العمل الخيري والتكايا بشمال غزة في حالة احتضار
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
غزة – سادت حالة من الفرح النازحين المقيمين في مستشفى الشفاء غربي مدينة غزة، بعد أن علموا بقدوم عناصر "تِكية" بغرض تجهيز الطعام لهم، فمنذ أسابيع عديدة لم تصلهم أي مساعدات غذائية، حيث يوجد في المستشفى قرابة 3 آلاف نازح ممن هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلية منازلهم.
علمت السيدة مَجدية محيسن بوصول عناصر التكية، فسارعت لحمل وعاء كبير علّها تستطيع ملأه بالطعام، وهي التي فقدت اثنين من أبنائها في الحرب دون أن تعلم مصيرهما حتى الآن، وتقول "ذهب أحدهما لإحضار زجاجة ماء للشرب ولم يعد"، وتضيف للجزيرة نت "نحن دائما نطالب بأن يحضروا لنا أكلا لأن الطعام لدينا لا يكفي، وأنتم ترون المجاعة التي نعاني منها، أنا عندي عائلة والصغار يطلبون الأكل طول النهار".
شأنهم شأن محيسن، حمل المئات من النازحين أوانيهم وتجمهروا حول عناصر التكية الذين بدؤوا في إشعال النار في حطب تمهيدا لبدء الطهي، لكن الكثير من النازحين أصيبوا بخيبة الأمل عندما اكتشفوا أن وجبة الطعام المنتظرة تتكون من "شوربة خضار" فقط وتفتقد للأرز واللحم، ورغم ذلك واصلوا التجمهر آملين الحصول على طبق يسد رمق عائلاتهم.
مشهد نادر
وبالقرب من محيسن، كان الطفل أويس مبارك ينتظر دوره لملء وعاء كان يحمله بالشوربة المكونة من اليقطين والذرة، يقول مبارك للجزيرة نت إن التكايا نادرا ما تأتي إلى مستشفى الشفاء في الوقت الحالي ولذلك سارع للحضور، ويضيف "جئت لأخذ الشوربة لأن الطحين والأرز والأكل كله غالٍ"، لكنه يذكر أن الوعاء الذي ملأه بالطعام لا يكفي أفراد عائلته الكبيرة ولن يشبعهم.
اختلطت ابتسامات الأطفال الذين تمكنوا من ملء أوانيهم بالطعام بخيبة أمل ارتسمت على وجوه الذين لم يحالفهم الحظ في الحصول على بعض الغذاء، حيث إن كمية الشوربة التي تم تجهيزها لم تكفِ الجميع، مما دفع بعض الأطفال إلى محاولة انتزاع بقايا الطعام من قعر الأواني الفارغة.
يقول بعض السكان الذين تحدثوا للجزيرة نت إن "مشهد التكايا التي تقدم الطعام للسكان أصبح نادرا" بعد أن كانت تُقام قبل نحو 3 أشهر بشكل يومي في غالبية مراكز الإيواء والعديد من المناطق والأحياء.
ومنذ عدة أسابيع، يجد سكان شمالي قطاع غزة، الذي يعيش فيه قرابة 700 ألف فلسطيني، صعوبة كبيرة في العثور على الطعام جراء سياسة التجويع الإسرائيلية الممارسة ضدهم، وبحسب بيان أصدرته وزارة الصحة بغزة أمس الجمعة، فقد ارتفع عدد الوفيات بسبب سوء التغذية والجفاف إلى 23 شخصا، معظمهم من الأطفال.
أطفال ينتظرون دورهم للحصول على بعض الطعام من إحدى التكايا (الجزيرة) الطعام لا يكفييُقر سعيد رياض، مُشرف على التكية، أن الطعام الذي تم تجهيزه لا يكفي النازحين، كما أن نوعيته التي تفتقد للطحين والأرز واللحوم، لا تشبع البطون الجائعة، ويقول للجزيرة نت "نواجه صعوبة في توفير المواد الأساسية اللازمة لطهي الطعام بسبب عدم وجودها في الأسواق وارتفاع أسعارها بشكل خيالي".
ويواجه رياض وزملاؤه تحدي التوقف عن العمل الخيري وطهي الطعام، إذا استمر الحال على ما هو عليه، كما يقول، حيث يشعر وزملاؤه بالحرج من الأعداد الكبيرة التي تتجمهر للحصول على الطعام الذي لا يكفي الجميع، ويقول "نواجه إقبالا كبيرا جدا من السكان وخاصة من الأطفال على هذه التكية لقلة توفر الطعام والمواد الأساسية، إضافة إلى عملية التجويع".
وقبل عدة شهور، كان القائمون على التكية قادرين على طهي كميات كبيرة من الطعام تتضمن الأرز واللحم، لكن مع اشتداد الحصار وسياسة التجويع الإسرائيلية، باتوا غير قادرين على توفير المواد الأساسية اللازمة للطهي، مما اضطرهم إلى تقليص عملهم رويدا رويدا، واستبدال الأرز واللحم وإعداد شوربات الخضروات السريعة التحضير.
ورغم أن التكايا مخصصة لفئة المقيمين في مراكز الإيواء، فإن الكثيرين من السكان يحضرون للحصول على بعض الغذاء نظرا لافتقادهم الطعام في منازلهم.
ويتفق شادي جنينة، الذي يشرف على تكية خيرية بتمويل من مواطنين جزائريين، مع رياض بشأن صعوبة توفير المواد الأساسية اللازمة لطهي الطعام، ويقول للجزيرة نت "الشعب الفلسطيني يعاني من الجوع ومن محنة كبيرة، والطعام أصبح شبه مفقود من السوق، خاصة أن الجوع مستشرٍ، مما أدى لتساقط عدد كبير من الشهداء جراء الجوع"، وأكمل "أي وسيلة لإسناد شعبنا هي وسيلة إستراتيجية في دعم أبنائنا في ظل هذا الألم وهذا الجوع".
أصبحت الوجبات مقتصرة على شوربات الخضار بعدما كانت تحتوي على الأرز واللحم (الجزيرة) العمل الخيري "يحتضر"وبحسب الناطق باسم بلدية غزة حسني مهنا، يُواجه العمل الخيري في شمالي القطاع أزمة كبيرة جراء قلة البضائع المستخدمة في الطرود الغذائية أو طهي الطعام، بالإضافة إلى صعوبة تحويل المانحين الأموال من خارج القطاع إلى داخله.
وحذّر مهنا، في حديث للجزيرة نت، من خطورة توقف العمل الخيري في ظل استمرار الحرب ودخولها شهرها السادس دون أفق لإنهاء الحصار، ويشير إلى أن "غالبية سكان شمالي القطاع أصبحوا سواسية في حالة الفقر والعوز جراء توقف كل مجالات العمل تقريبا منذ 5 شهور، ونفاد مدخراتهم".
ويقول "كان المواطنون يعتمدون على المساعدات أو مدخرات سابقة، ولم يتبقَ شيء تقريبا، المساعدات لا تصل والأوضاع تزداد سوءا بشكل كبير جدا"، ويضيف "في حال استمرار الوضع على ما هو عليه، قد نشهد تفاقما أكبر للأوضاع الإنسانية، وتزايدا في أعداد حالات الوفاة جراء الجوع والعطش".
كما أعرب الصحفي المقيم في مدينة غزة محمد قريقع عن اعتقاده بأن العمل الخيري يوشك على الاختفاء في شمالي القطاع، وقال للجزيرة نت "قياسا بالأوضاع قبل شهرين تقريبا، أستطيع القول إن العمل الخيري يحتضر، وما تبقى من تكايا ومبادرات يمكن أن يختفي في أي لحظة".
وبحسب مشاهدات قريقع، فإن العمل الخيري، وخاصة إطعام الطعام، يتقلص بشكل واضح للغاية، فبعد أن كان يتم بشكل يومي في كافة مراكز الإيواء والشوارع، أصبح يتم على فترات متباعدة، ويعتمد على شوربات الخضار البسيطة، ويقول "الآن التكايا بالكاد توجد في نطاق ضيق، والمشرفون عليها لديهم شكوك في إمكانية مواصلة عملهم، فحتى مكونات الشوربات البسيطة غير متوفر بكميات كبيرة".
وبحسب قريقع، فقد اضطر مشرفو التكايا إلى إقامتها في السر وتوزيعها على الأسر الأكثر فقرا واحتياجا نظرا للأعداد الكبيرة من المحتاجين التي تفوق إمكانياتهم، محذرا من خطورة استمرار تقلّص العمل الخيري وإمكانية توقفه، خاتما حديثه بالقول "الناس تنظر للمؤسسات والمبادرات الخيرية كملاذ أخير للبقاء على قيد الحياة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات العمل الخیری للجزیرة نت لا یکفی
إقرأ أيضاً:
سلطان المساليت بدارفور يكشف للجزيرة نت تفاصيل خطابه بمجلس الأمن
الخرطوم- كشف سلطان دار (قبيلة) المساليت بولاية غرب دارفور سعد بحر الدين، عن معلومات جديدة بشأن مشاركته في جلسة مجلس الأمن الدولي، ومخاطبته للاجتماع الوزاري الذي ترأسه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الخميس الماضي، حيث قدم شرحا لما تعرضت له قبيلة المساليت من انتهاكات وصفتها منظمات بالتطهير العرقي ضد القبيلة.
وقال بحر الدين في حوار مع الجزيرة نت، إنه تلقى الدعوة من الولايات المتحدة وروسيا وإنه طلب من المجتمع الدولي أن يلعب دورا في وقف الحرب وإنقاذ شعب السودان. كما دعا إلى تحييد دول الإقليم الداعمة لقوات الدعم السريع والضغط عليها لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في منبر جدة، وحثّ دول المجلس على التنفيذ الجاد للقرار 1591 القاضي بحظر دخول السلاح إلى دارفور.
وفي حين تُتهم قوات الدعم السريع بارتكاب انتهاكات واسعة بحق قبيلته المساليت، نفى بحر الدين تجاوزه الحكومة السودانية، وأكد وقوفهم مع وحدة السودان وإسنادهم دور الحكومة في حماية المواطنين في أي منطقة بالبلاد.
وفيما يلي نص الحوار:
أثيرت التساؤلات حول سفرك إلى نيويورك ومخاطبة مجلس الأمن، ما الداعي لذلك ومَن دعاكم تحديدا؟تمت دعوتي لحضور جلسة مجلس الأمن من دولتين عظيمتين في وقت واحد هما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا. وشاركت بموجب هذه الدعوة، وخاطبت المجلس بالطريقة التي سمعتموها.
إعلان ماذا طلبت من مجلس الأمن؟ وما مدى تجاوب دوله مع ما طرحته؟ما طلبته من مجلس الأمن كان عبارة عن 4 نقاط عن الحرب في السودان ومآلاتها واستمراريتها، وطلبت من المجتمع الدولي أن يكون له دور في وقف الحرب الذي يتطلب مسارات كثيرة هي:
المسار الأول: تحييد الدول المجاورة لنا التي تدعم الحرب وخاصة مليشيا الدعم السريع. المسار الثاني: منبر جدة الذي تحدثنا عن ضرورة أن يكون هناك ضغط على الطرف الرافض لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في الجولة الأولى منه، التي كانت تمهد الطريق وتؤكّد الجدية للاستمرار في التفاوض. المسار الثالث: القرار الأممي 1591 الذي يحظر دخول السلاح إلى دارفور، وناقشناه مع مكونات أخرى لها تأثير على مجلس الأمن وقلنا إنه من الضروري تنفيذ هذا الأمر بشكل جاد. المسار الرابع: تحدثنا عن الحرب وإفرازاتها وعن الوضع الإنساني المأساوي الذي يعيشه اللاجئون في شرق تشاد وفي مناطق أخرى سواء في مصر أو ليبيا أو جنوب السودان أو إثيوبيا، والنقص الحاد في الغذاء والإيواء والماء الصالح للشرب والتعليم والصحة.وأكدنا أن المجتمع الدولي لم يفِ بالتزاماته تجاه المتضررين السودانيين سواء كانوا لاجئين أو نازحين. ووجهنا نداءً له لإنقاذ شعب السودان من الوضع الإنساني السيئ في ظل ظروف مناخية قاسية مثل الأمطار والبرد مع النقص الحاد في الاحتياجات الأساسية.
كما ناقشنا مسألة الإعمار بعد الحرب، وتحقيق العدالة ومحاسبة كل الذين اعتدوا على الشعب السوداني وهجروه وقتلوه وارتكبوا جرائم الاغتصاب والنهب، على أن تتم المحاكمة عبر القضاء المحلي أو الدولي. واستشهدت في ذلك بالتقارير الواردة من منظمات أممية وقنوات إعلامية كثيرة.
وطلبنا من مجلس الأمن أن يتدخل ويحمي الشعب السوداني مما يحدث له الآن. وقد تحدث ممثلو أكثر من 18 دولة وأكدوا أن معاناة الشعب السوداني تستوجب أن يكون هناك تدخل حازم للوفاء بالمطالب التي ذكرناها. وبالتالي هناك ثوابت لابد من أن توضع في الحسبان حتى يتحقق السلام والطمأنينة والعيش بسلام.
إعلان
كيف سيتم التعامل مع مطالبكم بشأن أحداث مدينة الجنينة وما تعرضت له قبيلتكم المساليت من انتهاكات تقولون إنها ترقى للتطهير العرقي، لا سيما بوجود حكومة في السودان التي يمكن التعامل معها؟
نحن نُقرّ بأن هناك حكومة ودولة في السودان وبوجود مسؤولين قائمين على أمر الدولة. ونحن قبيلة المساليت جزء من الشعب السوداني، ومدينة الجنينة التي وقعت فيها هذه الانتهاكات جزء من جغرافية البلاد، ونحن لم نتجاوز الحكومة ولن نفعل.
والحكومة المتمثلة في مجلس السيادة بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان تحمل على عاتقها قضية الجنينة وقضية السودان ككل. ونتمنى أن يكون هناك تكامل، ويتحمل كل الشعب السوداني المسؤولية لكي يتم تجاوز هذا الخطر.
وبالتالي من منطلق مسؤوليتنا كقائمين على أمر سلطنة المساليت تحركنا ودعمنا قضية السودان، وقضية قبيلتنا وأكدناها للعالم.
قبل سفرك إلى نيويورك كان لك نشاط في فرنسا، كيف تقيم نظرة باريس إلى الجرائم التي ترى أن الدعم السريع اقترفتها بحق قبيلتكم؟كنت في باريس لأكثر من مرة والتقيت بعدد من المسؤولين المعنيين بالشأن الإنساني والعدلي في أوروبا. وتحدثنا أيضا مع بعض الأجهزة المختصة بمسألة الأمن. وفي تقييمي، كان هناك فهم خاطئ في البداية، لكن استطعنا تغيير مفاهيم أوروبية كثيرة، حيث كانت هناك أشياء غائبة عنهم بسبب عدم التواصل معهم من جانب الحكومة أو المتضررين.
وقمنا بهذا الدور وكان التجاوب لا بأس به في المرة الأولى، وتحسن في الثانية، وأصبح جيدا جدا في الثالثة. وعكسنا معاناة الناس عبر لقاءات كثيرة في مواقع متعددة مع الأوربيين خاصة في باريس التي تدار منها كثير من الأمور.
هل صحيح أن هناك وساطات حاولت الجمع بينك وبين قيادات في الدعم السريع؟ وماهي طبيعتها إن وجدت؟هذا شيء قديم جدا ومرت عليه أعوام، والآن لا توجد أي وساطة ولا يوجد أي تواصل بيننا وبينهم.
إعلان كيف ترى موقف حكومة السودان فيما جرى لكم؟حتى الآن مشكلة السودان منوطة بالحكومة، صحيح نحن الأكثر تضررا واستهدافا في البلاد والحرب بدأت في مناطقنا قبل 6 أشهر من بقية المناطق وحصل لنا تدمير كامل وفقدان لأرواح ومقتنيات واعتداء على أعراض، ولكن الأمر يتطلب أن يكون للحكومة دور أقوى ونحن نساندها لتحمي المواطنين في مدينة الجنينة وفي أي بقعة في السودان.
كيف تنظر إلى مستقبل التعايش الأهلي في دارفور خاصة مع دعم بعض القبائل للدعم السريع؟نحن مجتمع متماسك ومتعاون في سلطنة دار المساليت، وسنعيش حتما مع القبائل السودانية الموجودة أصلا. أما المرتزقة الذين وفدوا إلينا فهذا أمر دولة وشعب وأي حديث عنه سابق لأوانه، وأتمنى أن تعود مدينة الجنينة كما كانت متحابة ومتآخية، ونرتبط بها وجدانيا ونتعايش كمكونات اجتماعية متنوعة.