رصيف غزة العائم.. لماذا يُقدم بايدن على هذه الخطوة؟
تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT
واشنطن- وسط تضاؤل الآمال في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإطلاق سراح المحتجزين قبل بداية شهر رمضان المبارك، أمر الرئيس الأميركي جو بايدن جيشه ببناء رصيف عائم وجسر مؤقتين على ساحل غزة على البحر المتوسط لفتح طريق جديد لتقديم المساعدات الإنسانية.
وجاء قرار بايدن الرسمي في خطابه المهم عن حالة الاتحاد يوم الخميس الماضي، مدفوعا بالتدهور السريع في الأزمة الإنسانية بقطاع غزة، والتي يقترب معها مئات آلاف الأبرياء من حافة الموت جوعا.
وأثار قراره أسئلة واندهاشا، إذ لا يزال بايدن ملتزما بتوفير كل ما تحتاجه إسرائيل من أسلحة وذخائر بما يمكنها من الاستمرار في عدوانها، إضافة إلى رفضه الدعوة إلى وقف كامل لإطلاق النار.
مراوغةوخلال الأسابيع الأخيرة، لجأت إدارة بايدن إلى توفير قدر ضئيل من المساعدات الغذائية عبر إسقاطها جوا بعد رفض إسرائيل إدخالها عن طريق 6 معابر برية تربط قطاع غزة بالعالم الخارجي، منها معبر رفح مع مصر، والبقية مع إسرائيل.
واعتبر معلقون ممن تحدثت إليهم الجزيرة نت أن ما يقوم به بايدن ما هي إلا محاولة جديدة للمراوغة في سعيه لإيجاد توازن في حرب غير متوازنة في الشرق الأوسط. كما يكرر بايدن أنه "أول رئيس صهيوني للولايات المتحدة" بدعمه الكامل وغير المشروط لإسرائيل، إلى جانب أنها حسابات سياسية انتخابية داخلية يخشى معها بايدن أن تُكلفه فرصة البقاء في البيت الأبيض 4 سنوات جديدة.
وتشير شواهد عديدة إلى أن بايدن أصبح محبطا بشكل متزايد من تحدي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمناشداته لبذل المزيد من الجهد لحماية المدنيين في غزة، لكنه لا يزال يعارض وقف إمداد إسرائيل بالذخائر أو استغلال اعتمادها الكامل على الولايات المتحدة للتأثير على مسار القتال.
وقال آرون ديفيد ميلر، الخبير بمؤسسة "كارنيغي للسلام الدولي" والمفاوض الأميركي السابق في مفاوضات سلام الشرق الأوسط، في تغريدة على منصة إكس إن "الحكومة الإسرائيلية غير راغبة وغير قادرة على تيسير وصول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة نتيجة لحسابات سياسة داخلية، وهم لا يكترثون لمعاناة المدنيين الفلسطينيين ولا بما يتعلق بمستقبل غزة".
أما النائب الديمقراطي من كاليفورنيا رو خانا، فقال في مقابلة في اليوم التالي لإلقاء بايدن خطابه إنه "لا يمكن أن يكون لديك سياسة تقديم المساعدات وإعطاء إسرائيل الأسلحة لقصف شاحنات الطعام في الوقت نفسه".
وأضاف "هناك تناقض متأصل في ذلك، وأعتقد أن الإدارة بحاجة إلى التوفيق بين التعاطف الحقيقي والاهتمام الأخلاقي الذي ظهر الليلة الماضية على حياة المدنيين الفلسطينيين مع المساءلة الحقيقية لنتنياهو والحكومة اليمينية المتطرفة هناك".
فشلوكان المتحدث الرسمي باسم البنتاغون بات رايدر قد قال إنه لن تكون هناك قوات أميركية على الأرض في غزة، لكن الجيش الأميركي سيساعد في بناء رصيف وجسر لنقل المساعدات. وأوضح أن بناء الممر سيستغرق حوالي 60 يوما، ولكن بمجرد وضعه، يُتوقع أن يكون قادرا على توفير قرابة مليوني وجبة يوميا.
وغرد مدير برنامج فلسطين بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن خالد الجندي قائلا إنه "في غضون 60 يوما، سيموت آلاف آخرون بسبب الجوع والمرض. سيكون الرد الأكثر منطقية وفعالية هو مطالبة إسرائيل، التي تعتمد كليا على الأسلحة والدعم الأميركي، بالتوقف عن منع دخول المساعدات وفتح المعابر البرية الستة إلى غزة على الفور".
من جهتها، أشارت خبيرة الشؤون الدولية آسال راد إلى أن إدخال أي مساعدات إلى غزة مرحب به، بسبب الوضع الإنساني الكارثي الذي يتضور فيه الأطفال جوعا حتى الموت. ومع ذلك، فشلت إدارة بايدن في الاعتراف بمسؤولية إسرائيل عن الأزمة الحالية وحقيقة أنها تستخدم التجويع كسلاح حرب مثلما لاحظت منظمة هيومن رايتس ووتش وخبراء آخرون.
وقالت للجزيرة نت إنه من الغريب أيضا أن تلجأ الولايات المتحدة إلى مثل هذه الطرق الخطيرة لتقديم المساعدات، والتي عادة ما يتم حجزها كملاذ أخير عند التعامل مع الدول المعادية، وليس مع دول حليفة مثل إسرائيل، وإنه انعكاس آخر لقدرتها على الإفلات من العقاب، وعدم اتخاذ إدارة بايدن أي خطوات لمحاسبتها على أفعالها.
واستبعد المعلقون أن تقدم واشنطن على طرح خطوة بناء رصيف مائي مؤقت دون التنسيق المسبق مع إسرائيل.
فقدان ثقة الشبابوفي حديث مع الجزيرة نت، أشار ولفغانغ بوستزتاي، الدبلوماسي السابق وخبير الشؤون الدولية، إلى أنه سيكون مدهشا جدا لو لم يُبلغ بايدن نتنياهو قبل أن يدلي بهذا التصريح في خطاب حالة الاتحاد.
وأشار إلى اعتقاده أن الإسرائيليين لن يتجرؤوا على إفساد خطط بايدن، لكنهم سيصرون على نوع من الفحوصات الأمنية لمنع تهريب الأسلحة إلى حماس.
وفي تصريح للجزيرة نت، لفت السفير ديفيد ماك، مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، والذي سبق له العمل في قنصلية بلاده بالقدس، إلى أهمية إعلان بايدن، واعتبر أن الرصيف البحري وسيلة أكثر فعالية لتقديم المساعدات الإنسانية مقارنة بعمليات الإسقاط الجوي الذي لا يساعد إلا نسبة ضئيلة من سكان غزة.
وأكد أن الإسرائيليين سيتخلون عن القليل من السيطرة نسبيا، وهم يصدون الانتقادات الأميركية والدولية لموقفهم القاسي تجاه سكان غزة الذين هم في أمس الحاجة إلى المساعدات.
من جانبها، انتقدت راد موافقة إدارة بايدن على قيام إسرائيل بفحص أمني وعمليات تفتيش بما يعني مخاوفها من أن تقدّم الولايات المتحدة مساعدات مشكوك فيها. مما سيؤدي إلى إبطاء تسليم المساعدات، "وهو ما دأبت إسرائيل على القيام به منذ أشهر على جميع المساعدات التي تصل إلى غزة".
وتشير استطلاعات رأي مختلفة إلى أن أغلبية تقدر بثلثي أعداد الأميركيين تريد وقف القتال فورا في غزة، وترتفع النسبة لتتخطى 80% بين الديمقراطيين.
واعتبر بوستزتاي أن استطلاعات الرأي الحالية حول الانتخابات الرئاسية الأميركية ليست مواتية للغاية بالنسبة لبايدن الذي يحتاج بشكل خاص إلى مزيد من الدعم بين الشباب الأميركي، حيث ينتقد العديد منهم -بشدة- سياسته تجاه إسرائيل، وهذا التحرك يعد خطوة واحدة لاستعادتهم.
وقالت راد إنه رغم الضغط الداخلي على الرئيس بايدن من أجل التحرك، فإن هذه الإعلانات والإجراءات ما هي إلا عملية علاقات عامة بالنظر إلى أن الإدارة تواصل بلا توقف توفير المال والأسلحة لإسرائيل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الشرق الأوسط إدارة بایدن إلى غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
لماذا يحاول بايدن استفزاز بوتين قبل مغادرته البيت الأبيض؟
واشنطن- بعد أكثر من عامين ونصف من الحرب الروسية الأوكرانية، وافقت إدارة الرئيس جو بايدن على منح أوكرانيا الضوء الأخضر لاستخدام الصواريخ التكتيكية الأميركية الصنع من طراز "أتاكمز" (ATACMS)، لشن ضربات داخل العمق الروسي.
ورفض البيت الأبيض على مدار أكثر من 30 شهرا الموافقة على طلب أوكرانيا شن ضربات داخل العمق الروسي بأسلحة أميركية، خشية أن يكون ذلك تصعيدا.
جدير بالذكر أن أوكرانيا قدمت طلبات لاستخدام نظم المدفعية من طراز "هيمارس" (HIMARS)، ودبابات أبرامز، ومقاتلات "إف 16″، ورفضت إدارة بايدن وراوغت، ثم وافقت في وقت لاحق.
View this post on InstagramA post shared by الجزيرة (@aljazeera)
وفي حديث للجزيرة نت، أكد خبير السياسة الخارجية الأميركية بجامعة "دارتموث" البروفيسور وليام وولفورث أن "قرار الإدارة يبدو معقولا بالنظر إلى أن روسيا تتقدم في العديد من جبهات القتال الرئيسية، ويقال إنها تستعد لهجوم مضاد في مناطق كورسك أوبلاست. وما لم تتمكن أوكرانيا على الأقل من الوصول إلى نقطة تعادل في القتال من خلال وقف الهجمات الروسية، فإن الدخول في مفاوضات من أي نوع سيكون كارثيا على كييف".
وأشار وولفورث إلى أن "مسؤولي إدارة بايدن رأوا تخفيف قيود استخدام أوكرانيا لصواريخ أتاكمز كرد على انتشار قوات كوريا الشمالية في ساحة القتال بمنطقة كورسك".
وأضاف أن التحليلات العسكرية الواردة من أوكرانيا تشير إلى أن "الوضع ليس جيدا، وأنه إذا أرادت الولايات المتحدة الحدّ من الخطر الحقيقي المتمثل في حدوث تحول دراماتيكي نحو الأسوأ، فقد تحتاج إلى بذل مزيد من الجهد قبل يناير/كانون الثاني المقبل، ويبدو أنها فعلت ذلك الآن".
ترحيب مبكر من الكونغرسفي مقابلة مع وسائل إعلام أوكرانية يوم الجمعة الماضي، قال الرئيس فولوديمير زيلينسكي إن كييف ترغب في إنهاء الحرب مع روسيا العام المقبل من خلال "الوسائل الدبلوماسية".
وتابع أنه متأكد من أن الحرب ستنتهي "في وقت أقرب" مما كانت ستنتهي عليه بمجرد أن يصبح دونالد ترامب رئيسا، "من المؤكد أن الحرب ستنتهي عاجلا مع سياسات الفريق الذي سيقود البيت الأبيض الآن. هذا هو نهجهم، ووعدهم لمواطنيهم".
وطالما حث أعضاء من كلا الحزبين في الكونغرس بايدن على تخفيف القواعد المتعلقة بكيفية استخدام أوكرانيا للأسلحة التي توفرها الولايات المتحدة.
Ukraine can’t properly defend itself if one hand is tied behind its back. Today’s news that the Biden Administration is finally allowing Ukraine to use some U.S.-provided ATACMS to strike limited targets within Russian territory is long overdue. For months, I have called on… https://t.co/Ld5SdbmYPE
— US Rep. Mike Turner (@RepMikeTurner) November 17, 2024
ورحب مايك تيرنر، النائب الجمهوري من ولاية أوهايو، ورئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب بهذه الأنباء.
وغرد تيرنر على منصة إكس قائلا "لا تستطيع أوكرانيا الدفاع عن نفسها بشكل صحيح إذا كانت إحدى يديها مقيدة خلف ظهرها. إن أخبار اليوم بأن إدارة بايدن تسمح أخيرا لأوكرانيا باستخدام بعض صواريخ أتاكمز التي توفرها الولايات المتحدة لضرب أهداف محدودة داخل الأراضي الروسية طال انتظارها، فمنذ أشهر اتصلت بالرئيس بايدن في محاولة لإزالة هذه القيود. كان على الرئيس بايدن الاستماع إلى مناشدات الرئيس زيلينسكي قبل ذلك بكثير".
وأضاف النائب الجمهوري "يواصل الرئيس بايدن فرض قيود على أوكرانيا تمنع الأوكرانيين من الدفاع عن أنفسهم، ويمنع ذلك الصراع من الانتهاء. هذه الخطوة الأولى ستضغط على فلاديمير بوتين مع عودة الرئيس المنتخب ترامب إلى البيت الأبيض للعمل على إنهاء هذه الحرب".
Biden’s decision to lift restrictions on Ukraine’s use of ATACMS in Russia is long-awaited progress. But it’s critical that authorized targets include Russian oil refineries, which pump out the lifeblood of the Kremlin’s war machine. pic.twitter.com/PufO7CF1a4
— Rep. Jake Auchincloss ???? (@RepAuchincloss) November 17, 2024
أما النائب الديمقراطي من ولاية ماساتشوستس جيك أوشينكلوس فقد طالب بضرب مصافي النفط الروسية، وغرد قائلا "قرار بايدن برفع القيود المفروضة على استخدام أوكرانيا صواريخ أتاكمز في روسيا هو تقدم طال انتظاره. لكن من الأهمية بمكان أن تشمل الأهداف المصرح بها مصافي النفط الروسية التي تضخ الأموال والموارد لآلة حرب الكرملين".
جدير بالذكر أن إجمالي المساعدات الأميركية لأوكرانيا منذ بداية الحرب في فبراير/شباط 2022 بلغ أكثر من 60 مليار دولار، وتواصل الولايات المتحدة توفير التدريب والدعم اللوجستي والاستخباراتي لأوكرانيا.
ووفقا لوزارة الدفاع، ومنذ عام 2022، دربت واشنطن والدول الحليفة لها أكثر من 123 ألف جندي من القوات الأوكرانية، ولكن قيمة تلك العملية لم تظهر في ساحات القتال مع استمرار التقدم الروسي.
تعقيد مهمة ترامبومع فوز ترامب بالانتخاب الرئاسية، سارعت إدارة بايدن لتقديم مزيد من حزم أسلحة لأوكرانيا، وجاءت خطوة إعطاء الضوء الأخضر لضرب أهداف في العمق الروسي معرقلة لتصور الرئيس المنتخب ترامب لحل الصراع.
وكان نائب ترامب جيه دي فانس قد طرح رؤية تتضمن تجميد الصراع عند الحدود والخطوط الحالية، وإجبار أوكرانيا على أن تتحول إلى دولة محايدة مع تعهدها بعدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).
في الوقت ذاته، يكرر ترامب، الذي تجمعه علاقات جيدة بالرئيس الروسي، انتقاد طلبات الرئيس زيلينسكي للحصول على مساعدات أميركية إضافية، قائلا "إنها لا تنتهي أبدا".
وخلال حملته الانتخابية، وعد ترامب بإنهاء الحرب "في غضون 24 ساعة"، ولم يوفر أي إشارات عن تفاصيل خطته للسلام، إلا أن خطوة إدارة بايدن تعقد ما تصوره ترامب من مهمة في متناول يديه، ويبدو الآن أنه سيرث وضعا أكثر تعقيدا مما يتصور.