لجريدة عمان:
2025-04-25@07:09:07 GMT

الشيخ مرتضى الزبيدي علَّامة عصره ومصره!

تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT

الشيخ مرتضى الزبيدي علَّامة عصره ومصره!

(1)

... ونستأنف الكلام حول شخصية الشيخ محمد مرتضى الزبيدي الذي تألق وعلا نجمه وحاز شهرة واسعة جدًا في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، خاصة بعد أن ارتحل إلى مصر في عام 1754 واستقر بها حتى وفاته في 1791، وألف فيها أشهر وأكبر مؤلفاته على الإطلاق؛ وهما (تاج العروس بشرح جواهر القاموس)، وكتابه الآخر (إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين)، هذا عدا مؤلفاته الأخرى في التفسير والحديث والجغرافية.

وقد تزامن وجود الشيخ مرتضى الزبيدي في مصر مع تلك الحركة الثقافية التي نشطت وازدهرت في مصر، وبخاصة في الأزهر الشريف، وكان من أعلامها الشيخ مرتضى، والشيخ محمد الصبان، والشيخ خالد الأزهري، وتلاميذهم الكبار الشيخ الجبرتي المؤرخ، والشيخ إسماعيل الخشاب الشاعر، والشيخ حسن العطار الذي صار شيخ الأزهر في دولة محمد علي، ما جعل مؤرخي تلك الفترة يطلقون على تلك الحركة العلمية والثقافية (نهضة علمية، وحركة إحياء بازغة) فيما قبل وصول الحملة الفرنسية إلى مصر في عام 1798.

وتجمع المصادر أن تلك الشخصية المهمة والمحورية (أي الشيخ مرتضى الزبيدي) لعبت دورا مركزيا في تاريخ النهضة الحديثة، وحركة الإحياء العربي، كما أطلقنا عليها في الحلقة السابقة، وقد انبنى كتابي «الشيخ حسن العطار» الذي كان واحدا من أبرز وأنبغ تلاميذ الشيخ مرتضى الزبيدي، على طرح سؤالٍ واضح وبسيط في صياغته: من أين استمد الشيخ حسن العطار اتجاهاته التجديدية التي كانت تعتبر "ثورية" في عصره؟

للإجابة عن هذا السؤال الذي يبدو بسيطا كان لزاما عليّ البحث عن السياق التاريخي لعصر الشيخ العطار، وسيرة حياته وتفاصيلها، واستخلاص بعض الحقائق التي تؤطر موضوع التجديد والإصلاح لعل من أهمها أن الشيخ "العطار" لم يقنع بدراسة العلوم المعروفة في عصره، ولكنه درس الهندسة والرياضة، وتعمق في دراسة الفلك ودرس الطب. والشيخ العطار الذي أصبح شيخًا للأزهر هو الذي قاد حملة تجديدية كبرى في مجال التدريس في الأزهر، وسانده في ذلك الشيخ مرتضى الزبيدي صاحب كتاب «تاج العروس». ويقرر الباحث الأمريكي المعروف بيتر جران في كتابه الشهير «الجذور الإسلامية للرأسمالية» أن الشيخ العطار والزبيدي "هما اللذان قاما بالتجديد الفكري في الأزهر".

(2)

ونتوقف هنا قليلًا -في هذا السياق- أمام وضعية الشيخ مرتضى الزبيدي ومكانته ودوره، في سياق تلك الحركة، خاصة أنه نال حظوة عارمة ربما لم ينل مثلها شيخ آخر من شيوخ تلك الفترة..

وتفيدنا المصادر بأن الشيخ مرتضى الحسيني الزبيدي الحنفي، ولد بزبيد اليمن (وإليها ينسب) ونشأ وتعلم بها، وعلى عادة العلماء المسلمين في تلك الفترة، كان لا بد من قيامه بـ"الرحلة" أو "الارتحال" لزيادة صقله علميًّا، ويقال إن الزبيدي ارتحل كثيرًا في طلب العلم حتى وصل إلى الهند، وإلى مكة ثم سار منها إلى الطائف، وتعمق هناك في العلوم الدينية والعربية.

ثم نصحه أساتذته بالرحلة (الارتحال) إلى مصر حيث وصلها في العام 1167هـ/ 1754م، وفي ذلك يروي تلميذه الشيخ عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه عنه -أي عن الزبيدي- إن أحد شيوخه شوقه إلى دخول مصر، بما وصفه له من علمائها وأمرائها وأدبائها، وما فيها من المشاهد الكريمة، فاشتاقت نفسه إلى مصر"، وهو ما كان.

وهناك بدأ يدرس على يد شيوخ عصره، وتلقى عنهم الإجازة. وفي القاهرة حاز الزبيدي من العلم والشهرة ما لم يعرفه معاصروه، حيث عرفه كبار القوم وأغدقوا عليه عطاياهم تشجيعًا له، وتقربًا إليه بعد ازدياد شهرته، مثل الأمير إسماعيل كتخدا عزبان، وحتى شيخ العرب همام، وأصبح مقربًا أيضًا من السادة الوفائية، والقصة الشهيرة في هذا الشأن قصته مع محمد بك أبو الذهب، حيث اشترى الأخير نسخة من قاموس الزبيدي الشهير «تاج العروس» بمائة ألف درهم ليضمه إلى خزانة الكتب في جامعه الشهير.

إذن فقد كان وصول الشيخ الزبيدي إلى مصر نقطة "فاصلة" في سيرته وفي النشاط العلمي والحركة الفكرية والثقافية التي شهدتها مصر خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، وهي الحركة التي نالت اهتمام العديد من المؤرخين والباحثين في تاريخ الفكر العربي الحديث.

وكما أسلفنا فقد وصل الزبيدي إلى مصر في عام 1754، وكان مجيئه هذا مشهودًا بكل ما تعنيه الكلمة، استُقبل فيه استقبالًا أسطوريًا، وإلى الحد الذي دفع تلميذه الشهير عبد الرحمن الجبرتي إلى وصف لحظة وصول الزبيدي إلى مصر بأنها "لحظة حاسمة في تاريخ عصره". وكانت مصر بالنسبة للزبيدي نقطة التقاء مهمة للعديد من التلاميذ والعلماء الذين يفدون إليها من شتى أنحاء العالم الإسلامي. وذاعت في الأرجاء شهرته حتى كاتبه سلاطين الدولة العثمانية، وأمراء الحجاز واليمن والهند والشام والعراق وشمال إفريقيا وبلاد السودان إلى أن توفي في عام 1205هـ/ 1791.

(3)

ولا بد هنا من بعض التفصيل والتركيز على سيرة الزبيدي في مصر تلك الفترة (1754-1791) قرابة العقود الأربعة، فما أن وصل الشيخ إلى مصر حتى انتظم في سلك الأزهر الشريف للاستماع من أكابر شيوخه آنذاك؛ كالشهابين "الملوي" و"الجوهري" وغيرهما، فأخذ عنهم وأجازوه (منحوه الإجازة للإفتاء والتدريس)، ومن ثم انصرف إلى التدريس والتأليف ووضع الكتب "المطولات"، فوضع معجمه الشهير المعروف بـ «تاج العروس بشرح جواهر القاموس» الذي استغرق منه قرابة 14 عاما أو يزيد قليلا، وجاء فيما يقرب خمسة عشر جزءا، ولم يشأ الزبيدي أن يخرجه للناس كما تخرج المؤلفات العادية، بل أقام مأدبة عظيمة يوم إخراجه، دعا إليها المشايخ وطلبة العلم، وأظهر لهم "تاج العروس" وطلب منهم أن يذكروا محاسنها ومباهجها، فتهافتوا عليها جميعا يقرظونها نظمًا ونثرًا، ولما فرغ محمد بك أبو الذهب (المتوفى 1189 /1775) من بناء مسجده الشهير في مواجهة الجامع الأزهر مباشرة، وأضاف إليه خزانة كتب كبيرة، حدثه مقربون منه بأنها لا تستكمل "نفاستها" ولا قيمتها إلا إذا ازدانت بهذا المعجم الضخم، فاشتراه بمائة ألف درهم، وهو مبلغ يمثل ثروة مهولة في ذلك الزمان!

عاش الزبيدي في القاهرة ذائع الصيت، يتلقاه الكبراء من العلماء والأمراء بالترحيب والإجلال، واتخذ مسكنا جديدا له بسويقة "اللالا"، التي كانت -آنذاك- عامرة بالأكابر والأعيان، فالتفوا حوله، وقصده طلبة العلم من شتى الأرجاء، فكانوا يجدون في قصره الكبير نزهة ومتعة، بالإضافة إلى ما يتزودون به من علم ومعرفة، واستمر صيته في ذيوع حتى عرفه ملوك الإسلام في مختلف البلدان، واعتقد فيه أهل المغرب اعتقادًا زائدًا، إلى الدرجة التي إذا مر فيها أحدهم بمصر، وهو في طريقه إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، ولم يظفر بلقاء الشيخ الزبيدي، أو لم يصله بشيء، اعتبر حجه ليس كاملا!!

وتدفقت الهدايا والصلات والعطايا والهبات من حكام وسلاطين العالم الإسلامي، وغيرهم من الأمراء والوجهاء، على الشيخ الزبيدي إعظاما وإجلالا وإكبارا لمكانته العلمية وسمعته التي جابت الآفاق، كما بعثوا إليه طيور الببغاء، وطرائف الهند، وأنواع العود والعنبر والعطور، وغدا قصره يضاهي قصور الأمراء أو يزيد عليها، واتسعت حلقته العلمية بالجامع الأزهر وتضاعفت وازدحمت، وأقام المآدب للضيوف، وأكرم الوافدين إليه من الآفاق البعيدة والقريبة، وتعهد كثيرًا من الطلاب، وكان يجيد اللغتين الفارسية والتركية، لذا دعاه الباب العالي بالآستانة (مقر الحكم العثماني) لزيارة عاصمتها إستنبول، لكنه اعتذر لكثرة ارتباطاته العلمية..

وظل الشيخ مرتضى الزبيدي مقيما بالقاهرة، علمًا من أعلام الفكر والثقافة الإسلامية والعربية، إلى أن وافاه أجله في الطاعون الكاسح الذي حل بالقاهرة، في شهر شعبان سنة 1205/ 1791م.

(4)

أما ماذا قدم الشيخ الزبيدي في الحركة العلمية؟ وما أوجه التعاون بينه وبين مجايليه وتلاميذه؟ ولماذا كانت أعماله الكبرى خاصة في المعاجم والتأليف اللغوي والشرح الذي كتبه على إحياء علوم الدين محل عناية واهتمام خاص؟ فهذا ما ستعرفه الحلقة القادمة بمشيئة الله.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الشیخ الزبیدی الزبیدی فی تلک الفترة إلى مصر فی عام

إقرأ أيضاً:

فَمَا ٱسۡطَـٰعُوۤا۟ أَن یَهزموهُ، وَمَا ٱسۡتَطَـٰعُوا۟ لَهُ هدماً !!

ظلَّ جيشنا فی مرمیٰ نيران التافهين من العملاء الَّذين لا أخلاق لهم، بعد أن ملأوا عقول المغيبين، بالمخدرات (المجانية!!) بعبارات لم يستنكفوا عن ترديدها، وهم يرددون كالببغاوات (معليش معليش ماعندنا جيش!!) ولم يفكروا للحظة فی السٶال التلقاٸی [طيب لو ما عندكم جيش،، عندكم شنو؟] ولا إجابة ولا مُجيب،وقبله كان السٶال علی شعار (تسقط بس!!) [أها بعد تسقط نعمل شنو؟]

لم يلتفت أی واحد من الجياشة إلیٰ هذه الترهات، ولم يستجب لهذه الإستفزازات، ومضی في طريقه الذی وَطَّنَ نفسه عليه منذ أن وطِأَت قدماه مصنع الرجال عرين الأبطال طالباً حربياً، أو كان مجنَّداً مستجداً فی أی مركز تدريب، يتلقیٰ جرعات التدريب المُرَّة،وهو راضٍ عن المهمة التی نذر نفسه لها،إذ أن العمل فی الجندية ليس مجرد وظيفة يتلقَّیٰ نظيرها راتباً هزيلاً، يكسب أضعافه مَن يمتهن غسل السيارات، أو من يبيع الماء، ولن نجٸَ علی ذِكر من يمتهنون السمسرة فی بيع العقارات أو العربات، فأولٸك تزيد مداخيلهم علی كبار القادة، والضباط العِظَام.

ويبحث الناس عن سر الأسرار الذی يجعل الجيَّاشة، يقتسمون بينهم اللقمة بالسوية، ويحكمون بالعدل، ويتآسون ويتراحمون، حالهم واحدة، وكلمتهم واحدة، وأخلاقهم متشابهة وطريقهم مستقيمة، وقلوبهم متآلفة، وسيرتهم حسنة، لايتفاضلون إلَّا بالأقدمية، ولا يختلفون إلَّا في الأسماء والرُتَب، ولا يتنازعون إلَّا بالقانون، ولا يقاتلون إلَّا من عاداهم واختار قتالهم!! و عند ذلك يریٰ عدوهم منهم ما يكره من شدة البأس والقوة، مع حُسن التدبير وبراعة التكتيك، والثبات علی المبدأ، ولا يناقش الضابط أو الجندی قاٸده، عند صدور الأوامر،فالأوامر لا تُناقش، وإلَّا لاتخذ الجياشة نقابات تُضيِّع بمطالبها تراب الوطن وأرواح المواطنين!!

وقد فوَّضَ الشعبُ الجيشَ، وهتفوا له (شعبٌ واحد،جيشٌ واحد) دون أن يحشدهم أحد،أو يحشو رٶوسهم بالمخدرات أو بالشعارات، لكن الجيش يُقدم (البيان بالعمل) وكان البيان العملي فی معارك حرب الكرامة مكتوبٌ بدماء الشهداء، في ساٸر بقاع السودان، من مختلف الرُتب، قادة وضباط وضباط صف وجنود، لم يجدوا حتیٰ (كفناً من طرف السوق ولا شبراً فی المقابر) إذ كانت قبورهم داخل الوحدات مثل الشهيد اللواء ياسر، أو فی سور القيادة العامة كحال شهداء الحرس الرٸاسی، وآخرين لا نعلمهم الله يعلمهم.

فما اسطاعوا هزيمة الجيش، ولا إستطاعوا هدم أساسه المتين.

ومن واقع تفويض الشعب للجيش، الذی لا ينكره إلَّا منافق ظاهر النفاق، سيحكم الجيش الفترة الإنتقالية بعد أن تضع الحرب أوزارها، وقد دار جدلٌ كثيف عن حكومة كفاءات، وإذ إن الجيش مَلٸٌ بالكفاءات في مختلف التخصصات، فإنّ الأنظار تتجه إلیٰ المعاشيين من كبار ضباط الجيش والقوات النظامية الأخریٰ، ولن تكون الترشيحات لمجرد إنهم خدموا فی سلك العسكرية وحسب ولكن يُقرأ ذلك مع سيرتهم الذاتية في مجال العمل العام، أو التخصص المعنِي، نقول ذلك وفی البال كمثال الفريق الركن النعيم خضر مرسال، الذی لم أعرفه إلَّا من خلال رساٸله الصوتية، وتحليلاته الرصينة، إبَّان إحتلال مليشا آل دقلو الإرهابية قریٰ ومدن ولاية الجزيرة، وبحثتُ بعد ذلك فی سيرته الذاتية، فعرفت إنّه من منسوبی الدفعة 29 كلية حربية، وقد عمل في وحدات قوات الشعب المسلحة المختلفة فی كل أنحاء بلادنا، واجتاز كل الدورات الحتمية بإمتياز، وأدار مكتب رٸيس هيٸة الأركان ثم مكتب وزير الدفاع،ثم شغل بعد المعاش منصب معتمد ود مدنی، وشغل منصب والی شمال دارفور.

الفريق الركن النعيم خضر مرسال من قلب الجزيرة، مسقط رأسه ود مدنی، إذاً فهو شِفِت، وواقعة ليهو، بقدر ماهو منضبط، وتفتيحة، شأنه شأن أولاد الجزيرة، ثمَّ إنه رياضي في رقبتو دی، ومهتم بالوسط الرياضي والثقافي وصديق للفنانين وإن كان لا يعرف أن يغني، وفوق ذلك فإنه لم يتلوث بأي تنظيم سياسي طيلة حياته، وفی تسميته فی منصب دستوري بعض السلویٰ لأهل الجزيرة علی ما أصابهم من حزن وأسی بعد ماحاق بهم العذاب علی يد مليشيا آل دقلو الإرهابية، فلٸن تخطاه الإختيار فی منصب والی الجزيرة فليس أقلَّ من أن نراه رٸيساً للوزراء أو زيراً للدفاع وهذا أضعف الإيمان.

-النصر لجيشنا الباسل.
-العزة والمنعة لشعبنا المقاتل.
-الخزی والعار لأعداٸنا وللعملاء

محجوب فضل بدري

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • حزنت جدا للمصيبة التي حلت بمتحف السودان القومي بسبب النهب الذي تعرض له بواسطة عصابات الدعم السريع
  • مرتضى منصور يهاجم حسين لبيب: أنا خيري على الزمالك
  • “نائب الزبيدي” ينحاز لانفصالٍ جديد في حضرموت
  • خالد الجندي: لازم نلتزم برأي الأزهر في الفتوى العامة التي تمس المجتمع
  • سلوى عثمان: كرهت دوري في العطار والسبع بنات.. ومشهد البرنس غير مسيرتي
  • محروقات طرطوس تزود باخرة فيصل بعشرة أطنان من المازوت
  • سلطنة عمان تستنكر الهجوم الذي استهدف سُياحًا بالهند
  • البابا الذي عشق كرة القدم: من هو لاعبه المفضّل؟
  • ما التحديّات التي تنتظر البابا الجديد؟
  • فَمَا ٱسۡطَـٰعُوۤا۟ أَن یَهزموهُ، وَمَا ٱسۡتَطَـٰعُوا۟ لَهُ هدماً !!