محللون: تغير الشارع الغربي لصالح فلسطين يضع إسرائيل وداعميها في أزمة
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
يمثل التغير المتواصل في موقف الشارغ الغربي لصالح فلسطين أزمة حقيقية بالنسبة لإسرائيل وداعميها، الذين يصرون على نزع الإنسانية عن الشعب الفلسطيني بطريقة تضع الجميع في خطر محدق، كما يقول محللون.
ففي حين تواجه إسرائيل تهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين، لا يزال جنودها يتباهون بقتل المدنيين العزل، على نحو يكشف شعورهم القوي بعدم المحاسبة والإفلات من العقاب.
وقد حصلت الجزيرة على صور تظهر جنودا إسرائيليين وهم يتحدثون عن قتلهم مسنّا فلسطينيا أعزل، دون أي شعور بالقلق، بل وتظهر -أيضا- إطلاقهم النار مجددا على جثة الرجل.
ومن وجهة نظر الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي، فإن هذه الصور "تعكس استحالة إخفاء ما ترتكبه إسرائيل من جرائم بحق الفلسطينيين، فضلا عن أنها تزيد الانحياز الشعبي العالمي لصالح الفلسطينيين على حساب إسرئيل".
تغير لصالح القضية الفلسطينية
ووفقا لما قاله البرغوثي -خلال مشاركته في برنامج "غزة.. ماذا بعد؟"-، فإن وعي الجيل الجديد في الغرب يتغير على نحو متزايد لصالح القضية الفلسطينية، حتى داخل الولايات المتحدة الأميركية.
إلى جانب ذلك، فإن هذه التقارير والصور التي تكشف مدى جرم الإسرائيليين وانتهاكهم للقانون "يحرج الحكومات المناصرة لتل أبيب، ويجعل الصورة أكثر تعقيدا بالنسبة لإسرائيل نفسها"، وفق البرغوثي.
لذلك، فإن المشلكة ليست في كشف الجرائم لأن بعض الدول الكبرى غير مهتمة بكشفها، وإنما في شرح الصورة الأخلاقية التي يحاول الإسرائيليون تسويقها للعالم عن أنفسهم، فضلا عن كشف تورطهم في التطهير العرقي والإبادة، كما يقول البرغوثي.
الرأي نفسه ذهب إليه زعيم حزب العمال البريطاني السابق جيرمي كوربين، بقوله إن القناع قد سقط عن جيش إسرائيل، وإن الصورة التي سعوا لترسيخها "قد انكسرت أمام العالم".
كما أن هذه الصور التي يشاهدها العالم على الهواء مباشرة غيرت كثيرا، برأي كوربين، الذي يرى ضرورة وقف الدول الكبرى تزويد إسرائيل بالسلاح والالتزام بقرارات محكمة العدل الدولية التي صدرت بشأن قطاع غزة.
واتفق كوربين مع البرغوثي في مسألة تغير الرأي العالم بشأن فلسطين، بقوله إن المظاهرات لا تتوقف في العديد من الدول، وإن الشعوب "تتحول بسرعة بينما الحكومات لا تزال متمترسة في مواقفها الداعمة لإسرائيل".
ومع ذلك، يرى كوربين أن المظاهرات "مهمة ومؤثرة لأنها تضم فئات وأجناسا متعددة، بل يشارك فيها عدد كبير من اليهود الذين يدافعون عن غزة، بينما غالبية وسائل الإعلام والنخبة لا تزال تدعم إسرائيل".
ورغم الانحياز الرسمي والإعلامي والسياسي لإسرائيل، فإن العالم "يشهد انتقالا متزايدا إلى دعم فلسطين"، كما يقول كوربين، موكدا أن "الشارع مختلف عما تنقله الصحافة، والجيل الجديد يتفتح على هذا القمع الذي يتعرض له الفلسطينيون وسيتأثر به".
لا أخلاقية الدول الكبرىوقد كشف ما جرى "مدى لا أخلاقية النظام السياسي والتشدق بحقوق الإنسان والقانون والديمقراطية"، برأي البرغوثي الذي يؤكد في الوقت نفسه أن هذه الحكومات "تعيش تحت ضغط".
واستدل البرغوثي على حديثه بتراجع كندا عن تعليق تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، وجنوحها إلى تأييد وقف إطلاق النار، بسبب الضغط الشعبي.
ومع الوقت -يضيف البرغوثي- "ستجد كثير من الحكومات الداعمة لإسرائيل نفسها مضطرة للتراجع أمام الضغط الشعبي".
ورغم أن الحرب الأخيرة كشفت مدى خشية المؤثرين الغربيين من انتقاد إسرائيل حتى بعد قرارات محكمة العدول الدولية، فإن ما يحدث في الشارع مختلف -برأي كوربين- لأنه "حتى الموقف اليهودي عالميا يشهد تغيرا لصالح الفلسطينيين".
وفي حين حاولت إسرائيل نزع الإنسانية عن الفلسطينيين لتسويغ جرائمها كما فعلت بريطاينا سابقا لتسويغ تجارة الرقيق، إلا أن إسرائيل نفسها خرج منها حاليا من يدافع عن غزة وينتقد طريقة التعامل معها، بل وأعلنوا إمكانية دعمهم جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية، كما يقول كوربين.
ويرى البرغوثي أن هذا التجريد للفلسطينيين من إنسانيتهم "خطير جدا، لأن إسرائيل بعد كل ما كُشف من جرائمها لا تزال تواصل مسيرتها، ولا يزال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يؤكد أنه سيهاجم رفح ولا يتورع عن إعلان ذلك رغم أنه قد يؤدي لمجزرة غير مسبوقة".
وأكد البرغوثي أن دولا كبرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا تتحمل المسؤولية؛ لأنها شاركت في الحرب والجرائم بطائرات وجنود وأسلحة غير مسبوقة.
وخلص البرغوثي إلى ضرورة تحويل هذا التحول الشعبي الغربي إلى جزء من حملة مقاطعة ومعاقبة إسرائيل، مؤكدا أن العقوبات وحدها هي التي ستدفعها لوقف عدوانها.
أما كوربين، فيرى أن المشكلة الكبرى هي أن الساسة الغربيين "ضعفاء أمام الهجمة الإعلامية التابعة للوبي الصهيوني، الذي لا يترك أحدا يناصر فلسطين دون أن يشن عليه هجوما".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
ماذا بعد ارتفاع خسائر جيش الاحتلال بغزة؟ محللون يجيبون
يرى محللون وخبراء أن تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية وارتفاع خسائر جيش الاحتلال في قطاع غزة خلال الأيام الماضية يعمّقان المأزق الإسرائيلي، ويكشفان فشل إستراتيجيته العسكرية والسياسية، ويزيدان من حدة الانقسامات داخل المؤسستين العسكرية والسياسية حول أهداف الحرب ومستقبلها.
وتشهد جبهات القتال، من بيت حانون شمالا إلى رفح جنوبا، اشتدادا للمعارك خلال الأيام الماضية. ونفذت المقاومة كمائن وعمليات قنص أدت لمقتل وإصابة جنود إسرائيليين، وفق بيانات جيش الاحتلال المتتالية.
ويشير الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا إلى وجود نمط عملياتي جديد للمقاومة، يدل على تغيير في ديناميكية مسرح العمليات العسكرية، ويؤكد الفشل الكبير للإستراتيجية الإسرائيلية العسكرية والسياسية.
ويضيف، في حديثه لبرنامج "مسار الأحداث"، أن النجاحات التكتيكية الإسرائيلية، حتى مع الدمار الواسع، غير قادرة على التحول إلى نصر إستراتيجي كبير، بسبب الخلل الإستراتيجي وعدم تطابق الأهداف السياسية مع الإمكانيات العسكرية لتحقيقها.
ويرى حنا أنه بالرغم من تغير المسرح العسكري في غزة، ووجود قيادة أركان جديدة بمقاربة مختلفة، لا تزال المقاومة ترفع كلفة بقاء الاحتلال، وذلك بعد أن سمحت له بالتقدم المتدرج في مناطق فارغة سابقا.
إعلانفالجيش الإسرائيلي الذي يفضل الحركية والمناورة، وصل إلى حالة ثبات في امتداده الأقصى داخل القطاع، وهو ما استغلته المقاومة لبدء عمليات مضادة وفق نمط جديد يهدف لزيادة خسائر المحتل، حسب حنا.
محاولة استدراج المقاومة
بدوره، يوضح الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة أن توقيت تكثيف عمليات كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- مرتبط بخطة عمل واضحة، تأخذ في الاعتبار تطورات الميدان على مدى أكثر من عام ونصف العام، بما في ذلك تغيير جغرافيا وآليات المواجهة، بالإضافة إلى القدرات البشرية والمادية المتاحة.
ويشير إلى أن الاحتلال حاول استدراج المقاومة إلى توقيته وأسلوبه في القتال عبر التوغل المتدرج، لكن المقاومة حافظت على حالة من السكون التكتيكي لبعض الوقت.
ويضيف عفيفة أنه عندما بدأت قوات الاحتلال بالتموضع والدخول في حالة من الروتين العسكري في مناطق التوغل، وهو أمر خطير بالنسبة للجيوش النظامية، بادرت المقاومة بامتلاك زمام المبادرة وتنفيذ كمائنها المخطط لها مسبقا ضمن إستراتيجيتها.
وقد أحدث هذا التحول الميداني حالة من الإرباك لدى جيش الاحتلال انعكست على سلوكه وقراراته، ووصلت تداعياته إلى نقاشات الكابينت الإسرائيلي الحادة حول سؤال "ماذا بعد؟".
هذا الإرباك تجلى في كشف صحيفة "يسرائيل هيوم" عن جدل حاد شهده اجتماع المجلس الوزاري المصغر بين قادة الأمن والوزراء بشأن المراحل التالية للعملية في غزة، وعدم التوصل إلى قرارات حاسمة. وقد أمر أعضاء المجلس الوزاري الجيش بتحديث خططه بما يتلاءم وتوجهات الوزراء وعرضها عليهم مرة أخرى.
سؤال ماذا بعد؟
وفي هذا السياق، يرى الخبير بالشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى أن سؤال "ماذا بعد؟" بدأ يُطرح بقوة داخل إسرائيل، مشيرا إلى حالة صدمة أصابت قائد هيئة الأركان الجديد إيال زامير، الذي ارتكز على 3 عناصر قوة متوهمة، وهي عدم انتمائه لإخفاق 7 أكتوبر 2023، واعتقاده بضعف حماس، وحصوله على سقف موارد غير محدود لاحتلال غزة.
إعلانلكنه اكتشف، حسب مصطفى، 3 عناصر ضعف لم يحسب حسابها، وهي عرائض الاحتجاج المتزايدة التي نزعت شرعية العملية العسكرية، واستمرار فاعلية حماس وقدرتها الميدانية، وعدم استعداد نسبة كبيرة من جنود الاحتياط للتجنيد (50-70% غير ملتزمين بوحداتهم)، مما يعزز الأزمة خاصة أن قتلى وجرحى الكمائن الأخيرة من الاحتياط.
ويؤكد مصطفى أن حساسية الخسائر البشرية تكون عالية جدا في إسرائيل عندما تفتقد الحرب للإجماع والشرعية الداخلية، مما يعيد طرح سؤال الجدوى من العملية العسكرية برمتها، خاصة مع بدء ما يشبه حرب استنزاف.
ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت عن مصادر أن التوتر شديدٌ بين سلاح الجو الإسرائيلي وقيادة المنطقة الجنوبية بسبب الحرب على غزة، وأوضحت المصادر أن سبب التوتر هو الارتفاع المستمر في عدد القتلى المدنيين بالقطاع بسبب الغارات على أهداف تختارها القيادة الجنوبية.
ويعتبر مصطفى أن هذا الخلاف مؤشر على الانقسام العام الأوسع الذي ظهر في العرائض العسكرية، مشيرا إلى أن سلاح الجو، الذي له تاريخ في قيادة الاحتجاجات وينتمي لطبقة اجتماعية معارضة لليمين، بدأ يعارض قرارات المنطقة الجنوبية بسبب الجو العام المختلف في إسرائيل بعد اتفاق وقف إطلاق النار وتصاعد الضغط الداخلي.
تعظيم حالة الارتباك
وفي خضم هذه التوترات، دعت هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين إلى مظاهرة حاشدة السبت في تل أبيب ومدن أخرى، للمطالبة بإعادة كل الأسرى عبر صفقة بدفعة واحدة.
ويؤكد عفيفة أن المقاومة تعوّل على هذه الخلافات الإسرائيلية المتعددة لتعظيم حالة الارتباك والضغط على حكومة نتنياهو، مشيرا إلى أن مبادرة حماس الأخيرة بصفقة شاملة التقطتها أطراف إسرائيلية وأميركية وزادت الضغوط.
ويعتبر عفيفة أن تأجيل اتخاذ قرارات حاسمة في إسرائيل بشأن العمليات العسكرية مرتبط بهذه الضغوط، وبمحاولة الاعتماد على ورقة المساعدات الإنسانية كأداة ضغط مركزية بعد الإحباط من النتائج العسكرية، وهو ما ظهر في الجدل الحاد حول مسؤولية توزيع المساعدات ورفض الجيش توليها.
إعلانويرى مصطفى أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو يعتمد أسلوب التأجيل لأنه لا يريد حسم الخلاف العميق بين تيار "الحسم السريع" (يمثله الوزيران المتطرفان بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير) الذي يريد احتلال غزة وفرض حكم عسكري عليها، وتيار "الحسم البطيء" الذي يمثله نتنياهو نفسه، والذي يسعى لإطالة الحرب واستدامتها.
ويتوقع مصطفى أن يلجأ نتنياهو لتسوية مؤقتة عبر "خصخصة" توزيع المساعدات لتجنب تحويل الجيش إلى حاكم فعلي، مع إعطاء وعود بتوسيع العملية العسكرية لإرضاء اليمين المتطرف دون نية حقيقية لتنفيذ احتلال واسع النطاق قد يضحي بالأسرى ويزيد الأزمة الداخلية.
وفي المحصلة، يتوقع المحللون أن تعطي إسرائيل الآن أهمية كبرى للمسار الدبلوماسي، خاصة مع الحراك الجاري وزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المرتقبة للمنطقة، بالتوازي مع استمرار عمليات عسكرية محدودة ومحسوبة تهدف للضغط على حماس وإرضاء أطراف في الحكومة الإسرائيلية، دون الانجرار إلى مواجهة شاملة.