بعد مشروع رأس الحكمة.. هل فقدت مصر إحدى سلال غذاء العالم القديم؟
تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT
على مدار 6 قرون ظلت مصر مخزون غذاء الإمبراطورية الرومانية، فيما كان الساحل الشمالي منها غرب مدينة الإسكندرية أحد مناطق سلال الغذاء للمصريين وجيرانهم ولمحتلي أراضيهم، حتى اندثر فرع النيل الواصل لتلك المنطقة والذي تكشف صور الأقمار الصناعية آثار وجوده التاريخي حتى اليوم.
ومع الإعلان عن مشروع "رأس الحكمة" السياحي على مساحة 170 مليون متر مربع من الساحل الشمالي الغربي لمصر إثر اتفاق مع الإمارات في 23 شباط/ فبراير الماضي، تكشفت الأهمية الاستراتيجية لتلك المنطقة الممتدة قرب ساحل البحر المتوسط، ودورها المفقود بمجال الزراعة خاصة مع توفر التربة الجيدة ومياه الأمطار والآبار.
وأعرب خبراء عن مخاوفهم من تجريف أشجار التين والزيتون المشهور بها الساحل الشمالي الغربي بمنطقة تقدم نحو 19 بالمئة من إنتاج زيت الزيتون بمصر، وربع إنتاج مصر من التين، تماما كما قامت حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، بتجريف أشجار الزيتون والتين في شمال سيناء بمناطق العريش ورفح والشيخ زويد وغيرها، بقرارات أمنية.
كما انتقد الخبراء تحويل منطقة الساحل الشمالي من منطقة زراعية واعدة إلى مناطق ترفيهية تنزع من مصر صدارتها بإنتاج الزيتون، ومركزها الثاني عالميا في إنتاج التين، وأن تفقد البلاد أيضا خططا ومشروعات تم الحديث عنها لتنمية الساحل الشمالي الغربي زراعيا وتصنيعيا وتصديريا.
"مستقبل مصر الأخضر"
في 17 أب/ أغسطس 2023، وقبل الإعلان عن مشروع رأس الحكمة بـ6 شهور خرجت عناوين الصحافة المصرية لتبشر المصريين قائلة: "خبراء: المنطقة الشمالية الغربية مستقبل مصر الأخضر".
نقيب الزراعيين، الدكتور سيد خليفة، قال حينها إن منطقة الساحل الشمالي الغربي بها إمكانيات زراعية واعدة،، وأن محافظة مطروح منفردة، تنتج 80 بالمئة من إنتاج التين في مصر، التي تحتل المرتبة الثانية عالميا، كما تقدم 19 بالمئة من إنتاج مصر من زيت الزيتون.
وأكد أنّ المساحة المنزرعة بالشعير تبلغ 450 ألف فدان، اعتمادا على مياه الأمطار، وهو محصول يمكن خلطه مع القمح، للمساهمة في سد الفجوة الاستيرادية من القمح، الذي يجري استيراد نحو نصف حاجة البلاد منه سنويا، (نحو 9 ملايين طن سنويا).
نقيب الزراعيين أشار إلى المشروعات التي يجري تنفيذها بالمنطقة، موضحا أن الصندوق الدولي للتنمية الزراعية "إيفاد" -تابع للأمم المتحدة- يقوم بتمويل مشروع لحفر 7 آلاف بئر لتخزين مياه الأمطار، لتوفير مليون متر مكعب مياه.
وفي السياق، أكد رئيس مركز بحوث الصحراء الأسبق، الدكتور إسماعيل عبد الجليل، أنه يمكن زراعة 30 كم مربع من ساحل البحر وحتى عمق الصحراء اعتمادا على مياه الأمطار، ويمكن ريها بكميات مياه تكميلية خلال فصل الصيف لزراعة أنواع الخضر والفاكهة المطلوبة لمناطق الساحل الشمالي السياحية، مشيرا لتصدير الأهالي مربى التين إلى سويسرا.
في 14 حزيران/ يونيو 2017، قال رئيس مركز بحوث الصحراء الدكتور نعيم مصيلحي، إن زراعة منطقة الساحل الشمالي ستكون منافسة لمحور تنمية قناة السويس.
وأكد أنه يوجد أكثر من 400 ألف فدان صالحة للزراعة في هذه المنطقة، 80 بالمئة منها تعد مراع طبيعية تتجمع حولها الثروة الحيوانية، بينما يمكن زراعة المناطق الساحلية بالأشجار البستانية مثل التين والزيتون واللوز، ويمكن زراعة المنطقة الجنوبية منها بالشعير.
وفي 6 شباط/ فبراير 2017، وفي تصريح آخر أكد مركز إعلام مطروح أن مصر تملك 120 ألف شجرة زيتون؛ تمتلك محافظة مطروح والساحل الشمالي منها 35 ألف فدان بنسبة 24 بالمئة من الإنتاج المصري، كما تمتلك 60 ألف فدان من أشجار التين و8 آلاف فدان نخيل.
وينصح الخبراء بالتوسع في زراعة الزيتون والتين فــي المناطق الساحلیة خاصة الساحل الشمالي الغربي اعتمادا على مـياه الأمطـار، حيث يشتهر الساحل الشمالي الغربي بالتين السلطاني أو البرشومي أو الفيومي أكثر الأصناف انتشارا.
بل إنه وفي كانون الثاني/ يناير 2013، وخلال عام حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، قدم "مجلس الشورى" إلى رئاسة الجمهورية مشروع تنمية وتعمير الساحل الشمالي الغربي، أعدته لجان الزراعة والري والطاقة والإدارة المحلية والثقافة والإعلام والسياحة والإسكان.
"الدلتا الجديدة"
بل إن أحد أهم المشروعات القومية التي أعلنها السيسي، كانت زراعة منطقة الساحل الشمالي الغربي، حين أعلن في آذار/ مارس 2021، عن مشروع "الدلتا الجديدة" بمساحة مليون فدان، قرب منطقة محور الضبعة الشهير بالساحل الشمالي الغربي لمصر؛ بالتعاون بين الجيش ووزارة الزراعة.
حينها ظل الإعلام المصري يروج للخير الوفير القادم لمصر من المشروع، الذي اختفى تماما الحديث عنه في وسائل الإعلام، كما أنه حينها أكد 3 خبراء زراعيين لـ"عربي21" أهمية ذلك المشروع وعلى ضرورته وحيويته، وتحدثوا عن إمكانية تنفيذه.
وقالوا إن التربة هناك جيدة، وتحتفظ بالمياه، وغنية بكربونات الكالسيوم، وصالحة لأغلب الزراعات، والمياه الجوفية جيدة (600-3500) جزء بالمليون"، موضحين أن "المنطقة جيدة للاستثمار الزراعي لقربها من البحر، ويمكن زراعة القمح لوجود الأمطار، مع استخدام فقط 1000 متر مكعب ماء للفدان".
مجموعة من الخبراء الزراعيين والسياسيين، تحدثوا إلى "عربي21"، عن مدى تأثير مشروع رأس الحكمة السياحي على التوجه المعلن من حكومة السيسي، وعلى مطالبات الخبراء بزراعة منطقة الساحل الشمالي الغربي، مشيرين لأهمية المنطقة وإمكانياتها في حل أزمات مصر السلعية، منتقدين غياب الإرادة الحكومية.
"غياب الإرادة السياسية"
تساءل الأكاديمي المصري وخبير العلوم الزراعية الدكتور سعيد سليمان: "هل توجد إرادة سياسية لزراعة آلاف الأفدنة، بل الملايين على مياه الأمطار فقط بمنطقة الساحل الشمالي الغربي حتى مدينة السلوم، وأيضا الساحل الشرقي حتى مدينة العريش، لمسافة تمتد لأكثر من ألف كيلو متر؟".
مستنبط قمح وأرز الجفاف "عرابي"، أضاف في حديثه لـ"عربي21": "زرعنا قمح عرابي في منطقة برج العرب بالساحل الشمالي الغربي على المطر فقط، وفي الشيخ زويد أيضا بالساحل الشمالي الشرقي، وأعطت إنتاجية وصلت 10 أردب للفدان".
ويرى سليمان، أنه برغم ذلك النجاح لقمح عرابي، فإنه "لا توجد إدارة جادة لحل مشكلة القمح"، مبينا أنهم "يفضلون الاستيراد، ويفتخرون أنهم أكبر دولة مستوردة للقمح"، معتبرا أن تلك تعد "كارثة".
ويرى أن "مشروع رأس الحكمة يمثل 1 بالمئة من مساحة الساحل الشمالي الغربي والشرقي لمصر على البحر المتوسط"، معبرا عن أسفه من أن "سياسات الاستيراد، والاقتراض، والاستدانة، تكبل مصر ليفرضوا عليها الإذعان والانبطاح لهم".
"منطقة واعدة.. ونظام غير أمين"
الأكاديمي المصري وأستاذ العلوم الزراعية الدكتور عبد التواب بركات قال لـ"عربي21": "عندما أعلن السيسي عن مشروع الدلتا الجديدة في منطقة الساحل الشمالي الغربي، شجعت المشروع".
الأستاذ المساعد بمركز البحوث الزراعية أضاف أن "الأرض هناك مستوية تماما، وخصبة، وتوفر زراعتها مليوني طن من القمح، والأمطار ستوفر المياه اللازمة للزراعة الشتوية، ويحتاج فقط إلى ترعة لتوصيل المياه من أجل رية تكميلية في نهاية محصول القمح".
وتابع: "المناخ يسمح بزراعة المليون فدان كزراعة دائمة طوال العام، وستروى بحوالي نصف مليار أو مليار متر مكعب مياه صرف زراعي مخلوط بمياه النيل في ري تكميلي مع الأمطار، والترعة موجودة بالفعل منذ عشرات السنين ولكن تحتاج لضخ المياه فيها".
الأكاديمي المتخصص ببحوث التنمية الزراعية أكد أن "المشروع يساهم أيضا بتنمية مليوني فدان مراعي بواحة سيوة تستخدم لتنمية الثروة الحيوانية".
بل وأوصى بأن "يُخطط المشروع ليكون بالفعل دلتا جديدة، بها تجمعات عمرانية ومرافق وخدمات تمكن من استقرار الأسر الجديدة، لتخفيف الضغط عن الدلتا القديمة من مستشفيات ومدارس ومصانع للمنتجات الزراعية".
وختم بالقول: "لكن طرح المنطقة للبيع والاستثمار الأجنبي، يؤكد أن النظام منذ 2013 غير أمين في إدارة البلاد، وعندما تسقط أصول مصر في أيدي أجنبية فهو لا يراعي الأمن القومي".
"تدمير متعمد"
السياسي والبرلماني المصري السابق الدكتور محمد عماد الدين، المتخصص في مجال الثروة الحيوانيّة والداجنة والثروة السمكية، قال لـ"عربي21" إنه "يتم تدمير الثروة الحيوانية تدميرا ممنهجا عبر سيطرة جنرالات الجيش على كل أدوات هذه الثروة".
وأكد أنه "وبالمثل يتم هذا النهج مع كل ثروات مصر، ومنها الثروة الزراعية وفي القلب منها طبيعة أراضي هذه المنطقة تحديدا، وبالتالي فإنه بعقد هذه الصفقة مع الإمارات تفقد مصر إحدى مناطق سلال غذاء العالم القديم".
ولفت إلى أنه "وبالرجوع لخبراء الزراعة أكدوا أنه يمكن زراعة تلك المناطق عبر مياه الأمطار والآبار؛ وليس هناك أدنى شك في ذلك، ويمكن لتلك المنطقة حل أزمات مصر السلعية من القمح والزيت والشعير وغيرها، وهذا باعتراف مسؤولي النظام نفسه بأنها تنتج 19 بالمئة من إنتاج الزيتون حاليا".
لكن السياسي المصري، يرى أنه "من خلال مراقبة مشاريع السيسي السابقة يمكن القول إن مصر مازالت أسيرة حالة من الجمود المدمّر الذي تفرضه النخبة العسكرية الحاكمة، وعلى رأسهم السيسي الذي يُعِدّ الإصلاح الحقيقي تهديدا لسلطته".
وأوضح أنه "لذلك فهو يتبع نهجا ضارا يتوخّى تحقيق النتائج قصيرة المدى فقط، بينما كل تركيزه منصب على إدامة بقائه في الحكم".
وألمح عماد الدين إلى أن "التنمية الحقيقة تؤدي إلى تراجع معدلات الفقر، لكن ما يحدث في مصر الآن هو إطلاق مشروعات تجميلية تستفيد منها مجموعة محدودة من الأثرياء ورجال الأعمال ولا تعود بالفائدة على المواطن".
وأكد أن "مجمل مشاريع السيسي تُعزّز قبضة القوات المسلحة على الاقتصاد ولا تُقدّم أي منافع اقتصادية واسعة وملموسة".
وخلص إلى أن "السيسي يخدر الشعب المصري بمشاريع وهمية، لأنه لا يجد من يحاسبه عن مشاريعه التي أعلن عنها سابقا وثبت فشل جدواها".
وأعرب البرلماني السابق، عن أسفه الشديد من أن "المصريين هم من يدفعون وحدهم ثمن مشروعات السيسي الفاشلة، سواء من ناحية الاقتصاد أو من الناحية التنموية، فهي مشروعات بلا طائل من جميع الاتجاهات".
"كثير من الشك والريبة"
وفي رؤيته، قال السياسي المصري والخبير الزراعي فؤاد سراج الدين إن "تأثير منطقة رأس الحكمة على إنتاج القمح والشعير لن يؤثر التأثير الكبير لكنه تأثير محدود".
وفي حديثه لـ"عربي21" أوضح أن "الصحراء الغربية مساحات شاسعة كبيرة ومنطقة رأس الحكمة تمثل 170 ألف كيلومتر مربع، أي 40 ألف فدان لرأس الحكمة مقابل 3.5 مليون فدان في الصحراء الغربية، وبالتالي المساحة تؤثر تأثيرا قليلا".
ويرى القيادي في حزب "التحالف الشعبي" أنه "كان يمكن استغلالها سياحيا لمصلحة الوطن، بدلا من تركها للغير والاكتفاء بنسبة 35 بالمئة فقط من صافي الأرباح".
وواصل: "ثم إن غموض اتفاقية رأس الحكمة يثير الكثير من الشك والريبة لعدم وضوح التفاصيل"، مضيفا: "زد على ذلك فتح باب البيع أمام الأزمات المالية والاقتصادية بدلا من إقامة المشروعات المنتجة مما يؤثر سلبا على الأمن القومي المصري".
"لعبة الإمارات"
وفي رؤيته، قال المحامي المصري هيثم أبو خليل إن "الإمارات تستفيد من أمرين مع نظام السيسي، الأول أنها تدخل لدعم هذا النظام قبل انهياره، والثاني أنها تحصل على أصول مصرية عامة ومناطق وأراضي مؤثرة مثل منطقة رأس الحكمة".
وأوضح أن تلك المنطقة "تنتج نحو 19 بالمئة من إنتاج الزيتون في مصر، ونحو 25 بالمئة من إنتاج التين".
وأعرب عن مخاوفه من أن "كل هذه المزارع من التين والزيتون سيتم تجريفها وتتحول لمشروعات ترفيهية تنزع من مصر صدارة إنتاج الزيتون، في سياسات يستمر بها رأس النظام، ولا أمل إلا بإزاحة هذا النظام".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية مصر الإمارات الزراعة الزيتون مصر زيتون الإمارات زراعة راس الحكمة المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مشروع رأس الحکمة بالمئة من إنتاج إنتاج الزیتون میاه الأمطار یمکن زراعة عن مشروع ألف فدان وأکد أن أکد أن
إقرأ أيضاً:
عام ساخن في الساحل.. اشتداد الأزمة مع إيكواس وإغلاق القواعد الغربية
شهدت بلدان منطقة الساحل الإفريقي خلال العام 2024 أحداثا وتطورات متسارعة، إذ باتت هذه البلدان منطقة صراع دولي بين روسيا والغرب.
وتعيش غالبية دول منطقة الساحل، حالة من عدم الاستقرار، فيما يواصل العسكر الممسكون بالسلطة في هذه البلدان معارك على جبهات متعددة، بينها مواجهة الجماعات المسلحة بالمنطقة وتقليم أظافر الغرب خصوصا فرنسا المستعمر السابقة لدول المنطقة، والتصدي لقرارات المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
وتدهورت العلاقات الأوروبية مع دول الساحل بعد موجة الانقلابات العسكرية التي عرفتها هذه الدول منذ العام 2020، وتصاعد التوتر أكثر منذ أن دعت حكومة مالي مقاتلين من مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة، لدعمها في قتال المتمردين الأزواديين.
إنهاء الحضور العسكري
وشكل العام 2024 نهاية الحضور العسكري الغربي في منطقة الساحل الإفريقي، حيث أنهت أربع من دول الساحل مختلف الاتفاقيات المتعلقة بالحضور الغربي وأغلقت القواعد العسكرية الفرنسية والألمانية والغربية بشكل عام.
وبدء إنهاء الحضور الغربي من مالي التي ألغت كافة الاتفاقات العسكرية مع الغرب ودعت القوات الفرنسية والألمانية لمغادرة أراضيها.
وقد استكملت فرنسا قبل أشهر انسحابها من مالي وأغلقت قواعدها العسكرية في هذا البلد، تلتها ألمانيا التي سحبت أيضا قواتها وغادرت الأراضي المالية.
من جهتها أعلنت النيجر وبوركينافاسو إنهاء الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا، حيث من المقرر أن يغادر آخر الجنود الفرنسيين المنتشرين في النيجر نهاية كانون الأول/ ديسمبر الجاري.
بدوره أعلن الرئيس السنغالي باسيرو ديوماي فاي عزمه إغلاق القواعد العسكرية الفرنسية في السنغال، مستندًا إلى مبدأ السيادة كذلك.
أما التشاد فقد حددت يوم 31 كانون الأول/ ديسمبر الجاري موعدا لمغادرة آخر جندي فرنسا أراضيها.
وبدأت فرنسا بالفعل نقل نحو ألفي جندي فرنسي ومعدات عسكرية خارج التشاد، فيما أعلنت الخراجية التشادية أن فرنسا نقلت بالفعل سلاحها الجوي وإن المقاتلات الفرنسية غادرت الأراضي التشادية بشكل كامل.
ويرى متابعون أن هذه التحركات تعكس تزايد الضغوط على فرنسا في المنطقة بعد سلسلة من الانقلابات العسكرية التي شهدتها دول الساحل، وتثير تساؤلات بشأن مستقبل العلاقات بين فرنسا وبلدان الساحل.
تفاقم الأزمة مع إيكواس
وبلغت الأزمة بين دول الساحل الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا ذروتها في العام 2024 حيث قررت دول الساحل رسميا مغادرة لـ"الإيكواس" وأعلنت عن تحالف جديد فيما بينها.
وقد أمهلت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" مالي وبوركينا فاسو والنيجر، 6 أشهر من أجل إعادة النظر في قرارها الانسحاب من المنظمة، لكن الدول الأربعة أكدت أن قرارها مغادرة "الإيكواس" لا رجعة فيه، متهمة هذه المنظمة الغرب أفريقية بمحاولة ابتزازها والضغط عليها، معتبرة إياها أداة تستخدم من طرف "فرسا القوة الاستعمارية السابقة لهذه البلدان الثلاثة".
منطقة بدون تأشيرة
بلدان الساحل الأفريقي الأربعة مالي والنيجر وبوركينا فاسو، أعلنت نفسها "منطقة بدون تأشيرة بالنسبة لأي مواطن من البلدان الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا"، مضيفة أن لمواطني دول "الإيكواس" الحق في "الدخول والتنقل والإقامة والخروج من أراضي الدول الأعضاء بتحالف الساحل وفقا للنصوص المعمول بها".
وأفاد بيان للدول الأربعة، بأن القرارات تأتي كذلك "وفاء لأهداف ومثل ميثاق الأمم المتحدة والقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي"، و"استرشادا بروح الأخوة والتضامن والصداقة"، و"الالتزام بتعزيز العلاقات الممدة منذ قرون بين شعوب إفريقيا".
معارك على حدود الجزائر
وشكلت المعارك العنيفة التي اندلعت على الحدود المالية الجزائرية خلال الأشهر الماضي، أبرز الأحداث التي شغلت الرأي العام في منطقة الساحل.
فقد شهدت الحدود المالية الجزائرية خلال مايو الماضي، اشتباكات ضارية بين الجيش المالي مدعوما بقوات "فاغنر"، والحركات المسلحة الأزوادية "الطوارق".
ودارت المواجهة بشكل خاص في منطقة تينزاواتين الواقعة على بعد 233 كلم شمال شرق كيدال على الحدود مع الجزائر، وأسفرت عن مقتل العشرات من المقاتلين الطوارق ومن الجيش المالي.
وقد أثارت الهجمات التي شنها الجيش المالي مدعوما بفاغنر، ضد المسلحين الأزواديين قرب الحدود مع الجزائر استياء السلطات الجزائرية.
ودعا الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة أغسطس الماضي، إلى وضع حد لهذه "الانتهاكات" وفرض عقوبات على الضالعين في الهجمات قرب حدود الجزائر، وهو ما أغضب باماكو التي وصفت تصريحات المسؤول الجزائري بـ"الدعائية غير الصحيحة".
ومع بداية العام 2024 فقدت الجماعات الانفصالية المسلّحة السيطرة على مناطق عدة بشمال مالي بعد هجوم شنّه الجيش وبلغ ذروته بسيطرته على مدينة كيدال، معقل الحركات الأزوادية.
وفي إطار التوتر بين مالي والجزائر استدعت الحكومة المالية سفير الجزائر لديها في كانون الأول/ ديسمبر الماضي؛ احتجاجا على ما وصفته بـ "أفعال غير ودية" وتدخل الجزائر في شؤون مالي.
استدعاء السفير جاء بعد لقاء الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بالإمام محمود ديكو، المعارض للعسكر الممسكين بالسلطة في مالي.
وأكد وزير الخارجية الجزائري، حينها تمسك بلاده بمبادئ تعزيز السلم والأمن في مالي، وأكد أهمية الحوار الوطني وتحقيق المصالحة لضمان استقرار البلاد.
انهيار اتفاق السلام
وشهد العام 2024 أيضا انهيار اتفاق السلام الذي تم التوقيع عليه في عام 2015 بين الحكومة المالية والمتمردين الانفصاليين "الطوارق"، في خطوة زادت من حالة عدم الاستقرار في البلد.
وكان الاتفاق ينص على جملة من القضايا بينها دمج المتمردين السابقين في الجيش المالي، فضلا عن توفير قدر أكبر من الحكم الذاتي لمناطق الشمال المالي.
ووضع اتفاق الجزائر حدا لمعارك اشتعلت في 2012، إثر إعلان الحركات الأزوادية الاستقلال والانفصال عن مالي، بعد مشاركتها في معارك ضد الجيش الحكومي.
انتخابات تشاد وتصعيد سياسي بمالي
عام 2024 عرف أيضا انتخابات رئاسية في تشاد فاز فيها محمد ادريس ديبي من الجولة الأولى بنسبة 61 بالمئة من الأصوات، فيما وصفتها المعارضة بالمزورة، حيث قال مرشح المعارضة الرئيسي سوكسيه ماسرا، إن الانتخابات "سرقت".
وفي حين عاد الهدوء إلى التشاد بعد حراك المعارضة الرافض لنتائج الانتخابات الرئاسية، اندلعت أزمة سياسية جديدة في مالي بعد أن أقال الرئيس الانتقالي المالي عاصيمي غويتا يوم 20 نوفمبر الماضي رئيس الحكومة شوغيل كوكالا مايغا، الذي انتقد مؤخرا تمديد الفترة الانتقالية.
وجاءت إقالة مايغا الذي كان يشغل المنصب منذ العام 2021، بعد أيام من توجيهه انتقادات علنية للمجلس العسكري، أعرب فيها عن أسفه لإبعاده عن اتخاذ القرارات، وتحدث عن الضبابية التي تخيم على الفترة الانتقالية الحالية.
إقالة رئيس الحكومة المالية أدخلت البلاد في أزمة سياسية جديدة، إذ عرفت العديد من المدن المالية مظاهرات حاشدة بعضها رافض لإقالته وأخرى تدعم قرار الحاكم العسكري بخصوص الإقالة.
معارك ضارية في بحيرة تشاد
وودعت دول الساحل العام 2024 بمعارك ضارية بين بين الجيش التشادي ومقاتلو جماعة بوكو حرام، بمنطقة بحيرة تشاد.
وأسفرت هذه المواجهات عن مقتل 96 عنصرا من جماعة بوكو حرام، فيما أكد الجيش التشادي مقتل 15 من جنوده وإصابة آخرين في المعارك الضارية مع بوكو حرام.
وتعرضت التشاد، على مدى الأشهر الأخيرة لهجمات من بوكو حرام، حيث شن مقاتلو الجماعة أواخر أكتوبر الماضي هجوما على قاعدة عسكرية في منطقة بحيرة تشاد أسفر عن سقوط نحو 40 قتيلا، وفق السلطات المحلية.
ويعتقد مراقبون أن العام 2025 سيكون أيضا حافلا بالتطورات والأحداث بالساحل الإفريقي، في ظل تزايد الاهتمام الروسي بالمنطقة والخطر الذي تشعر به أوروبا التي تخشى تمدد روسيا أكثر في القارة السمراء معقل فرنسا.