جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-18@06:09:39 GMT

أما آن لك أن ترجع إلى الله

تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT

أما آن لك أن ترجع إلى الله

 

حمد الحضرمي **

 

جميع بني آدم بلا استثناء غير معصومين من الخطأ، إلّا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وقعنا في أخطاء فأصبحنا مطالبين بالتوبة وطلب المغفرة من الله عز وجل، والله يعرض علينا التوبة ليل نهار ونحن نعرض عن ذلك، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"، ورغم أن باب التوبة مفتوح إلّا أن بعضنا يستمر في ارتكاب الأخطاء ويعرض عن التوبة، معتقدًا بأن الوقت لم يحن للتوبة، ويغره شبابه وصحته وقوته، وتحدثه نفسه بأن العمر ما زال طويل، وعليه أن يستمتع بالحياة كيف ما يشاء، وبعضهم يقول بأن معاصيه كثيرة ومنذ زمن طويل فلن تقبل توبته.

والإنسان لا يعلم متى يحين أجله ورحيله عن هذه الدنيا الفانية، فعليه الإسراع في التوبة وعدم تأجيلها، يقول الله تعالى: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين" (آل عمران: 133). كما إن الله تعالى رحمته وسعة كل شيء ولا يطرد أي إنسان يلجأ إليه تائبًا من معاصيه ولو كانت كثيرة وعظيمة، يقول تعالى "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم" (الزمر: 53) وقد جاء في الحديث القدسي "يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني لغفرت لك"، وهنا يتبين لنا جميعًأ بأن الله جل وعلا دائمًا يجعل باب الأمل مفتوح أمام المؤمن ليتوب بلا تردد، فيجد الله قد قبل توبته وأدخله برحمته الواسعة جنته.

وحتى تكون التوبة مقبولة يجب أن تكون خالصة لله سبحانه، وأن يرافقها ندم وأسف على ما مضى من خطأ، وأن يقلع عن المعصية ويتركها في الحال، وإن كان عليه حق لإنسان سارع في رده إليه وطلب العفو منه، وأن يعزم التائب على عدم العودة إلى المعصية، ويفتح صفحة جديدة مع الله، ويشغل نفسه بذكر الله وتلاوة القرآن، ويرافق الصالحين والأخيار ويترك رفاق السوء، ويطهر قلبه من العداوة والبغضاء والكراهية والحقد والحسد، وأن لا يمد يده إلى الحرام، وأن لا يأكل إلا الحلال، وإن فعل التائب ذلك فقد استحق أن يكون حبيب الله، قال تعالى "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" (البقرة: 222).

وحتى تزيل آثار المعصية وما تسببه من ضيق وهم عليك بالاستغفار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن المؤمن إذا أذنب كانت نُكْتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه..." وقد كان علي رضى الله عنه يقول: العجب ممن يقنط ومعه النجاة، فقيل وما هي النجاة، قال كثرة الاستغفار، وأفضل الاستغفار ما كان عند الأسحار، قال الله تعالى "وبالأسحار هم يستغفرون" (الذاريات: 18) وعندما يتوب الإنسان توبة صادقة ويستغفر الله يصبح إنسانًا طاهرًا ويتغير حاله إلى أحسن الأحوال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب"؛ فبالتوبة والاستغفار ينشرح الصدر ويرتاح البال وتنزل السكينة على النفس ويطمئن القلب، ويصبح العقل والجسم سليمان، ويدفع الله عنه الفتن والمحن، ويرزقه الرزق الحلال الطيب في كل شؤون حياته.

فلا تيأس مهما بلغت أوزارك ولا تقنط مهما بلغت خطاياك، فما جعل الله التوبة إلا للخطاة وما أرسل الأنبياء إلا للضالين وما جعل المغفرة إلا للمذنبين وما سمى نفسه الغفار التواب العفو الكريم إلا من أجل أنك تخطئ ليغفر لك. يقول أبو نواس:

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة // فلقد علمت بأن عفوك أعظم

إن كان لا يرجوك إلا محسن // فمن الذي يدعو ويرجو المجرم

وشهر رمضان على الأبواب وهي فرصة ثمينة أن يبادر المسلم إلى التوبة لله عز وجل وإصلاح العلاقة مع ربه، واستثمار أيام وليالي الشهر في الأعمال الصالحة والعبادات الخاصة لله تعالى وكثرة الاستغفار مع التوبة ليعم الخير حياته، كما رغب سيدنا نوح عليه السلام قومه بالاستغفار حتى تتنزل عليهم الخيرات، قال تعالى "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا * يرسل السماء عليكم مدرارًا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا" (نوح: 10- 12).

فما أجمل أن يسارع المسلم إلى التوبة ويحافظ عليها، فالله سبحانه يفرح بتوبة عبده إليه، لأن التائب من ذنوبه يكون قريبًا من الله، يتمتع بقلب نقي لا يعكره ذنب، ويبتغي ما عند الله من الثواب، فتوبوا إلى الله قبل الموت والرحيل، وابتعدوا عن كل المعاصي والذنوب والأخطاء، وافتحوا لحياتكم صفحة جديدة من بداية شهر رمضان المبارك، تكون كلها أعمال صالحة تقربكم إلى الله وتكون العلاقة قوية مع ربكم والوالدين والأولاد والإخوة والأقارب والجيران والأصدقاء، وتسامحوا ونظفوا وطهروا قلوبكم من كل الأحقاد والضغائن والبغضاء، واقبلوا على الله بقلوب نقية ونفوس صافية لتنالوا محبته ورضوانه. 

وعليكم بدعاء سيد الاستغفار "اللهم أنت ربي، لا إله إلا الله، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". وعلينا جمعًا المبادرة بالتوبة إلى الله، قال تعالى "وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون" (النور: 31). وعلينا المداومة على الاستغفار لأنه العلاج الناجح من الذنوب والخطايا، والله يرضى عن التائب المستغفر الصادق لأنه يعترف بذنبه ويستقبل ربه تائبًا إليه راجيًا سعة حلمه وكريم عفوه وعظيم جوده ورحمته التي وسعت كل شيء، اللهم بلغنا رمضان بقلوب صالحة تقية نقية مخلصة محبة تائبة لك، ساعية لرضاك، طالبة جنتك، راغبة طاعتك، عازفة عن المعاصي، اللهم اجعلنا من التوّابين المتطهرين وأدخلنا في رحمتك يا رب العالمين.

** محامٍ ومستشار قانوني

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

فى يوم 16 رمضان.. النبي صلى الله عليه وسلم يصل بدر ووفاة السيدة عائشة

16 رمضان.. وقعت فى هذا اليوم أحداث مهمة فى التاريخ الإسلامى.. نذكر أبرزها فى السطور التالية:

وصول الرسول إلى بدر 


فى 16 رمضان عام 2هـ – وصل النبي محمد صلى الله عليه وسلم وجيش المسلمين إلى بدر، وإذا بقريش قد سبقوهم إليها، وقد نزلوا بالعدوة القصوى من المدينة، وهو الجانب الجنوبي من بدر، فنزل النبي وأصحابه بالعدوة الدنيا من المدينة، وهو الجانب الشمالي من بدر، استعدادًا للموقعة الحاسمة بين الطرفين.

صيام المسلمين لأول مرة فى كشمير 
يوم 16 رمضان عام 409هـ – صام المسلمون في كشمير  لأول مرة، وذلك بعد أن زحف القائد محمود بن سبكتكين الغزنوي إلى تلك البلاد لفتحها، وعند وصوله إلى حدود الولاية، خرج إليه حاكمها، فرحب به وأسلم على أيديهم من دون قتال، وصام هو وشعبه ما تبقى من رمضان.

حدث في 14 رمضان.. وفاة محمد علي باشا ووضع حجر الأساس للجامع الأزهرحدث فى الحادى عشر من رمضان.. أمور غيرت ملامح التاريخ الإسلامىحدث فى 10 رمضان.. وفاة السيدة خديجة وبداية فتح مكة وانتصار مصر على اليهود

مولد العالم حسنين مخلوف
وفي 16 من رمضان 1307 هـ الموافق 6 مايو 1890م، ولد العالم الكبير حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية.

وفاة المؤرخ المقريزي
فى مثل هذا اليوم توفى المؤرخ المسلم، شيخ المؤرخين المصريين "أحمد بن علي المقريزي"، المعروف باسم "تقي الدين المقريزي"، ولد في القاهرة 764هـ وتوفي بها، وهو ممن اهتموا بالتأريخ بكل نواحيه.

مطاردة نابليون بونابرت للمماليك فى العريش
فى السادس عشر من شهر رمضان 1213هـ الموافق 20 فبراير 1799م تمت مطاردة نابليون بونابرت للمماليك فى العريش ثم اندحاره أمام عكا.

وفاة السيدة عائشة رضي الله عنها
كانت من أحب نساء الرسول إليه، وتحكى (رضى الله عنها) عن ذلك فتقول (فضلت على نساء الرسول بعشر ولا فخر: كنت أحب نسائه إليه، وكان أبى أحب رجاله إليه، وتزوجنى لسبع وبنى بى لتسع (أى دخل بي)، ونزل عذرى من السماء (المقصود حادثة الإفك)، واستأذن النبى نساءه فى مرضه قائلًا: إنى لا أقوى على التردد عليكن، فأذنّ لى أن أبقى عند بعضكن، فقالت أم سلمة: قد عرفنا من تريد، تريد عائشة، قد أذنا لك، وكان آخر زاده فى الدنيا ريقي، فقد استاك بسواكى، وقبض بين حجرى و نحري، ودفن فى بيتى).

لقد عاشت السيدة بعد رسول الله لتصحيح رأى الناس فى المرأة العربية، فقد جمعت (رضى الله عنها) بين جميع جوانب العلوم الإسلامية، فهى السيدة المفسرة العالمة المحدثة الفقيهة. وكما ذكرنا سابقًا فهى التى قال عنها رسول الله أن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، فكأنها فضلت على النساء. كما أن عروة بن الزبير قال فيها:(ما رأيت أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة)، وأيضا قال فيها أبو عمر بن عبد البر:( إن عائشة كانت وحيدة بعصرها فى ثلاثة علوم علم الفقه وعلم الطب وعلم الشعر). وهكذا فإننا نلمس عظيم الأثر للسيدة التى اعتبرت نبراسًا منيرًا يضىء على أهل العلم وطلابه، للسيدة التى كانت أقرب الناس لمعلم الأمة وأحبهم، والتى أخذت منه الكثير وأفادت به المجتمع الإسلامى، فهى بذلك اعتبرت امتدادا لرسول الله .
وفي 16 من رمضان 1307 هـ الموافق 6 مايو 1890م، ولد العالم الكبير حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية.

مقالات مشابهة

  • داخل أنفاق لـ حزب الله.. هذا ما عثر عليه الجيش السوري (صور)
  • هل يقضي الزوجان أيام الجماع في رمضان أم الكفارة تكفي؟ الإفتاء تجيب
  • النداء الأخير!
  • رمضان.. والتحلي بالأخلاق
  • فى يوم 16 رمضان.. النبي صلى الله عليه وسلم يصل بدر ووفاة السيدة عائشة
  • رمضان.. شهر البركة
  • الأسئلة الثلاثة الكبرى والأهداف من خلق الخلق .. علي جمعة يجيب
  • درس التراويح بالجامع الأزهر يدعو للتمسك بخلق التواضع
  • ليه ربنا خلقنا.. علي جمعة يجيب: علشان يكرمنا
  • شيخ الأزهر: كرمٌ الله مطلق لا يشوبه نقص.. وكرم البشر محدودٌ بطبائع النفس