قيم أم حقوق ضائعة فى الشارع اللى وراه؟
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
ونحن في خضم احتفالات النسوة خلال شهر مارس فدعونا نطرق أبوابًا، لن نيأس من طرقها قط ما دامت لم يهجرها سكانها مزدوجو الذمم والمعايير، فكلما قطعنا شوطًا يتعلق باستحقاقات النساء ونيل حقوقهن، تملكنا الظن أننا على عتبات النجاة، وتملكنا الظن أكثر وأكثر أن هناك ملفات أغلقناها، وباتت في نعشها إلى يوم الدين.
إلا أن الحقيقة التي نعيشها كل يوم، تبين لنا حقائق حاولنا أن نغض النظر ونتجاهلها لنفرح، بما حققنا وما أنجزنا في الملف الحقوقي للمرأة، ولكن دعونا نبدأ احتفالات هذا العام بتسليط الضوء على أهم “الترندات الأخيرة” التي تصدرت مواقع السوشيال ميديا، التي أظهرت مدى التناقض والاختلال في التحليل والنظرة للأحداث، فمن انتشار ترند “الشارع اللي وراه” مؤخرًا والذي خلف بعده تهكم المجتمع على فتاة قاصر مريضة، وانتقدها في سلوكها وأسلوب حوارها مع والدها الخارج عن نطاق الأدب، وبالفعل هو كذلك لا يمكننا إنكار ذلك، أو سد أذاننا عن حقيقة الأمر، ولكن في الحقيقة يا رفاق أنتم من صممتم آذانكم عن الحقيقة حين تركتم أصل الحكاية، وتغاضيتم عنها، ولكي نقرب المسافات فلنجب سويًا عن التساؤلات الآتية من علم الفتاة في نشأتها ذلك السلوك؟ ومن أين تلقت هذه الفتاة تلك الألفاظ والأفعال على أنها اعتيادية وقت الخلاف؟ من أوصل لإدراكها أن هذا التصرف لن يسبب أي مشكلة بعد الخلاف وأنه مستساغ؟ والأهم ما السبب الرئيسي لهذا الخلاف؟.
وبالطبع حتى لا نطيل على بعضنا البعض، فالبيئة التي تحيط بها هي من أسقتها مفاهيمها وسلوكها، والعادي والمألوف والممنوع وبالتالي قبل أن تحاكم قاصرًا على سلوكها فليحاسب من يرعاها أولًا بالطبع إن كان هناك شيء من الإنصاف.
ونأتي لإجابة السؤال الأخير. فعن أسباب المشكلة يا سادة كما ظهر من فيديو البث المباشر، وما دفع تلك الفتاة لرد الفعل المستنكر من المجتمع والذي دفع المجتمع للغضب، والثأر من فتاة صغيرة يرى أنها ستهدم قيم المجتمع مع غض النظر عما هدمه المجتمع.
فلقد تعرضت الفتاة لعنف اقتصادي شديد، ففتاة قاصر مريضة تتفطر للعمل لسد احتياجاتها ورغباتها، ومتطلبات أسرتها ولم يتم الاكتفاء بهذا الكم من الاستنزاف والاستغلال لفتاة لا تدرك قرارات سليمة مرتبطة بنوعية العمل، والإطارات المجتمعية والقانونية السليمة وتقييم الفرص المتاحة لها، بل تعدى الأمر لاستغلال مواردها لصالح الأب وعائلته وأقاربه، بلا أدنى رحمة أو مسئولية تجاه تلك الفتاة ورعايتها اقتصاديًا وصحيًا، ونفسيًا.
ويعد العنف الاقتصادي أحد أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، ويؤثر بشكل سلبي على حياة النساء، ومشاركتهن في المجتمع، ووضعهن النفسي والبدني وأمانهن المهني والمالي.
ويأخذ العنف الاقتصادي أشكالًا مختلفة ما بين الحرمان من العمل، أو الميراث أو حرية التصرف بالإرث، أو التدقيق في موارد النساء، أو العمل دون أجر، أو بأجر بخس، إلقاء مسئولية المعيشة على النساء، ومنع المرأة من التصرف بحرية في مواردها، أو استغلالها بشكل لا تراه هي مناسبًا، والإجبار على الاقتراض.
وقد تقبل النساء هذا الشكل من العنف القاسي والذي يجعل النساء تحت سلاسل ممنهجة من السلطة الذكورية والتحكم والاستغلال لأسباب شعورية، ودوافع نفسية ترتبط أحيانًا بضعف الثقة، والقلق، والخوف، والشعور بالذنب، والاضطرار ما بين موقف وآخر.
ووفقًا لتقرير المرأة وأنشطة الأعمال والقانون لعام ٢٠٢٢ الصادر من البنك الدولي، فإن نحو ٢.٤ مليار امرأة في سن العمل لا تتاح لهن فرص اقتصادية متساوية، وما زالت النساء لا يتمتعن بثلاثة أرباع الحقوق القانونية الممنوحة للرجال عالميًا.
وبناء على ذات التقرير فإن القوانين والأنظمة في ١٩٠ بلدًا تؤثر على مشاركة النساء في النشاط الاقتصادي في ثمانية مجالات كالتنقل، ومكان العمل، والأجور، والزواج، وزيادة الأعمال، والأصول، والمعاش التقاعدي إضافة للأمومة، وأعمال المنزل غير مدفوعة الأجر.
إضافة لما كشفه التقرير عن مساعي العديد من الدول لسد الفجوة بين الجنسين، اقتصاديًا من خلال وضع القوانين، ولكنه أشار لضرورة سد الفجوة بين التشريع، والقوانين المدونة وبين تطبيقها الفعلي، فالقوانين وحدها لا تكفي لتحسين أوضاع المساواة بين الجنسين.
وما نريد قوله والإشارة له مما سبق عرضه فيما يتعلق بالعنف الاقتصادي للنساء ومن إلقاء الضوء على حادثة فتاة “التيك توك” التي أهمل المجتمع ما تتعرض له من عنف، وبدلًا من تخفيف وطأة العنف قرر أن يزيد عليها من العنف بيتًا جديدًا، إن المجتمع بأكمله بحاجة لإنهاء كافة أشكال العنف الاقتصادي، وليس النساء وحدهم، فهو إن كنا ندرك حقًا مصلحة المجتمع، والحفاظ على قيمه فإنهاء العنف الاقتصادي للنساء سيكون بالنسبة لنا واجبًا وطنيًا، ومصلحة قومية كبرى، من أجل تعزيز احترام أدياننا وعقائدنا، التي أوصت بالنساء وتقديرهن، ومن أجل أسر ومجتمع أكثر تماسكًا واستقرارًا، ومن أجل التوسع في احترام حقوق الإنسان الأساسية، ومن أجل مجتمع أكثر عدالة وأكثر تنمية، وأقل أعباء وضغوطًا وأكثر استدامة.
ومن أجلكم جميعًا لا تحكمون على موقف بسطحية، ولا تعاقبوا الآخرين على آخر ثمرة معطوبة، وتتركوا جذور النبتة التي خلفت ما تستاءون منه، وتذكروا دومًا أن هناك أمورًا لا تعالج إن صممنا على تضميد الأعراض دون اقتلاع الأسباب، وإن زيفنا الحقائق، أو دلسنا المفاهيم، أو أعطينا الجاني ذراع الضحية تحت سلطة الدين، والقيم، والإحسان، وتركنا الضحية دون أي طوق نجاة.
أميرة عبدالكريم – الدستور
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: العنف الاقتصادی ومن أجل من أجل
إقرأ أيضاً:
البوعيشي: اقتحام العمل السياسي تحدٍ أمام الليبييات
قالت خديجة البوعيشي الخبيرة القانونية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لدى ليبيا، إن النساء في ليبيا لعبن دوراً حاسماً في إعادة بناء مجتمعاتهن وفي مفاوضات السلام والمساهمة في الاقتصاد، وغالبًا بطرق لا يتم الاعتراف بها.
أضافت في مقال بموقع البرنامج الأممي، “بمرور اليوم العالمي للمرأة 2025، لكن الدعوة إلى تسريع العمل لا تزال أقوى من أي وقت مضى، ففي ليبيا مثلاً، لا تنتظر المرأة – فهي تقود جهود بناء السلام، وتدفع التحول الاقتصادي، وتدخل في مجالات السياسة وصنع القرار، المساواة ليست عملًا بنية حسنة فحسب – بل إنها واجبناـ إنه الأساس الذي تبني عليه الدول نحو التعافي والسلام والازدهار الاقتصادي، وفي ليبيا حيث تستمر النساء في تحدي الصعاب، فإن مشاركتهن ضرورية”.
وتابعت “في اللجان المحلية لبناء السلام والتنمية، تشكل النساء الآن 40% من عدد الأعضاء، ويضطلعن بدور نشط في حل النزاعات والحوكمة المجتمعيةـ في الأماكن التي كان يهيمن عليها الرجال، يغيرون لهجة المناقشات، ويؤثرون على السياسات، ويقودون جهود المصالحة”.
وأوضحت أنه لا تزال المساحات السياسية من بين أصعب المساحات التي على النساء اقتحامها، ومع ذلك، فهن مستمرات في السعي لذلك، إذ تعمل النساء في جميع أنحاء ليبيا على تعزيز المشاركة الديمقراطية، سواء من خلال تثقيف الناخبين أو الدعوة أو القيادة، تعمل سفيرات التوعية النسائية على ضمان فهم المرأة لحقوقها الانتخابية وقيمة أصواتهن، مما يسهم في الدفع من أجلتمثيل سياسي أقوى على جميع المستويات.
وأشارت إلى أن تشجيع المزيد من النساء ليس فقط على التصويت لكن أيضًا على المشاركة في تشكيل السياسات والأدوار القيادية أمر ضروري لدفع التقدم نحو المساواة.