سوء التغذية.. القاتل البطيء للأطفال
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
◄ طبيبة تغذية لـ"الرؤية": جهل الأسرة بمفهوم "التغذية السليمة" يعرض الأطفال للأمراض المعدية
الرؤية - سارة العبرية
تؤكد الدكتورة آمنة بنت إبراهيم العجمية طبيبة عامة بدائرة التغذية في وزارة الصحة، أن سوء التغذية مشكلة صحية عامة تُصيب الأطفال في البلدان النامية بشكل أساسي وكذلك في بعض المجتمعات في الدول المتقدمة، وأن هذا المصطلح يشير بشكل عام إلى وجود نقص أو زيادة أو عدم توازن في تناول العناصر الغذائية، لافتة إلى أن من بين أسباب سوء التغذية عدم حصول الطفل على الكميات الكافية من الغذاء، واتباع نظام غير صحيح مثل العزوف عن الرضاعة الطبيعية الخالصة وكثرة استخدام بدائل حليب الأم الصناعية، وتناول الأطعمة غير الصحية مثل الحلويات والأكلات السريعة في عمر مبكر للطفل.
وأضافت العجمية أن هذه الممارسات غير الصحية تعرّض الطفل إلى الإصابة بالالتهابات المُعدية بشكل متكرر مثل التهابات الصدر والإسهال خلال السنوات الأولى من عمره، وذلك نتيجة لسوء التغذية، مبينة: "قد يظن البعض بأن دور التغذية السليمة يقتصر فقط على النمو الجسدي للطفل، بحيث يكون طول الطفل ووزنه ملائماً وضمن المعدل الطبيعي، ولكنها أكبر من ذلك بكثير حيث للتغذية السليمة دور كبير في التطور الذهني والعقلي للطفل، وكذلك في المستوى الصحي والتطور المناعي للطفل".
وأوضحت أنَّ الدراسات أثبتت أن الأطفال المُصابين بسوء التغذية أكثر عرضة لعدد من المضاعفات على المديين القريب والبعيد إذا ما لم يتم علاجها، ومنها تدني التطور الجسدي والذهني وبالتالي انخفاض الإنتاجية، وكذلك يُنتج عنها ضعف الصحة العامة وزيادة التعرض للالتهابات المعدية، وكذلك زيادة في معدل الأمراض والوفيات لدى الأطفال.
وبينت الدكتورة آمنة أن هناك ثلاثة تصنيفات أساسية لسوء التغذية، الأول نقص التغذية والتي تشمل على التقزم "نقص الطول بالنسبة للعمر" والهزال "نقص الوزن بالنسبة للطول" ونقص الوزن "نقص الوزن بالنسبة للعمر"، كذلك زيادة الوزن والسمنة، إضافة إلى نقص المغذيات الدقيقة مثل الفيتامينات واليود والحديد.
وبيّنت العجمية أن بعض العلامات الجسمانية تبدو على الأطفال المصابين بنقص التغذية وزيادة الوزن والسمنة؛ حيث يبدو الطفل المصاب هزيلا أو قصيرا أو بدينا مقارنة بالأطفال الآخرين في نفس عمره.
وأشارت إلى أنه حتى يتم تشخيص الطفل بأي من نوع من أنواع سوء التغذية، لابد من أخذ القياسات الجسمانية للطول والوزن ثم يتم رسم هذه القياسات على منحنى النمو لمعرفة إذا ما كان نموه طبيعيا أم لا، لأن بعض الآباء والأمهات يرجعون أسباب بعض الأعراض إلى أسباب وراثية مثل اعتبار أن القصر أو الهزال سبب وراثي مثل بعض أفراد الأسرة.
وتابعت قائلة: "بالنسبة لنقص المغذيات الدقيقة فتظهر بعض الأعراض المختلفة حسب نوع النقص، فمثلا ممكن أن يعاني الطفل المصاب بنقص الدم من الخمول والتعب أو شحوب لون البشرة، ولا يمكن تشخيص نقص المغذيات الدقيقة إلا بالفحص المختبري لعينة من الدم وإجراء الفحص اللازم".
وشددت العجمية على ضرورة إمداد الأطفال بالغذاء المتنوع والمتنساب، موضحة: "يعد الوقت الأكثر أهمية للتغذية هو الفترة الأولية 1000 يوم من عمر الطفل، والتي تبدأ من أول يوم للحمل حتى يكمل الطفل العامين من عمره، كما يجب على الأم أن تدرك أن تغذية طفلها تبدأ من فترة الحمل؛ لذلك عليها أن تهتم بتغذية نفسها وأن تتناول الطعام الصحي المتوازن وأن تبادر لعلاج أي نقص للمغذيات الدقيقة، ثم بعد الولادة تقوم بإرضاع طفلها رضاعة طبيعية خالصة لمدة ستة أشهر، ونعني بالخالصة أن الطفل يأخذ فقط حليب الأم من غير إضافة الماء أو الحليب الصناعي أو الأطعمة الأخرى، ثم بعد ذلك تبدأ الأم بإدخال الأطعمة التكميلية نهاية الشهر السادس وأن تحرص على تقديم الغذاء الصحي المتنوع وأن يحصل الطفل على كميات كافية من الطعام وبعدد كافي من الوجبات المناسبة له خلال مراحل عمره المختلفة".
وذكرت العجمية: "قد يحدث أن لا يحصل الطفل على الكميات والتنوع اللازم من خلال تغذيته، فقد أوضح المسح الوطني للتغذية عام 2017 أن فقط 64% من الأطفال في سلطنة عُمان يحصلون على عدد الوجبات الكافي بالنسبة لعمرهم".
وأولت وزارة الصحة اهتماما كبيرا بالأطفال كونهم اللبنة الأساسية للمجتمع؛ لذلك قامت بجهود حثيثة للحد من هذه المشكلة، وذلك من خلال توفير عيادات تغذية مكتملة التجهيز، وتوفير فنيي تغذية مدربين ومؤهلين لمتابعة الحالات المصابة بسوء التغذية بشكل دوري إلى تحسن الحالة.
كما تحرص الوزارة على تنظيم دورات تدريبية للعاملين الصحيين لتدريبهم على تقديم المشورة لتغذية الرضع وصغار الأطفال وكذلك تدريبهم على القياسات الجسمانية والتعامل مع حالات سوء التغذية، كما قامت بإعادة تفعيل مُبادرة المستشفيات الصديقة للطفل واستحداث عيادات للرضاعة الطبيعية لتوفير الرعاية الصحية للأمهات المرضعات وتدريب عدد 59 ممرضة من مختلف مناطق السلطنة على برنامج دولي للرضاعة الطبيعية.
وقامت دائرة التغذية بوزارة الصحة بوضع استراتيجية للتغذية في سلطنة عُمان للفترة من 2020-2030 وتضمنت هذه الاستراتيجية عددا من الأهداف والأنشطة لمكافحة سوء التغذية لدى الأطفال.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
صدمات الطفولة.. كيف تترك بصمتها في العقل والجسم؟
لا تمر مشاعر القلق أو الصدمات التي يختبرها الطفل مرورًا عابرًا، بل يستمر تأثيرها العقلي والنفسي والبدني حتى مراحل متقدمة من العمر، حيث قد تظهر اضطرابات في المزاج، والاكتئاب، وقد تصل إلى الإصابة بألزهايمر. لكن الأسوأ من ذلك هو أن هذه النتائج تتفاقم إذا لم يتم تلقي العلاج المناسب.
صدمات منذ اليوم الأول في الحياةيمكن للطفل حديث الولادة أن يختبر في يومه الأول بعد الميلاد ما يكفي من التوتر والأحداث المجهدة التي قد تصل إلى مرحلة الصدمة أو ما يُعرف بـ"التروما"، والتي تهدد الأطفال من عمر يوم واحد وحتى 18 عامًا. وبحسب وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية، فإن أبرز أنواع الصدمات التي يتعرض لها الأطفال تشمل:
الإساءة أو الاعتداء النفسي أو الجسدي أو الجنسي. العنف المنزلي أو المدرسي أو المجتمعي. الحروب والكوارث الوطنية. فقدان الممتلكات أو النزوح. الفقدان المفاجئ أو العنيف لأحد الأحباء. تجارب اللجوء أو الحرب. الضغوط المرتبطة بعمل أحد أفراد الأسرة في المجال العسكري. الحوادث الخطيرة والأمراض التي تهدد الحياة. الإهمال والتجاهل والتعرض للتنمر.وهو ما يظهر في صورة علامات واضحة وعديدة على الطفل، تؤكد إصابته بالصدمة أبرزها:
إعلان شعور الأطفال في سنة ما قبل المدرسة بالخوف من الانفصال والكوابيس والبكاء أو الصراخ كثيرا مع ضعف الشهية. إصابة الأطفال في عمر المرحلة الابتدائية بالقلق، والشعور بالذنب والخجل وعدم التركيز، مع صعوبة النوم والانسحاب من المجتمع وعدم الاهتمام، مع عدوانية واضحة. إصابة الأطفال في عمر المدارس المتوسطة والثانوية بالاكتئاب وإيذاء النفس وتعاطي المخدرات وأيضا الانسحاب أو عدم الاهتمام أو اتباع السلوك المحفوف بالمخاطر والعدوان.في عام 2012، حاول مجموعة من الباحثين في البرازيل دراسة "تأثير ضغوط الطفولة على الأمراض النفسية" بصورة أعمق، تحديدا عبر التصوير بالرنين المغناطيسي، وقد أظهرت تقنيات التصوير العصبي العديد من التغيرات العصبية الهيكلية مثل:
انكماش الحصين وهو الجزء المسؤول عن الذاكرة في الدماغ، وأيضا انكماش الجسم الثفني وهي عبارة عن حزمة من الألياف العصبية تعمل على ربط نصفي الدماغ أحدهما مع الآخر وتبادل المعلومات. زيادة خطر الإصابة باضطرابات المزاج. زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب. زيادة خطر الإصابة بالاضطراب ثنائي القطب. إمكانية الإصابة بالفصام. زيادة احتمالات إدمان المخدرات.وفي مقال علمي نشر بمجلة "السلوك البشري في البيئة الاجتماعية" عام 2018 أشارت الباحثة هيثر دي إلى العواقب السلبية طويلة المدى للصدمات المعقدة، تقول دي "تتسبب مثل تلك الصدمات في تغيرات عصبية حيوية تؤثر على نمو الإنسان وتسبب تغيرات كبيرة في وظائف المخ وهياكله المسؤولة عن الأداء الإدراكي والجسدي، فضلا عن أعراض جسدية وعقلية وعاطفية يمكن أن تستمر حتى مرحلة البلوغ".
مزيد من التأثيرات البدنية والنفسية والعقلية تظهر على الأطفال بوضوح عقب التعرض للصدمات أبرزها:
إعلان الشعور بالإجهاد البدني وأعراض جسدية مثل الصداع وآلام المعدة غير المبررة. تأثر القدرات المعرفية والعمليات العاطفية العقلية فتصبح أمور مثل حل المشكلات والتخطيط وتعلم معلومات جديدة، والتفكير وفق منطق فعال أمرا صعبا وغير ممكن. تدني احترام الذات والشعور بعدم القيمة والعار، والذنب واللوم المتواصل للذات والشعور بالعجز. صعوبة في إدارة العواطف التي تصبح مع الوقت عامرة بالخوف والقلق. تأثر قدرات الطفل على تكوين علاقات اجتماعية مع الأصدقاء أو مقدمي الرعاية أو المحيطين به بشكل طبيعي.الأطفال أكثر عرضة للتأثر بالأحداث المجهدة في حياتهم بسبب ضعف قدرتهم على التعامل مع التوتر. وقد ربط باحثون من معهد برشلونة للصحة العالمية -بالتعاون مع عدة مراكز أخرى- بين ضغوط منتصف العمر وصدمات الطفولة، وزيادة خطر الإصابة بمرض ألزهايمر نتيجة لارتفاع مستويات بروتين بيتا أميلويد، الذي يعد بروتينًا أساسيًا في تطور مرض ألزهايمر، بالإضافة إلى زيادة احتمالات الإصابة بالتهاب الأعصاب.
ويقول الباحث إيدر إرينازا أوركيو، أحد المشاركين في الدراسة، إن الاستجابة للتوتر تختلف بين الأفراد؛ ففي حين يتراكم بروتين الأميلويد لدى الرجال، تصاب النساء بضمور الدماغ. ويزداد الأثر بشكل أكبر لدى الأشخاص الذين لديهم تاريخ من الأمراض النفسية، حيث يتأثرون لاحقًا بانخفاض حجم المادة الرمادية في أدمغتهم مع تقدمهم في العمر.
هكذا تُجنب طفلك المعاناة مبكرا"لا يمكن تجنيب الأطفال الصدمات أو المعاناة، فهي خارج دائرة التحكم، كالمرض أو التعرض لمشاهد سيئة، أو الحوادث وغيرها". تحسم الأخصائية النفسية دعاء السماني الأمر مؤكدة للجزيرة نت "سوف يعاني الطفل ويتعرض للصدمات على طول الطريق، ولذلك جانب إيجابي فهي تساهم في تهذيب النفس، وتساعد الطفل على النمو وتكوين أساليب ومهارات أفضل للتكيف، لكن هذا مرهون بالطريقة التي يتم التعامل بها مع الطفل عقب الصدمات".
إعلانوتنصح السماني بإسعافات نفسية أولية إن تعرض الطفل لصدمة أو إجهاد نفسي شديد، تقول "في البداية ندع الطفل يتحدث بحرية عما حدث بطريقته، دون أسئلة تشعره بالتقصير أو أنه مسؤول عما جرى، أو أنه كان يمكن أن يتصرف بطريقة أفضل، التعافي من الصدمات يستغرق وقتا، يختلف من طفل لآخر بحسب شخصيته وطبيعة الصدمة التي تعرض لها، المهم ملاحظة سلوكه، والطريقة التي يتعامل بها مع من حوله، مادامت طبيعية فهو في طريقه للتحسن، أما إذا تأثرت حياته أو بدا عليه تغييرات فيجب اللجوء لمختص نفسي".