محقق فذ.. مسلسل حائر بين الروحانية والواقعية
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
بعد عرض الموسم الرابع من مسلسل "محقق فذ" (True Detective)، ينبغي العودة 10 سنوات للخلف لفهم الإرث الذي يحاول هذا الموسم منافسته.
بدأ عرض الموسم الأول من المسلسل عام 2014 من بطولة ماثيو ماكونهي و"وودي هارلسون"، ورشح وفاز بعدد كبير من الجوائز، منها برايم تايم إيمي وغولدن غلوب، وشاهده ملايين المشاهدين الذين تحولوا خلال العقد الماضي إلى قاعدة شعبية صلبة لا تقبل أي مقارنة بمسلسلها المحبوب، وتُمثل الناقد الأصعب لكل المواسم التالية.
حاول صناع المسلسل مضاهاة نجاح الموسم الأول في الموسمين الثاني والثالث، وذلك بفريقي عمل جديدين وقصة مختلفة، ولكنْ أي منهما لم يستطع الوصول إلى المستوى الفذ الذي يميز الموسم الأول، في حين حقق الموسم الرابع المعادلة الصعبة، على الرغم من كونه الموسم الأول الذي لم يشارك فيه الكاتب نيك بيزولاتو أيقونة نجاح المسلسل.
أخرجت وألفت الموسم الرابع من "محقق فذ" المكسيكية الأميركية إيسا لوبيز، وهو من بطولة الحائزة على الأوسكار جودي فوستر، في أول عودة لها للتلفزيون منذ منتصف السبعينيات، بالإضافة إلى كالي رايس.
مرآة تعيد نجاح الموسم الأولتدور أحداث الموسم الأول من "محقق فذ" في الجنوب الأميركي خلال فصل الصيف، مما يؤسس عدة سمات لهذا الموسم، منها درجات الحرارة العالية التي تؤثر بشكل واضح على أبطاله، وطبيعة المجتمع الجنوبي المنغلق على نفسه فلم يصل لبعض أجزائه سمات الحداثة، بالإضافة إلى مساحات ولايات الجنوب الشاسعة التي تجعل من الصعب خضوعها لرقابة الدولة بشكل كامل.
يقدم الموسم الرابع من المسلسل الصورة المعاكسة لهذه البيئة الدرامية، فتدور أحداثه في "ألاسكا" ويبدأ في اليوم الأول من الليل الممتد في هذه البقعة الشمالية من الأرض، حيث البرد القارس والظلام المستمر لأيام، ويتشابه الموسمان في المجتمع المنغلق الذي تدور فيه الأحداث، فلدينا الآن قرية "إنيس" -وهي قرية خيالية- سكانها خليط من أبناء العرق الأبيض والسكان الأصليين للمنطقة أحفاد الإنسان الأول الذي عمر هذا الجزء النائي من العالم.
ستيفان دورف وماهر شالا علي وبريت كولين في مشهد من "محقق فذ" (آي إم دي بي)يبدأ المسلسل في مختبر على حدود القرية، سكانه مجموعة من العلماء الرجال، وبعد غروب الشمس الأخير في العام تنقطع الكهرباء عن المختبر بشكل مفاجئ، وخلال الساعات التالية يتم إبلاغ الشرطة باختفاء العلماء جميعهم، ثم العثور على جثثهم ما عدا أحدهم فقط، وهم بلا ملابس ومتجمدون وقد لاقوا حتفهم بهذه الصورة المرعبة، ودون أي دلائل على أسباب خروجهم أو خلعهم ملابسهم ومما كانوا يهربون.
تصدر مشهد البحث عن الفاعل اثنان من المحققين في الموسم الأول، هما "راست" و"كولي"، وبالمثل لكن مع عكس "الجندر" (نوع المحققين)، تقوم رئيسة الشرطة "دانفرز" وشرطية المرور ومعاونتها السابقة "نافارو" بالتحقيق في هذه الجريمة المحتملة.
تضاد يقوي المعنىلا تتمثل الصلة بين الموسمين الأول والرابع فقط في هذا التضاد في البيئة الدرامية وجنس المحققين، ولكن هناك صلات أخرى ممتدة، على رأسها طبيعة الشخصيتين الرئيسيتين، ففي كلا الموسمين لدينا شخصية معادية للمجتمع، تحارب أوهامها الشخصية خلال بحثها عن القاتل.
في الموسم الأول، نجد "راست" المحقق الذي فقد أسرته، ومدمن المخدرات السابق الذي يرى أشياء لا يشاركه في رؤيتها أحد آخر، ولا يدري المشاهد هل تلك الرؤى نتيجة لروحانيته العالية أم لخلايا مخه المدمرة من المخدرات.
في حين نقابل في الموسم الرابع "نافارو"، وهي واحدة من السكان الأصليين فقدت والدتها المريضة النفسية منذ سنوات، وأختها تعاني من الأعراض ذاتها، تسمع البطلة طوال الوقت صوتا غامضا يناديها للثلوج المحيطة بالبلدة، نداء يعني موتها إن اتبعته، ويلمح المسلسل طوال الوقت إلى قدرتها على استقبال رسائل من الموتى، ولا يعلم المتفرج مرة أخرى هل تلك النداءات حقيقية أم نتيجة لمرض نفسي ورثته من والدتها؟
لا تعني هذه الصلة أن الموسم الرابع يستغل نجاح الموسم الأول ويعيد استخدام سماته التي أهلته للنجاح، قدر ما تعني فهم المخرجة والمؤلفة لهذا الموسم وإعجابها به لتستخدمه كإلهام لمسلسلها الخاص، الذي يقدم قصة مختلفة تمامًا لها مذاقها شديد الطزاجة والذي يجعل هذه التشابهات والتضاد مزية إضافية للحبكة ولكن ليس الأساس.
جريمة فذةيقدم الموسم الرابع من "محقق فذ" أكثر من حبكة فرعية يكتشف المشاهد ضرورتها قرب النهاية، أهمها تلوث مياه "إينيس" بسبب المنجم الذي تتحكم فيه شركة رأسمالية، ويتسبب هذا التلوث في قتل حديثي الولادة بشكل مستمر، مما يستدعي قيام الاحتجاجات والمظاهرات من السكان الأصليين ضد المنجم والشركة من خلفه، والمطالبة بإغلاقه واستعادة الحالة الأصلية للمنطقة.
تتصل بهذه الحبكة الفرعية قصة "آني"، القابلة والناشطة ضد المنجم التي قُتلت بصورة غامضة منذ سنوات، واهتمت "نافارو" بشكل خاص بالتحقيق في مقتلها، لكن لم تجد أي أدلة تعزز شكوكها في عمال المنجم. بالإضافة إلى علاقات البنوة والأبوة والأمومة المضطربة التي تربط الشخصيات ببعضها بعضا، مثل علاقة "دانفرز" بابنة زوجها السابق التي تربيها كابنتها وتنتمي للسكان الأصليين فتحاول حمايتها من مصير "آني"، وعلاقة "نافارو" بوالدتها الميتة التي لم تخبرها قبل موتها باسمها العائد إلى ثقافة السكان الأصليين، الأمر الذي يحرمها من إرثها الثقافي، بالإضافة إلى علاقة الشرطي المستجد "برايور" بوالده "هانك" الشرطي الفاسد والأب المسيء.
فينس فون وكولين فاريل في مشهد من "محقق فذ" (آي إم دي بي)تربط هذه الحبكات الفرعية ثنائية الواقعي والخيالي، وتفرض تحليلين لكل موقف، على سبيل المثال يؤمن البعض بأن شبح "آني" عاد من الموت وانتقم لمقتلها ممن ساهموا فيه، ومنهم رجال مختبر "تسالالا" المنتفعون من تلوث المنطقة، في حين يؤمن آخرون بوجود قاتل حقيقي بينهم قام بالجريمة.
يطرح الموسم الرابع في حلقته الأخيرة الاحتمالين على الطاولة، مع أدلة وبراهين على كل منهما، ويترك للمتفرج حرية الاختيار بين قراءة واقعية وأخرى أكثر روحانية قد تناسب البعض، والأهم أنه أعاد المسلسل لمساره الصحيح.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الموسم الرابع من الموسم الأول بالإضافة إلى فی الموسم
إقرأ أيضاً:
10 مسلسلات كورية مستوحاة من أحداث حقيقية
تشهد الدراما الكورية إقبالًا عالمياً متزايداً بفضل قصصها المؤثرة وشخصياتها العميقة، لكنها ليست دائماً مجرد خيال، فبعض أشهر المسلسلات الكورية مستوحاة من أحداث حقيقية، مما يضيف إلى واقعيتها وتأثيرها العاطفي.
وسواء كانت تتناول قضايا اجتماعية حساسة، جرائم غامضة، أو مآسي تاريخية، فإن هذه الأعمال التي عرضت على مدار السنوات العشر الماضية عكست جوانب عديدة من الواقع الكوري، وأعادت تسليط الضوء على أحداث ساهم بعضها في إثارة الرأي العام، وفقاً لتقرير news9live.مسلسل "The Glory"
يعالج هذا المسلسل قضية التنمر المدرسي في كوريا الجنوبية، من خلال قصة امرأة تعود للانتقام من المتنمرين الذين دمروا حياتها.
القصة مستوحاة من وقائع حقيقية لحوادث تنمر صادمة، مما أدى إلى تجدد النقاش حول قوانين حماية الطلاب في البلاد.
يجسد المسلسل مفهوم العدالة الشعبية من خلال خدمة سيارات أجرة خاصة تساعد الضحايا على الانتقام من المجرمين الذين أفلتوا من العقاب.
العمل مستوحى من قضايا قانونية واقعية تعاملت معها شركة محاماة كورية، ويسلط الضوء على الفساد والجريمة في المجتمع الكوري.
قد تبدو قصة هبوط وريثة كورية جنوبية بالخطأ في كوريا الشمالية والوقوع في حب جندي قصة خيالية، لكنها مستوحاة جزئياً من حادثة حقيقية لممثلة كورية جنوبية انجرفت إلى المياه الكورية الشمالية، مما أثار جدلاً دبلوماسياً حينها.
مسلسل "Signal"يعتمد المسلسل على أحداث إحدى الجرائم المتسلسلة، التي صُنفت باعتبارها إحدى أطول القضايا الجنائية في كوريا الجنوبية، حيث تم كشف القاتل الحقيقي في عام 2019، بعد سنوات من إنتاج المسلسل، مما جعل القصة أكثر واقعية وتأثيراً.
يقدم هذا العمل رؤية درامية لحياة الملك "جونغجو" وسيدته "سونغ دوك-إيم"، بناءً على سجلات تاريخية حقيقية، لكن على خلاف القصص الرومانسية المثالية، يعكس المسلسل الصراع بين الحب والواجب الملكي.
مسلسل "Reply 1988"يأخذنا هذا المسلسل في رحلة إلى ثمانينيات كوريا الجنوبية، حيث يعيد تصوير الحياة العائلية والثقافية في تلك الحقبة.
العمل مستوحى من وقائع اجتماعية حقيقية، ويسلط الضوء على ترابط الجيران والأسر في فترة شهدت تغييرات كبيرة.
يستند إلى أحداث انتفاضة "كوانغجو" عام 1980، حيث قُمع المتظاهرون المطالبون بالديمقراطية بوحشية من قبل الجيش.
ورغم أن القصة الرومانسية في المسلسل خيالية، فإن الخلفية التاريخية تعكس واحدة من أكثر الفصول المأساوية في التاريخ الكوري الحديث.
يستلهم المسلسل أحداثه من حياة لاعب التايكوندو "تشو سونغ-هون"، حيث يتناول قصة كفاح رياضي شاب يسعى لتحقيق النجاح في ظل المصاعب.
العمل يبعث برسالة تحفيزية عن المثابرة والسعي لتحقيق الأحلام رغم العوائق.
يستند المسلسل إلى تاريخ "هوا رانغ"، وهم نخبة من المحاربين الشباب خلال فترة مملكة "شيلا" القديمة. ولم يكونوا مجرد جنود، بل ساهموا في تشكيل تاريخ المملكة، مما يجعل العمل استكشافاً درامياً لماضٍ حقيقي.
يروي المسلسل قصة عامل تنظيف متعلقات الموتى، وهو مستوحى من مقالة حقيقية. ويتناول العمل قضايا الحياة والموت والروابط العائلية، ويقدم نظرة عاطفية على التعامل مع الفقد.