لجريدة عمان:
2024-11-24@23:41:49 GMT

الإعلام في زمن الذكاء الاصطناعي

تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT

استدعى انتباهي حديثا لمعالي الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي وزير الإعلام عبر إذاعة الشباب عن قانون الإعلام ومآلاته المرتقبة؛ إذ استحضر معاليه مشهدَ الذكاءِ الاصطناعي والتحول الرقمي وتأثيره في مستجدات قانون الإعلام الجديد. لا أستطيع التكهن بشكل قانون الإعلام الجديد، وليس هذا معرض حديثي في هذا المقال؛ إذ سأستعرض في هذا المقال جانبا تقنيا يخص دور الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية في الإعلام من زاوية الرأي.

كانت التحولات الرقمية -في فترة من الفترات- بمجملها أحد أبرز التحديات التي تواجه الإعلام وهيمنته مثل منصات التواصل الاجتماعي والمنصات المرئية مثل "اليوتيوب" إلا أن الإعلام استطاع التموضع مع هذه المنصات الرقمية المنافسة عبر تفاعله الإيجابي معها وتحويلها إلى أدوات إعلامية مساعدة بل غدت مع الوقت رئيسة؛ فالإعلام الرقمي المتمثل في الصحف الإلكترونية والقنوات اليوتيوبية ومؤخرا الواتسابية يتجاوز كل التحديات السابقة بوصوله إلى جمهوره دون أن يفقد طابعه المهني، وفُرض هذا التحول عليه جبرا، وإلا توجَّب على المؤسسة الإعلامية التقليدية أن تنسحب من فضاء الإعلام المتغير. تفرض تغييرات الصناعة الإعلامية تحولات جديدة لا تستقر على أدوات واحدة بل تتغير أدواتها وماهيتها في غضون فترات زمنية قصيرة؛ فغدا كثير من الناس يتصفحون الصحف عبر أجهزتهم الإلكترونية سواء الحاسوب أو الهاتف، وبات القليل الذي يلتفت إلى الصحف الورقية المطبوعة، وأصبحت أجهزة التلفاز في كثير من حالاتها مجرد ظاهرة زخرفية تتزين بها المنازل؛ لتصبح الهواتف الوسيلة الأسهل لمشاهدة القنوات المرئية التي لم تعدْ حكرا على مؤسسات الإعلام بل امتدّت لتشمل القنوات الفردية التي لا تتطلب الكثير من التقنيات والأجهزة لتشغيلها. تمكنت كذلك كثير من مؤسسات الإعلام مضاعفة ثمار تقنيات الذكاء الاصطناعي في خدمة أعمالها الإعلامية مثل تحليل البيانات بجودة عالية وسريعة، والامتزاج مع الإعلام الافتراضي المحاكي للواقع، وصناعة المحتوى الإعلامي وفق معايير دقيقة للغاية بأقل تكلفة.

لابد من الإقرار أن واقعَ التحول الرقمي وزحفه إلى جميع قطاعات حياتنا بما فيها الإعلام أمرٌ يوافق حركة التطور العلمي الذي يتسارع في وتيرة تطويراته، والإعلام جزء من منظومة الحياة التي لا يمكن استبعاد إستراتيجيات مسارها المهني من حتمية مواجهة التغيير والتموضع السلمي والمحمود -مثل التي ذكرناها آنفا- مع كل جديد بما في ذلك التقنيات التي تتعلق بالجانب الإعلامي. لم تعدْ هذه التحولات الرقمية محصورة في مساحات رقمية تقليدية مثل منصات التواصل الاجتماعي والأنظمة الرقمية المكتوبة والمرئية كما عهدنا منذ سنوات طويلة بل نجد أن الإعلام في مواجهة رقمية أشد تحديا من سابقتها، وهنا نشير إلى بروز الذكاء الاصطناعي وما يضارعه من تقنيات في الفضاء الرقمي الكبير مثل إنترنت الأشياء؛ فلنحظ خوارزميات ذكاء اصطناعي قادرة في غضون دقائق قليلة أن تصنع محتوى مرئيًّا يفوق في بعض مستوياته ما يمكن لمؤسسات الإعلام والإنتاج المرئي أن تخرجه من حيث الجودة الفنية وسرعة الإنتاج، وهذا ما يشكّل هاجسَ قلقٍ لدى شاغلي هذه الوظيفة ومؤسساتهم بسبب اتساع دائرة الاحتراف المرئي وإنتاجه، وكذلك ما يمكن أن تصحبه هذه المرئيات المُولَّدة بواسطة الذكاء الاصطناعي من تجاوزات أخلاقية وقانونية تتطلب إحداث تحديثات قانونية أسوة بالقوانين التي أدرجت للممارسات الإلكترونية وجرائمها إبّان فترة غليان الثورة الإلكترونية المتعلقة بالإنترنت والأنظمة الحاسوبية. كذلك ثمّة جبهات رقمية أخرى عزز الذكاء الاصطناعي قوتها مثل منصات التواصل الاجتماعي المرتبطة بمشغلات تعمل بخوارزميات ذكية في صناعة المحتوى وانتشاره؛ لتشكّل تحديات أمام مؤسسات الإعلام التي تحاول جاهدة أن تحافظ على وظيفتها المنوطة إليها في صناعة المحتوى ونقل الأحداث وفق ضوابط أخلاقية، ويُضاف في حالات أخرى الضوابط السياسية والأمنية التي تحقق المصلحة العامة. لا يمكن هنا أن نهمل الهاجس السياسي والأمني الذي يحق لأي دولة أن تحذر تفاقمه عبر الفضاء الرقمي المفتوح خصوصا ذلك الذي يعمل على أنظمة الذكاء الاصطناعي؛ فيأتي دور الإعلام ومؤسساته لتكون بمثابة صِمام أمان يحاول إدراك حراك هذه الأنظمة الرقمية وتفاعلها في المساحات الإعلامية التي لم تعدْ -كما ذكرنا- حكرا على مؤسسات بعينها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الاعتراض على هذه الخطوة مع ضرورة ضمان عدم إلحاق الخلل بحرية التعبير الموافقة للمبادئ الأخلاقية المتعارفة.

سبق أن تحدثت وكتبت عن مخاطر الذكاء الاصطناعي وخوارزمياتها الصاعدة التي بدأت تُظهر بعض مخاطرها في مشاهد كثيرة موثّقة، ولا يمكن أن نقف سدا منيعا لمنع تدفق الطوفان الرقمي وأدواته الذكية كونه جزءا من منهجية التحول الرقمي الذي يقودنا جميعا إلى مسارات جديدة في الحياة؛ فكل ما يمكن علينا أن نفعله هو صناعة الوعي بما تحويه هذه التقنيات، وإدراك مسار طريقها الحالي وفي المستقبل، وبناء القوانين والتشريعات اللازمة التي يمكن أن تكبح جماح هذا النمو الرقمي الذي لا يُؤمن شره دون وجود الوعي والقانون الرادع؛ فنحن أمام موجة جديدة من الحروب التي تهدد الإنسان ومجتمعاته، وتختلف عن الحروب التقليدية؛ فالسلاح في شكل خوارزمية رياضية تحاكي قدرات الدماغ البشري بل تفوقه قدرة في جوانب أخرى، وتهديد هذا السلاح لا يأتي مثل سابقه من الأسلحة الرقمية؛ إذ الوعي الإنساني يكون هدفا؛ فنحن أمام مدٍ إعلامي رقمي منزوع الرقابة يمتطى صهوته -بلا رقيب ولا حسيب- الصالح والطالح يتمثل في صناعة الزيف والمحتوى الهابط المفسد للفطرة الإنسانية ونزعتها الأخلاقية والداعي -عبر تقنيات التزييف- إلى زعزعة المجتمعات وهزّ استقرارها السياسي والاقتصادي، وهذا ما يستدعي تشجيعنا إلى تحديد ممارسات الذكاء الاصطناعي في الفضاء الإعلامي -من الناحية المهنية- وتأطير ضوابطه القانونية. مع كل ما قيل وما ذكرته يظل السؤال متداولا: أيصلح القانون الجديد -المرتقب- ما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفسده في فضاء الإعلام؟

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی مؤسسات الإعلام ما یمکن لا یمکن

إقرأ أيضاً:

"أرجوك توقف".. رجل يتوسل إلى الذكاء الاصطناعي بعد مقاطع مزعجة

نشر أحد المؤثرين مقطع فيديو يتوسل فيه للذكاء الاصطناعي ومستخدميه، التوقف عن تشكيل مقاطع لحيوانات تتحول من أو إلى طعام.

وقال المؤثر الذي يستخدم اسم @garron_music، لمتابعيه البالغ عددهم 1.3 مليون، في مقطع بعنوان أكره الذكاء الاصطناعي"، إن المقاطع الغريبة التي تتوالى بالذكاء الاصطناعي، التي تظهر الحيوانات تتشكل على هيئة طعام، أو بالعكس، تثير التوتر والضيق، وفق "ميرور".


وتوسل الرجل قائلاً: "أرجوك توقف"، فيما أظهرت أحد المقاطع، بيضتان تطهيان في مقلاة عندما تحولت إحداهما فجأة إلى طائر برتقالي وأبيض، وبينما يحدث ذلك، يمكن سماع الرجل وهو يقول: "لا أريد أن أرى بيضة تتحول إلى طائر، ثم تتحول قطعة كرواسون بشكل غامض إلى ثعلب فيقول: "لا أحب مقاطع الفيديو الخاصة بالذكاء الاصطناعي هذه، فهي تخيفني وبعضها يلتصق بي".

بعد ذلك، يخرج من صينية البطاطس المهروسة ثلاثة دببة قطبية، فيشمئز المؤثر، ويقول: "لا أجد هذا جذابًا"، ويضيف: "نرى آيس كريم الذكاء الاصطناعي يتحول إلى دببة غريبة الشكل ولا أعرف لماذا نحتاج إلى هذا. لا أستطيع أن أحب هذه المقاطع".


حماية الأطفال

ويأتي هذا بعد أن دعت مؤسسة خيرية للسلامة عبر الإنترنت إلى حظر تطبيق "التعري" المدعوم بالذكاء الاصطناعي، والذي يمكنه إنشاء صور كاشفة من غير موافقة الأشخاص، بما في ذلك الأطفال.
ودعت Internet Matters الحكومات إلى تعزيز قانون السلامة عبر الإنترنت لحظر الأدوات التي يمكنها إنشاء صور عارية مزيفة بعد دراسة أجرتها المجموعة قدرت أن ما يصل إلى نصف مليون طفل واجهوا مثل هذه الصور عبر الإنترنت.
وقالت إن بحثها وجد خوفًا متزايدًا بين الشباب بشأن هذه القضية، حيث قال 55 % من المراهقين إنه سيكون من الأسوأ إنشاء صورة عارية مزيفة لهم ومشاركتها من صورة حقيقية.
وقالت Internet Matters إن تعزيز قوانين السلامة عبر الإنترنت الجديدة والتشريعات الجديدة لحظر أدوات التعري ضروري لأن التشريع الحالي لا يواكب، بحجة أن نماذج الذكاء الاصطناعي المستخدمة لإنشاء صور جنسية للأطفال ليست غير قانونية حاليًا في المملكة المتحدة، على الرغم من أن حيازة مثل هذه الصورة تعد جريمة جنائية.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، حذرت مؤسسة مراقبة السلامة عبر الإنترنت (IWF) من أن الصور الجنسية للأطفال التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي أصبحت محتوى مسيئاً الآن، موجودًا بشكل متزايد على شبكة الويب المفتوحة العامة، بدلاً من إخفائه في منتديات الويب المظلمة.

مقالات مشابهة

  • «الذكاء الاصطناعي» يتعلم من «قطاع النشر»
  • الخدمات الصحية وثورة الذكاء الاصطناعي
  • العالم في عصر الذكاء الاصطناعي الفائق
  • الذكاء الاصطناعي في العراق.. مشاريع مرتقبة مع منظمة التعاون الرقمي
  • هيئة الإعلام والتربية تتعاونان لتعزيز التحول الرقمي في المدارس
  • "أرجوك توقف".. رجل يتوسل إلى الذكاء الاصطناعي بعد مقاطع مزعجة
  • «الإعلام الأمني»: مبادرات للتوعية المرورية بتقنيات الذكاء الاصطناعي
  • أدوات جوجل الجديدة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لجعل حياتك أسهل
  • «الذكاء الاصطناعي ودوره نحو التطور».. دورة تدريبية في «الشعب الجمهوري»
  • كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يشكل مستقبل التجارة الدولية؟