سيميائيات الحياة .. من مُحايثة النص إلى عالم التجربة
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
#سواليف
#سيميائيات_الحياة من مُحايثة النص إلى عالم التجربة
أجرى الحوار #محمد_نجيم
راكم الباحث الناقد المغربي والأستاذ الجامعي د. #محمد_الداهي مؤلفات تحوم
مقالات ذات صلة اختتام الدورة الرابعة من “مسابقة أفلام وأغاني تمكين الشّباب” 2024/03/06في مجملها حول السيميائيات الذاتية التي تعنى بانطباع الآثار الذاتية في
الخطاب، وبمواقع المتلفظ والسارد في الأدب الشخصي (أنواع الكتابة عن
الذات)، وبالمشاريع السيميائية والصُّوريَّات التي تُعنى بتمثيلات الذات ناظرة
ومنظورا إليها.
400 صفحة ( حياة المعنى التدبير السيميائي لمعنى الحياة)؛ ولذا ارتأيت أن
أجري معه الحوار الآتي لأخذ فكرة مجملة عنه.
من مؤلفاته الصادرة مؤخرا : السارد وتوأم الروح ( من التمثيل إلى
الاصطناع)، متعة الإخفاق (المشروع التخييلي لعبد الله العروي)، سلطة
التلفظ في الخطاب الروائي العربي، من أرشيف محمد زفزاف.
1- يبدو لي عنوان الكتاب ملغزا. ما دلالة هذا اللغز؟
يقدم الكتاب تصورا سيميائيا عن المعنى من حيث حياته (حياة المعنى)
ومشروعه ومآله (معنى الحياة). قد يبدو العنوان تلاعبا لفظيا بقلب مواقع
اللفظ في سياقين مختلفين، لكن صياغته على هذا النحو تقتضي معالجة
المعاني المختلفة والمتضاربة التي يحفل به الكون، ونصادفها أينما حللنا
وارتحلنا، وتفعم حياتنا بأريج المشاعر والأحاسيس، كما تحتم علينا أن نختار
زاوية من الزوايا المتعددة لتبئير وجهة نظرنا على حيز أومجال محدد
باعتماد المقاربة المناسبة ( السيميائيات على سبيل المثال).
2- بُني الكتابُ على تدبير المعنى بصفته حياة ومشروعا للحياة؟ أليس كذلك؟
سعيت إلى إبراز راهنيَّة الموضوع وجِدِّته بالنظر إلى امتداد المعنى
وانتشاره في جميع الأنساق و الدعامات الدلالية (المعمار، الإشهار، اللباس،
الطعام..)، وملازمته الوجود في مختلف مظاهره وتجلياته أكانت ذات الصلة
بالغلاف الإحيائي (الحيز الذي توجد فيه الحياة، وتتقاسمه الكائنات الحية) أو
بالغلاف السيميائي(حيز التعدد اللغوي والثقافي، ما يميز الإنسان بصفته
حيوانا ناطقا). والحال هكذا، ارتأيت أن أعالجه من المنظورين الآتيين،
وهما:
أ- باحتكاك الإنسان بالعلامات يوميا يعطي لحياته معنى، ويحرص على
تدبير هذا المعنى لتحسين علاقاته بالكائنات الحية والموجودات، وتحقيق
أهدافه، وتفادي ما يُكدِّرُ ويُنغِّصُ عيشَه. لا يخلو تدبير المعنى من توتر
وصراع بسبب تضارب المصالح والنزاعات الترابية والمحلية. وفي هذا
الصدد، حرصت السيميائيات على مقاربة المعنى من زوايا متعددة لإبراز
تحركات الإنسان وأعماله (سيميائيات العمل)، وأهوائه ومشاعره (سيميائيات
الأهواء)، وقيمه ( السيميائيات الأكسيولوجية)، وبيان علاقاته بالموجودات
(سيميائيات الأشياء)، وبمَسْرحة الحياة والشعائر الاجتماعية ( السيميائيات
الثقافية)، وبالممارسات اليومية (سيميائيات أشكال الحياة). وهذا ما حرصت
على تحليله بطريقة تركيبية ونسقية حتى يأخذ القارئ العربي فكرة مجملة
عن المشاريع السيميائية التي مافتئت محافظة على سمتها وراهنيتها وجديتها.
وهذا ما ينطبق على فهم كينونة الإنسان المعقدة في تساوق مع سعيه إلى
تدبير شؤونه اليومية، ومشاريعه المستقبلية، وتكريس تشبثه بأهداب الحياة.
ب- ما يحرص عليه الإنسان باحتكاكه يوميا بالكائنات الحية والأشياء هو
الرقي بالمعنى من الحالة العابرة والمبتذلة إلى الحالة المستديمة والجدية.
وهو ما يحفزه على البحث عن المعنى، ويقتضي منه حسن تدبيره حتى لا
تكون له عواقب غير محمودة. ومن ثم، ركز السيميائيون على هوى
الإصرار بصفته شكلا من أشكال الحياة للمضي قدما إلى الأمام أيا كانت
الظروف والعوائق. الإصرار شكل من أشكال الحياة الذي يستدعي- علاوة
على المؤهلات الذهنية والجِهيَّة واللغوية- طاقة نفسية جبارة. أستحضر- في
هذا الصدد- شكلين من أشكال الحياة أضحيا شائعين في المجال
الرياضي.وهما: الكرينتا Grinta (لفظ إيطالي يعنى به المثابرة
والعزيمة)، والريمنتادا (Remontada) ( لفظ إسباني يعنى به التعافي
والعودة القوية). يحقق الفريق الرياضي بفضلهما النصر المنشود والنتيجة
المرضية دون أن يتأثر بضعف أدائه أو تلقيه هدفا مباغتا في بداية المباراة.
وهو ما يتجسد أيضا في إصرار الإنسان على تحدي المصاعب والعراقيل،
وتحمل المشقة والعناء سعيا إلى تحقيق أهدافه.
3- بتصفح الفهرس نعاين أنك عالجت حياة المعنى بطريقة تركيبية ملما
بالمرجعية السيميائية كما نهجتها مدرسة باريس لرائها ألجيرداس
جوليان كريماص وأتباعه؟
أشكرك على هذه الملاحظة الذكية. أحرص في كتاباتي بصفتي باحثا أن
أتفادى المقاربة المدرسية التي تراهن على تذليل المعارف العالمة وتقديمها
في حلة مبسطة وميسرة للقارئ. لا أنفي دور هذه المقاربة التي لها أهميتها
وملاءمتها للمساهمة في تثقيف القراء وإرشادهم إلى المعارف المناسبة.
أحرص في كتاباتي على معالجة إشكال يستأثر باهتمامي بالنظر إلى
تخصصي. سعيت في هذا الكتاب إلى إبراز كيف عالج السيميائيون المعنى
من مختلف الوجهات والتصورات أكانت عَمليَّة أم استهوائية أم تلفظية أم
ظاهراتية أو أكسيولوجية، ثم التموضع بصفتي في الضفة المقابلة ضمن
السيميائيات الذاتية (Sémiotique Subjectale) التي اتخذتُها موئلا
ومصدرا لتناول مظاهر التلفظ وتجليات الذاتيَّة في الثقافة العربية، وخاصة
في متغيرات السيرة الذاتية (ما أصطلح عليه بسرديات البرزخ).
كل كتاب يفرض علي طريقة لمعالجة محتوياته بالنظر إلى طبيعة القارئ
الذي أتوجه إليه. أعرف مسبقا أن السيميائيات هي علمٌ له مُصطلحيَّته
ولغته الواصفة ومنهجيته ورواده، وهو ما يحتم علي أن أتوجه إلى جمهور
محدد يتمتع بالخلفيات المعرفية المناسبة. ومع ذلك حرصت في الكتاب على
المسعييْن التواصلي (مخاطبة جمهور أوسع من القراء) والذاتي ( تبني نقد
النقد بتعبير تزفيتان تودوروف لتقدير جهد باحثين وكتاب سيميائيين تعلمت
منهم، واهتديت بهم في مساري الفكري).
4- بدا لي – بتصفح الكتاب- أنك راهنت على القارئ المطلع أو القارئ
النموذجي بتعبير إمبرتو إيكو. ما الهدف الذي توخيته من وراء ذلك؟
كل كتاب يفرض- كما قلت- على صاحبه أسلوبا معينا بحسب طبيعة
الجمهور المستهدف من جهة، وبالنظر إلى الموضوع المعالج من جهة ثانية.
أتاح لي الكتابان الأخيران ( السارد وتوأم الروح ، ثم متعة الإخفاق) هامشا
من الحرية لتطويع النظرية حتى تغدو ميسرة ومنقادة لدى القراء على
اختلاف مستوياتهم ومشاربهم. كل قارئ قد يجد فيه ما يناسبه بحسب
مؤهلاته وخلفياته. لكن الأمر يختلف في الكتاب الأخير الذي صدر مؤخرا (
حياة المعنى)؛ إذ طبيعة الموضوع حتمت علي مخاطبة فئة من القراء سواء
من لهم تكوين سيميائي أم هم في عداد الساعين إلى تعرُّف المجال
السيميائي الرحب والتخصص فيه. علاوة على ذلك فالمجال السيميائي هو
علم له قواعد وضوابط ولغة واصفة، وهو ما يقتضي من أي قارئ أو باحث
– قبل الخوض فيه- أن يكون ملما بالمجال، ومطلعا على خباياه وتطلعاته.
حرصت- بالحفاظ على اللغة السيميائية الواصفة- على تقديم تصور شامل
للقارئ العربي عن المشاريع السيميائية التي اضطلعت بها مدرسة باريس
للسيميائيات ( العمل، والأهواء، والأشياء، والثقافة، والكلام)، وبيان
الطفرات التي حققتها بالانتقال من المراهنة على القواعد السردية
(الخوارزميات السردية الكونية) إلى مواكبة أشكال حياة الإنسان وأساليبه في
العيش ( سيميائيات المعيش)، وإبراز إشعاعها الكوني بعد أن استوعبت
جغرافيات سيميائية جديدة ( بما فيها السيميائيات العربية)، واستقطبت
اهتمامات متعددة في ربوع المعمورة.
ومع ذلك ما فتئ القراء العرب يجدون مصاعب في فهم الكتب السيميائية بحكم
مصطلحيَّتها ومرجعيَّتها ومقصديَّتها، وأحيانا قد يختلط عليهم الحابل والنابل بتطاول
أشخاص على المجال وتقحُّمه دون دراية. وفي هذا الصدد يتحتم على السيميائيات
الانفتاح على ثقافة الآخر بحثا عن تلاقح الأفكار، وتعاضد الرؤى، وتكامل وجهات
النظر، وتعزيز سبل العيش المشترك. و هي – في ذلك -تؤدي دورا أساسيا في
إعطاء المعنى لحياتنا بمساءلة وجودنا، وتدبير خلافاتنا وصراعاتنا، واقتراح بدائل
جديدة للعيش وللسلم المستديم.
ولا بد في الأخير من التمييز بين النقد الانطباعي الذي يصدر أحكاما باعتماد الذوق
والتأثير وبين النقد الرصين الذي يستند إلى أدوات ومفاهيم وفرضيات علمية. ومع
ذلك يستحسن أن ننزل النقد من عليائه أو برجه العاجي حتى يسهم في إثارة النقاش
العمومي، و في تنوير الرأي العام بقضايا تهم عموما الوضع البشري. وفي هذا
السياق، تندرج مؤلفاتي بالحرص على المواءمة بين الذاتي والموضوعي، بين
الجامعة والمحيط، بين المركز والضاحية، بين الفرد والجماعة. وعليه لا بد للنقد من
الانخراط في الحياة العامة عوض التقوقع والانقطاع عن شواغل الناس وأهوائهم
وتطلعاتهم.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: سواليف محمد نجيم أشکال الحیاة المعنى من فی هذا وهو ما
إقرأ أيضاً:
ردم البحر في غزة.. هل تصلح التجربة اليابانية لإعادة الإعمار؟
قبل عدة أيام قدم الدكتور ممدوح حمزة، الاستشاري الهندسي المصري الشهير، عبر مقطع فيديو على حسابه بموقع "إكس"، اقتراحا هندسيا يتضمن استخدام الأنقاض الناتجة عن الحرب في قطاع غزة كمواد خام لإنتاج الطوب، مما يسرع عملية إعادة الإعمار ويقف عقبة أمام مخطط ترامب.
في المقابل، قدم مهندس وأكاديمي مصري يعمل في اليابان مقترحا بديلا نال الكثير من الاهتمام على وسائل التواصل مؤخرا، مستندا إلى التجربة اليابانية في ردم مياه البحر بالركام، حيث قال على صفحته بموقع فيسبوك إن "هذا الحل يمكن أن يوسع مساحة القطاع ويوفر حلا عمليا وسريعا في مواجهة خطة التهجير".
ولم تنفذ دولة مشروعات عملاقة لردم مياه البحر، مثلما فعلت اليابان، التي حفل تاريخها بالعديد من الكوارث سواء كانت طبيعية مثل الزلازل أو بسبب الإنسان مثل الحروب، وهو ما خلف أطنانا هائلة من الركام، تم استغلالها لهذا الغرض، حيث تقدر مساحة الأراضي الناتجة عن ردم البحر بنحو 0.5% من إجمالي مساحة اليابان، لذلك فإن المهندس والأكاديمي المصري باليابان الدكتور المهندس محمد سيد علي حسن، يرى أننا أمام تجربة عملية ومجربة يمكن استلهامها.
تبدأ الخطة بنقل المخلفات الخرسانية الكبيرة من مكانها بواسطة سيارات نقل إلى أكثر شواطئ القطاع ضحالة والأخفض أمواجا (الجزيرة) لماذا لا يبدو مقترح الطوب عمليا؟ويوضح حسن أنه في حالة القطاع توجد عشرات وربما مئات ملايين الأطنان من الأنقاض والركام التي خلفها العدوان الهمجي، سيحتاج اقتراح الدكتور حمزة إلى عدد هائل من الكسارات والطواحين وكميات طاقة ضخمة لتشغيلها، وبعد انتهاء تلك الكسارات والطواحين من مهمتها الشاقة ستصبح هي نفسها عالة، أي لا حاجة إليها في المستقبل القريب، وهذا يعني أموالا أخرى ضخمة مهدرة.
والبديل الذي قد يطرحه البعض، وهو تقليل عدد الكسارات والطواحين غير عملي، لأن الكم الرهيب من الأنقاض التي خلفتها الحرب سيحتاج التعامل معه لوقت طويل قد يبلغ ربما 10 سنوات، وهذا ليس في صالح أهل القطاع وسط دعوات التهجير، وأخيرا، فإنه بعد طحن الأنقاض لبودرة سيحتاج القطاع لعدد كبير من مصانع الطوب وطاقة كبيرة للتشغيل، أي تكلفة مادية أخرى ووقت إضافي لصناعة الطوب".
وخلص حسن من ذلك إلى طرح البديل، وهو الاستفادة من تجربة اليابان في "تحويل الدمار إلى فرصة للبناء والتمكين والتوسع وفي وقت أقصر"، وهو ما حدث بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد زلزال كوبي المدمر في عام 1995.
إعلانوقال إن "الخطوات الأساسية لتنفيذ هذا المقترح، تبدأ بنقل المخلفات الخرسانية الكبيرة من مكانها بواسطة سيارات نقل إلى أكثر شواطئ القطاع ضحالة والأخفض أمواجا مثل الخلجان للبدء في ردم أجزاء من البحر، ثم نقل بقية الركام الأصغر في الحجم والناعم وتكويمه فوق الكتل الخرسانية الكبيرة، حتى يحين وقت دكه لإنشاء الأراضي الجديدة في مياه البحر".
ثم بعد التخطيط وإخلاء الأنقاض من أماكنها يتم إنشاء بنية تحتية ذكية، فعلى سبيل المثال يمكن إنشاء شبكات صرف صحي ومياه شرب وشبكات كهرباء وإنترنت لامركزية علوية على أبراج وأعمدة، وليس في باطن الأرض حتى يسهل صيانتها سريعا في حالة الكوارث، وتتم عملية إعمار المدن بمبان ذكية في مدن ذكية يسهل إدارتها أوقات الكوارث، والاعتماد على مصادر طاقة محلية بدلا من الاعتماد مرة أخرى على العدو ولتكن البداية إضافة ألواح شمسية فوق كل المباني.
وأوضح أن "هذه التجربة مجربة، وقد ردمت اليابان من البحر مساحة قدرها نحو ألفي كيلومتر مربع والتي تعادل مساحة القطاع 6 مرات بمخلفات الزلازل والحرب العالمية الثانية، ومن أشهر تلك الأماكن التي كانت نتاج هذا الردم منطقة أوديبا في خليج طوكيو ومطار كانساي الدولي في خليج أوساكا".
خبرات فنية واشتراطات هندسيةويتفق خبراء استطلعت "الجزيرة نت" آراءهم على أنه لا يوجد نظريا ما يمنع من تنفيذ هذا الاقتراح، لكنهم اتفقوا على أن تنفيذه مكلف ماديا، ويحتاج إلى خبرات فنية واشتراطات هندسية وجيولوجية وضوابط بيئية، هذا فضلا عن أن تمريره سياسيا سيكون أقرب إلى الاستحالة، إذ من غير المعقول أن يسمح الاحتلال بمقترح يزيد من مساحة القطاع.
وتحدث أستاذ هندسة الاستكشاف وتقييم الطبقات في كلية الهندسة جامعة القاهرة د.عبد العزيز محمد عبد العزيز، عن بعض الاشتراطات الهندسية للتنفيذ، ومن بينها "تقييم خصائص الركام".
إعلانوقال: "يجب أن يكون الركام المستخدم بأحجام وأشكال مناسبة، فالركام الكبير جدا قد يتعرض لعدم الاستقرار في القاع، والنوع الصغير جدا قد يتم جرفه بواسطة التيارات المائية، وينصح بتكسير الركام إلى أحجام تختلف حسب طبيعة المشروع، كما يجب أن يكون كثيفا بما يكفي لكي يستقر في قاع البحر دون أن يتم حمله بواسطة التيارات، لذلك لن يصلح كل أنواع الركام، وبالتالي يجب التفكير في استخدامات للأنواع التي لن يتم استغلالها".
وكما يتم اختيار الركام، يجب أن تكون هناك خبرات فنية لاختيار مكان الردم، لأنه "إذا كانت المنطقة المخصصة للردم تتعرض لموجات قوية أو تيارات مائية شديدة، قد يكون من الضروري إنشاء مصدات للأمواج أو استخدام تقنيات حماية مثل الحواجز الصخرية لحماية الركام من التآكل أو الانجراف بفعل التيارات البحرية، وسيترتب على ذلك، أن المنطقة التي ستكون خلف المصدات، منطقة ترسيب، وبالتالي يجب رفع الرواسب منها بشكل دائم، وهو أمر يعني ضرورة المتابعة الدائمة والمستمرة".
كما سيحتاج الركام نفسه لمتابعة مستمرة عبر إجراء دراسة للهيدروديناميكا المائية، لتقييم تأثير تيارات المياه والأمواج على استقراره، ولتحديد السرعة القصوى للمياه التي قد تؤدي إلى انجرافه.
ويشير د.عبد العزيز إلى أنه يجب أيضا قبل بدء عمليات ردم، إجراء تحليل لتربة قاع البحر لضمان أنها قادرة على تحمل وزن الركام دون حدوث تسوية أو انهيارات، مضيفا أنه "في حالة وجود تربة رخوة أو غير مستقرة، قد يتطلب الأمر تحسينها باستخدام تقنيات هندسية مثل الدك المسبق أو تثبيتها بمواد مثل الأسمنت، وفي بعض الحالات، يمكن استخدام تقنيات مثل الحقن الجيوتقني لتثبيتها قبل البدء في الردم، وهذا يساعد في تحسين استقرارها وزيادة قدرتها على تحمل الأحمال الثقيلة".
وينتقل إلى مرحلة أخرى، وهي أنه "بعد وضع الركام، يجب ضغطه بشكل مناسب باستخدام تقنيات دمك هندسية مثل استخدام المعدات الثقيلة لضمان تقليل الفراغات وزيادة استقرار الطبقات، وإذا كانت المنطقة عرضة لتغيرات كبيرة في مستوى المياه نتيجة المد والجزر، فيجب تصميم الردم بطريقة تأخذ ذلك في الاعتبار، مثل استخدام طبقات أكثر ثباتا في الجزء السفلي وتحسين التهوية بين الطبقات لتفادي التشبع بالماء".
إعلان مقبول نظريا .. صعب عملياوبسبب هذه الاشتراطات التي تحدث عنها د.عبد العزيز، يرى أستاذ الهندسة الإنشائية بالجامعة الأميركية بالقاهرة د.محمد نجيب أبوزيد، أن هذا المقترح قد يكون مقبولا من الناحية النظرية، لكنه عمليا يواجه صعوبات في التنفيذ، بسبب تكلفة تنفيذ كل هذه الاشتراطات، فضلا عن الضوابط البيئية التي قد تحول دون التنفيذ.
ويقول أبوزيد إنه "من الضروري التأكد من أن الركام لا يحتوي على مواد سامة من نتاج الحرب، يكون لها تأثيرات سلبية على الحياة البحرية، هذا فضلا عن أنه وإن لم يتأثر بالحرب، قد يكون لمكوناته في الأساس تأثيرات سلبية، لذلك فإنه قبل التنفيذ يجب ضمان عدم حدوث تلوث للحياة البحرية، ويجب مراقبة ذلك بعد تنفيذ المشروع، وقد تشمل هذه المراقبة أخذ عينات مياه دورية، ودراسة الرواسب البحرية، وفحص التنوع البيولوجي".
ويضيف: "هذه المراقبة المستمرة تضيف عبئا ماديا على المشروع المكلف في الأساس، ومن أبرز عناصر تلك التكلفة، عمليات نقل الركام وضغطه بشكل مناسب، والتي يجب أخذها في الاعتبار".
وقبل كل هذه الاشتراطات والضوابط التي تعقد من التكلفة المادية للمشروع، لا يعتقد أبو زيد أنه من السهل تمريره سياسيا في ظل تعنت الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما جعله يقول في النهاية إنه لا يجب غلق أفق التفكير على مقترح واحد، ويجب أن تكون هناك العديد من الخيارات، مثل الخيار الذي تحدث عنه د.ممدوح حمزة.
والتقط د.محمود صقر الرئيس السابق لأكاديمية البحث العلمي المصرية، جانبا اقتصاديا ربما يكون داعما لمقترح د.حمزة، وقال في صفحته بموقع فيسبوك تعليقا على أسباب رفضه التي ذكرها الدكتور حسن: "أعتقد أنه في ضوء ندرة دخول مواد البناء، فإن القطاع في حاجة إلى تصنيع الطوب من المخلفات محليا، ويفضل استخدام كسارات صغيرة لامركزية، بحيث توفر فرص عمل وتستخدم في المستقبل كمشروعات متوسطة".
إعلانوعلى ذلك، فإن كلا المقترحين، سواء استخدام الركام لإنتاج الطوب أو استغلاله لردم البحر، يقدم حلولا فنية ممكنة، إلا أن اختيار أحدهما يتطلب نهجا متكاملا يشمل التنسيق بين الحلول الهندسية المتاحة والواقع السياسي والاقتصادي لضمان حل مستدام في ظل الضغوط الحالية المفروضة على قطاع غزة.