قطع فولاذية وألف جندي أمريكي.. هكذا سينشئ الميناء المؤقت بغزة
تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT
بدأ لواء النقل السابع في الجيش الأمريكي، المتخصص في عمليات البناء والإنشاءات، ووحدات أخرى تنفيذ الخطة التي أعلن عنها الرئيس جو بايدن في خطاب حالة الاتحاد، الخميس، بشأن تقديم المساعدات لغزة عبر البحر.
ووفقا لوكالة الأسوشيتدبرس، تلقى اللواء الأوامر قبل الخطاب ببناء ميناء مؤقت قبالة سواحل غزة لتوفير الغذاء والمساعدات الضرورية لسكان القطاع.
وأشارت الوكالة إلى أن عملية البناء، التي يشارك فيها ما يصل إلى 1000 جندي أمريكي، تعد عملية معقدة ولن تحدث بين يوم وليلة.
وأكد المتحدث باسم البنتاغون، اللواء بات رايدر، للصحفيين أن اكتمال بناء الميناء المؤقت سيتطلب عدة أسابيع، وقد يصل إلى شهرين وفقا لبعض المسؤولين الأمريكيين.
وبغض النظر عن التحديات اللوجستية، يتوقف نجاح العملية على تعاون دولة الاحتلال، وهو أمر غير مضمون، وفقا لتصريحات من بعض المسؤولين الأمريكيين.
ما الدافع وراء الميناء؟
تشير الأمم المتحدة إلى أن جميع سكان غزة، البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، يواجهون تحديات كبيرة في البحث عن الطعام، حيث يعاني أكثر من نصف مليون شخص حاليًا من مأساة المجاعة.
ودفعت الظروف الراهنة العديد من الأفراد إلى تناول العلف الحيواني للبقاء على قيد الحياة.
أصبح الحصول على الغذاء والإمدادات الطبية والمساعدات أمرا شديد الصعوبة، إن لم يكن مستحيلا في بعض الأحيان، بسبب استمرار الأعمال الحربية وصعوبة التنسيق مع الجيش الإسرائيلي، الذي أغلق الطرق وأبطأ عمليات التسليم بسبب عمليات التفتيش.
وفقا للوكالة، أدت هذه الظروف إلى إحساس إدارة بايدن بالإحباط، حيث تعترض عقبات دولة الاحتلال على جهود زيادة المساعدات المقدمة لغزة.
في الأسبوع الماضي، بدأت الولايات المتحدة عمليات إسقاط جوي للمساعدات لغزة، لكنها لم توفر سوى كمية محدودة من المساعدات، والتي قد لا تصل إلى الفئات التي تحتاجها بالفعل.
وفي خطابه يوم الخميس، أمر بايدن الجيش ببناء ميناء مؤقت على ساحل غزة "قادر على استقبال السفن الكبيرة التي تحمل الغذاء والماء والدواء والمأوى المؤقت".
وأكد بايدن أن الرصيف "سيؤدي إلى زيادة هائلة في كمية المساعدات الإنسانية التي تصل إلى غزة يوميا".
قطع ليغو
أفاد مسؤولو البنتاغون بأن لواء النقل السابع، الذي يتواجد في قاعدة لانغلي-يوستيس المشتركة في فرجينيا، بدأ بتجميع نظام المعدات اللوجستية المشتركة على الشاطئ، الذي يشبه بنية "ليغو" الضخمة.
ويتألف هذا النظام من قطع فولاذية بطول 12 مترا يمكن ربطها معا لتشكيل رصيف وجسر بطول يصل إلى نحو 550 مترا بمسارين.
من المتوقع أن تقوم القوات الأمريكية في الأيام القليلة القادمة بتحميل المعدات على سفينة عسكرية كبيرة، وتشمل القطع الفولاذية ومعدات القطر الصغيرة التي تساعد في نقل القطع إلى مكانها، فيما يرجح أن يبدأ هذا العمل في وقت مبكر من الأسبوع المقبل، حيث ستغادر السفينة عبر المحيط الأطلسي وستقل أعضاء من لواء النقل السابع.
وفي هذه المهمة، ستشارك وحدات عسكرية أخرى من الولايات المتحدة وخارجها، وفقا للوكالة.
وأوضح اللواء بات رايدر أن القوات الأمريكية ستقوم ببناء رصيف بحري يسهل على السفن الكبيرة تفريغ المواد الغذائية والإمدادات.
علاوة على ذلك، ستقوم سفن عسكرية صغيرة بنقل تلك المساعدات من الرصيف العائم إلى الجسر المؤقت الذي سيتم ربطه بالأرض عند الشاطئ.
التحدي الأبرز
تقول وكالة الأسوشيتدبرس إن السؤال الرئيسي هنا هو مدى استعداد "إسرائيل" للاستجابة لهذه الخطوة ودعم جهود إيصال المساعدات.
وفقا بايدن، ستتولى حكومة الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية تأمين الميناء المؤقت وحمايته من أي هجمات محتملة قد تشنها حماس، بحسب الوكالة.
ومن الممكن أيضا أن تكون هناك حاجة للتحكم في الحشود في حال محاولة السكان اقتحام الرصيف بهدف الحصول على الطعام الذي يحتاجونه بشدة.
وما زالت الأمور غير واضحة حول من سيكون مسؤولا عن عملية تفريغ المساعدات في الرصيف ونقلها إلى الشاطئ.
عرض قبرصي
تكشف الوكالة أن الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس قدم عرضا لاستخدام ميناء لارنكا، الذي يبعد عن غزة بحوالي 370 كيلومترا، قبل عدة أشهر بهدف إقامة ممر بحري لنقل المساعدات إلى القطاع.
وفي خطوة تشير إلى التعاون الإقليمي، دعت قبرص دولة الاحتلال والولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى للانضمام إلى الجهود القبرصية لتدقيق جميع الشحنات قبل إرسالها إلى غزة.
تؤكد الوكالة أن العرض القبرصي قد نال اهتماما كبيرا من قبل الولايات المتحدة والدول الأوروبية وجاري التخطيط لتنفيذ العملية.
وأعلنت المفوضية الأوروبية الجمعة أن سفينة تحمل مساعدات إنسانية تستعد للمغادرة من قبرص باتجاه غزة.
ستقوم السفينة التابعة لمجموعة الإغاثة "Open Arms" الإسبانية برحلة تجريبية لاختبار الممر البحري في الأيام القادمة.
وفقًا للوكالة، كانت السفينة تنتظر في ميناء "لارنكا" للحصول على إذن لتسليم مساعدات غذائية مُقَدَّمة من "World Central Kitchen"، وهي مؤسسة خيرية أمريكية.
نقل السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، عن القول إن الموعد الدقيق لوصول الشحنة التجريبية عبر البحر يعتمد على الظروف، لكنه أشار إلى أن يوم الأحد يبدو توقيتا مناسبًا، وأكد أن الإمارات دعمت المشروع ماليا وتعاونت مع الإسرائيليين لتجهيز الشحنة دون مشاكل.
وأفادت متحدثة باسم المؤسسة الخيرية الأمريكية أن الشحنة تتضمن 200 طن من الأرز والدقيق والبروتينات، وستكون جاهزة قريباً للإرسال إلى غزة، بالإضافة إلى وجود 500 طن إضافية من المساعدات في قبرص وجاهزة للشحن.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية ميناء غزة الاحتلال امريكا غزة الاحتلال ميناء صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
إمبراطورية بلا قائد... من الحاكم الفعلي في الولايات المتحدة؟
نشر موقع " لو ديبلومات" الفرنسية تقريرا سلّط فيه الضوء على طبيعة القوة الحقيقية في الولايات المتحدة، حيث لا يستأثر الرئيس بصنع القرار بشكل مطلق بل تلعب المؤسسات الفيدرالية وخاصة البيروقراطية والإدارات الأمنية والعسكرية دورا أساسيا في توجيه الاستراتيجية الأمريكية.
وقال الموقع، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن السلطة الإمبريالية الأمريكية لا تكمن في البيت الأبيض - على عكس ما يُعتقد - حتى عندما يحظى بدعم أغلبية الكونغرس، بل الأجهزة الضخمة للإدارة الفيدرالية هي التي تحدد مسار الأمة مما يضمن الاستمرارية الاستراتيجية للهيمنة الأمريكية.
يُنظر إلى انتخاب الرئيس على أنه محطة مفصلية في المسار الإمبريالي، لكنه في الواقع لا يعدو كونه تغييرا في التمثيل والسرد السياسي أكثر من كونه تغييرا حقيقيًا في النهج، حسب التقرير.
وأشار الموقع إلى أن الانتخابات الأمريكية وتنصيب الرئيس الجديد دائمًا ما يثيران اهتمامًا كبيرًا لما يكتسيانه من أهمية في مسار القوة العظمى المهيمنة عالميًا. لكن في الواقع، يعد مدى تأثير الرئيس في الولايات المتحدة على السياسات العامة والمسار الاستراتيجي للبلاد مبالغًا فيه إلى حد كبير.
وقال الموقع إن أكبر جهة توظيف في العالم ليست إحدى الشركات متعددة الجنسيات الخاصة التي تعمل على نطاق عالمي مثل "وول مارت" أو "ماكدونالدز" أو "كوكاكولا"، وليست أيضًا جيش أحد البلدين الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم، الهند والصين، بل هي وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) التي تضم ما يقارب ثلاثة ملايين موظّف. وهذا الرقم لا يشمل الموظفين "السريّين" أو العاملين في الشركات الخاصة التي تعتمد عليها الوزارة، مثل المتعاقدين.
تعد أجهزة المخابرات الأمريكية بدورها كيانا واسعا ومعقدا للغاية، حيث تتألف من سبع عشرة وكالة استخباراتية أبرزها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) التي غالبًا ما تختلف في رؤاها وتكتيكاتها وتتنافس بشدة فيما بينها. ونظرًا للشبكة الواسعة من المنظمات ومراكز الأبحاث والشركات المرتبطة بها، يصعب تحديد العدد الدقيق لإجمالي العاملين في هذا القطاع.
قدّمت صحيفة "واشنطن بوست" في سنة 2010 تقديرًا تقريبيًا يفيد بأن أكثر من 800 ألف شخص لديهم حق الوصول إلى معلومات حساسة تتعلق بالأمن القومي. لكن هذا الرقم لا يأخذ بعين الاعتبار العدد غير المحدد من العملاء المنتشرين في جميع أنحاء العالم الذين لا تظهر أسماؤهم في السجلات الرسمية بسبب عملهم كعملاء سريين أو متخفين.
وإذا أخذنا بعين الاعتبار المنظومة الفيدرالية الأمريكية بكاملها، فإننا نتحدث عن أكثر من خمسة ملايين موظف مسجلين، من بينهم آلاف المسؤولين الحكوميين الذين يشغلون مناصب رفيعة يدعمهم عشرات الآلاف من الخبراء الفنيين الذين يمتلكون مهارات متخصصة ويتولّون إدارة وتحمل مسؤولية المناطق الجغرافية الموكلة إليهم حول العالم.
ووفقا للتقرير، فإنه بغض النظر عن هوية الشخص الذي يشغل البيت الأبيض أو الانتماء السياسي للأغلبية في الكونغرس، فإن الآلة الضخمة للإدارة الفيدرالية تضمن الاستمرارية الاستراتيجية للإمبراطورية غير الرسمية التي تقوم على ركيزتين أساسيتين: السيطرة على جميع بحار العالم والهيمنة على أوروبا. للحفاظ على هذه السيطرة وتعزيزها، من الضروري تمامًا منع ألمانيا من التقارب الجيوسياسي مع روسيا والصين وكذلك منع بكين من فرض سيطرتها على بحر الصين من خلال الاستيلاء على تايوان. على هذا النحو، لن يكون بإمكان أي رئيس للولايات المتحدة مهما كان توجّهه السياسي أو أي أغلبية في الكونغرس التخلي عن هذه المصالح الاستراتيجية طويلة الأمد لأن الأجهزة الفيدرالية لن تسمح بذلك.
لكن التواجد في الخطوط الأمامية للحفاظ على الهيمنة العالمية وتعزيزها هو مهمة شاقة للغاية، وليس فقط بسبب حالة الحرب الدائمة التي تفرضها. فكما كان الحال مع الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية البريطانية اللتين سبقتاها، لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية تجاهل عاملين أساسيين يحددان مكانتها كقوة مهيمنة: العجز التجاري الهائل والتدفق الهائل للمهاجرين. العجز التجاري هو أداة ضرورية لإبقاء الدول التابعة اقتصاديًا، حيث تصبح أميركا المستهلك الرئيسي لمنتجاتها مما يضمن استمرار تبعيتها. أما الهجرة الجماعية، فهي ضرورية للحفاظ على مجتمع ديناميكي وتنافسي للغاية، والأهم من ذلك، إبقاء السكان في حالة شبابية عدوانية وعنيفة.
لكن التضحيات الاقتصادية الناجمة عن إلغاء التصنيع والاستيعاب المتواصل للمهاجرين بأعداد متزايدة والاستنزاف الناتج عن الحروب المستمرة، كلها عوامل أدت إلى تنامي شعور بالضيق والسخط داخل بين صفوف العرق المهيمن، وهو شعور يميز جميع الإمبراطوريات الكبرى في مراحلها المتأخرة. في الولايات المتحدة، بدأت ملامح هذا الاستياء بالظهور خلال الولاية الثانية لإدارة جورج بوش الابن، ومنذ ذلك الحين استمرت في التصاعد بشكل ملحوظ.
أورد الموقع أن دونالد ترامب يُعد تجسيدًا بارزًا للعرق الجرماني المهيمن، وقد تمكن من التعبير عن استيائه بوضوح. ارتكزت حملته الانتخابية على شعار "لنجعل أميركا عظيمة مجددًا" وهي تستند إلى ثلاثة أهداف رئيسية لمعالجة هذا الاستياء: إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة واستعادة الهيمنة الاقتصادية، تقليص تدفق الهجرة للحد من التأثيرات الثقافية والديموغرافية، وإنهاء الحروب الخارجية وإعادة الجنود الأمريكيين إلى الوطن.
لكن هذه الرؤية غير واقعية إلى حد بعيد لأنها تعني انسحاب الولايات المتحدة من إمبراطوريتها غير الرسمية والتراجع إلى عزلة قومية قديمة الطراز. وهذا أمر لن يسمح به الجهاز البيروقراطي للدولة، وهو ما أكده بوضوح خلال الولاية الأولى لترامب الذي اصطدم بصلابة "الدولة العميقة" التي حالت دون تنفيذ الكثير من سياساته.
لهذا تتمحور نوايا ترامب، رغم غموضها الكبير، حول تقليص نفوذ الإدارة الفيدرالية التي يصفها بـ "الدولة العميقة" - بمعنى سلبي - ورفع سلطة البيت الأبيض بدعم من الأغلبية في الكونغرس لإعادة تشكيل نهج أميركا الجيوسياسي نحو العزلة. لكن هذا الطموح يصطدم بعائق جوهري وهو استحالة تنفيذ نظام "التطهير الإداري" على عشرات الآلاف من البيروقراطيين المتخصصين، الذين يشكلون العمود الفقري للدولة. حتى لو نجح ترامب بمعجزة في هذا التحدي الضخم، فإن الهوية العميقة للأمة الأمريكية لن تتخلى أبدًا عن دورها كقوة عظمى مهيمنة عالميا.
وقال الموقع إن هنا تصطدم الدعاية الانتخابية بالواقع الجيوسياسي الصلب، حيث لا يمكن للرئيس بغض النظر عن سلطته ونفوذه أن يغيّر بسهولة الأسس الاستراتيجية التي تقوم عليها الهيمنة الأمريكية في العالم. لكن موظفي ما يُعرف بـ"الدولة العميقة" ينتمون في الغالب إلى التيار المهيمن، مما يجعلهم شديدي الحساسية والاستجابة لمشاعر هذا التيار وتوجهاته. وقد شكّل الهجوم على مبنى الكابيتول قبل أربع سنوات نقطة تحوّل كبيرة في المسار الإمبراطوري لواشنطن، حيث أن الأجهزة الحكومية لم تستهِن أبدًا بهذه الموجة الحادة من السخط التي اجتاحت العاصمة قادمة من عمق البلاد.
يوضح ذلك التغيير التاريخي في الموقف الذي بدأته الولايات المتحدة خلال إدارة باراك أوباما، والذي تسارع بشكل كبير في عهد جو بايدن، مباشرة بعد محاولة الانقلاب في 6 كانون الثاني/ يناير 2021. وقد قلّصت أمريكا إلى الحد الأدنى تدخلها بل وحتى وجودها في المناطق التي تعتبرها أقل استراتيجية، معتمدة على وكلائها المحليين لإدارة تلك الساحات بدلاً منها.
يعد الشرق الأوسط، حسب التقرير، مثالًا بارزًا حيث عملت الأجهزة الحكومية الأمريكية بشكل مكثف على تحقيق تقارب بين "إسرائيل" والدول العربية السُّنية بهدف احتواء إيران، مما أدى في النهاية إلى توقيع "اتفاقيات إبراهيم". وبنفس النهج، جاء الانسحاب من أفغانستان، لكن بطريقة "غير منظمة" – إن صح التعبير – حيث لم يكن هناك توافق بشأن الانسحاب وتسليم البلاد في الوقت نفسه إلى حركة طالبان، بل شهدت الساحة انقسامًا واضحًا بين الوكالات الفيدرالية الأمريكية المختلفة.
وفي منطقة الساحل الإفريقي، أدت إعادة تموضع واشنطن إلى فشل فرنسا في الحفاظ على جميع مواقعها، مما تسبب في خسارة بعض معاقلها التقليدية أمام نفوذ روسيا. وفي الوقت ذاته، كثفت الولايات المتحدة سيطرتها على المناطق التي تعتبرها استراتيجية، مثل ألمانيا وأوروبا الشرقية والشرق الأقصى.
وذكر الموقع أن فرض الرسوم الجمركية أو تبني سياسات تحفيزية للصناعة الأمريكية، التي بدأت في عهد "باراك أوباما"، واستمرت خلال الولاية الأولى لدونالد ترامب وتسارعت تحت إدارة جو بايدن لم يكن يهدف إلى تحقيق هدف وهمي أو غير اجتماعي متمثل في إعادة التصنيع كجزء من مشروع إمبريالي، بل كان الهدف منه تحقيق هدف استراتيجي واضح يتمثل في تقليص الفوائض التجارية الضخمة لكل من الصين وألمانيا.
تعتمد هاتان الدولتان بشكل رئيسي على تلك الفوائض للحد من القوى الانفصالية الداخلية القوية، التي لولاها لتفككت وحدتهما الوطنية. في الوقت نفسه، تساعد هذه الفوائض في تعزيز طموحاتهما الجيو-اقتصادية، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي. ومع ذلك، لا يمكن للتأثير الجانبي الناجم عن إعادة التصنيع الجزئي الناتج عن هذه التدابير إلا أن يخفف من حالة السخط الاقتصادي داخل الفئة السكانية المهيمنة في الولايات المتحدة.
أشار الموقع إلى أن بناء جدار حدودي مع المكسيك، الذي بدأ في عهد إدارة أوباما ولا يزال مستمرًا منذ أربع سنوات، لا يهدف إلى وقف تدفق المهاجرين من أمريكا اللاتينية بل يسعى لتحقيق هدف إمبريالي بحت يتمثل في تسهيل عملية استيعاب المهاجرين من خلال إنشاء حاجز مادي يقطع روابطهم الثقافية مع وطنهم الأم.
نتيجة انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر والخطاب الافتتاحي الأول لدونالد ترامب يؤكّدان توجهًا هيكليًا مستمرًا منذ ما يقارب عشرين عامًا داخل المجتمع الأمريكي: وهو الشعور بالسخط داخل العرق المهيمن. فالولايات المتحدة القارية، التي يغلب عليها الأصل الجرماني والتي تتحمل العبء الثقيل للإمبراطورية، تشعر بالإحباط والغضب. إنها تحمل ضغينة تجاه السواحل و"مقاطعات" أوروبا الغربية - أو ما يُعرف بـ"القارة العجوز" - حيث تُعتبر هذه المناطق طفيليات تعيش على حسابها وتُصنف على أنها المستفيد الأكبر من "السلام الأمريكي" دون تقديم أي تضحيات ضرورية لحمايته. وقد تمكن الرئيس الجديد من استيعاب هذا الشعور بالغضب والسخط والتعبير عنه بمهارة، مما مكنه من تحقيق انتصار في المواجهة الانتخابية.
بعيدًا عن كونه نقطة تحول أو حتى بداية لعصر جيوسياسي جديد، فإن تولي رجل الأعمال النيويوركي الرئاسة في البيت الأبيض سيعزز الموقف الأمريكي الجديد الذي يتبناه الجهاز الفيدرالي منذ أواخر سنة 2010، لا سيما على مستوى السرد السياسي. سترتفع الرسوم الجمركية، خاصة تلك المفروضة على المنتجات الألمانية والصينية.
وبحسب التقرير، فإنه من المؤكد أن "الشركاء" الأوروبيين سيتم دفعهم لتحمل مسؤوليات أكبر داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) للمساهمة في الدفاع عن "السلام الأمريكي" ضد خصومه. ومع أن نبرة الخطاب حول هذه القضايا تتغير، إذ أصبحت أقل ودية مقارنة بالحكومة السابقة، إلا أن الجوهر لا يزال كما هو.