الشيخ مرتضى الزبيدي علَّامة عصره ومصره!
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
(1)
... ونستأنف الكلام حول شخصية الشيخ محمد مرتضى الزبيدي الذي تألق وعلا نجمه وحاز شهرة واسعة جدًا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، خاصة بعد أن ارتحل إلى مصر في عام 1754 واستقر بها حتى وفاته في 1791، وألف فيها أشهر وأكبر مؤلفاته على الإطلاق؛ وهما (تاج العروس بشرح جواهر القاموس)، وكتابه الآخر (إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين)، هذا عدا مؤلفاته الأخرى في التفسير والحديث والجغرافية.
وقد تزامن وجود الشيخ مرتضى الزبيدي في مصر مع تلك الحركة الثقافية التي نشطت وازدهرت في مصر، وبخاصة في الأزهر الشريف، وكان من أعلامها الشيخ مرتضى، والشيخ محمد الصبان، والشيخ خالد الأزهري، وتلاميذهم الكبار الشيخ الجبرتي المؤرخ، والشيخ إسماعيل الخشاب الشاعر، والشيخ حسن العطار الذي صار شيخ الأزهر في دولة محمد علي، ما جعل مؤرخي تلك الفترة يطلقون على تلك الحركة العلمية والثقافية (نهضة علمية، وحركة إحياء بازغة) فيما قبل وصول الحملة الفرنسية إلى مصر في عام 1798.
وتجمع المصادر أن تلك الشخصية المهمة والمحورية (أي الشيخ مرتضى الزبيدي) لعبت دورا مركزيا في تاريخ النهضة الحديثة، وحركة الإحياء العربي، كما أطلقنا عليها في الحلقة السابقة، وقد انبنى كتابي «الشيخ حسن العطار» الذي كان واحدا من أبرز وأنبغ تلاميذ الشيخ مرتضى الزبيدي، على طرح سؤالٍ واضح وبسيط في صياغته: من أين استمد الشيخ حسن العطار اتجاهاته التجديدية التي كانت تعتبر "ثورية" في عصره؟
للإجابة عن هذا السؤال الذي يبدو بسيطا كان لزاما عليّ البحث عن السياق التاريخي لعصر الشيخ العطار، وسيرة حياته وتفاصيلها، واستخلاص بعض الحقائق التي تؤطر موضوع التجديد والإصلاح لعل من أهمها أن الشيخ "العطار" لم يقنع بدراسة العلوم المعروفة في عصره، ولكنه درس الهندسة والرياضة، وتعمق في دراسة الفلك ودرس الطب. والشيخ العطار الذي أصبح شيخًا للأزهر هو الذي قاد حملة تجديدية كبرى في مجال التدريس في الأزهر، وسانده في ذلك الشيخ مرتضى الزبيدي صاحب كتاب «تاج العروس». ويقرر الباحث الأمريكي المعروف بيتر جران في كتابه الشهير «الجذور الإسلامية للرأسمالية» أن الشيخ العطار والزبيدي "هما اللذان قاما بالتجديد الفكري في الأزهر".
(2)
ونتوقف هنا قليلًا -في هذا السياق- أمام وضعية الشيخ مرتضى الزبيدي ومكانته ودوره، في سياق تلك الحركة، خاصة أنه نال حظوة عارمة ربما لم ينل مثلها شيخ آخر من شيوخ تلك الفترة..
وتفيدنا المصادر بأن الشيخ مرتضى الحسيني الزبيدي الحنفي، ولد بزبيد اليمن (وإليها ينسب) ونشأ وتعلم بها، وعلى عادة العلماء المسلمين في تلك الفترة، كان لا بد من قيامه بـ"الرحلة" أو "الارتحال" لزيادة صقله علميًّا، ويقال إن الزبيدي ارتحل كثيرًا في طلب العلم حتى وصل إلى الهند، وإلى مكة ثم سار منها إلى الطائف، وتعمق هناك في العلوم الدينية والعربية.
ثم نصحه أساتذته بالرحلة (الارتحال) إلى مصر حيث وصلها في العام 1167هـ/ 1754م، وفي ذلك يروي تلميذه الشيخ عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه عنه -أي عن الزبيدي- إن أحد شيوخه شوقه إلى دخول مصر، بما وصفه له من علمائها وأمرائها وأدبائها، وما فيها من المشاهد الكريمة، فاشتاقت نفسه إلى مصر"، وهو ما كان.
وهناك بدأ يدرس على يد شيوخ عصره، وتلقى عنهم الإجازة. وفي القاهرة حاز الزبيدي من العلم والشهرة ما لم يعرفه معاصروه، حيث عرفه كبار القوم وأغدقوا عليه عطاياهم تشجيعًا له، وتقربًا إليه بعد ازدياد شهرته، مثل الأمير إسماعيل كتخدا عزبان، وحتى شيخ العرب همام، وأصبح مقربًا أيضًا من السادة الوفائية، والقصة الشهيرة في هذا الشأن قصته مع محمد بك أبو الذهب، حيث اشترى الأخير نسخة من قاموس الزبيدي الشهير «تاج العروس» بمائة ألف درهم ليضمه إلى خزانة الكتب في جامعه الشهير.
إذن فقد كان وصول الشيخ الزبيدي إلى مصر نقطة "فاصلة" في سيرته وفي النشاط العلمي والحركة الفكرية والثقافية التي شهدتها مصر خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وهي الحركة التي نالت اهتمام العديد من المؤرخين والباحثين في تاريخ الفكر العربي الحديث.
وكما أسلفنا فقد وصل الزبيدي إلى مصر في عام 1754، وكان مجيئه هذا مشهودًا بكل ما تعنيه الكلمة، استُقبل فيه استقبالًا أسطوريًا، وإلى الحد الذي دفع تلميذه الشهير عبد الرحمن الجبرتي إلى وصف لحظة وصول الزبيدي إلى مصر بأنها "لحظة حاسمة في تاريخ عصره". وكانت مصر بالنسبة للزبيدي نقطة التقاء مهمة للعديد من التلاميذ والعلماء الذين يفدون إليها من شتى أنحاء العالم الإسلامي. وذاعت في الأرجاء شهرته حتى كاتبه سلاطين الدولة العثمانية، وأمراء الحجاز واليمن والهند والشام والعراق وشمال إفريقيا وبلاد السودان إلى أن توفي في عام 1205هـ/ 1791.
(3)
ولا بد هنا من بعض التفصيل والتركيز على سيرة الزبيدي في مصر تلك الفترة (1754-1791) قرابة العقود الأربعة، فما أن وصل الشيخ إلى مصر حتى انتظم في سلك الأزهر الشريف للاستماع من أكابر شيوخه آنذاك؛ كالشهابين "الملوي" و"الجوهري" وغيرهما، فأخذ عنهم وأجازوه (منحوه الإجازة للإفتاء والتدريس)، ومن ثم انصرف إلى التدريس والتأليف ووضع الكتب "المطولات"، فوضع معجمه الشهير المعروف بـ «تاج العروس بشرح جواهر القاموس» الذي استغرق منه قرابة 14 عاما أو يزيد قليلا، وجاء فيما يقرب خمسة عشر جزءا، ولم يشأ الزبيدي أن يخرجه للناس كما تخرج المؤلفات العادية، بل أقام مأدبة عظيمة يوم إخراجه، دعا إليها المشايخ وطلبة العلم، وأظهر لهم "تاج العروس" وطلب منهم أن يذكروا محاسنها ومباهجها، فتهافتوا عليها جميعا يقرظونها نظمًا ونثرًا، ولما فرغ محمد بك أبو الذهب (المتوفى 1189 /1775) من بناء مسجده الشهير في مواجهة الجامع الأزهر مباشرة، وأضاف إليه خزانة كتب كبيرة، حدثه مقربون منه بأنها لا تستكمل "نفاستها" ولا قيمتها إلا إذا ازدانت بهذا المعجم الضخم، فاشتراه بمائة ألف درهم، وهو مبلغ يمثل ثروة مهولة في ذلك الزمان!
عاش الزبيدي في القاهرة ذائع الصيت، يتلقاه الكبراء من العلماء والأمراء بالترحيب والإجلال، واتخذ مسكنا جديدا له بسويقة "اللالا"، التي كانت -آنذاك- عامرة بالأكابر والأعيان، فالتفوا حوله، وقصده طلبة العلم من شتى الأرجاء، فكانوا يجدون في قصره الكبير نزهة ومتعة، بالإضافة إلى ما يتزودون به من علم ومعرفة، واستمر صيته في ذيوع حتى عرفه ملوك الإسلام في مختلف البلدان، واعتقد فيه أهل المغرب اعتقادًا زائدًا، إلى الدرجة التي إذا مر فيها أحدهم بمصر، وهو في طريقه إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، ولم يظفر بلقاء الشيخ الزبيدي، أو لم يصله بشيء، اعتبر حجه ليس كاملا!!
وتدفقت الهدايا والصلات والعطايا والهبات من حكام وسلاطين العالم الإسلامي، وغيرهم من الأمراء والوجهاء، على الشيخ الزبيدي إعظاما وإجلالا وإكبارا لمكانته العلمية وسمعته التي جابت الآفاق، كما بعثوا إليه طيور الببغاء، وطرائف الهند، وأنواع العود والعنبر والعطور، وغدا قصره يضاهي قصور الأمراء أو يزيد عليها، واتسعت حلقته العلمية بالجامع الأزهر وتضاعفت وازدحمت، وأقام المآدب للضيوف، وأكرم الوافدين إليه من الآفاق البعيدة والقريبة، وتعهد كثيرًا من الطلاب، وكان يجيد اللغتين الفارسية والتركية، لذا دعاه الباب العالي بالآستانة (مقر الحكم العثماني) لزيارة عاصمتها إستنبول، لكنه اعتذر لكثرة ارتباطاته العلمية..
وظل الشيخ مرتضى الزبيدي مقيما بالقاهرة، علمًا من أعلام الفكر والثقافة الإسلامية والعربية، إلى أن وافاه أجله في الطاعون الكاسح الذي حل بالقاهرة، في شهر شعبان سنة 1205/ 1791م.
(4)
أما ماذا قدم الشيخ الزبيدي في الحركة العلمية؟ وما أوجه التعاون بينه وبين مجايليه وتلاميذه؟ ولماذا كانت أعماله الكبرى خاصة في المعاجم والتأليف اللغوي والشرح الذي كتبه على إحياء علوم الدين محل عناية واهتمام خاص؟ فهذا ما ستعرفه الحلقة القادمة بمشيئة الله.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشیخ الزبیدی الزبیدی فی تلک الفترة إلى مصر فی عام
إقرأ أيضاً:
التقاطع المزراحي الفلسطيني الذي لا يتحدث عنه أحد
#التقاطع_المزراحي #الفلسطيني الذي لا يتحدث عنه أحد
الدكتور #حسن_العاصي
أكاديمي وباحث في الأنثروبولوجيا
قد لا توجد كلمة أكثر كراهية في الوقت الحالي بين صفوف اليمين الصهيوني والمحافظين الأميركيين من “التقاطعية”. حيث يُنظَر إلى التقاطعية باعتبارها “نظام الطبقات الجديد” الذي يضع الأشخاص غير البيض وغير المغايرين جنسياً في القمة.
مقالات ذات صلة زيلينسكي في واشنطن: صفقة بلا توقيع… وسلام بلا ملامح 2025/03/01بالنسبة لليمين تعني التقاطعية أنه لأنك أقلية، تحصل على معايير خاصة، ومعاملة خاصة في نظر البعض. إنها تعزز الأنانية على المستوى الشخصي والانقسام على المستوى الاجتماعي. وتمثل شكلاً من أشكال النسوية التي تضع علامة عليك. إنها تخبرك بمدى اضطهادك. إنها تخبرك بما يُسمح لك بقوله، وما يُسمح لك بالتفكير فيه. وبالتالي فإن التقاطعية “خطيرة حقًا” أو “نظرية مؤامرة للضحية”.
وهذا مستوى غير عادي للغاية من الازدراء لكلمة كانت حتى قبل عدة سنوات مصطلحًا قانونياً غامضاً نسبياً خارج الدوائر الأكاديمية.
إن التقاطعية، في النظرية الاجتماعية، التفاعل والآثار التراكمية لأشكال متعددة من التمييز تؤثر على الحياة اليومية للأفراد، وخاصة النساء الملونات. يشير المصطلح أيضًا على نطاق أوسع إلى إطار فكري لفهم كيفية تفاعل جوانب مختلفة من الهوية الفردية – بما في ذلك العرق والجنس والطبقة الاجتماعية والجنسانية – لخلق تجارب فريدة من الامتياز أو القمع.
أصل مصطلح التقاطعية
صاغت “كيمبرلي كرينشو” Kimberlé Crenshaw وهي مدافعة أمريكية بارزة عن الحقوق المدنية وباحثة رائدة في نظرية العرق النقدية، مصطلح التقاطع في مقالها عام 1989 بعنوان “إزالة التهميش عن تقاطع العرق والجنس: نقد نسوي أسود لعقيدة مكافحة التمييز والنظرية النسوية والسياسة المناهضة للعنصرية”. قدمت كرينشو المفهوم لمعالجة تجارب القمع التي لا يمكن فهمها بشكل كافٍ كنتيجة لأنماط عادية من التمييز. وقد كررت فائدة المفهوم في مقالتها عام 1991 بعنوان “رسم خريطة الهوامش: التقاطعية، وسياسات الهوية، والعنف ضد النساء الملونات”.
نشأ عمل كرينشو كرد فعل على القيود المفاهيمية التي حددتها في المناقشات بين النسويات ومناهضي العنصرية خلال الثمانينيات. وزعمت أن تجارب النساء السود تتشكل من خلال مزيج من التحيزات القائمة على العرق والجنس، مما يؤدي إلى تقارب مميز بين التمييز والحرمان. كما زعمت أن مثل هذه التجارب لا يمكن معالجتها أو علاجها بشكل مناسب من خلال الأنظمة القانونية والاجتماعية التي تقيم التمييز العنصري والجنسي بشكل منفصل.
قبل كرينشو بوقت طويل، وضع عالم الاجتماع الأمريكي الأفريقي “ويليام إدوارد بورغاردت دو بوا” William Edward Burghardt Du Bois نظرية حول كيفية تعزيز فئات العرق والطبقة والثقافة للتمييز والطبقية الاجتماعية بشكل متبادل، على الرغم من أنه لم يدرج الجنس صراحة في تحليله. في سبعينيات القرن العشرين، تناولت “مجموعة كومباهي ريفر” Combahee River Group وهي مجموعة من النسويات الاشتراكيات من السود المثليات، بشكل ملحوظ “القمع المتشابك” للعنصرية والتمييز على أساس الجنس والمعيارية الجنسية، مما أدى إلى تطوير الأساس للتفكير التقاطعي.
تم توسيع مفهوم التقاطعية منذ ذلك الحين إلى ما هو أبعد من إطاره الأولي للعرق والجنس. وهو يشمل الآن مجموعة واسعة من التصنيفات الاجتماعية، مثل الطبقة الاجتماعية والاقتصادية، والتوجه الجنسي، والعمر، والإعاقات الجسدية أو الفكرية، وأبعاد أخرى للهوية الفردية. تؤكد التقاطعية على أن الأبعاد المختلفة للهوية ليست معزولة عن بعضها البعض؛ بل إنها تتشابك وتتداخل بطرق معقدة، مما يؤدي إلى مزايا، أو عيوب مميزة، أو فوائد، أو أضرار.
قدمت كرينشو التعريف التالي للتقاطع: “التقاطع هو استعارة لفهم الطرق التي تتراكم بها أشكال متعددة من عدم المساواة أو الحرمان أحيانًا وتخلق عقبات غالبًا ما لا يتم فهمها بين طرق التفكير التقليدية.”
لم يدخل مصطلح “التقاطعية” في الاستخدام اليومي بعد، ولكن الوعي به يتزايد في السياقات الأكاديمية وصنع السياسات. ومن الضروري أن يتم تعريف المصطلح بوضوح قبل تطبيقه على صنع السياسات، وفهم الآثار المترتبة على البحث وتحليل البيانات.
التقاطع المزراحي الفلسطيني
منذ أن أطلق اليهود المزراحيون عبارة “نحن ندافع عن ضحايا عنف الدولة الإسرائيلية” أثارت هذه المقولة حالة من الجنون في الأوساط السياسية، وفي وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وهذه الفكرة تستند إلى عقيدة مفادها أن اليهود يجب أن يتضامنوا مع الفلسطينيين لأن تحرر اليهود مرتبط بشكل جوهري بتحرير الفلسطينيين. قد يبدو هذا الأمر غريباً للمتلقي، لكنه ليس كذلك. فبسبب تركيز اليهود على التاريخ السائد المتمركز حول يهود الأشكناز الغربيين، تم تجاهل إلى أي مدى تعود هذه الفكرة بين المزراحيين، اليهود من الأراضي العربية.
لم يكونوا يستخدمون مصطلح “التقاطعية” في ذلك الوقت بالطبع لكن المزراحيين كانوا يطورون سياسة وثقافة تقاطعية قوية في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي. وبينما كانوا يناضلون في “المعبروت” أي معسكرات العبور، رأى العديد من المثقفين والفنانين المزراحيين أن مصيرهم مرتبط بشكل لا ينفصم بمصير العرب الأصليين، الذين لم يتشاركوا معهم العلامات الثقافية مثل اللغة العربية فحسب، بل شاركوا أيضاً تجربة المعاناة القاسية والتمييز على يد الحكومة الإسرائيلية.
عكست منشوراتهم هذه النظرة التقاطعية البدائية. في عام 1953، أنشأ المثقفون الناطقون باللغة العربية مجلة الجديد، وهي مجلة تضم الشعر والرواية التي كتبها اليهود الشرقيون مثل اليهودي من أصل عراقي “ساسون سوميخ” Sasson Somekh والعرب مثل الشاعر العربي الفلسطيني “توفيق زياد”. وقال المحررون إنهم يريدون تسليط الضوء على التمييز ضد المزراحيين والعرب “من منطلق روح تأسيس التضامن العربي اليهودي، وفقًا لكتاب أستاذ الدراسات اليهودية الأمريكي “بريان روبي” Bryan Roby الذي صدر عام 2015 بعنوان “عصر التمرد الشرقي: نضال إسرائيل المنسية من أجل الحقوق المدنية” The Mizrahi Era of Rebellion: Israel’s Forgotten Civil Rights Struggle.
وفي حين أكد المزراحيون، مثل المؤرخ الإسرائيلي “جدعون جلعادي” Gideon Giladi وشرح المؤرّخ في كتاب “الخلاف في صهيون” Discord in Zion كيف ساعد الاستعمار البريطاني الصهيونيّة العالميّة بالسيطرة على اليهود المحليين وتوطيد أسس حكم ذاتي للأشكناز (الغربيين) في أرض عربيّة. ركز آخرون على ما يمكن أن يحققه السكان الذين تعرضوا للإساءة من خلال الاتحاد معاً.
يقول “لطيف دوري” Latif Dori اليهودي عراقي المولد وسكرتير لجنة الحوار الإسرائيلي/الفلسطيني الذي أحب الحديث عن “الشعبين الشقيقين” اللذان يقفان “يدا بيد أمام الموجات القومية”، قال إن المراهقين المزراحيين والعرب يجب أن يشكلوا حركة شبابية اشتراكية مشتركة لتعزيز “جسر التفاهم”. بين الشعبين اليهودي والعربي”.
امتداد الفكر القومي الأوروبي
وقام مزراحيون آخرون بتحليل الجذور الأيديولوجية للمشكلة، والتي حددوها في الصهيونية نفسها. لقد جادلوا بأن الصهيونية انبثقت من الفكر القومي الأوروبي في القرن التاسع عشر، والذي أظهر وفرة من الاستعمار والاستشراق – وبالتالي فهي بالطبع تصور الأشكناز الغربيين على أنهم متحضرون، والعرب الشرقيين (اليهود وغير اليهود على حد سواء) على أنهم غير متحضرين.
كتب المفكر اليهودي من أصل بولندي والدبلوماسي السابق “إلياهو إلياشار” Eliahu Eliachar «في نهاية المطاف، ترتبط المشكلة الشرقية ارتباطاً وثيقاً بالمشكلة العربية: لأنه فقط عندما تكون إسرائيل قادرة على الاعتراف لنفسها بأنها، من بين أمور أخرى، دولة شرقية، لن تتمكن من ذلك. سيكون الإسرائيليون قادرين على إعداد أنفسهم للقاء بناء مع العرب”.
لم يكن التضامن المزراحي العربي مجرد حجة فكرية: بل تُرجم إلى احتجاجات مشتركة في الشوارع، والتي قامت الشرطة الإسرائيلية بقمعها باستخدام القوة المفرطة. وفي محاولة لمنع التفاعل بين المجموعتين، قال أحد الضباط لأحد البدو الذين كانوا يتحدثون مع المزراحيين في بئر السبع: “يجوز لك زيارة المدينة، ولكن ليس من الصواب أن تتحدث إلى السكان”.
بدءاً من تسعينيات القرن الماضي، حاولت مجموعات مثل قوس قزح الديمقراطي المزراحي تذكير المزراحيين بالعصر الماضي عندما ساروا مع العرب – عندما كانوا عرباً – لكنهم حققوا نجاحاً محدوداً. تقول عالم الأنثروبولوجيا “سمادار لافي” Smadar Lavie التي كانت ناشطة في الحركة الديمقراطية الثورية، أن المجموعة لا تحظى الآن بدعم شعبي كبير. ومع التزام المثقفين الشرقيين بالهدوء بشأن القضية الفلسطينية خوفاً من فقدان تمويلهم ودوائرهم الانتخابية اليمينية، فإن النموذج التقاطعي “رومانسي، لكنه غير قابل للتطبيق” في إسرائيل المعاصرة، كما قالت لافي. “لا شيء يتحرك في التقاطع، لقد أصبح ازدحاماً مرورياً”.
ولكن ماذا عن النهضة الثقافية المزراحية التي شهدناها في السنوات القليلة الماضية؟ ماذا عن الشعراء الشباب المتمردين مثل الشاعر “روي حسن” Roy Hasan والشاعرة “أدي كيسار” Adi Keissar وفرق مثل “بنت الفنك” Funk Girl الذين يضعون عروبتهم في المقدمة والمركز؟ إنهم يتمتعون بشعبية كبيرة ورائعين في رفع مستوى الوعي، ولكن من الصعب معرفة مدى قدرتهم على إحداث تغيير في السياسة المزراحية السائدة. ويحذر البعض، مثل لافي، من أن النهضة الثقافية لا تعني بالضرورة تغييراً سياسياً في الواقع، يمكن أن يصرف الانتباه عن الحنين المزراحي السياسي، ويعيد إحياء الحنين المزراحي مع الحفاظ على الصمت المزراحي بشأن فلسطين.
من هي الجماعات التي يقودها الفلسطينيون واليهود والتي تقود الاحتجاجات ضد إسرائيل؟
أثناء تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة الحرب اشتعلت معركة مريرة على الرأي العام في الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، مع مسيرات غاضبة في العديد من الجامعات واحتجاجات تخريبية في أماكن بارزة في العديد من المدن الكبرى.
ومن بين المحفزين هناك الجماعات التي يقودها الفلسطينيون واليهود والتي نشطت لسنوات في معارضة السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين والتي طالبت بوقف إطلاق النار في غزة. واشتبكوا مع الجماعات المؤيدة لإسرائيل.
ولهذه المجموعات جذور في حركة تعرف باسم BDS، والتي تدعو إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها. ولّدت تلك الحملة خطاباً ساخناً قبل وقت طويل من قيام مقاتلي حماس بمهاجمة إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر وقيام إسرائيل بشن عدوانها الهمجي على القطاع. وكتب المناصرون مقالات افتتاحية لصحف الحرم الجامعي مع نداءات لحماية حقوق الإنسان الفلسطيني، واتهموا في كثير من الأحيان إسرائيل بالاستعمار والعنصرية.
ولعب المجموعات المشاركة في تلك الجهود السابقة دوراً رئيسياً في الاحتجاج على القتال، من خلال أعمال في الجامعات وخارجها. أدت الاحتجاجات إلى اضطرابات في مبنى الكابيتول هيل، وفي محطة قطار رئيسية في شيكاغو ومحطة غراند سنترال في مدينة نيويورك. كما ساعدوا في تنظيم مظاهرة خارج مقر اللجنة الوطنية الديمقراطية في واشنطن، مما أدى إلى اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين. فمن هي المجموعات المعنية؟
1ـ الصوت اليهودي من أجل السلام
وتصف منظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام” Jewish Voice for Peace، التي تأسست عام 1996، نفسها بأنها “أكبر منظمة يهودية تقدمية مناهضة للصهيونية في العالم”. وتقول المجموعة على موقعها على الإنترنت: “نحن ننظم حركة شعبية ومتعددة الأعراق وعبر الطبقات والأجيال لليهود الأمريكيين تضامناً مع النضال من أجل الحرية الفلسطينية، مسترشدة برؤية العدالة والمساواة والكرامة لجميع الناس”.
لدى المنظمة أكثر من 300 ألف مؤيد، ولديها مليون متابع على منصة X، المعروف سابقاً باسم Twitter، ولها فروع في العديد من الجامعات الأمريكية. تم تعليق فرعها في جامعة كولومبيا بزعم انتهاك سياسات الجامعة بشأن إقامة أحداث الحرم الجامعي.
بعد هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول، قال الحاخام برانت روزين، المقيم في شيكاغو، والمؤسس المشارك للمجلس الحاخامي لحزب JVP، إنه يشعر بالحزن على زملائه اليهود الذين قتلوا، لكنه حافظ على تضامنه مع الفلسطينيين.
2ـ رابطة مكافحة التشهير
إن “رابطة مكافحة التشهير” Anti-Defamation League مجموعة مناصرة يهودية تتحدث بشكل متكرر ضد معاداة السامية والتطرف، تهاجم باعتبارها “مجموعة ناشطة متطرفة مناهضة لإسرائيل ومعادية للصهيونية تدعو إلى مقاطعة إسرائيل والقضاء على الصهيونية”.
بالرغم من أن المنظمة هي مجموعة ضغط يهودية أمريكية تأسست عام 1913 بهدف وقف التشهير باليهود واليهودية، إلا أنها تناهض الصهيونية. في إقراراتها الضريبية الفيدرالية لعام 2021، أعلنت عن إيرادات تقارب 2.9 مليون دولار؛ وتقول إن الجزء الأكبر من دخلها يأتي من المساهمات الفردية.
3ـ إذا لم يكن الآن
تأسست منظمة “إذا لم يكن الآن” IfNotNow خلال الحرب بين إسرائيل وحماس عام 2014، عندما قُتل أكثر من 2000 فلسطيني حين شنت القوات الإسرائيلية غارات جوية وغزواً برياً على غزة.
وتقول المجموعة على موقعها على الإنترنت: “لقد اجتمع الشباب اليهود الغاضبون من الرد المتشدد للمؤسسات اليهودية الأمريكية تحت شعار IfNotNow”. وهدفها المعلن هو: “تنظيم مجتمعنا لإنهاء الدعم الأمريكي لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي والمطالبة بالمساواة والعدالة والمستقبل المزدهر لجميع الفلسطينيين والإسرائيليين”.
في الأيام الأولى من العدوان الإسرائيلي على غزة، أدانت منظمة IfNotNow عمليات قتل المدنيين على الجانبين، في حين كررت انتقاداتها للسياسة الإسرائيلية.
وقالت المجموعة في 7 تشرين الأول/أكتوبر: “لا يمكننا أن نقول ولن نقول إن الأعمال التي قام بها المسلحون الفلسطينيون اليوم غير مبررة. إن الحصار الخانق على غزة هو استفزاز. المستوطنون يرهبون قرى فلسطينية بأكملها، والجنود يداهمون ويهدمون منازل الفلسطينيين. … هذه هي استفزازات الحكومة اليمينية الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل”.
وقالت “إيفا بورغواردت” Eva Borgwardt المديرة السياسية لمنظمة IfNotNow، إن المجموعة نظمت خدمات صلاة في بعض المدن لليهود الذين أرادوا الحداد على اليهود والفلسطينيين الذين قتلوا في الصراع. اتهمت رابطة مكافحة التشهير منظمة IfNotNow بتوجيه انتقادات “متطرفة” للحكومة الإسرائيلية و”الخطاب المثير للانقسام، والذي قد يكون بعضها ذا أهمية”. تضم IfNotNow عشرات الآلاف من الأعضاء والمؤيدين في صفوفها. ووفقًا للنماذج الضريبية، كان إجمالي إيراداتها في عام 2021 أقل بقليل من 397 ألف دولار.
4ـ طلاب من أجل العدالة في فلسطين
تتواجد منظمة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” Students for Justice in Palestine في الجامعات الأمريكية منذ عقود، وتقوم باحتجاجات متكررة تطالب بتحرير الفلسطينيين ومقاطعة إسرائيل. وهي منظمة طلابية تعمل تضامناً مع الشعب الفلسطيني وتدعم حقه في تقرير المصير. وهي ملتزمة بإنهاء احتلال إسرائيل واستعمارها لجميع الأراضي العربية وتفكيك جدار الفصل العنصري.
تقول الشبكة غير المتصلة بشكل جيد أن لديها أكثر من 200 فرع في جميع أنحاء الولايات المتحدة وكندا. وتقول على موقعها على الإنترنت إن مهمتها هي “تمكين وتوحيد ودعم المنظمين الطلابيين أثناء دفعهم لمطالب التحرير الفلسطيني وتقرير المصير في جامعاتهم”. وفي الشهر الماضي، انضمت إلى الدعوات المطالبة بإضراب وطني للطلاب في حرم الجامعات.
وتتهمها رابطة مكافحة التشهير بالقيام بدعاية مناهضة لإسرائيل “مليئة بالخطابات التحريضية والقتالية في بعض الأحيان”.
وفي بيان بعد العدوان ال‘سرائيلي على غزة قالت الحركة إنه من “الواجب الأخلاقي” دعم صمود الشعب الفلسطيني الذي “تحمل 75 عاما من القمع والتهجير والحرمان من حقوقه الأساسية”، وقالت إن ذلك يشمل “المقاومة المسلحة”.
مجموعات أخرى
وتشارك فروع متعددة أيضًا في الاحتجاجات. حيث تقوم منظمة “المسلمون الأمريكيون من أجل فلسطين” American Muslims for Palestine بتنظيم وتنسيق أنشطة الاحتجاج ضد إسرائيل على مر السنين مع منظمة IfNotNow.
وفي جامعة براون تم القبض أثناء الاحتجاجات على عشرين طالباً من مجموعة “يهود براون من أجل وقف إطلاق النار الآن” Brown Jews for Ceasefire Now بعد رفضهم مغادرة مبنى الحرم الجامعي أثناء الاعتصام. ونشرت المجموعة على موقع X أنهم يدعون الجامعة إلى تعزيز “وقف فوري لإطلاق النار والسلام الدائم” بالإضافة إلى سحب استثماراتها من الشركات التي “تسمح بارتكاب جرائم حرب في غزة”.
وحتى مجموعات مثل “اليونيسف”Unicef و”منظمة العفو الدولية” Amnesty International واجهت التدقيق. وفي “سكوتسديل” Scottsdale بولاية “أريزونا” Arizona دفع عرض قدمته مجموعة من طلاب المدارس الثانوية حول الأزمة الإنسانية في غزة، مدير التعليم العام بالولاية “توم هورن” Tom Horn إلى حث المدارس على طرد المجموعتين الدوليتين من الحرم الجامعي. وقال مسؤولو المدرسة المحلية إن مجموعات الطلاب تمثل جميع وجهات النظر وتعمل على إخماد الضجة.