جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-11@13:05:34 GMT

أما آن لك أن ترجع إلى الله

تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT

أما آن لك أن ترجع إلى الله

 

حمد الحضرمي **

 

جميع بني آدم بلا استثناء غير معصومين من الخطأ، إلّا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وقعنا في أخطاء فأصبحنا مطالبين بالتوبة وطلب المغفرة من الله عز وجل، والله يعرض علينا التوبة ليل نهار ونحن نعرض عن ذلك، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"، ورغم أن باب التوبة مفتوح إلّا أن بعضنا يستمر في ارتكاب الأخطاء ويعرض عن التوبة، معتقدًا بأن الوقت لم يحن للتوبة، ويغره شبابه وصحته وقوته، وتحدثه نفسه بأن العمر ما زال طويل، وعليه أن يستمتع بالحياة كيف ما يشاء، وبعضهم يقول بأن معاصيه كثيرة ومنذ زمن طويل فلن تقبل توبته.

والإنسان لا يعلم متى يحين أجله ورحيله عن هذه الدنيا الفانية، فعليه الإسراع في التوبة وعدم تأجيلها، يقول الله تعالى: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين" (آل عمران: 133). كما إن الله تعالى رحمته وسعة كل شيء ولا يطرد أي إنسان يلجأ إليه تائبًا من معاصيه ولو كانت كثيرة وعظيمة، يقول تعالى "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم" (الزمر: 53) وقد جاء في الحديث القدسي "يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني لغفرت لك"، وهنا يتبين لنا جميعًأ بأن الله جل وعلا دائمًا يجعل باب الأمل مفتوح أمام المؤمن ليتوب بلا تردد، فيجد الله قد قبل توبته وأدخله برحمته الواسعة جنته.

وحتى تكون التوبة مقبولة يجب أن تكون خالصة لله سبحانه، وأن يرافقها ندم وأسف على ما مضى من خطأ، وأن يقلع عن المعصية ويتركها في الحال، وإن كان عليه حق لإنسان سارع في رده إليه وطلب العفو منه، وأن يعزم التائب على عدم العودة إلى المعصية، ويفتح صفحة جديدة مع الله، ويشغل نفسه بذكر الله وتلاوة القرآن، ويرافق الصالحين والأخيار ويترك رفاق السوء، ويطهر قلبه من العداوة والبغضاء والكراهية والحقد والحسد، وأن لا يمد يده إلى الحرام، وأن لا يأكل إلا الحلال، وإن فعل التائب ذلك فقد استحق أن يكون حبيب الله، قال تعالى "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" (البقرة: 222).

وحتى تزيل آثار المعصية وما تسببه من ضيق وهم عليك بالاستغفار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن المؤمن إذا أذنب كانت نُكْتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه..." وقد كان علي رضى الله عنه يقول: العجب ممن يقنط ومعه النجاة، فقيل وما هي النجاة، قال كثرة الاستغفار، وأفضل الاستغفار ما كان عند الأسحار، قال الله تعالى "وبالأسحار هم يستغفرون" (الذاريات: 18) وعندما يتوب الإنسان توبة صادقة ويستغفر الله يصبح إنسانًا طاهرًا ويتغير حاله إلى أحسن الأحوال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب"؛ فبالتوبة والاستغفار ينشرح الصدر ويرتاح البال وتنزل السكينة على النفس ويطمئن القلب، ويصبح العقل والجسم سليمان، ويدفع الله عنه الفتن والمحن، ويرزقه الرزق الحلال الطيب في كل شؤون حياته.

فلا تيأس مهما بلغت أوزارك ولا تقنط مهما بلغت خطاياك، فما جعل الله التوبة إلا للخطاة وما أرسل الأنبياء إلا للضالين وما جعل المغفرة إلا للمذنبين وما سمى نفسه الغفار التواب العفو الكريم إلا من أجل أنك تخطئ ليغفر لك. يقول أبو نواس:

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة // فلقد علمت بأن عفوك أعظم

إن كان لا يرجوك إلا محسن // فمن الذي يدعو ويرجو المجرم

وشهر رمضان على الأبواب وهي فرصة ثمينة أن يبادر المسلم إلى التوبة لله عز وجل وإصلاح العلاقة مع ربه، واستثمار أيام وليالي الشهر في الأعمال الصالحة والعبادات الخاصة لله تعالى وكثرة الاستغفار مع التوبة ليعم الخير حياته، كما رغب سيدنا نوح عليه السلام قومه بالاستغفار حتى تتنزل عليهم الخيرات، قال تعالى "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا * يرسل السماء عليكم مدرارًا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا" (نوح: 10- 12).

فما أجمل أن يسارع المسلم إلى التوبة ويحافظ عليها، فالله سبحانه يفرح بتوبة عبده إليه، لأن التائب من ذنوبه يكون قريبًا من الله، يتمتع بقلب نقي لا يعكره ذنب، ويبتغي ما عند الله من الثواب، فتوبوا إلى الله قبل الموت والرحيل، وابتعدوا عن كل المعاصي والذنوب والأخطاء، وافتحوا لحياتكم صفحة جديدة من بداية شهر رمضان المبارك، تكون كلها أعمال صالحة تقربكم إلى الله وتكون العلاقة قوية مع ربكم والوالدين والأولاد والإخوة والأقارب والجيران والأصدقاء، وتسامحوا ونظفوا وطهروا قلوبكم من كل الأحقاد والضغائن والبغضاء، واقبلوا على الله بقلوب نقية ونفوس صافية لتنالوا محبته ورضوانه. 

وعليكم بدعاء سيد الاستغفار "اللهم أنت ربي، لا إله إلا الله، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". وعلينا جمعًا المبادرة بالتوبة إلى الله، قال تعالى "وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون" (النور: 31). وعلينا المداومة على الاستغفار لأنه العلاج الناجح من الذنوب والخطايا، والله يرضى عن التائب المستغفر الصادق لأنه يعترف بذنبه ويستقبل ربه تائبًا إليه راجيًا سعة حلمه وكريم عفوه وعظيم جوده ورحمته التي وسعت كل شيء، اللهم بلغنا رمضان بقلوب صالحة تقية نقية مخلصة محبة تائبة لك، ساعية لرضاك، طالبة جنتك، راغبة طاعتك، عازفة عن المعاصي، اللهم اجعلنا من التوّابين المتطهرين وأدخلنا في رحمتك يا رب العالمين.

** محامٍ ومستشار قانوني

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

دعاء يوم 11 رمضان للرزق والفرج والتوفيق.. داوم عليه طوال اليوم

دعاء يوم 11 رمضان.. في هذا اليوم المبارك، ينبغي على المسلمين اغتنام الفرصة بالإكثار من الذكر والدعاء، سائلين الله القبول والرحمة والمغفرة، وأن يجعلهم من عتقائه من النار في هذا الشهر الكريم.

ومع دخول اليوم الحادي عشر من شهر رمضان، يحرص المسلمون على الإكثار من الدعاء والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، طلبًا للرحمة والمغفرة والعتق من النار.

 فقد اختص الله هذا الشهر الكريم بليلة القدر، وجعل أيامه ولياليه فرصًا عظيمة للاستجابة، لذا يستحب للمؤمنين الدعاء في كل لحظة، خاصةً الأدعية المأثورة عن النبي والصحابة والتابعين.

 وفي هذا اليوم الفضيل، يُنصح بترديد دعاء مأثور يحمل معاني الرحمة والمغفرة والتوفيق لصالح الأعمال.

دعاء اليوم الحادي عشر من رمضان

عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله قال:

"اللهم حبِّب إليَّ فيه الإحسان، وكرِّه إليَّ فيه الفسوق والعصيان، وحرِّم عليَّ فيه السخط والنيران، بقوتك يا غوث المستغيثين."

ثواب الدعاء: 

جاء في الأثر أن من دعا بهذا الدعاء كُتب له أجر حجة مقبولة مع النبي صلى الله عليه وآله، وعمرة مع أهل بيته عليهم السلام، وكل حجة مع النبي تعدل سبعين ألف حجة مع غيره، وكل عمرة معهم تعدل سبعين ألف عمرة مع غيرهم.

أدعية أخرى مستحبة في يوم 11 رمضاناللهم لا تؤاخذني فيه بالعثرات، وأقلني فيه من الخطايا والزلات، ولا تجعلني فيه هدفًا للبلاء والآفات، واشرح صدري فيه بأمانك يا أمان الخائفين.اللهم وفقني فيه لموافقة الأبرار، وجنبني فيه مرافقة الأشرار، وآوني فيه برحمتك إلى دار القرار، واهدني فيه لصالح الأعمال، واقضِ لي فيه الحوائج والآمال.اللهم اجعلني فيه دليلًا إلى مرضاتك، ولا تجعل للشيطان فيه سبيلًا، واجعل الجنة لي منزلًا ومقيلًا.اللهم افتح لي فيه أبواب فضلك، وأنزل عليَّ فيه بركاتك، ووفقني فيه لموجبات مرضاتك.اللهم اغسلني فيه من الذنوب، وطهرني فيه من العيوب، وامتحن قلبي فيه بتقوى القلوب.أعمال مستحبة في اليوم الحادي عشر من رمضانالإكثار من الدعاء والاستغفار.قراءة القرآن الكريم بتدبر وخشوع.أداء صلاة التهجد والقيام.التصدق على المحتاجين وإفطار الصائمين.الاجتهاد في الطاعات والتقرب إلى الله بكل عمل صالح.

مقالات مشابهة

  • دعاء يوم 11 رمضان للرزق والفرج والتوفيق.. داوم عليه طوال اليوم
  • مفتي الجمهورية: الله منح الإنسان العقل وأنزل إليه الرسل حتى تقوم عليه الحجة
  • سُنَن الفطرة
  • للصائم دعوة لا ترد
  • هل يُقبل صيام المرأة غير المحجبة؟.. دار الإفتاء تجيب
  • ميثاق غليظ
  • الإيمان والإستقامة
  • إبراهيم عليه السلام رمزٌ وقدوةٌ في البراءة من أعداء الله، لا التطبيع معهم!
  • الإقلاع عن التدخين بمناسبة الشهر الفضيل
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم