الإعلام في زمن الذكاء الاصطناعي
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
استدعى انتباهي حديثا لمعالي الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي وزير الإعلام عبر إذاعة الشباب عن قانون الإعلام ومآلاته المرتقبة؛ إذ استحضر معاليه مشهدَ الذكاءِ الاصطناعي والتحول الرقمي وتأثيره في مستجدات قانون الإعلام الجديد. لا أستطيع التكهن بشكل قانون الإعلام الجديد، وليس هذا معرض حديثي في هذا المقال؛ إذ سأستعرض في هذا المقال جانبا تقنيا يخص دور الذكاء الاصطناعي والثورة الرقمية في الإعلام من زاوية الرأي.
لابد من الإقرار أن واقعَ التحول الرقمي وزحفه إلى جميع قطاعات حياتنا بما فيها الإعلام أمرٌ يوافق حركة التطور العلمي الذي يتسارع في وتيرة تطويراته، والإعلام جزء من منظومة الحياة التي لا يمكن استبعاد إستراتيجيات مسارها المهني من حتمية مواجهة التغيير والتموضع السلمي والمحمود -مثل التي ذكرناها آنفا- مع كل جديد بما في ذلك التقنيات التي تتعلق بالجانب الإعلامي. لم تعدْ هذه التحولات الرقمية محصورة في مساحات رقمية تقليدية مثل منصات التواصل الاجتماعي والأنظمة الرقمية المكتوبة والمرئية كما عهدنا منذ سنوات طويلة بل نجد أن الإعلام في مواجهة رقمية أشد تحديا من سابقتها، وهنا نشير إلى بروز الذكاء الاصطناعي وما يضارعه من تقنيات في الفضاء الرقمي الكبير مثل إنترنت الأشياء؛ فلنحظ خوارزميات ذكاء اصطناعي قادرة في غضون دقائق قليلة أن تصنع محتوى مرئيًّا يفوق في بعض مستوياته ما يمكن لمؤسسات الإعلام والإنتاج المرئي أن تخرجه من حيث الجودة الفنية وسرعة الإنتاج، وهذا ما يشكّل هاجسَ قلقٍ لدى شاغلي هذه الوظيفة ومؤسساتهم بسبب اتساع دائرة الاحتراف المرئي وإنتاجه، وكذلك ما يمكن أن تصحبه هذه المرئيات المُولَّدة بواسطة الذكاء الاصطناعي من تجاوزات أخلاقية وقانونية تتطلب إحداث تحديثات قانونية أسوة بالقوانين التي أدرجت للممارسات الإلكترونية وجرائمها إبّان فترة غليان الثورة الإلكترونية المتعلقة بالإنترنت والأنظمة الحاسوبية. كذلك ثمّة جبهات رقمية أخرى عزز الذكاء الاصطناعي قوتها مثل منصات التواصل الاجتماعي المرتبطة بمشغلات تعمل بخوارزميات ذكية في صناعة المحتوى وانتشاره؛ لتشكّل تحديات أمام مؤسسات الإعلام التي تحاول جاهدة أن تحافظ على وظيفتها المنوطة إليها في صناعة المحتوى ونقل الأحداث وفق ضوابط أخلاقية، ويُضاف في حالات أخرى الضوابط السياسية والأمنية التي تحقق المصلحة العامة. لا يمكن هنا أن نهمل الهاجس السياسي والأمني الذي يحق لأي دولة أن تحذر تفاقمه عبر الفضاء الرقمي المفتوح خصوصا ذلك الذي يعمل على أنظمة الذكاء الاصطناعي؛ فيأتي دور الإعلام ومؤسساته لتكون بمثابة صِمام أمان يحاول إدراك حراك هذه الأنظمة الرقمية وتفاعلها في المساحات الإعلامية التي لم تعدْ -كما ذكرنا- حكرا على مؤسسات بعينها، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الاعتراض على هذه الخطوة مع ضرورة ضمان عدم إلحاق الخلل بحرية التعبير الموافقة للمبادئ الأخلاقية المتعارفة.
سبق أن تحدثت وكتبت عن مخاطر الذكاء الاصطناعي وخوارزمياتها الصاعدة التي بدأت تُظهر بعض مخاطرها في مشاهد كثيرة موثّقة، ولا يمكن أن نقف سدا منيعا لمنع تدفق الطوفان الرقمي وأدواته الذكية كونه جزءا من منهجية التحول الرقمي الذي يقودنا جميعا إلى مسارات جديدة في الحياة؛ فكل ما يمكن علينا أن نفعله هو صناعة الوعي بما تحويه هذه التقنيات، وإدراك مسار طريقها الحالي وفي المستقبل، وبناء القوانين والتشريعات اللازمة التي يمكن أن تكبح جماح هذا النمو الرقمي الذي لا يُؤمن شره دون وجود الوعي والقانون الرادع؛ فنحن أمام موجة جديدة من الحروب التي تهدد الإنسان ومجتمعاته، وتختلف عن الحروب التقليدية؛ فالسلاح في شكل خوارزمية رياضية تحاكي قدرات الدماغ البشري بل تفوقه قدرة في جوانب أخرى، وتهديد هذا السلاح لا يأتي مثل سابقه من الأسلحة الرقمية؛ إذ الوعي الإنساني يكون هدفا؛ فنحن أمام مدٍ إعلامي رقمي منزوع الرقابة يمتطى صهوته -بلا رقيب ولا حسيب- الصالح والطالح يتمثل في صناعة الزيف والمحتوى الهابط المفسد للفطرة الإنسانية ونزعتها الأخلاقية والداعي -عبر تقنيات التزييف- إلى زعزعة المجتمعات وهزّ استقرارها السياسي والاقتصادي، وهذا ما يستدعي تشجيعنا إلى تحديد ممارسات الذكاء الاصطناعي في الفضاء الإعلامي -من الناحية المهنية- وتأطير ضوابطه القانونية. مع كل ما قيل وما ذكرته يظل السؤال متداولا: أيصلح القانون الجديد -المرتقب- ما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفسده في فضاء الإعلام؟
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الذکاء الاصطناعی مؤسسات الإعلام ما یمکن لا یمکن
إقرأ أيضاً:
3 اكتشافات تمت بفضل الذكاء الاصطناعي في 2024
وفي السطور التالية نرصد أبرز تلك الاكتشافات: مخطوطات هيركولانيوم تمكن ثلاثة من الباحثين من من الكشف عن محتوى مخطوطات هيركولانيوم المتفحمة والتي لم تكن قابلة للقراءة، بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي.
وكانت هذه المخطوطات الهشة عُرضة للتفتت، كما أن لونها الأسود جعل من الصعب قراءة أي كتابات عليها، ولكن بفضل الذكاء الاصطناعي والأشعة السينية عالية الدقة، تم فك شفرة أكثر من 2000 حرف داخل المخطوطات.
وكان هذا الإنجاز كشف عن أول مقاطع كاملة من البرديات التي نجت من ثوران جبل فيزوف في عام 79 بعد الميلاد، ضمن بعض القطع الأثرية المتعلقة بروما القديمة واليونان، التي تم إنقاذها مما يُعتقد أنه منزل والد زوجة يوليوس قيصر.
وعن الطريقة التي تم بها فك رموز الكتابة، قال أستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة كنتاكي والذي يعمل على فك شفرة المخطوطات منذ أكثر من عقد من الزمان، برنت سيلز، إن الكتابة تكون موجودة في المخطوطات ولكنها تكون مدفونة ومموهة في الورق.
ومن خلال الذكاء الاصطناعي يتم تكثيف هذه الكتابة وتضخيم قابلية قراءة الحبر، وفق سيلز.
التعرف على لغة الحيتان توصل العلماء من قبل إلى أن الأصوات التي تنتجها حيتان العنبر تختلف في طولها الموجي وإيقاعها، ولكن دلالة هذه اللغة ظلت لغزًا محيرًا بالنسبة للعلماء.
ولكن الذكاء الاصطناعي ساعد على تحليل نحو 9000 تسلسل نقرات مسجلة، تسمى الكودات، والتي تمثل أصوات حوالي 60 حوتًا من حيتان العنبر في البحر الكاريبي.
وسمح هذا التقدم في جعل لغة الحيتان قابلة في يومًا ما للتفسير بجانب بعض الحيوانات الأخرى.
وفي التجربة، قام العلماء برصد نهاية أصوات الحيتان، وخلال تبادل النداء، وكذلك الاستجابات بين الكائنات البحرية العملاقة.
ومن خلال عرض تلك الأصوات على أدوات الذكاء الاصطناعي، نتجت أنماط مقطعية أشبه بالأصوات التي ينتجها البشر.
واكتشفت البرامج 18 نوعًا من الإيقاع (تسلسل الفواصل الزمنية بين النقرات)، وخمسة أنواع من السرعة (مدة الكودا بأكملها)، وثلاثة أنواع من الروباتو (الاختلافات في المدة)، ونوعين من الزخارف “نقرة إضافية” تمت إضافتها في نهاية الكودا في مجموعة من الكودات الأقصر.
ويسعى العلماء في المراحل المقبلة لإجراء اختبارات تفاعلية مع الحيتان مع مراقبة سلوكها، بما يفتح الباب لفهم لغتها بشكل كامل.
كشف المواقع الأثرية على غرار المخطوطات الورقية، يعمل الذكاء الاصطناعي حاليًا على كشف المواقع الأثرية والرموز الغامضة المدفونة تحت الأرض في صحراء نازكا في بيرو.
وقديمًا، قضى العلماء ما يقرب من نصف قرن في الكشف عن تلك الآثار وتوثيقها. وغالبًا ما تكون الصور التوضيحية الممتدة، والتي لا يمكن رؤيتها إلا من الأعلى، تصور تصميمات هندسية وأشكال تشبه البشر وحتى حوت قاتل يحمل سكينًا.
وقام العماء بقيادة ماساتو ساكاي، أستاذ علم الآثار في جامعة ياماغاتا اليابانية، بتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي لاكتشاف نحو 430 رمزًا من خلال التقاط صور عالية الدقة لها.
وخلال الفترة بين سبتمبر 2022 وفبراير 2023، بدأ الفريق في التأكد من صحة هذه الرموز عن طريق مسح شامل لصحراء نازكا من خلال الطائرات بدون طيار. ونجح العلماء في إثبات صحة نحو 303 من الرسوم الجيوجليفية التصويرية، مما أدى إلى مضاعفة عدد الرسوم الجيوجليفية المعروفة تقريبًا في غضون أشهر