يأتي شهر رمضان المبارك بفضائله الجزيلة، ليختص فيه المسلمين بالأعمال المُقدّرة عند الله سبحانه إذا خلصت النوايا، إنما هل بإمكاننا دعوة المسلمين إلى التسامح وهي واحدة من فضائل هذا الشهر؟ ربما من المؤسف أن يبدو الأمر عبثياً ولا معنى له، فحالة الشتات التي يعيشها المسلمون لا تشجع أبدا على التفاؤل بإمكانية تحقق ذلك، أو حتى تقبله، فقد نجحت غرف المؤامرات، بإيصال حال المسلمين إلى مثل هذا الوضع المزري من الانكفاء على الذات والتنافس على إرضاء العدو وتسليمه القرار والمقدرات عن طيب خاطر.
النجاح الأول والأهم الذي حققه العدو – بعد عمل عقود طويلة، ومضى استنادا عليه، يغوص في العمق الإسلامي – كان من خلال تشويه ثقافة المسلمين، وترسيخ مفاهيم جديدة بديلة باتت تصور الثقافة الإسلامية كمظهر دال على التأخر عن الركب الحضاري، حتى صار أصغر مسلم يسخر من الحديث عن الدولة الإسلامية لأن فيها مصطلحات مثل الخلافة أمير المؤمنين وأشياء مشابهة لم تعد تتلاءم مع معطيات ومقتضيات العصر الحديث، دون النظر إلى المدلول الذي يعني وحدة المسلمين في السياسة والهدف، وأن تصير خيرات الدول الإسلامية للدول الإسلامية، فلا يكون لمستعمر، الحديث عن غزوات ينفذها في أراضي المسلمين من أجل نهب ثرواتهم.
وإذا أردنا الحديث عن الحداثة والتطور باعتبارهما من فروض تقادم الزمن، فما هي مقاييس ومعايير هذه الحداثة، ومن الذي حدد ورسم بيئة تضاريس هذا العصر؟ إنهم ليسوا المسلمين بطبيعة الحال، وإنما العالم الغربي الذي نجح في ترسيخ ثقافته وجعلها مقياس التقدم الحضاري للمجتمعات وحتى للأفراد، ثقافة تنكر على العربي والمسلم أن يتعامل معهم بنديّة وتكامل، وحدوده أن يكون تابعا ويتلقف فقط ما يُصدّر إليه من مظاهر التقدم.
إثر ذلك نجح العالم الآخر في السيطرة على قرار الشعوب، ففرض عليها أن تبقى تناضل من اجل تحقيق خطوات متقدمة أكثر وأكثر في مماثلة الحضارة الغربية، مع هجر تام للقيم الإسلامية، لأن في ذلك تميز وتطور -بزعمهم- يبعد المجتمع المسلم عن تلك البيئة الإسلامية المتخلفة التي تنادي بالحرية والكرامة، وهكذا حسب ما رسمته الماسونية الصهيونية أو العكس، وصارت الشعوب إلى أنظمة متنافرة لها رؤيتها الخاصة للنظام والعلاقة مع الآخر، وإن كانت الحقيقة أنها أنظمة تابعة برؤية بلا أبعاد استراتيجية، وها هي أكثر هذه الدول ترزح تحت طائلة الديون للغرب، وقد يكون من المثير أن نعلم أنه حتى الدول الثرية عليها ديون.
واليوم حرب الإبادة في غزة وسلبية الأنظمة عن التحرك العملي لإنقاذ إخوتنا هناك، يعكس نجاح المؤامرة في تقييد هذه الأنظمة ونخر إرادتها، فما عادت تقوى على شيء يتعارض مع توجهات العدو، بل والأسوأ أن بعضها يكاد يكون متواطئا، دون اعتبار لشراكة في الدين والتاريخ والثقافة، ودون اعتبار حتى لقيم إنسانية.
وبطبيعة الحال في هذا المناخ الثقافي العشوائي والمشوّه لم يعد بالإمكان توقع تحقيق وحدة إسلامية واحدة تحت راية واحدة تستفيد من كل مظاهر الحضارة الغربية وحتى الفضائية، المهم أن تظل محافظة على ثوابتها، هذا الأمر لا شك أنه بحاجة إلى مسار طويل من الجهد والعمل، فإرث حالة التكلس التي أدمنها المسلمون لعقود خلّفت قرونا من التأخر عن مواكبة حراك العدو ضدهم، مع ذلك بالإمكان البدء، على أن يكون الانطلاق من مستويين متوازيين، الأول: ترسيخ الثقافة المناهضة للفكر الغربي الذي ينزع عن المسلمين صفة القدرة على فرض خارطتهم على المريخ وعلى القمر بجهود ذاتية عن أهلية وجدارة، والتاريخ يشهد بعظمة عطائهم في العلوم والفضاء والرياضيات، والثاني: توحيد الجهود لتحرير بعض الأنظمة من قيود الغرب، فسلوك هذه الأنظمة جعلها مقيدة خوفا من المحاسبة، والتي لا ترى إلا الغرب قادرا على فتح وفضح سجلاتها.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
في ذكرى ميلاده الـ79| الطيب.. شيخ الأزهر المنفتح على العالم الحديث
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تمر علينا اليوم الاثنين الموافق 6 يناير عام 2024، ذكرى مولد فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، حيث يكمل عامة التاسع والسبعين، في رحلة عطاء ذاخرة بالعمل والإيمان وخدمة الدين والوطن والأمة الإسلامية.
وتستعرض «البوابة نيوز» في هذا -التقرير- بعضًا من جوانب الرحلة الحياتية لشيخ الأزهر، حيث وُلِدَ أحمد محمد أحمد الطیب الحسَّاني، بقریة القُرنةِ التابعة لمحافظة الأقصر في صعید مصر، في 6 ینایر عام 1946م، لأسرة صوفیة زاهدة، وبیت علم وصلاح، ویعود نسب أسرته إلى سیدنا الحسن بن علي بن أبي طالب رضي لله عنهما.
رحلة الطيب العلميةنشَأ في القُرنة في كَنَف والده، وحفظ القرآن وقرأَ المتونَ العلمیة على الطریقة الأزهریّة الأصیلة، والتحقَ بمعهد «إسنا الدیني»، ثم بمعهد «قنا»، ومن ثم بقسم العقیدة والفلسفة بكلیة أصول الدین بالقاهرة، حتى تخرج فيها بتفوق عام 1969م.
تلقى «الطيب» العلم في الأزهر على ید كبارِ علمائه في جمیع مراحله التعلیمیة، وقد حرص منذ صغره على حضورِ مجالس العلماء والصالحین، وتعلُّمِ أصول التربیة والسلوك والحكمة في الطریق إلى لله.
شهد الإمام -في صغره- مجالس المصالحات والمحاكمِ العرفیة التي قادها جده الشیخ أحمد الطیب، ووالده الشیخ محمد الطیب في «ساحة الطیب»، وعندما بلغ من العمر 25 عامًا أصبح مشاركًا ومحققًا في هذه المجالس، ولا یزال حتى الآن یشارك شقيقه الأكبر الشیخ محمد، في هذه المهام النبیلة.
درجاته العلميةحصل على الإجازة العالية «الليسانس» في العقيدة والفلسفة من جامعة الأزهرِ الشريف بتقدير عام جيد جدًا مع مرتبة الشرف، وكان ترتيبه الأول على القسم عام 1969م، وعيِن معيدًا في 2 سبتمبر من العام نفسه.
بعد تخرجه بأقل من شهرين، حصل على درجةِ التخصصِ «الماجستير» عام 1971م، وعيِن مدرِسًا مساعدًا في العامِ نفسِه، حصل على درجة «الدكتوراة» عام1977م، فعين مدرِسًا في قسمِ العقيدة والفلسفة، وترقى إلى درجة أستاذ مساعد عام 1982م، وحصل على الأستاذيَة في 6 يناير 1988م.
دراسته للفرنسيةجمع الإمام الطيب بين تعاليم المنهج الأزهري والانفتاح على الثقافة الأوربية الحديثة، حيث درس اللغة الفرنسية في المركز الثقافي الفرنسي بالقاهرة بعدما تخرج في كلية أصول الدين، وقضى به قرابة خمس سنوات، وكان يعرف الإنجليزية من دراستها في المرحلة الثانوية الأزهرية «1960م -1965م»، وترجم عددًا من المراجع الفرنسية إلى اللغة العربية.
هيئات علمية تولى عضويتهاشغل فضیلة الإمام الأكبر خلال مسيرته العلمیة والتعلیمیة عضویة العدید من الهيئات والمؤسسات، منها:عضو المجلس الأعلى لمواجهة الإرهاب والتطرف منذ 23 إبريل 2018- حتى الآن، المجلس الأعلى للشئون الإسلامیة، الجمعية الفلسفية المصرية، رئیس اللجنة الدینیة باتحاد الإذاعة والتلیفزیون، عضو أكادیمیة مؤسسة آل البیت الملَكیة للفكر الإسلامي، مجمع البحوث الإسلامیة، مقرر لجنة مراجعة وإعداد معاییر التربیة بوزارة التربیة والتعلیم.
المناصب والمهام القياديةتولى الإمام العديد من المناصب والمهام القیادیة خلال مسیرته العلمیة والدعوية، فساهم من خلالها في نصرة القضايا الإنسانية العادلة، وإرساء السلام، واستعادة المكانة العالمية والريادة التاريخية التي يحظى بها الأزهر منذ أكثر من ألف عام.
ومن أبرز المناصب والمهام القیادیة التي تولاها الإمام الأكبر: يرأس فضيلته مجلس حكماء المسلمين منذ تأسيسه في 19 يوليو 2014م، حتى يومنا هذا، ويرأس بيت الزكاة والصدقات المصري الذي تم إنشاؤه عام 2014م، ويشرف بنفسه على جهات الإنفاق لصالح الفقراء والمحتاجين.
وتولى منصب شيخ الأزهر، في 19 مارس 2010م، حتى الآن، خلفًا للإمام الراحل أ.د محمد سيد طنطاوي، وهو الإمام الخمسون للجامع الأزهر، وبحكم منصبه شيخًا للأزهر، يرأس هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية، والمجلس الأعلى للأزهر.
ويرأس فضيلته المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، وقد تم إنشاؤها 2007م، خلال توليه منصب رئيس جامعة الأزهر، ويترأس المؤتمرات الدولية التي تعقدها، تولى منصب رئيس جامعة الأزهر منذ 28 من سبتمبر عام 2003م، حتى 19 مارس عام2010.
اُختير مفتيًا للديار المصرية، في يوم الأحد الموافق 10 مارس 2002م، وحتى 27 سبتمبر 2003م، وقد أصدر خلال فترة توليه الإفتاء حوالي «2835»، فتوى مسجلة بسجلات دار الإفتاء المصرية.
عين عميدًا لكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية العالمية بباكستان، في العام الدراسي 1999/ 2000م، وانتدب عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية بنين بأسوان، اعتبارًا من 15 نوفمبر 1995م.
انتدب الإمام الطيب عميدًا لكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بمحافظة قنا، اعتبارًا من 27 أكتوبر 1990م، حتى 31 أغسطس 1991م.