حمود الهوتي: 2017 رفعنا الطلب وفي 2019 جاء الرد بتأجيل النظر إليه، وإلى اليوم لم يحدث شيء!

أيمن العويسي: الجمعية ستوحد الجهود وتوفر المشروعات الترجمية المناسبة والتدريب اللازم والبيئة الخصبة

معاذ الشكيلي: المترجمون حول العالم يواجهون التحديات التي تستدعي الاستعانة بأقرانهم .. والجمعية تحقق هذا التجمع

تعتبر جمعيات المجتمع المدني مؤسسات أهلية بالغة الأهمية، تنطلق من أبناء المجتمع الذين يجمعهم اهتمام مشترك، ومن هنا تكون النواة الأولى لإطلاق جمعية ما، تكون لهم بيتًا يتناقشون فيه حول قضية ومظلة ينطلقون منها نحو تحقيق أهدافهم وطموحاتهم من إقامة ملتقيات أو عقد اتفاقيات أو إطلاق مسابقة وغيرها من النشاطات التي تعبّر في كثير من الأحيان حدود الدولة إلى الدول الأخرى عاقدة الكثير من الاتفاقيات والتعاونات الخارجية، وذلك بتنظيم من وزارة التنمية المجتمعية المعنية بإشهار جمعيات المجتمع المدني ومنحها التصاريح.

ومن منطلق ما تمثله الجمعيات لأصحاب الاهتمام المشترك، بادر مجموعة من الشباب العماني المتخصص في مجالات الترجمة إلى تأسيس «الجمعية العمانية للترجمة»، ورغم الجهود الكثيرة والمحاولات الطويلة التي بدأت منذ عام 2017 لم تحظَ الجمعية بالإشهار الرسمي حتى اليوم، فما هي دوافع إنشاء الجمعية بالنسبة لهم، ولِمَ هذه الجهود الحثيثة لإشهارها، وما هي أسباب وزارة التنمية الاجتماعية التي تحول دون إشهار الجمعية بشكل رسمي، كل تلك الأسئلة نطرحها على المعنيين، من جانب الراغبين في إشهار الجمعية، ومن جانب المهتمين في الترجمة عموما.

وجَّهت «عُمان» بعد أن اطلعت على وجهات نظر المشاركين في هذا التحقيق، مجموعة من الأسئلة إلى دائرة الإعلام في وزارة التنمية الاجتماعية، لمعرفة أسباب عدم حسم موضوع إشهار جمعية الترجمة، وتحديدا تم توجيه الأسئلة في الرابع من فبراير الماضي، وبعد العديد من الوعود بالمتابعة وانتظار الرد، جاء الرد بالاعتذار عن الإجابة، بحجة أن المعنيين لديهم الكثير من الأعمال، وأن البحث في المستندات المتعلقة بإشهار الجمعية يحتاج إلى وقت طويل، خاصة أن الدائرة المعنية بالجمعيات تكون في الأشهر الثلاثة الأولى من بداية كل سنة مشغولة باجتماعات الجمعيات الأهلية التي تبلغ حوالي 100 جمعية، وعليه كما جاء في الرد «أن المعنيين يستسمحون منك من عدم القدرة على الإجابة عن الأسئلة المرفقة في هذه الفترة لكثرة الأعمال حاليا».

بداية الفكرة

وعن بدايات فكرة إنشاء جمعية للترجمة، تحدث المترجم حمود الهوتي، وهو من المجموعة الأولى التي بادرت بفكرة الجمعية، قائلا: «في 2003، صدر المرسوم السلطاني 18/ 2003 بتنظيم مكاتب الترجمة القانونية، مما دفع بمترجمين عمانيين لاستكشاف سوق الترجمة، وبعد تدشين المرسوم، ازداد الاهتمام بالاستثمار في هذا القطاع، وعن نفسي أكملت دراستي في إدارة الأعمال عام 2004، وبدأت الاستعداد لفتح مكتب ترجمة قانونية في 2005، فواجهنا تحديات مالية، فغيّرنا استراتيجيتنا لدمج الترجمة بأنواعها وإدارة المؤتمرات، مما أفضى إلى نجاح وجدية في السوق، في 2009، قررت الانفصال عن العمل الحكومي للتفرغ للمكتب، بدأت التركيز على تطوير قطاع الترجمة وتشجيع المترجمين العمانيين لفتح مكاتب، وفي 2014، نجحت في إقناع الجهات المعنية بتنظيم قطاع الترجمة، مما أدى إلى تعديل أوضاع مكاتب الترجمة العادية، وخلال تلك الفترة كنت التقي ببعض المترجمين المهتمين بتنظيم قطاع الترجمة وتوسعة مجالاته والخروج إلى العالمية، فجاءت فكرة إنشاء جمعية عمانية للترجمة لتكون نواة لتطوير القطاع وتنظيمه بشكل أفضل، وعقدنا اجتماعات عدة لمناقشة شروط إنشاء الجمعية، وفي عام 2017 تمكنا من جمع 40 مترجمًا ومترجمة وشكّلنا مجلس إدارة وتم اختيار رئيس ونائب رئيس للجمعية وأمين سر وقمنا بمساعدة فريق من المترجمين والمترجمات لصياغة بنود الجمعية وأهدافها وجمع المستندات المطلوبة، وتقدمنا إلى وزارة التنمية الاجتماعية بطلب إنشاء جمعية للمترجمين العمانيين، إلا أن الرد كان بالتريث حتى صدور قانون الجمعيات الجديد، وفي تاريخ 8 يناير 2019 تلقينا رسالة من وزارة التنمية الاجتماعية تفيد بتأجيل النظر في الطلب، وبعدها لم نحصل على أي رد من الوزارة بالموافقة أو الرفض حتى يومنا هذا».

وحول الأهداف المرجوة من الجمعية قال الهوتي: «جمع شمل المترجمين تحت مظلة جمعية ثقافية واجتماعية وتوثيق عرى التعاون بينهم، وتشجيعهم على المساهمة في الحركة الثقافية الوطنية وحركة الترجمة والتعريب للعلوم، إضافة إلى تشجيعهم على المساهمة في نقل الفكر العماني والعربي القديم والحديث إلى اللغات الأجنبية، كما أن الجمعية تهدف إلى عقد التعاون مع الجهات المختصة وذات العلاقة بحقل الترجمة، والعمل على نشر أعمال أعضائها».

وحول جهود إشهار الجمعية قال: «بعد الحماس والمحاولات الجادة من قبل الأعضاء وتواصلهم مع الجهة المعنية منذ تقديم الطلب في عام 2017م وعدم وجود تجاوب، بات من الصعوبة إنشاء الجمعية، فلا يمكن إشهار الجمعية دون وجود موافقة من قبل الجهة المعنية، والمبرر الوحيد الذي تلقيناه من قبل وزارة التنمية في تلك الفترة هو انتظار قانون الجمعيات الجديد، وقد تابعنا توقيت إصدار القانون الجديد ولم يصدر القانون الجديد حسب علمنا، ولكن صدر قرار وزاري رقم ٣٦/ ٢٠٢٣ بإصدار لائحة الرقابة على الجمعيات والهيئات غير الهادفة للربح في شأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في فبراير 2023م فقط».

تابع الهوتي حديثه قائلا: «الجمعية سوف تعنى بشؤون جميع اللغات دون استثناء، ومن خلال بناء علاقات مع جمعيات من مختلف دول العالم فيصبح التعامل مع اللغات الأخرى أمرا حتميا، كما أن هناك علوم وتكنولوجيا ومعارف وثقافات وأدبيات وكتب بلغات أخرى جديرة بالاهتمام والاستفادة منها، يأتي من خلال ترجمتها إلى اللغة العربية أو الإنجليزية حتى يستفيد منها القارئ العربي أو الطالب في المدارس والجامعات».

وحول رأيه في المترجم الإلكتروني قال: «تساعد التكنولوجيا من خلال البرمجيات المختلفة والمتنوعة على تقدم الترجمة من حيث سرعة أداء وكفاءة المترجم، إلا أنها لن تكون البديلة عن المترجم، وهنا يجب الإشارة إلى أن المترجم يجب أن يطور من قدراته وإمكانياته من خلال الاطلاع على هذه البرمجيات واستخدامها في أعماله ولا يكون أضعف من البرمجيات فيصبح رهين التكنولوجيا بل يجعل من التكنولوجيا أداة مساعدة في تطوير أعماله من حيث السرعة والدقة والإتقان، أما إذا أصبح المترجم رهن إشارة الأنظمة الحديثة فحتمًا ستصبح مهددة لمستقبل دور العنصر البشري في عملية الترجمة، كما أن الترجمة في كثير من الأحيان تحتاج إلى الشعور والإحساس بالنص الأصلي والتفاعل معه وهذا الأمر ليس موجودًا لدى الأنظمة والبرمجيات».

توحيد الجهود

فيما قال المترجم أيمن العويسي أحد المبادرين في إنشاء الجمعية: «أرى أن مَأْسسة الترجمة من أهم ركائز نجاحها في أي بلد، فحين تكون هنالك مؤسسات معنية بحركة الترجمة فإنها بدورها تعزز من حضورها على مستوى الأصعدة، ومن بين أهم هذه المؤسسات جمعيات المجتمع المدني، فوجود جمعية مختصة بالترجمة سيسهم في تعزيز حركة الترجمة في البلاد من خلال جمع المترجمين تحت مظلة واحدة، وتوفير الدعم لهم من دورات تدريبية ومؤتمرات متخصصة ومشروعات للترجمة من العربية وإليها، وستسهم الجمعية في بناء أرضية صلبة ينطلق منها المترجمون، وستوحد جهودهم وتوفر لهم المشروعات الترجمية المناسبة والتدريب اللازم والبيئة الخصبة التي سيبدعون فيها ويطورون من مهاراتهم عن طريقها».

وحول رأيه في الترجمات الإلكترونية قال العويسي: «بالطبع هذه التطورات تصب في صالح المترجم قبل كل شيء، فحين تجتمع قوة الآلة مع قوة العقل البشري يصبح المنتج أسرع وأكثر جودة، وهذه التقنيات لن تلغي دور المترجم وإنما ستساعده على الانتقال إلى المرحلة القادمة من المهنة».

وعن عوائق إشهار الجمعية حدثنا بقوله: «المترجمون اجتمعوا منذ سنوات وسلّمنا جميع المستندات المطلوبة، وإلى الآن لم يصلنا الرد وأعتقد أن الإشكال في تأخر إجراءات الجهة المعنية، ونحن نسعى للإسراع بذلك لما فيه من مصلحة للجميع، وسيكون حال الجمعية كحال باقي الجمعيات، ستركز جهودها في النهوض بالترجمة مهنيًا وثقافيًا من خلال الدورات والحلقات والمؤتمرات ومشروعات ترجمة الكتب وتوفير الاعتماد المهني للمترجمين في ظل غياب الاعتماد في سلطنة عمان».

أمر لا بد منه

ويشاركنا برأيه معاذ الشكيلي الموظف في مجال الترجمة خريج آداب لغة إنجليزية، قائلا: «الترجمة أو النقل، أو بتعبيرٍ آخر هي وسيلة وأسلوب لغوي أدبي لتحويل نص ما من لغة إلى لغة أخرى لأغراض عدة منها تسهيل الوصول للمعلومة للقراء ونقل المعرفة من مختلف اللغات في مختلف العلوم ما يسهم في بناء جسور التواصل بين مختلف الثقافات، ومن هناك تكمن الأهمية الكبيرة من الترجمة، ويجد المترجمون حول العالم، أيًا كانت اللغة التي يترجمون منها وإليها، بعض التحديات التي تستدعي الاستعانة بأقرانهم من المترجمين، وهنا يمكن أن نقول إن وجود مؤسسة لاحتواء المترجمين تحت سقف واحد كمساحة للتعارف وتبادل الأفكار وتقديم الدعم اللازم لهم، أمر لا بد منه، ولهذا السبب وجدت الجمعيات التي تعنى بتحقيق جملة من هذه المصالح للارتقاء بالإبداعات وإثرائها ولتكون بمثابة حلقة وصل بين مجموعة من الأفراد يجمعهم اهتمام مشترك في جانب معين، ومن هنا أتت فكرة إشهار الجمعية العمانية للترجمة لتكون نقطة فارقة للمهتمين بمجال الترجمة بشتى أنوعها الأدبية والعلمية والقانونية والطبية.. إلخ».

وتابع الشكيلي قائلا: «إن إشهار هذه الجمعية سيسهم في إبراز هذا الجانب الثقافي في سلطنة عمان بشكل كبير من خلال إقامة الجلسات الحوارية والدورات التدريبية، بالإضافة إلى تنظيم مسابقات للترجمة والذي بدوره سيسهم في إثراء المخزون الثقافي الأدبي والعلمي المترجم في سلطنة عمان».

واختتم معاذ قائلا: «أتمنى أن ترى هذه الجمعية النور في القريب العاجل لما سيكون لها من أثر إيجابي كنقلة نوعية في هذا المجال الذي لا يقل أهمية عن باقي المجالات الأدبية والثقافية».

وختاما، هل بعد هذه الجهود والآمال والسعي الدؤوب ستصدر وزارة التنمية الاجتماعية قرارها الرسمي بإشهار الجمعية العمانية للترجمة، المأمول إشهارها منذ عام 2017، أم أن الأحلام ستتبدد فتخيب الآمال!؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: وزارة التنمیة الاجتماعیة إنشاء الجمعیة إشهار الجمعیة من خلال عام 2017

إقرأ أيضاً:

الثقافة العمانية ... إرث متجدد ومسيرة متواصلة

على امتداد السواحل الجنوبية الشرقية لشبه الجزيرة العربية، تنبض سلطنة عُمان بحضارة عريقة نسجت خيوطها من التاريخ والبحر والصحراء، فبين أمواج المحيط الهندي وسلاسل جبال الحجر والقرا، صاغ العمانيون ملاحم ثقافية وتجارية جعلت بلادهم جسرا بين الشرق والغرب، فهذه الأرض التي عرفت بحضارة «مجان» في الألفية الثالثة قبل الميلاد، كانت شاهدة على إبداع الإنسان في استثمار مواردها الطبيعية مثل: النحاس واللبان، وصناعة تاريخها الغني بالعلاقات التجارية مع حضارات أرض النيل وبلاد ما بين النهرين والهند.

ومع انتشار الإسلام، أصبحت عمان مكونا أساسيا من العالم الإسلامي، وأسهمت في تشكيل هويتها الثقافية، وحرص أئمتها في العصور الإسلامية الأولى على تهيئة الظروف لتحقيق الكثير من الإنجازات، لتتوالى العصور الوسطى التي شهدت بروز حكم الدولة النبهانية في عُمان وريادة العمانيين في الملاحة البحرية، مما أتاح لهم التوسع التجاري والاستكشاف، وفي العصور الحديثة بلغت عُمان أوج قوتها البحرية في عصر اليعاربة، وتطورت علاقاتها الدولية في عصر الدولة البوسعيدية بتوسع الإمبراطورية العمانية في شرق إفريقيا، حيث تركت بصمات ثقافية واجتماعية لا تزال حاضرة حتى اليوم، ولعب الشعر الشعبي والفصيح دورا رئيسيا في إثراء الثقافة العمانية، حيث وثّق الأحداث والتقاليد وأصبح جزءا أصيلا من التراث، كما برزت الفنون التقليدية كرموز للهوية الوطنية، إضافة إلى الحرف اليدوية مثل: صناعة الفخار والسعفيات والنسيج وبناء السفن.

وشهدت سلطنة عُمان نهضة ثقافية وعمرانية منذ تولي المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- مقاليد الحكم في البلاد، حيث تم الحفاظ على التراث الوطني جنبا إلى جنب مع التطوير، وانتشر التعليم، وأُنشئت مؤسسات ثقافية وفنية عززت مكانة الثقافة العُمانية دوليا، كما أنشأت سلطنة عمان وزارة معنية بالتراث والثقافة لتأكيد أهمية هذا الجانب، حيث أطلقت برامج ثقافية ومنشآت حضارية بارزة، ومن بين هذه المنشآت، تعتبر دار الأوبرا السلطانية مسقط أحد أبرز المعالم الثقافية، حيث مزجت في تفاصيلها بين الهوية العمانية الأصيلة والفنون العالمية، لتصبح شاهدا حيا على تفرّد الثقافة العمانية، إضافة إلى المتاحف الحكومية والخاصة التي احتضنت عناصر الحضارة العمانية بشتى صنوفها ونقلت جانبا مهما من تلك الحضارة في مختلف جوانبها.

وتشكل الثقافة العمانية بمكوناتها الغنية إرثا حضاريا يعكس عمق الهوية الوطنية، ويتجدد بتأثير الجهود المتواصلة لتعزيز مكانتها في مواجهة التحديات الحديثة، وفي عهد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه والله ورعاه- تبرز السياحة الثقافية كوسيلة استراتيجية لربط التراث بالتنمية المستدامة، وذلك في إطار رؤية شاملة تحافظ على الأصالة العمانية وتنفتح على العالم، فالسياحة الثقافية ليست مجرد أداة اقتصادية، بل هي جسر يربط الماضي بالحاضر، حيث تحتضن سلطنة عمان مواقع أثرية كالقلاع والحصون، إلى جانب المتاحف والأسواق التقليدية والمهرجانات الثقافية التي تعكس القيم العمانية الأصيلة، وفي ظل «رؤية عُمان 2040» شهدت البنية الأساسية الثقافية في سلطنة عمان تطورا ملحوظا، مع التركيز على استدامة التراث وتعزيز مساهمته في الاقتصاد الوطني، وتعد هذه الجهود امتدادا لرؤية متجددة تهدف إلى ترسيخ الهوية الوطنية في مختلف القطاعات، مع إبراز الثقافة العمانية كإرث حضاري يسهم في بناء المستقبل، ويجعل سلطنة عمان نموذجا يحتذى به في الحفاظ على التراث الثقافي في عصر التغيير.

ترسيخ القيم والمبادئ الوطنية

وقد أكد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- في كلمته السامية بمناسبة افتتاح دور الانعقاد السنوي لمجلس عمان أهمية الحفاظ على الهوية العمانية والاعتزاز بالثقافة الوطنية، انطلاقا من اهتمامه العميق بهذا الجانب في ظل التحديات التي تواجه المجتمعات وتأثيراتها الخارجية، حيث أشار جلالته إلى ما يواجهه المجتمع من تحديات ومؤثرات تؤثر سلبا على منظومته الأخلاقية والثقافية، مشددا على ضرورة التصدي لهذه الظواهر عبر دراستها ومتابعتها بجدية، لتعزيز قدرة المجتمع على المواجهة وترسيخ القيم والمبادئ الوطنية الأصيلة.

مؤكدا جلالته أن الأسرة تشكل الركيزة الأساسية في مواجهة هذه التحديات، حيث إن تقوية روابطها والاهتمام بها يضمن حماية الأجيال القادمة من الأفكار السلبية التي تتعارض مع قيم ديننا الحنيف وثوابتنا الوطنية، وتشوه صورة الهوية العمانية المستمدة من تاريخنا وثقافتنا، وإن تربية الأبناء تربية سليمة وتعزيز القيم الأخلاقية لديهم يُعدان السلاح الأهم في الحفاظ على هويتنا الثقافية، وسط ما يشهده العالم من تغيرات وتوجهات لا تنسجم مع مبادئنا وقيمنا الأصيلة.

تميزت قيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- لوزارة التراث والثقافة قبل توليه الحكم، بإسهامات بارزة في تطوير القطاع الثقافي في سلطنة عمان، حيث نجحت في المزج بين الأصالة العمانية ومتطلبات العصر الحديث، وكانت الوزارة في ظل قيادته بمثابة منارة ثقافية، حيث سلطت الضوء على الوجه المشرق للتاريخ الحضاري والإنساني للمدن والولايات العمانية من خلال المنتدى الأدبي مثلا، والذي احتفى بالعلماء والمفكرين العمانيين وأبرز دورهم في الحركة الثقافية وفي مختلف المجالات الفكرية.

قانون التراث الثقافي

إلى جانب ذلك، ركزت الوزارة على ضمان استدامة التراث الثقافي العماني، من خلال تعزيز الإطار التشريعي لحمايته وتطويره. وقد تُوّجت هذه الجهود بإصدار قانون التراث الثقافي بموجب المرسوم السلطاني رقم 35/ 2019، ليشكل نقلة نوعية في تنظيم وحماية التراث الثقافي العماني. ويأتي القانون في إطار الجهود المستمرة لتعزيز الهوية الوطنية وصون الموروث الثقافي، بما يعكس رؤية متقدمة لضمان استدامة هذا التراث كجزء من الهوية الحضارية للبلاد، ويشمل القانون تعريفا شاملا للتراث الثقافي العماني، حيث يضم التراث المادي وغير المادي، مثل: المواقع الأثرية والمباني التاريخية، بالإضافة إلى الممارسات والتقاليد الشعبية والفنون المتوارثة، كما ينظم القانون كيفية التعامل مع التراث الثقافي، سواء كان ملكا عاما للدولة أو مملوكا للأفراد، مع التأكيد على أن التراث الثقافي الموجود في باطن الأرض يعد ملكية عامة، ويضع القانون آليات واضحة لحماية التراث من التعديات، سواء من خلال التصرفات غير المشروعة أو الإهمال، مشددا على أهمية الحفاظ على المواقع التراثية وعدم إجراء أي تعديلات عليها إلا بترخيص رسمي، كما يشمل القانون توثيق التراث الثقافي غير المادي من عادات وتقاليد وفنون وممارسات اجتماعية، لضمان حفظها ونقلها إلى الأجيال القادمة، ويهدف القانون إلى إشراك المجتمع في الحفاظ على التراث، مؤكدا دور الأسرة والمؤسسات التعليمية في تعزيز الوعي بأهمية هذا الموروث الوطني، كما يعكس التزام سلطنة عمان بتوثيق تاريخها وإبرازه على المستوى الإقليمي والدولي، لتظل هويتها الثقافية حاضرة في مواجهة التغيرات العالمية.

وحققت فترة تولي السلطان هيثم بن طارق -أيده الله- للوزارة إنجازات نوعية عززت من مكانة سلطنة عمان كمركز ثقافي وتراثي بارز على المستوى الإقليمي والدولي، فقد قاد برؤية واضحة ومتكاملة، تمزج بين الحفاظ على الهوية الوطنية والانفتاح على الثقافات الأخرى، مما أسهم في إبراز التراث العماني كمصدر اعتزاز وإلهام على الصعيد العالمي.

كما أولى جلالته اهتماما خاصا بدعم البعثات الأثرية الدولية، حيث وفر لها التسهيلات والمرافق اللازمة للعمل في البيئة العمانية، ما أسهم في تحقيق اكتشافات أثرية مهمة تعكس الأهمية التاريخية لعمان كمحطة تواصل حضاري في العالم القديم، كما أفضى هذا الاهتمام بتسجيل مفردات التراث العُماني غير المادي في قوائم التراث الثقافي العالمي لدى منظمة اليونسكو، تأكيدا على عمق الموروث الثقافي العماني وأهميته، فقد تم إدراج العديد من العناصر التراثية، مثل فنون العيالة والرزحة، وصناعة اللبان، مما أسهم في تعزيز الهوية الوطنية وتوثيق هذا التراث للأجيال القادمة، ومن بين الإنجازات أيضا مشروع «الموسوعة العمانية» الذي يُعد أحد أبرز المشاريع التوثيقية في تاريخ سلطنة عمان، وجمع المشروع نخبة من العلماء والمثقفين لتدوين التاريخ العماني الممتد لآلاف السنين، وتمخض عن إصدار موسوعة مكونة من 11 مجلدا بعد عمل شاق وطويل، إلى جانب ذلك، حرص جلالته على دعم الأندية الثقافية والمكتبات الأهلية والمراكز العلمية، إدراكا منه لدورها في بناء الإنسان العماني وتنمية وعيه الثقافي، وهذه الجهود لم تكن مجرد دعم مادي بل رؤية استراتيجية تهدف إلى تمكين المجتمع من المساهمة في التنمية الثقافية الشاملة.

وتأكيدا على دور الثقافة كجسر يربط الماضي بالمستقبل أطلق حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- المتحف الوطني الذي يعد أحد أبرز المشاريع الثقافية خلال فترة توليه وزارة التراث والثقافة وقد وقع اتفاقيته آنذاك وشهد التشغيل التجريبي للمتحف الوطني قبيل افتتاحه، حيث يمثل هذا الصرح نافذة تطل على التاريخ العماني الغني، ويجمع بين الحفاظ على التراث الأصيل وتقديمه برؤية حديثة تُبرز تنوع الموروث الثقافي للبلاد، وافتُتح المتحف ليكون مركزا تعليميا وثقافيا يعكس روح عُمان عبر العصور، ويضم مجموعة متنوعة من المقتنيات النادرة التي تسلط الضوء على الحقب الزمنية المختلفة، بدءا من العصور القديمة وصولا إلى الحاضر. ويتميز المتحف بتقديم محتوياته بأساليب وتقنيات تفاعلية مبتكرة.

وفي 2016 افتتح جلالته -حفظه الله- المعرض الدائم للوثائق والمحفوظات الوطنية قبل أن يتم إدراج المعرض نفسه في عام 2018 ضمن خريطة المعالم السياحية والثقافية في سلطنة عمان، ليصبح محطة بارزة تجمع بين التاريخ والثقافة وتقدم تجربة فريدة للزوار، ويمثل المعرض نافذة فريدة للتعرف على الإرث الحضاري العماني عبر العصور، حيث يعرض وثائق ومقتنيات تعكس عمق الهوية الثقافية والتاريخية للبلاد، ويشكل هذا الصرح الثقافي إضافة نوعية للمشهد السياحي في سلطنة عمان، حيث يجمع بين الأصالة والحداثة ويعزز مكانة البلاد كمركز حضاري وسياحي، كما يسعى إلى الترويج للسياحة الثقافية وإبراز مكانة عُمان التاريخية أمام الزوار من داخل سلطنة عمان وخارجها.

عهد النهضة المتجددة

وفي عهد النهضة المتجددة تجسد رؤية جلالته في المجال الثقافي نموذجا يجمع بين تعزيز الهوية الوطنية والانفتاح الواعي على العالم، ولقد ارتكزت جهوده منذ توليه الحكم على وضع الثقافة في قلب الاستراتيجيات التنموية، إدراكا منه لأهميتها كركيزة أساسية لبناء الإنسان والمجتمع.

ولم يكن دمج الثقافة في «رؤية عُمان 2040» مجرد خطوة تنظيمية، بل تأكيد على دورها المحوري في تشكيل هوية الدولة الحديثة، فجاءت «الاستراتيجية الثقافية 2021-2024» التي اعتمدتها سلطنة عمان لتمثل رؤية شاملة لتعزيز دور الثقافة كركيزة للتنمية الوطنية وتحقيق التكامل مع «رؤية عُمان 2040»، وتهدف الاستراتيجية إلى ترسيخ الهوية الثقافية العمانية واستثمار الإرث الثقافي لتحقيق تنمية مستدامة، من خلال خطة تنفيذية تسعى لتطوير العمل الثقافي، ودعم الإبداع، وتعزيز الصناعات الإبداعية، وتأتي الاستراتيجية ضمن إطار يشمل محاور متعددة، أبرزها تفعيل دور الثقافة في المجتمع، ودعم المبادرات الشبابية، وتنمية الصناعات الثقافية لتعزيز مساهمة القطاع الثقافي في الاقتصاد الوطني. كما تسلط الضوء على أهمية التعاون الدولي، بما يعكس مكانة عُمان كوجهة ثقافية رائدة على المستوى الإقليمي والدولي، كما تستند هذه الاستراتيجية إلى منهج تشاركي، حيث أُشركت المؤسسات الرسمية والمجتمعية والأفراد المهتمون بالشأن الثقافي في صياغتها، ويعكس ذلك التزام سلطنة عمان بتعزيز دور الثقافة كوسيلة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، وترسيخ قيم الانفتاح والتواصل مع الثقافات العالمية، في إطار يحافظ على الهوية الوطنية ويستشرف المستقبل.

مشاريع ثقافية شاهدة

وفي سياق «رؤية عُمان 2040» يعد إطلاق مجمع عُمان الثقافي والذي رعى جلالته -حفظه الله ورعاه- وضع حجر أساسه من أبرز المشاريع التي عكست هذه الرؤية في صرح متكامل يوحد الجهود الثقافية والفنية تحت مظلة واحدة في خطوة تسعى لإحداث تحول نوعي في تنظيم الأنشطة الثقافية وترسيخ قيم التعاون والإبداع.

وفي عهده -أعزه الله- تحولت الثقافة إلى استثمار طويل الأمد ليس فقط في البنية الأساسية، بل في الإنسان العماني وتاريخه الممتد، وهذا التوجه يضع سلطنة عمان في موقع متقدم يعزز دورها كحاضنة للتراث، ومصدر للإبداع المعاصر، وهذه الرؤية الشاملة لا تنحصر في الإنجازات المادية، بل تتعداها لتشكل دعامة حضارية تعزز من مكانة عُمان كدولة تتطلع للمستقبل بثبات، مستندة إلى إرثها الثقافي العميق وقيمها الأصيلة.

وفي خطوة استراتيجية تسهم في تعزيز الهوية الوطنية وتقديم صورة متكاملة عن التاريخ العماني، بما ينسجم مع تطلعات سلطنة عمان نحو تعزيز دورها الثقافي عالميا شهد عهد السلطان هيثم بن طارق محطة ثقافية مهمة تمثلت في افتتاح متحف عُمان عبر الزمان، الذي يُعد من أبرز المنجزات الثقافية التي تعكس العناية الفائقة بتاريخ سلطنة عمان وتراثها العريق، حيث يمثل هذا المتحف مرآة حضارية تسلط الضوء على المراحل التاريخية التي مرت بها سلطنة عمان، بدءا من العصور القديمة وصولا إلى النهضة المتجددة، ويأتي افتتاح هذا المتحف ليكون صرحا ثقافيا يدمج بين الأصالة والحداثة، ويقدم تجربة تفاعلية مبتكرة تسرد قصة عُمان وشعبها على مر العصور. ويتيح المتحف بتصميمه المعماري المميز ومحتوياته المتنوعة للزوار استكشاف التاريخ بطرق مبتكرة.

ويمثل «المتحف» الذي يُعد إضافة محورية إلى المشهد الثقافي في سلطنة عمان، رسالة واضحة تعكس التزام القيادة برعاية التراث الثقافي وإبراز دور سلطنة عمان الحضاري على المستوى الإقليمي والدولي، كما يعزز من دور الثقافة في تحقيق أهداف «رؤية عُمان 2040»، من خلال توثيق الماضي وربطه بتطلعات المستقبل.

وإلى جانب متحف عُمان عبر الزمان، الذي يعكس التاريخ الطويل والثري لسلطنة عمان، يأتي متحف السيارات السلطانية كمعلم ثقافي مختلف في فكرته ليقدم منظورا مختلفا للإرث الثقافي، مسلطا الضوء على شغف القادة وهواياتهم، حيث يُجسد افتتاح متحف السيارات السلطانية تأكيدا على الرؤية الحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في صون الإرث الوطني، وتوظيفه كجسر يربط الأجيال الحالية والمستقبلية بتاريخ سلطنة عُمان العريق، حيث تسهم هذه المشاريع الثقافية في إبراز أبعاد جديدة للثقافة العمانية، تجمع بين التراث والتطور، ويضم المتحف مجموعة من السيارات الكلاسيكية والنادرة والسيارات الرياضية بما فيها عدد من السيارات الشخصية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- والسيارات التي استخدمها السلطان قابوس بن سعيد، والسلطان سعيد بن تيمور، والسيد طارق بن تيمور -طيّب الله ثراهم- فهذه المقتنيات ليست مجرد مركبات نادرة، بل هي قطع تاريخية تُجسد مراحل مهمة من مسيرة سلطنة عمان.

إرث متجدد ومتواصل

تواصل سلطنة عمان، بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- مسيرة «الثقافة العمانية» التي تعكس التوازن المثالي بين الحفاظ على الهوية الوطنية والانفتاح على التطورات الحديثة، فالمشاريع والإنجازات التي تم استعراضها تمثل محطات مضيئة في رحلة سلطنة عمان لتعزيز مكانتها الحضارية والثقافية، وما هذه الجهود المستمرة إلا بداية لمستقبل واعد، تحمل رؤيته آفاقا أوسع لتعزيز الإرث الثقافي، مع التركيز على تحقيق التنمية المستدامة، وفي ظل القيادة الحكيمة ستبقى الثقافة العمانية عنصرا أصيلا في مسيرة التنمية، جسرا يربط الماضي بالحاضر، ومصدر إلهام لمستقبل يفيض بالإبداع والإرث الحضاري المتجدد.

مقالات مشابهة

  • «لعبة العروش».. الكتاب الأول من سلسلة «أغنية الجليد والنار» بمعرض الكتاب 2025
  • الثقافة العمانية ... إرث متجدد ومسيرة متواصلة
  • مسؤولة صحية صينية تبدد المخاوف بشأن فيروس "إتش إم بي في"
  • مدبولي: نعمل على دفع جهود التنمية في الساحل الشمالي الغربي لتعظيم العائد في ضوء الفرص الواعدة التي يتميز بها
  • السفير الرحبي: الثقافة العمانية بتاريخها العريق تظل بحاجة لمزيد من الجسور التي تربطها بنظيراتها في العالم
  • لماذا تحلم بأنك مطارد؟ اكتشف التفسير النفسي
  • “حفر الباطن” من محطة عبور إلى وجهة الأحلام.. ومن أطراف الخريطة إلى قلب المستقبل
  • خوارزمية تكشف ارتباط نوع من الأحلام بمرض باركنسون
  • هزاع بن زايد يؤكد أهمية المضي قُدماً في مسيرة التنمية الشاملة التي تشهدها العين
  • في هذه المواقع يمكنك تفعيل جواز السفر الجديد بعد استلامه