت الوضع والهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة المسيطرة عليها إحدى الفريقين. وغالبا ما ترتبط بالهياكل الناشاءه عن التجميد للصراعات -ومع اطالة فترة التجميد،- نشؤ وتتثبت لمصالح سياسية واقتصادية فردية وجماعية، تصعب الوصول الي حلول دبلوماسية تتطلب تنازلات من الجانبين. وتمثل الحرب الجارية الآن في السودان خير مثال للمخاطر التي توجه أي عملية سياسية تهدف للتغيير في هياكل سياسية واقتصادية وعسكرية خلقت من قبل نظام دكتاتوري شمولي بهدف التمكين السياسي والاقتصادي. في هذه الحالة تصبح الحلول السياسية للصراعات أكثر صعوبة عندما تلتقي المصالح الفردية والجماعية الداخلية بمصالح دول خارجية، تري في أي تغيير للأوضاع والهياكل القائمة خطورة علي مصالحها، سواء أن كانت مصالح جيوسياسية أو اقتصادية، كما في طبيعة الصراع المستمر في السودان منذ سقوط نظام الإنقاذ!
في الجزء الثاني، والاخير من هذا الرصد المبسط لسناريوهات ايقاف وانهاء الصراعات، سوف يتم، وايضا باختصار شديد، تناول طبيعة الحرب الحالية في السودان وفرص ايقافها وانهائها.
المانيا، في 09.03.2024
shamis.khayal@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الصراعات المسلحة تجمید الحرب إنهاء الحرب هدنة الحرب فی السودان حالة الحرب شهر رمضان فی تاریخ فی الحرب فی حالة حرب الی کما هو کما فی من غیر
إقرأ أيضاً:
مستقبل القبائل العربية بعد هزيمة الدعم السريع في السودان
بعد الانتصارات الساحقة للجيش السوداني على قوات الدعم السريع في ولايات السودان المختلفة وفي مناطق العمليات خلال الأيام الماضية، وبعدما تراءى للأعين انهيار التمرد وفشل مشروعه السياسي والعسكري، ووقوف الحرب على الحافة، تتمدد الآن حالة من القلق والخوف والهواجس، من تداعيات وآثار الحرب ونكالها على القبائل العربية التي تتواجد في الامتداد الجغرافي العريض من غرب السودان ما بين حدود نهر النيل شرقًا، حتى ساحل المحيط الأطلسي في غرب أفريقيا.
عُرف هذا الفضاء الجغرافي خلال القرون الماضية، التي شهدت الكشوف الجغرافية الأوروبية، ومن قبلها الرحالة العرب، بما اصطلح عليه الجغرافيون والمؤرخون حتى بداية العصر الحديث، وهو مسمى السودان الغربي والسودان الأوسط، الذي يشمل حاليًا دول أفريقيا جنوب الصحراء، وخاصة دول حوضي نهري النيجر والسنغال وبحيرة تشاد وما حولها، ما بات يعرف حديثًا بدول الساحل.
ولا يتجادل اثنان في أن حرب السودان زاد من تعقيدها إضرام الجهات الخارجية، النار في البيئة الاجتماعية شديدة التداخل والترابط، التي تتقاسمها تسع دول في المنطقة، ولم تكن هذه الجهات الخارجية تدرك خطورة الاختلال السياسي والاجتماعي الذي سيحدث، وأي عاصفة من الخبال تجتاح مع هذه الحرب مجتمعات ودول أفريقيا جنوب الصحراء.
إعلانظلت القبائل العربية في هذا الجزء العريض الطويل من القارة الأفريقية، تحمل همها التاريخي، وهي تعيش على هامش الحياة السياسية وبعيدة عن مركز السلطة كغيرها من القبائل الصحراوية، يراودها حلمها بسبب تفاعلات السياسة الجارية منذ ستينيات القرن الماضي.
تعاظم ذلك مع بروز قوات الدعم السريع في السودان، وظن بعض أبناء القبائل العربية في هذه المنطقة الشاسعة أنهم وجدوا ضالتهم فيها للسيطرة على الدولة السودانية ثم الانطلاق غربًا، وأدرك بعض العاقلين منهم أن الدعم السريع، مشروع سياسي عسكري طائش، خائب المسعى، مهيض الجناح، لا يمتلك مقومات البقاء.
لكن مع ذلك ساندته بعض الأصوات من النخب والقيادات القبلية، ونهضت هذه المجموعات يحركها التاريخ، وتدفعها بقوة عوامل الجغرافيا، مناصرة للتمرد في السودان، على مظنة أن مسار التاريخ سيتغير، دون أن يخضع ذلك لمعادلات حركة التاريخ الطبيعية.
بعض العاقلين من متعلمي القبائل العربية في غرب السودان؛ والسودانين: الغربي والأوسط، يعلمون أن مشروع الدعم السريع وحربها الحالية، لا يمت بصلة عضوية متطابقة بالكامل مع تطلعات القبائل عقب حصول بلدان المنطقة على الاستقلال، لكنه ربما أثار ثائرة العاطفة وأوقد نارًا في النفوس وفق المعطيات الظرفية لكل دولة في الإقليم.
وظلت هذه الأطياف المتنوعة من المثقفين والسياسيين والقيادات ذوي الأصول العربية يخطون خطوات جادة وحثيثة للتعبير عن دور يتناغم مع تفاعلاتهم السياسية في السياقات المتطورة في بلدانهم، من أجل المشاركة السياسية التي تليق بهم، وتحويل مجتمعاتهم الرعوية إلى مجتمعات مستقرة وآمنة، والمساهمة بجهد فاعل في بناء أوطانهم، وهم بلا شك كانوا جزءًا من الحركات التحررية وروّاد الاستقلال، وفي قلب حركة النضال المدني والعسكري خلال ستة عقود منصرمة في أقطارهم.
إعلانوعلى ضوء التطورات الاجتماعية والسياسية، ومنتج التنمية الاجتماعية ومعدلاتها، نما حلم القبائل العربية في هذا الفضاء الواسع، لكنها لم تخطط لمشروع سياسي أو تسعى لصراع سلطوي مسلح، وهي موحدة أو متعاونة أو وهي منفردة، وذلك عدا تجارب الحركات المسلحة في تشاد منذ العام 1965، عندما ثار الشعب ضد حكم الرئيس فرانسوا تمبلباي وتم تكوين حركة فرولينا، وكان عرب تشاد في الواجهة ومن الآباء المؤسسين، ويومها سارعت القبائل العربية إلى الاندماج مع غيرها من القبائل، وعملت على تأسيس حركات وتنظيمات سياسية مسلحة، يسري عليها ما يصيب الجميع دون الاستفراد بمشروع أحادي العرق.
عندما صعد نجم الدعم السريع عقب مشاركتها في حرب اليمن وعاصفة الحزم، بالتحديد في 2017، وبدعم من دولة إقليمية، حدث أول لقاء سري لقيادتها مع الموساد الإسرائيلي، تم فيه رسم مخطط كانت فيه المصالح الإسرائيلية واضحة وتمت مخاطبة أطماع ومصالح وتطلعات قيادة الدعم السريع.
في ذات الوقت، كانت مجموعات من عرب تشاد وقليل منهم من جنوب ليبيا وبعض أبناء القبائل العربية في شمال غرب أفريقيا الوسطى، قد تم تجنيدهم لصالح الدعم السريع، وتم نقلهم للمشاركة في حرب اليمن، وقدر عددهم في ذلك الوقت حتى العام 2019، ما يقارب أحد عشر ألفًا من المجندين، وزاد العدد بنسبة تجاوزت 400% بعد ذهاب نظام الرئيس عمر البشير، ووجدت قيادة الدعم السريع الطريق ممهدًا والأموال متدفقة لتتم أكبر عملية تجنيد في القارة الأفريقية من أجل صناعة جيش موازٍ للجيش السوداني، وتكوين النسخة الأفرو-عربية من شركة فاغنر الروسية.
غداة انطلاقة الحرب كانت لدى الدعم السريع ما يزيد عن (120.000) جندي شاركوا في محاولة الانقلاب والسيطرة على الدولة وبدأت بهم الحرب، يمثل الأجانب منهم (45%)، وهم مرتزقة من تشاد، والنيجر، ومالي، وجنوب ليبيا، وأطراف من أفريقيا الوسطى، وشرق نيجيريا، والكاميرون، وبوركينا فاسو، وجنوب الجزائر، بالإضافة إلى مرتزقة من جنسيات أخرى، ويمثل العرب 70% من هذا الوجود الأجنبي داخل قوات الدعم السريع.
إعلانونظرًا لوجود القبائل المشتركة بين السودان، وتشاد، والنيجر، ونيجيريا، ومالي، وليبيا، وجنوب الجزائر، والسنغال، وموريتانيا، التحقت مجموعات منها مع أبناء عمومتهم بالسودان في قبائلهم المشتركة، وهي: (الرزيقات، والمسيرية، والحوازمة، والتعايشة، والحيماد، والبني هلبة، والهبانية، والسلامات، وأولاد راشد، وخزام، والبراريش، وأولاد سليمان، والمحاميد، والحسانية، والجعفريين)، بجانب قبائل أخرى غير عربية تعيش نفس الأوضاع السياسية والاجتماعية: (الطوارق، الفولاني، التبو، القرعان، الزغاوة، والبديات).
تجنيد أبناء القبائل العربية في غرب السودان وجواره الأفريقي لصالح الدعم السريع، تم لفئات الشباب من الأعمار بين (14 سنة – 45 سنة) كمقاتلين، وشاركت الفئات الأكبر سنًا في مهام دعائية وفي عمليات التجنيد والاستقطاب، ونشط في ذلك زعماء القبائل ورموزها وقادتها، وتم توظيف عدد هائل من الناشطين والمتعلمين لصالح الدعاية السوداء التي اعتمدتها الدعم السريع في حربها.
مع توريط الدعم السريع لقبائل عرب غرب السودان ودول الساحل في الحرب، واستخدام أساليب الترغيب والترهيب في إغراء القيادات والزعامات القبلية وتوظيفها في عمليات الاستنفار والتجنيد وجرجرة شباب القبائل للانضمام لمشروع الدعم السريع، انساق البعض وراء ذلك، وعبر كثير منهم عن مخاوفهم من الارتدادات العكسية لهذا المشروع، وكانت لديهم تحفظات واضحة على هذا المشروع، ومنهم الرئيس النيجري السابق محمد بازوم، والسيد محمد صالح النظيف وزير خارجية تشاد السابق، وعدد من القيادات في دول الإقليم الملتهب.
وليس من باب التهويل، أن تيارًا في منطقة الساحل ودوائر رسمية واستخبارية غربية، لم تزل تنظر إلى النتائج والمحصلة الإستراتيجية لحرب السودان، وأهمها التوازنات السياسية والسكانية في هذه البلدان، لا سيما تشاد، والنيجر المرتبطتين بالسودان، وليبيا وهي منطقة هادرة الثقافة العربية والإسلامية ومصدرة لهما إلى أفريقيا جنوب الصحراء.
إعلانفإن كانت هناك مصلحة في استنزاف المورد البشري لعرب المنطقة وتقليل فاعليتهم بسبب الحرب المجنونة التي شنتها الدعم السريع في السودان واستقطبت لها جل العناصر المقاتلة في هذه الدول، فإن هذا المشروع الاستنزافي قد نجح.
في السودان وحده بلغت خسائر قبيلة الرزيقات التي ينتمي لها قادة الدعم السريع عشرات الألوف من الشباب قد تصل إلى 45 ألفًا في ولايات دارفور الخمس، بينما خسرت قبيلتا المسيرية والحوازمة وهما من أكبر قبائل كردفان ودارفور العربية ما يقارب العشرين ألفًا من شبابها، بينما خسرت قبائل البني هلبة والتعايشة والهبانية والفلاتة والسلامات والزيادية وقبائل أخرى بضعة آلاف في معارك الخرطوم وولاية الجزيرة ومعارك كردفان ودارفور وخاصة مدينة الفاشر.
وتقول حركات معارضة تشادية ينتمي جلها للعنصر العربي إن عددًا من قياداتها ورموزها وشبابها قد قتلوا في حرب السودان، عندما تدافعوا بالآلاف للالتحاق بقوات الدعم السريع، كذلك الحال لقبائل عربية في النيجر وجنوب ليبيا وأفريقيا الوسطى.
الصحيح دائمًا أن القبائل لا تتحمل جريرة ما قامت به مليشيا الدعم السريع، لكن مع ذلك تواجه هذه القبائل في السودان، أو دول السودانَين الغربي والأوسط، تهمًا قاسية بولوغ أبنائها في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها مليشيا الدعم السريع، فضلًا عن عمليات النهب والسرقة لممتلكات السودانيين من سيارات وأموال ومصوغات ذهبية ومعدات وأثاث وأجهزة وأدوات مختلفة، وكل هذه المنهوبات تتواجد في أسواق غرب السودان ودول المنطقة المختلفة.
لكن الأثر الأبرز هو حالة العداء والضغائن والإحن التي تعتصر القلوب في داخل السودان، وعودة النعرات القبلية والرغبة في التشفي لدى شرائح مختلفة في المجتمع السوداني، وربما تكون هناك مخاوف وحذر بالغ لدى دول الساحل التي ترى في القبائل العربية خطرًا ماحقًا لا بد من لجمه، خاصة إذا امتلكت هذه القبائل السلاح والمال والدربة على القتال، وسرت فيها عدوى الدعم السريع، ورغبت في الاستيلاء على السلطة في بلدانها.
إعلانفي حالة السودان تحتاج القبائل العربية بغرب السودان بعد نهاية هذه الحرب أو قبلها، إلى الشروع في حوارات تصالحية عميقة مع قبائل السودان المختلفة، لكبح جماح ما يعتمل في النفوس من غل وغضب، وهي اليوم أحوج ما تكون لبناء الثقة من جديد، وأن تنفي عن نفسها ما جرى باسمها، وتتبرأ من جرائم الدعم السريع، وتنبذ الشعارات وخطاب الكراهية المتشح بالهمجية والغلو والتطرف، وتحركه سموم النظرة العرقية الضيقة والغبن الاجتماعي، ويستهدف قبائل بعينها في مناطق السودان المختلفة، ويدعو لتدمير وتخريب السودان وأعمدة بنائه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وتمزيق نسيجه القائم وتجربته التاريخية وتدمير البنية التحتية للدولة.
وواضح وفقًا لمجريات الحرب أنها ستنتهي بهزيمة قوات الدعم السريع، وخروج قيادتها من المشهد العام، ومطاردة قادتها ورموزها والمتعاونين معها. ينبغي مع نشوء حالة من التوجس والحساسية البالغة تجاه حواضنها الاجتماعية، أن تُطرح أفكار وخطوات تقود لمصالحة وطنية شاملة، وذلك إن توفر الرشد السياسي والاجتماعي لدى الجميع، لأن الأثمان المنتظرة لا بد باهظة وواجبة السداد، بحجم ما ارتُكب من جرم في حق السودانيين جميعًا.
لذلك كله، فإن مستقبل هذه القبائل على المحك، إذا انتهت الحرب دون رؤية متكاملة للدولة والمجتمع، فالفرص التي كانت متاحة للاندماج الاجتماعي وتذويب القبليات والعرقيات تلاشت نوعًا ما، وباتت بعيدة المنال، وتحصد الدعم السريع الهشيم لأنها لطخت سمعة هذه القبائل، ودمرت مستقبلها عندما حصدت حربها عشرات الآلاف من شبابها، وجعلتها في قفص الاتهام.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية