ميناء مريب وغريب قيد الإنشاء
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
ذكر (جو بايدن) في خطابه الأخير انه بصدد إنشاء ميناء على شاطئ غزة لتوصيل المساعدات الإنسانية على نطاق واسع، وسط تحذيرات من مجاعة واسعة النطاق. وقال في محضر وصفه لأوضاع المحاصرين: (إنه أمر مفجع)، وقال أيضاً انه يقود الآن جهود الإغاثة الإنسانية !؟!. .
دعونا نتوقف قليلا لطرح تساؤلاتنا التي لا جواب لها:
. أيعقل انه لم يستطع إقناع السيسي بفتح معبر رفح للسماح بدخول الشاحنات إلى غزة حتى يفكر بإنشاء الميناء ؟. . أيعقل انه يفكر الآن ببناء الميناء المزعوم وهو الذي استخدم الفيتو ثلاث مرات ضد مقترحات وقف إطلاق النار ؟. . ثم لماذا أصر (بايدن) على تعليق أعمال وكالة غوث الفلسطينيين، ومنع وصول المساعدات اليهم عن طريقة وكالة الأونروا. بل لماذا قصف مقار الأونروا ؟. . لو كان بايدن بهذا الرفق والتعاطف مع الضحايا فما الذي يمنعه من حظر تدفق الذخيرة والسلاح إلى اسرائيل، ولماذا يواصل دعمه للقصف المكثف ؟. .
اللافت للنظر انه اصدر تعليماته للجيش بتنفيذ المشروع في البحر الأبيض المتوسط على ساحل غزة لاستقبال السفن الكبيرة التي تحمل الغذاء والماء والدواء والملاجئ المؤقتة.
ووعد بأنه (لن تكون هناك قوات أمريكية على الأرض)، وقال: (إن هذا الميناء سوف يضمن زيادة هائلة في كمية المساعدات الإنسانية التي ينبغي ان تصل إلى غزة كل يوم). وقال: (انه فكر بإنشاء الميناء البحري بعد فشله في إقناع السيسي بفتح المعبر البري). .
يقول الجيش الامريكي انه سوف يبنى الميناء قبالة ارصفة الصيد في منطقة الرمال لترسو عليه السفن القادمة من ميناء لارنكا في قبرص. .
ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية ان بناء الميناء يتطلب نزول أفراد عسكريين أمريكيين إلى الشاطئ لتركيب الرصيف والرافعات و الجسور المرتبطة به. .
وقال مسؤول إسرائيلي لرويترز إن إسرائيل تؤيد تماما إنشاء الميناء. .
وهكذا بات من الواضح ان الأطراف الأرهابية (امريكا واسرائيل) هبطت عليها ملائكة الرحمة بشكل مفاجئ، فاتفقت على بناء الميناء لإنقاذ الفلسطينيين من خطر المجاعة، وهي التي تقصفهم وتقتلهم وتدمر منازلهم وتنسف مستشفياتهم، وترتكب ضدهم ابشع المجازر. .
في الحقيقة ان الولايات المتحدة ومن خلفها إسرائيل عقدت العزم على بناء موانئ ومنصات استخراج الغاز الطبيعي في الجرف القاري المرتبط بغزة. وأنها تمهد الطريق للمباشرة بحفر قناة (بن غوريون) الملاحية الموازية لقناة السويس، وان اكذوبة المساعدات لن تنطلي على العقلاء، فالطريق إلى موانئ حيفا وأشدود وإيلات اسرع بكثير من الانتظار اكثر من ستة أشهر لبناء الميناء المزعوم. والطريق إلى فتح معبر رفح هو الأسرع والأقرب بالمقارنة مع الخيارات الوهمية الخادعة. . وبالتالي فان مشروع إنشاء الميناء ينطوي على مخططات كبيرة وخطيرة. . جو بايدن هو الذي يقتل القتيل ثم يمشي في جنازته، بل هو الذئب الكاسر الذي افترس الأبرياء ثم لبس ثوب الحمل الوديع. . وتذكروا المثل القائل: الذئاب لا تهرول عبثاُ، فهناك من يقول ان هذا الميناء ظاهره مساعدات، وباطنه تهجير طوعي إلى شتى أنحاء المعمورة. . د. كمال فتاح حيدر
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
نزع الإنسانية عن أهالي غزة
تموج الحروب بقصص وحكايات يشيب لهولها الولدان، وكلما طال أمد الحرب كثرت الحكايات وتعددت المآسي. وهي كلها قصص من البؤس تدعو للتعاطف عند ذوي الفطرة السوية وليس من أفسدت العنصرية والمال فطرتهم. وحرب غزة الحالية ليست استثناء، فهناك عملية نزع أنسنة ممنهجة مستمرة على مستويات مختلفة، لا ترى في البشر الذين يعيشون في هذه البقعة كائنات من لحم ودم ومشاعر.
لا شك أن ما يمر به الفلسطينيون من سكان قطاع غزة يفوق في هوله أي هول آخر، وأن صمودهم الجماعي يفوق أي صمود آخر، لكنهم في النهاية بشر وليسوا مادة في صفقات تجارية كما يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يصورهم، وليسوا أيضا حيوانات بشرية على حد تعبير وزير الدفاع الإسرائيلي.
تصف الموسوعة البريطانية مصطلح نزع الأنسنة (Dehumanization) بعملية تجريد للبشر من صفاتهم الإنسانية كمبرر لمعاملتهم معاملة غير آدمية، مثل ممارسة التعذيب ضدهم. فالإنسان السوي الطبيعي لا يقبل أن يقتل إنسانا من دون وجه حق ولا حتى أن يمنعه الطعام.
كل محاولات العقاب الجماعي ومنع الغذاء والدواء عن أهالي القطاع المحاصرين هي في جوهرها مبنية على فكرة نزع الإنسانية عن هؤلاء السكان، فمن يقوم بهذا الفعل الشنيع أو يؤيده لا يرى في البشر هناك سوى كتل صماء عليها أن تتماهي مع مقترحات سياسية معينة تحت ضغط القوة المطلقة، من دون أي اعتبار لحق أو كرامة أو دين
والإنسانية وفق هذا المفهوم هي مقابل الهمجية وفق رؤية المفكر الفلسطيني الأمريكي الدكتور إدوارد سعيد، والتي بلورها في آخر مقال لها قبل رحيله في صحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية عام 2003. وهي ليست الأنسنة بمعنى التمركز حول الذات، وهو المفهوم الذي ينتقده المفكر المصري الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري. وللمفارقة فإن آخر مقال للمسيري قبل رحيله كان بعنوان "الإنسان والشيء"، ينتقد فيه ما يصفه تشييء الإنسان أي جعل الإنسان مادة استهلاكية واستعمالية بالنظر إلى الجانب المادي فيه حصرا دون الجانب الروحي.
إن كل محاولات العقاب الجماعي ومنع الغذاء والدواء عن أهالي القطاع المحاصرين هي في جوهرها مبنية على فكرة نزع الإنسانية عن هؤلاء السكان، فمن يقوم بهذا الفعل الشنيع أو يؤيده لا يرى في البشر هناك سوى كتل صماء عليها أن تتماهي مع مقترحات سياسية معينة تحت ضغط القوة المطلقة، من دون أي اعتبار لحق أو كرامة أو دين.
وليس أدل على هذه النظرة من مقترح الرئيس الأمريكي لإيجاد مساكن لأهالي غزة خارجها والاستفادة من الموقع الجغرافي في مشاريع استثمارية. الأمر هنا لم يعد متعلقا بأمن إسرائيل بقدر ما هو بالعودة للنظرة الغربية الاستعمارية في جهورها للعالم العربي والإسلامي. وهي تجسيد سياسي حي وواضح لمقولة كارل ماركس التي افتتح فيها إدوارد سعيد كتابه الاستشراق: "إنهم لا يستطيعون تمثيل أنفسهم، لا بد وأن يمثلهم أحد"، وذلك في معرض حديثه عن الشرق والشرقيين.ظرة الدونية لا تستهدف أهالي غزة وحدهم، بل هي من بقايا الاستشراق الذميم من مخلفات العهود الاستعمارية في نظرتها العنصرية التي تستحل أراضي وممتلكات الغير باسم الحداثة والتقدم وبالتالي فإن كل نقاش سياسي واقتصادي للأوضاع في غزة على هذه الأرضية التي تنزع عن الأهالي صفاتهم الإنسانية هو أمر غير منطقي وغير عقلاني؛ لأنه مبني بالأساس على كون هؤلاء البشر أقل من غيرهم وليست لهم الصفات الإنسانية التي تجعلهم جديرين بالحياة.
ومن هنا نفهم منطلقات التضامن العالمي لبعض الحركات الشعبية والأفراد مع القضية الفلسطينية بشكل عام وقضية غزة بشكل خاص؛ أنها منطلقات من الضمير الإنساني البسيط في نسخته غير الملوثة بجشع المال والعنصرية. وهي تتعامل مع أهالي غزة كبشر لهم الحق في الحصول على مقوماتها الأساسية قبل الحديث عن أية قضايا سياسية أو عسكرية أخرى.
وهذه النظرة الدونية لا تستهدف أهالي غزة وحدهم، بل هي من بقايا الاستشراق الذميم من مخلفات العهود الاستعمارية في نظرتها العنصرية التي تستحل أراضي وممتلكات الغير باسم الحداثة والتقدم. وقدر أهل غزة الكرام أن يكونوا رأس حربة في مواجهة الوجهة الوحشي العسكري لهذا الإجرام.
x.com/HanyBeshr