الاحتفاء برمضان.. مشاعر وطقوس راسخة تتجدد كل عام : نظافة الأحياء والمنازل وتزيين المحال التجارية.. وجه آخر للآحتفاء
تاريخ النشر: 10th, March 2024 GMT
يستعد اليمنيون كغيرهم من الشعوب العربية والإسلامية لاستقبال الشهر الفضيل بطقوس وتقاليد تختلف عن غيرهم من شعوب العالم، لكون هذا الشهر المبارك يحمل روحية خاصة ومكانة منفردة في نفوس اليمنيين لما يحمله من معان خاصة ونفحات مباركة ومشاعر تبعث بالخير والأمل والمحبة لطالما توارثها اليمنيون على مر العصور .
قضايا وناس / مصطفى المنتصر
كحال مختلف البلدان العربية التي تستقبل شهر رمضان المبارك بطقوس وتقاليد مختلفة .
طقوس ومظاهر ابتهاجية
ينشغل اليمنيون من منتصف شعبان وحتى أواخره في ممارسة أعمال وطقوس يراها الجميع ضرورية من اجل الاستعداد لاستقبال الضيف الكريم وهي بالعادة طقوس مميزة لما تحمله من معان كريمة واعتزاز بحرمة ومكانة الزائر والضيف العزيز، فنظافة المنازل والاحياء والطرقات مظاهر ضرورية يقوم بها اليمنيون قبيل رمضان والبعض يقوم بطلاء منزله وتزيينه احتفاء بهذا الشهر الفضيل، حيث يشير عبدالله السلال (61) عاما انهم في صنعاء القديمة دائما ما يكونوا منشغلين قبيل شهر رمضان بإنجاز أعمالهم الضرورية حتى يأتي شهر رمضان وهم متفرغون لقيامه وصيامه، وعن طقوس استقباله يقول السلال: لصنعاء القديمة طقوس قد تنفرد بها عن غيرها من مناطق اليمن حيث تكون للشهر الكريم مكانة خاصة في نفوس أبناء صنعاء، حيث تتوزع الأساليب الاحتفائية بين الأهازيج الترحيبية وتزيين المنازل والأحياء وتنظيفها .
ويضيف السلال : اعتدنا سنويا المشاركة في تنظيف الاحياء السكنية وتقوم النساء أيضا بتنظيف المنازل قبل رمضان بأيام احتفاء بقدوم الشهر الكريم، ويشير إلى أن عادة تنظيف الأحياء والمنازل وتزيينها ليست حديثة اللحظة، بل عادة قديمة يمارسها ساكنو صنعاء وبقية المحافظات اليمنية، احتفاء بهذا الشهر وتكريما لمكانته والذي تجسدت فيه كل العبادات من ضمنها ترجمة تعاليم الدين الإسلامي التي تحث على ربط النظافة بالإيمان.
ولم تقتصر مظاهر الاحتفاء والترحيب بالشهر الكريم بطقوس النظافة فقط بل هناك العديد من الاستعدادات التي تتنوع بين الابتهاج بقدوم شهر رمضان والاستعداد نفسيا له، وتشمل المظاهر تزيين المنازل بالأهلة والمصابيح الورقية والكهربائية.
حيث يحرص البيت الصنعاني على تجهيز وصناعة متطلبات الزينة الرمضانية التي تتميز بالفوانيس وبعض الشعارات والكتابات والعبارات الترحيبية والمعبرة عن معاني الشهر الفضيل وفضائله كتقليد سنوي يعبر عن السعادة بقدوم شهر رمضان.
بمقابل ذلك يحرص أصحاب المحال التجارية في اليمن على تزيين واجهات محالهم والشوارع بالإضاءات والزينة المختلفة، ويرى عبدالعزيز المشرع، أحد أصحاب المحلات التجارية، أن هذا الاحتفاء يترك انطباعاً لدى الجميع بأن شهر رمضان هو موسم لعمل الخيرات والعبادات، قد اقبل علينا بأجواء روحانية تستحق أن يضاء لها الكون إلى جانب قلوب وأفئدة الجميع وان يستقبلوه بنفوس رضية وصافية وقلوب مضيئة بالخير والعمل الصالح.
ويضيف المشرع: ان شوارع واحياء اليمن يتجول فيها الأطفال بين المنازل بالأهازيج والأناشيد الترحيبية برمضان باعتباره ضيفا مبهجا، يرى الأطفال فيه مشاعر مختلفة عن باقي شهور السنة، ويضيف على حياة الناس أجواء روحانية، ويمنحهم فرصة للامتثال لتعاليم الدين في الصوم والابتعاد عن كل الخطايا والآثام.
فرحة الأطفال بقدوم رمضان
ويستعد أطفال اليمن للاحتفاء بالشهر الكريم بطرق ومظاهر تختلف عن غيرهم وبطريقتهم الخاصة من خلال حفظ وترديد الأناشيد والأهازيج الترحيبية بقدوم الشهر الفضيل، وتجهيز بعض المصابيح لاستقبال رمضان بالأناشيد والطقوس الترحيبية، من ضمن هذه الأهازيج والأناشيد الدينية التي يرددها الأطفال بروح منتشية وهم يتجولون في الأحياء والشوارع أناشيد:
“يا رمضان يا أبو الحماحم.. شهر التقى والخير دايم
يا رمضان يا أبو الحماحم.. أد لأبي قرعة دراهم
يا رمضان يا شهر العبادة.. من صامك أجره زيادة”.
رمضان في الريف اليمني
وفي القرى والمناطق الجبلية تكون لاستقبال رمضان نكهة خاصة ومظاهر مختلفة، حيث تشاهد الجبال مضاءة ومشتعلة بالأنوار والنيران المشتعلة، حيث يقوم أهالي تلك المناطق بإشعال الحطب تعبيرا عن ابتهاجهم بهذا الضيف البهيج بالإضافة إلى الزيارات والأناشيد التي يتجول بها الأطفال بين القرى والوديان تعبيرا عن ابتهاج الناس بهذا الشهر الكريم وأهمية ان يغتنمه الناس بعمل الطاعات والخير . فجوة بين ما تقدمه مراكز التربية الخاصة من خدمات وما يحتاجه ذوو الإعاقة الذهنية,
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
التعاون المصري الفرنسي في البحث العلمي.. 25 عاما من الشراكة العلمية تتجدد بروح إيمحتب
على مدى عقود جسدت العلاقات المصرية الفرنسية نموذجا مميزا للتعاون الثنائي، لم تقتصر فيه الشراكة على الجوانب السياسية أو الاقتصادية، بل امتدت بعمق إلى مجالات البحث العلمي والتعليم العالي، فقد حرص البلدان على تطوير روابط معرفية متينة، تهدف إلى تبادل الخبرات، وتحفيز الابتكار، وتقديم حلول علمية لتحديات القرن الحادي والعشرين.
وفي قلب هذا التعاون، يبرز "برنامج إيمحتب" كواحد من أهم المبادرات العلمية المشتركة بين مصر وفرنسا، والذي انطلق عام 2005 وسمى بهذا الاسم تكريما للمهندس "إيمحتب" وزير الملك زوسر مؤسس الأسرة الثالثة، والذي نفذ بناء هرم سقارة المدرج الذي يرجع تاريخه إلى بداية الأسرة الثالثة (حوالي 2667-2648 ق.م)، واشتهر "ايمحتب"بعلمه في الفلك والطب وقدسه البطالمة واعتبروه آله للطب والسحر والفلك، وكأن التسمية تحمل دلالة رمزية على السعي لإحياء الإرث العلمي المصري من خلال أدوات العصر الحديث وبالشراكة مع إحدى أقوى الدول الأوروبية في مجال البحث العلمي.
برنامج" إيمحتب" هو برنامج ثنائي يهدف إلى دعم وتمويل مشروعات بحثية مشتركة بين فرق علمية مصرية وأخرى فرنسية، ويدار من الجانب المصري عبر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ومن الجانب الفرنسي من خلال وزارة أوروبا والشئون الخارجية والمعهد الفرنسي في القاهرة.
ويركز البرنامج بشكل أساسي على تبادل الباحثين، خاصة الشباب وطلاب الماجستير والدكتوراه، مما يساهم في بناء جيل من العلماء يمتلكون الخبرة الدولية والرؤية العلمية المتطورة.
لا يقتصر دور "إيمحتب" على تقديم الدعم المالي، بل يشجع على التفاعل العلمي الحقيقي بين الجانبين من خلال تنفيذ مشروعات بحثية تمتد غالبا لعامين، وتغطي خلالها نفقات السفر والإقامة والتنقل بين المؤسسات البحثية في البلدين.
ورغم أن البرنامج لا يقدم تمويلا لشراء معدات أو دفع رواتب، إلا أن أثره يتجاوز بكثير الجانب المادي، فهو يعزز الحوار العلمي، ويشجع النشر المشترك، ويعمق العلاقات المؤسسية بين الجامعات والمعاهد البحثية في البلدين.
ومن أبرز الشركاء المصريين في البرنامج.. يبرز "المركز القومي للبحوث"، أكبر المؤسسات البحثية في مصر والعالم العربي، والذي لعب دورا محوريا في التعاون مع مراكز فرنسية كبرى مثل CNRS والمعهد الوطني للصحة والبحث الطبي (INSERM). وقد شارك باحثو المركز في مشروعات تناولت موضوعات دقيقة مثل الأمراض المعدية، النانوتكنولوجي، تطبيقات التكنولوجيا الحيوية، وتأثير العوامل البيئية على الصحة العامة.
وفي إطار الاستمرارية والتوسع في هذا التعاون، أعلنت أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا عن فتح باب التقدم لدورة جديدة من برنامج "إيمحتب" للأعوام 2025/2026، بالتعاون مع وزارة الخارجية الفرنسية، حيث تتولى الأكاديمية الأعمال الإدارية عن الجانب المصري، بينما تتولى مؤسسة "كامبس فرانس" الإدارة من الجانب الفرنسي، ويأتي ذلك في سياق دعم مشروعات بحثية مشتركة لمدة عامين، بتمويل يصل إلى 300 ألف جنيه سنويا لكل مشروع.
وحددت الأكاديمية مجالات بحثية ذات أولوية للتعاون تشمل قضايا المياه من خلال معالجة الصرف الصحي وتحلية المياه وإدارة نظم الري، إضافة إلى قضايا البيئة والطاقة خاصة الطاقة المتجددة وخلايا الطاقة الهيدروجينية وبطاريات السيارات الكهربائية، كما تشمل مجالات الطب والبيولوجيا من خلال أبحاث إنتاج الإنزيمات بالتكنولوجيا الحيوية وتقنيات التشخيص المتقدمة مثل الحساسات، وأبحاث فيروس التهاب الكبد الوبائي سي، إلى جانب تخصصات الرياضيات وتطبيقاتها، والفيزياء، وعلوم الأرض والفضاء، والكيمياء، والعلوم الإنسانية والاجتماعية، بالإضافة إلى الدراسات المرتبطة بالمجتمع مثل السياحة والتعليم، والهندسة مع التركيز على الطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات خصوصا الوسائط المتعددة، وكذلك الزراعة والإنتاج الحيواني والنباتي والغذائي بما في ذلك إنتاج المحاصيل الغذائية.
وتعكس هذه المجالات تنوع التحديات العلمية والبحثية التي يسعى الجانبان للتصدي لها من خلال هذا البرنامج الذي لم يعد مجرد أداة للتبادل الأكاديمي بل بات منصة استراتيجية لتعزيز الابتكار ودعم البحث التطبيقي بما يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ويرسخ الدور العلمي لمصر وفرنسا على المستويين الإقليمي والدولي.
لكن برنامج" إيمحتب" ليس سوى أحد أوجه التعاون البحثي بين القاهرة وباريس، فهناك جهود مشتركة تبذل أيضا عبر مؤسسات تعليمية وبحثية مثل "الجامعة الفرنسية في مصر"، التي أسست عام 2002 كمؤسسة تعليمية فريدة من نوعها في المنطقة، تجمع بين النظم التعليمية الفرنسية والخبرة الأكاديمية المصرية، وتوفر برامج دراسات عليا وأبحاث تطبيقية مشتركة في مجالات الهندسة، والعلوم الاجتماعية، وإدارة الأعمال.
وفي مجال الآثار والعلوم الإنسانية، يعد "المعهد الفرنسي للآثار الشرقية" في القاهرة أحد أقدم المراكز البحثية الفرنسية بالخارج، والذي تأسس عام 1880 على يد العالم "جاستون ماسبيرو"، وهو ينتمي اليوم إلى شبكة المراكز البحثية الفرنسية الكبرى خارج فرنسا، ويخضع لإشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الفرنسية، ويعمل على دراسة الحضارة المصرية القديمة منذ قرابة قرن ونصف، بالتعاون مع علماء آثار مصريين وهيئات حكومية مصرية.
من جانب آخر، توفر الحكومة الفرنسية العديد من المنح والزمالات الدراسية للباحثين المصريين، مثل برنامج "إيفل للتميز"، ومنح "المعهد الفرنسي للإقامات العلمية قصيرة الأجل"، التي تمكن الباحثين المصريين من إجراء أبحاثهم داخل أعرق المعاهد الفرنسية، مما يفتح آفاقا جديدة للتعاون الأكاديمي ونقل التكنولوجيا.
يعكس هذا التعاون العلمي بين مصر وفرنسا فلسفة معرفية وإنسانية عميقة، قوامها أن العلم لا يعرف حدودا، وأن الشراكات الدولية يمكن أن تكون مدخلا لتطوير القدرات المحلية، وتحقيق التنمية المستدامة.. وفي زمن تتسارع فيه التحديات العلمية، من تغير المناخ إلى الأمن الصحي، تظل الشراكة العلمية بين القاهرة وباريس نموذجا ملهما لما يمكن أن تحققه الإرادة السياسية والمجتمعية إذا اقترنت بالاستثمار في العقول.