الأوضاع الإنسانية وصمت العالم.. حقائق الواقع وسيناريوهات المستقبل 8 (1-3)
تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT
فى السادس عشر من نوفمبر 2023 وجَّه عبد الملك الحوثى (زعيم جماعة الحوثيين فى اليمن) خطابًا تصعيديًّا تجاه إسرائيل أكد فيه انتقاله من التهديد بالصواريخ والطائرات المسيَّرة ضد ميناء إيلات إلى التهديد باستهدف السفن الإسرائيلية فى البحر الأحمر.
وأمام ترتب الأحداث فى البحر الأحمر، قال الجيش الإسرائيلي: إن طائرات مقاتلة قصفت منزل رئيس حركة حماس إسماعيل هنية، حيث زعم نتنياهو أن منزل هنية استُخدم كبنية تحتية (إرهابية)، وكثيرًا ما كان بمثابة نقطة التقاء لكبار قادة حماس لتوجيه الهجمات ضد المدنيين الإسرائيليين وجنود الجيش الإسرائيلي(1).
وفى هذا اليوم تم قطع الاتصالات والإنترنت بالكامل على غزة، حيث أكد المفوض العام لوكالة غوث اللاجئين (أونروا) أن قطاع غزة يعانى مرة أخرى من انقطاع تام للاتصالات، وهذا بسبب عدم توافر الوقود(2).
وكان «فولكر تورك» (مفوض الأمم المتحدة السامى لحقوق الإنسان) أعلن اليوم «إن تفشى الأمراض والجوع يبدو حتميًّا» فى غزة بعد الهجوم الإسرائيلى المستمر منذ أسابيع على القطاع المكتظ بالسكان. وأضاف: يبدو أن تفشى الأمراض المُعدية والجوع على نطاق واسع أمر حتمي. ودعا «تورك» إلى تحقيق دولى فى انتهاكات الحرب بين إسرائيل وحماس فى قطاع غزة.. محذرًا من وضع متفجر فى الضفة الغربية المحتلة. وتحدث «تورك» عن مزاعم خطرة للغاية بشأن انتهاكات متعددة عميقة للقانون الدولى الإنساني، أيًّا كان مرتكبها، تتطلب تحقيقًا معمَّقًا ومحاسبة شاملة. وأعرب عن قلقه العميق بشأن تصاعد حدة العنف والتمييز الحاد بحق الفلسطينيين فى الضفة الغربية المحتلة، بما يشمل القدس الشرقية(3).
وفى مواجهة الدعاوى التى روَّجتها الحكومة الإسرائيلية حول مرحلة ما بعد الحرب فى غزة قال نبيل أبوردينة (الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية): إن السلطة الفلسطينية لا تسمح لأحد بالحديث عن مصير قطاع غزة إلا مع منظمة التحرير الفلسطينية.. مشيرًا إلى أن كل ما يثار حاليًا حول إدارة غزة فى مرحلة ما بعد الحرب هى تقارير صحفية، ولم تُعرض على السلطة الفلسطينية بشكل رسمي. وأكد أبوردينة لوكالة أنباء العالم العربي: أبلغنا الإدارة الأمريكية رسميًّا، من خلال الوفد الأمريكى الذى زار رام الله، وأبلغنا الجانب الأوربى أيضًا، بأننا لا نقبل بإعادة احتلال غزة ولا الانتقاص من أراضيها.
وأضاف: «غزة جزء من الأرض الفلسطينية، ومن ثم لا نقبل إلا بالبحث عن حل يُنهى مشكلة غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، ولا نقبل بتجزئة الأمور، ولا نقبل بإيجاد حلول فقط لمنطقة دون الأخرى»(4).
فى هذا الوقت ظلت أوضاع سكان القطاع تزداد تدهورًا، حيث حذر برنامج الغذاء العالمى التابع للأمم المتحدة من أن السكان فى قطاع غزة يواجهون احتمالًا مباشرًا للموت جوعًا، بعدما أصبحت إمدادات الغذاء والمياه معدومة عمليًّا.
وقالتِ المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمى «سيندى ماكين» فى بيان نقلته وكالة الصحافة الفرنسية: «مع اقتراب فصل الشتاء، ووجود الملاجئ غير الآمنة والمكتظة ونقص المياه النظيفة، يواجه المدنيون احتمالًا مباشرًا للموت جوعًا.
وأكدت ماكين: «لا توجد طريقة لتلبية احتياجات الجوع الحالية من خلال معبر حدودى واحد قيد التشغيل».. فى إشارة إلى دخول المساعدات عبر معبر رفح.
وأضافت: «الأمل الوحيد هو فتح ممر آمن آخر لوصول المساعدات الإنسانية من أجل جلب الغذاء الضرورى للحياة إلى غزة»(5).
وفى هذا الوقت أُعلن عن توقف المستشفى الإندونيسى فى شمال قطاع غزة عن العمل بسبب الحصار الإسرائيلى وشُح الوقود، ونقلت شبكة «قدس» الإخبارية عن مدير المستشفى «عاطف الكحلوت» قوله: إن أعدادًا «مهولة» من الإصابات تصل إلى المستشفى من مناطق مختلفة فى القطاع، خصوصًا مع توقف مستشفيات محافظة غزة(6).
كانت إسرائيل قد طالبت المدنيين بمغادرة 4 بلدات جنوب قطاع غزة، مما زاد المخاوف من توسيع نطاق حربها على القطاع، لمناطق أبلغتِ الناس قبل ذلك أنها آمنة ليتوجهوا إليها.
وقد أمرت منشورات أسقطتها طائرة إسرائيلية خلال الليل المدنيين بمغادرة قرى (خزاعة وعبسان وبنى سهيلا والقرارة) على المشارف الشرقية لمدينة خان يونس فى جنوب القطاع، وتلك البلدان يسكنها إجمالًا أكثر من مائة ألف نسمة وقت السلم، لكنها تؤوى حاليًّا أعدادًا إضافية تقدَّر بعشرات الآلاف ممن فرُّوا من مناطق أخرى(7).
كان مسلحون فلسطينيون قد هاجموا جنودًا إسرائيليين فى هذا الوقت على حاجز عسكرى بين القدس وبيت لحم فى الضفة الغربية، مما أسفر عن مقتل جندى إسرائيلى وإصابة 7 فى المكان بجروح متفاوتة، قبل أن تقتلهم القوات الإسرائيلية، فى أكبر هجوم منسق ينفَّذ فى الضفة منذبدء عملية «طوفان الأقصى» فى السابع من أكتوبر(8).
وفى سياق متصل أعلن المفوض العام لـ«وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)» فيليب لازاريني: أن ما حدث فى قطاع غزة خلال الأسابيع الماضية يُعَد أكبر تهجير للفلسطينيين منذ عام 1948. وأضاف: إنها هجرة جماعية تجرى أمام أعيننا، وسيل من الناس يُجبرون على النزوح من ديارهم. وقال: إن سكان غزة عاشوا جحيمًا على مدار نحو 6 أسابيع منذ بدء الحرب فى السابع من أكتوبر(9).
وفى 18 من نوفمبر 2023 قالتِ الرئاسة المصرية فى بيان لها: إن الرئيس عبد الفتاح السيسى شدد على رفض مصر القاطع لتهجير الفلسطينيين داخليًّا وخارجيًّا، حيث أكد الرئيس خلال محادثات مع رئيسة المفوضية الأوربية «أورسولا فون ديرلاين» ضرورة الوقف الفورى لإطلاق النار فى غزة وحماية المدنيين من المعاناة. وقال البيان الذى نقلته وكالة أنباء الشرق الأوسط: إن السيسى أكد خلال اللقاء على رفض مصر القاطع لتهجير الفلسطينيين سواء بالنزوح داخليًّا أو بالتهجير خارج أراضيهم، لاسيما إلى الأراضى المصرية فى سيناء.
وتابع البيان: إن السيسى شدد أيضًا على ضرورة اضطلاع المجتمع الدولى بمسئولياته وتنفيذ قرارَى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكانت رئيسة المفوضية الأوربية قد صرحت بأنها اتفقت مع الرئيس المصرى على رفض التهجير القسرى للفلسطينيين، وعلى ضرورة وجود أُفق سياسى يقوم على حل الدولتين(10).
وفى نفس اليوم أعلن وزير الخارجية السعودى الأمير فيصل بن فرحان عن بدء أعمال اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية المعنية ببلورة تحرك دولى لوقف الحرب على غزة.
وكانتِ القمة العربية الإسلامية المشتركة فى الرياض قررت بدء تحرك دولى لوقف الحرب على غزة والضغط لإطلاق عملية سياسية جادة لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة.
وخلال القمة تقرر تكليف وزير خارجية السعودية ونظرائه فى عدد من الدول والأمينَين العامَّين للمنظمتين (الجامعة العربية - منظمة المؤتمر الإسلامي) بالتحرك الفورى باسم جميع الدول الأعضاء فى المنظمة والجامعة من أجل بلورة تحرك دولى لوقف الحرب على غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة(11).
وفى 18 نوفمبر 2023 نشرت صحيفة الجارديان البريطانية تقريرًا حول ادعاءات إسرائيل عن وجود مقر قيادة حماس أسفل مجمع الشفاء الطبى فى مدينة غزة. وقالتِ الصحيفة: إن أدلة الجيش الإسرائيلى أقل بكثير من أن تكون قادرة على إثبات أن مستشفى الشفاء مقرٌّ رئيسٌ لحماس كما ادَّعت.
وجاء فى التقرير أنه قبل اقتحام مجمع «الشفاء» الطبى بذلتِ السلطات الإسرائيلية جهودًا كبيرة لتصوير المجمع بوصفه مقرًّا لحركة «حماس»، حيث تم التخطيط لهجماتها على إسرائيل، لكن الأدلة المقدمة حتى الآن أقل بكثير من أن تثبت ذلك، بحسب التقرير، ولم تُظهر مقاطع ڤيديو الجيش الإسرائيلى سوى مجموعات متواضعة من الأسلحة الصغيرة، معظمها بنادق هجومية، تم انتشالها من المجمع الطبى الواسع.
وقالت: فى هذه الصورة المأخوذة من مقطع ڤيديو نشره الجيش الإسرائيلى الأربعاء 15 نوفمبر 2023 يظهر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى وهو يحمل سُترة مضادة للرصاص عليها شارة كتائب «القسام» تم العثور عليها مع أسلحة يقول الجيش الإسرائيلى إنه تم العثور عليها فى خزانة طبية فى مركز التصوير بالرنين المغناطيسى فى مستشفى «الشفاء» فى مدينة غزة.
وبحسب الصحيفة، فإن هذا «يشير إلى وجودٍ مسلح، ولكن ليس ذلك النوع من المركز العصبى المتقن الذى تم تصويره فى الرسوم المتحركة التى تم تقديمها إلى وسائل الإعلام قبل الاستيلاء على (الشفاء)، التى تصور شبكة من الغرف الجوفية المجهزة تجهيزًا جيدًا».
وقالت: وحتى مقاطع الڤيديو التى عرضها الجيش الإسرائيلى حتى الآن أثارت عديدًا من التساؤلات.
ووجد تحليل أجرته هيئة الإذاعة البريطانية (بى بى سي) أن اللقطات التى بثها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى التى تُظهر الاكتشاف الواضح لحقيبة تحتوى على مسدس خلف جهاز مسح التصوير بالرنين المغناطيسي، قد تم تسجيلها قبل ساعات من وصول الصحافيين الذين كان من المفترض أن يتم عرضها عليهم. وفى مقطع ڤيديو تم عرضه لاحقًا، تضاعف عدد الأسلحة الموجودة فى الحقيبة، وزعم الجيش الإسرائيلى أن مقطع الڤيديو الذى عُثر عليه فى المستشفى تم تصويره فى لقطة واحدة ولم يتم تحريره، لكن تحليل «بى بى سي» أثبت أنه تم تحريره.
وتقول القوات الإسرائيلية إنها لا تزال تستكشف الموقع بعناية.
وأظهر عرض الڤيديو الخاص بمجمع «الشفاء» أن المرافق الرئيسية تقع فى أعماق الأرض، ومن المحتمل أن الجنود الإسرائيليين لم يصلوا إليها بعد، لذلك قد يكون هناك مزيد فى المستقبل. وبحسب الصحيفة فإن «محاولة تقديم ما تم العثور عليه حتى الآن على أنه مهم، لا بد أن يؤدى إلى إثارة الشكوك حول كل ما سيتم تقديمه لاحقًا».
وأشار تقرير «الجارديان» إلى أن هناك تساؤلات حول مدى اعتماد العرض التصويرى للشبكة تحت مجمع «الشفاء» على ما عرفته إسرائيل بالفعل. وكان المهندس المعمارى الخاص بها قد بنى منطقة سفلية واسعة هناك فى المرة الأخيرة التى احتلت فيها إسرائيل غزة بشكل مباشر، حتى عام 2005.
وأضافت أن كل هذه الأمور مهمة بموجب اتفاقيات جنيف، التى تحظر العمليات العسكرية ضد المستشفيات ما لم «تُستخدم فى ارتكاب أعمال ضارة بالعدو، خارج نطاق واجباتها الإنسانية». وهذا الاستثناء، المنصوص عليه فى المادة 19 من اتفاقية جنيف الرابعة، ينص على وجه التحديد على ما يلي: «.. .إن وجود أسلحة صغيرة وذخائر مأخوذة من هؤلاء المقاتلين ولم يتم تسليمها بعدُ إلى الخدمة المناسبة، لا يُعَد من الأعمال الضارة بالعدو».
الهوامش:
(1) وكالة رويترز للأنباء: 16/11/2023.
(2) وكالة رويترز للأنباء: 16/11/2023.
(3) وكالة رويترز للأنباء: 16/11/2023.
(4) وكالة أنباء العالم العربي: 16/11/2023.
(5) جريدة الشرق الأوسط: 16/11/2023.
(6) شبكة «قدس» الإخبارية المحلية: 16/11/2023،
(7) وكالة رويترز للأنباء: 16/11/2023.
(8) الوكالات: 16/11/2023.
(9) منصة (إكس): 16/11/2023.
(10) وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية: 18/11/2023.
(11) الوكالات.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: أوضاع سكان غزة الأرض الفلسطينية الأوضاع الانسانية العدوان الاسرائيلي برنامج الأغذية العالمى حقائق الواقع وسيناريوهات المستقبل صمت العالم قطاع غزة وکالة رویترز للأنباء الجیش الإسرائیلى الضفة الغربیة وکالة أنباء نوفمبر 2023 قطاع غزة فى الضفة لا نقبل على غزة فى هذا التى ت
إقرأ أيضاً:
التهجير من غزة: جريمة صامتة بأدوات ناعمة وصمت دولي
في الوقت الذي يتصدر فيه المشهد الدامي في غزة صور القصف والتجويع والمجازر، تدور في الخفاء حربٌ أخرى أقل صخبا، لكنها لا تقل فتكا: حرب التهجير. لا تستهدف هذه الحرب فقط بيوت المدنيين، بل توجه ضرباتها الممنهجة نحو العقول والخبرات، نحو الذاكرة الثقافية والهوية الوطنية، نحو مستقبل غزة.
أولا.. التهجير كحلقة ضمن مشروع الصهيونية المسيحية.
ما يجري من تهجير قسري وانتقائي في غزة لا يمكن فصله عن المخطط العقائدي- السياسي الأكبر الذي تتبناه قوى الصهيونية المسيحية، والتي تشكل العمق الأيديولوجي للسياسات الأمريكية والغربية تجاه فلسطين. هذا المشروع، الممتد منذ أوائل القرن العشرين، يسعى إلى تحقيق نبوءات دينية مزعومة ترتبط بـ"نهاية الزمان"، عبر سلسلة خطوات مترابطة:
1- تهجير الفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين، من القدس وغزة والضفة.
2- الاستيلاء الكامل على الأرض، وتحويلها إلى "أرض الميعاد" الخالية من "النجاسة".
3- تدمير المسجد الأقصى، وهو ما يتم التمهيد له عبر الحفريات المتواصلة.
4- إقامة "الهيكل الثالث" في موقع الأقصى، باعتباره شرطا لعودة المسيح.
5- اندلاع حرب كبرى (هرمجدون)، تُبيد خلالها الشعوب المسلمة والعربية.
6- نزول "المسيح المخلّص" بحسب العقيدة الإنجيلية-الصهيونية ليحكم من القدس.
وقد جاءت النكبة (1948) كنقطة الانطلاق، نكسة 1967 كمرحلة للسيطرة على القدس، حصار غزة (2006-2024) كوسيلة لخنق المقاومة وتجويع الشعب، العدوان الحالي (2023-2025) باعتباره الحلقة الأقرب لتنفيذ مخطط التهجير والإبادة.
ثانيا.. إن التهجير اليوم ليس مجرد "تداعيات حرب"، بل هو تنفيذ حرفي لجزء من المخطط العقدي- السياسي الذي تتبناه القوى المسيحية الصهيونية، ويتم بالتدريج، خطوة تلو الأخرى، تحت أعين عالم مشغول بـ"الإنسانيات الانتقائية".
ثالثا.. التهجير كسياسة إسرائيلية ممنهجة
منذ النكبة عام 1948، اعتمد المشروع الصهيوني على التهجير كأداة لبناء دولته، واليوم يتجدد ذات المشروع بأدوات أكثر تطورا. لم تعد المجازر وحدها وسيلة الطرد، بل أصبحت المعابر والسفارات وشعارات "الإجلاء الإنساني" ستارا لعملية اقتلاع ناعمة، تستهدف سكان غزة وبالأخص نخبها.
رابعا.. التهجير الجماعي بالقوة
منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ومع بداية العدوان على غزة، لجأت إسرائيل إلى تنفيذ تهجير واسع النطاق، عبر قصف منازل المدنيين فوق رؤوس ساكنيها، وتدمير المدارس والمستشفيات ودور العبادة، وتحويل شمال القطاع إلى "أرض محروقة"، وفرض حصار خانق على الجنوب، لإجبار الناس على التفكير في الرحيل الكامل.
خامسا.. التهجير الانتقائي للنخب
الخطير في المرحلة الحالية هو ما كشف عنه رئيس المرصد الأورومتوسطي، رامي عبده، حول وجود تنسيق بين السفارة الفرنسية لدى الاحتلال والجيش الإسرائيلي لتنفيذ عملية "إجلاء" سرية (23 نيسان/ أبريل 2025) تشمل حملة الدكتوراة، والأطباء والمهندسين، والمؤرخين ومختصي الثقافة والآثار.
تفاصيل العملية:
- وقت التنفيذ: فجرا، بهدوء تام.
- الموقع: وسط قطاع غزة.
- الآلية: حافلات تتجه إلى مطار رامون داخل فلسطين المحتلة.
- التغطية: "إنسانية" زائفة لتبرير التهجير أمام العالم.
سادسا.. تهجير تحت غطاء "الإجلاء الإنساني"
تمارس الدول الغربية، وعلى رأسها فرنسا والولايات المتحدة، عملية تهجير هادئة عبر إجلاء المرضى دون ضمان عودتهم، ومنح تأشيرات طارئة للنخب، وترغيب الأكاديميين بالخروج بـ"فرص مؤقتة"، والترويج أن "الرحيل مؤقت ريثما تهدأ الحرب".
لكن الحقيقة، أن هذا ترانسفير ناعم، هدفه إفراغ غزة من قادتها المستقبليين، ليتحول القطاع إلى منطقة مشلولة بلا كفاءات، ولا قدرة على النهوض.
سابعا.. أهداف هذا المخطط
1- تدمير البنية العقلية لغزة، بعد تدمير بنيتها التحتية.
2- قطع جذور الصمود والمقاومة الثقافية والفكرية.
3- منع أي مشروع إعادة بناء أو استقلال معرفي.
4- تمهيد الأرض لتسوية سياسية بشروط إسرائيلية، دون نخبة وطنية ترفضها.
سابعا: الموقف الدولي والعربي
الأمم المتحدة تغض الطرف، وتكتفي ببيانات القلق، والدول العربية، وخاصة مصر، تتورط بالصمت أو التسهيل، والسلطة الفلسطينية صامتة أو متواطئة في بعض الأحيان، في ظل غياب أي خطة لمواجهة التهجير.
ثامنا.. ما العمل؟
- تعرية الخطط الغربية تحت مسمى "الإجلاء".
- تعبئة الرأي العام الدولي بالحقائق الموثقة.
- إطلاق حملة قانونية وحقوقية لتجريم التهجير الانتقائي.
- تحفيز النخب داخل غزة على البقاء، باعتباره موقف مقاومة.
خاتمة: التهجير من غزة ليس حدثا عابرا، بل فصل جديد من فصول النكبة، يُراد له أن يُنفذ بأدوات "إنسانية" هذه المرة. لكنها جريمة كاملة الأركان، يجب أن تُواجه بالوعي والمقاومة والتوثيق، فبقاء العقول في غزة هو بقاء فلسطين نفسها.