جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-11@09:38:03 GMT

أما آن لك أن ترجع إلى الله

تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT

أما آن لك أن ترجع إلى الله

 

حمد الحضرمي **

 

جميع بني آدم بلا استثناء غير معصومين من الخطأ، إلّا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وقعنا في أخطاء فأصبحنا مطالبين بالتوبة وطلب المغفرة من الله عز وجل، والله يعرض علينا التوبة ليل نهار ونحن نعرض عن ذلك، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"، ورغم أن باب التوبة مفتوح إلّا أن بعضنا يستمر في ارتكاب الأخطاء ويعرض عن التوبة، معتقدًا بأن الوقت لم يحن للتوبة، ويغره شبابه وصحته وقوته، وتحدثه نفسه بأن العمر ما زال طويل، وعليه أن يستمتع بالحياة كيف ما يشاء، وبعضهم يقول بأن معاصيه كثيرة ومنذ زمن طويل فلن تقبل توبته.

والإنسان لا يعلم متى يحين أجله ورحيله عن هذه الدنيا الفانية، فعليه الإسراع في التوبة وعدم تأجيلها، يقول الله تعالى: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين" (آل عمران: 133). كما إن الله تعالى رحمته وسعة كل شيء ولا يطرد أي إنسان يلجأ إليه تائبًا من معاصيه ولو كانت كثيرة وعظيمة، يقول تعالى "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم" (الزمر: 53) وقد جاء في الحديث القدسي "يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني لغفرت لك"، وهنا يتبين لنا جميعًأ بأن الله جل وعلا دائمًا يجعل باب الأمل مفتوح أمام المؤمن ليتوب بلا تردد، فيجد الله قد قبل توبته وأدخله برحمته الواسعة جنته.

وحتى تكون التوبة مقبولة يجب أن تكون خالصة لله سبحانه، وأن يرافقها ندم وأسف على ما مضى من خطأ، وأن يقلع عن المعصية ويتركها في الحال، وإن كان عليه حق لإنسان سارع في رده إليه وطلب العفو منه، وأن يعزم التائب على عدم العودة إلى المعصية، ويفتح صفحة جديدة مع الله، ويشغل نفسه بذكر الله وتلاوة القرآن، ويرافق الصالحين والأخيار ويترك رفاق السوء، ويطهر قلبه من العداوة والبغضاء والكراهية والحقد والحسد، وأن لا يمد يده إلى الحرام، وأن لا يأكل إلا الحلال، وإن فعل التائب ذلك فقد استحق أن يكون حبيب الله، قال تعالى "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" (البقرة: 222).

وحتى تزيل آثار المعصية وما تسببه من ضيق وهم عليك بالاستغفار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن المؤمن إذا أذنب كانت نُكْتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه..." وقد كان علي رضى الله عنه يقول: العجب ممن يقنط ومعه النجاة، فقيل وما هي النجاة، قال كثرة الاستغفار، وأفضل الاستغفار ما كان عند الأسحار، قال الله تعالى "وبالأسحار هم يستغفرون" (الذاريات: 18) وعندما يتوب الإنسان توبة صادقة ويستغفر الله يصبح إنسانًا طاهرًا ويتغير حاله إلى أحسن الأحوال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب"؛ فبالتوبة والاستغفار ينشرح الصدر ويرتاح البال وتنزل السكينة على النفس ويطمئن القلب، ويصبح العقل والجسم سليمان، ويدفع الله عنه الفتن والمحن، ويرزقه الرزق الحلال الطيب في كل شؤون حياته.

فلا تيأس مهما بلغت أوزارك ولا تقنط مهما بلغت خطاياك، فما جعل الله التوبة إلا للخطاة وما أرسل الأنبياء إلا للضالين وما جعل المغفرة إلا للمذنبين وما سمى نفسه الغفار التواب العفو الكريم إلا من أجل أنك تخطئ ليغفر لك. يقول أبو نواس:

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة // فلقد علمت بأن عفوك أعظم

إن كان لا يرجوك إلا محسن // فمن الذي يدعو ويرجو المجرم

وشهر رمضان على الأبواب وهي فرصة ثمينة أن يبادر المسلم إلى التوبة لله عز وجل وإصلاح العلاقة مع ربه، واستثمار أيام وليالي الشهر في الأعمال الصالحة والعبادات الخاصة لله تعالى وكثرة الاستغفار مع التوبة ليعم الخير حياته، كما رغب سيدنا نوح عليه السلام قومه بالاستغفار حتى تتنزل عليهم الخيرات، قال تعالى "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا * يرسل السماء عليكم مدرارًا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا" (نوح: 10- 12).

فما أجمل أن يسارع المسلم إلى التوبة ويحافظ عليها، فالله سبحانه يفرح بتوبة عبده إليه، لأن التائب من ذنوبه يكون قريبًا من الله، يتمتع بقلب نقي لا يعكره ذنب، ويبتغي ما عند الله من الثواب، فتوبوا إلى الله قبل الموت والرحيل، وابتعدوا عن كل المعاصي والذنوب والأخطاء، وافتحوا لحياتكم صفحة جديدة من بداية شهر رمضان المبارك، تكون كلها أعمال صالحة تقربكم إلى الله وتكون العلاقة قوية مع ربكم والوالدين والأولاد والإخوة والأقارب والجيران والأصدقاء، وتسامحوا ونظفوا وطهروا قلوبكم من كل الأحقاد والضغائن والبغضاء، واقبلوا على الله بقلوب نقية ونفوس صافية لتنالوا محبته ورضوانه. 

وعليكم بدعاء سيد الاستغفار "اللهم أنت ربي، لا إله إلا الله، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". وعلينا جمعًا المبادرة بالتوبة إلى الله، قال تعالى "وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون" (النور: 31). وعلينا المداومة على الاستغفار لأنه العلاج الناجح من الذنوب والخطايا، والله يرضى عن التائب المستغفر الصادق لأنه يعترف بذنبه ويستقبل ربه تائبًا إليه راجيًا سعة حلمه وكريم عفوه وعظيم جوده ورحمته التي وسعت كل شيء، اللهم بلغنا رمضان بقلوب صالحة تقية نقية مخلصة محبة تائبة لك، ساعية لرضاك، طالبة جنتك، راغبة طاعتك، عازفة عن المعاصي، اللهم اجعلنا من التوّابين المتطهرين وأدخلنا في رحمتك يا رب العالمين.

** محامٍ ومستشار قانوني

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

لا أستطيع قيام الليل بعد رمضان فهل الأذكار لها نفس الثواب؟

قيام الليل ليس معناه أنه لابد أن يكون صلاة، وإنما كلمة قيام الليل تكون معناها أن إنسانا ترك النوم وقام يعبد ربه، بحسب ما قاله الدكتور رمضان عبد الرازق، عضو اللجنة العليا للدعوة بالزهر الشريف، فى رده على سؤال مضمونه: "لو مش قادرة أصلي قيام الليل هل الأذكار تعتبر قيام ليل؟".

وأضاف عبد الرازق أن هذا يكون بأي طريقة من الممكن أن تكون بالتسبيح أو بقراءة القرآن الكريم، وبذكر ربنا، وبالصلاة، وبالدعاء.

وأوضح أنه على العبد أن يمكث مع نفسه ويتأمل، منوها إلى أن كل هذه عبادة، ضاربًا مثلًا بـ"شخص يكون ظهره متعبا ومستيقظا من النوم ولكن لم يقدر يمكث على سجادة الصلاة ففرد جسمه على السرير يذكر ربه ويدعوه أو يتلو القرآن فهذا الشخص هو قائم لليل".

دعاء زيارة قبر النبي.. السلام عليك يا خير خلق الله يا سيد المرسلينالدعاء أكرم وأعظم شيء على الله.. داعية يوضح

وأشار إلى أن قيام الليل ليس شرطًا أن يكون صلاة، مستشهدا في ذلك بقول الله -تعالى- في سورة "الذاريات": {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَٰلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.

وذكر أن الله - سبحانه وتعالى - ذكر في قيام الليل الاستغفار، وذكر في قيام الليل الدعاء، وذكر في قيام الليل السجود، وذكر في قيام الليل القيام، مؤكدًا أن كل طاعة لله تكون قياما لليل.

كيفية صلاة قيام الليل

الأفضل فيكيفية صلاة قيام الليلأن تكون مثنى مثنى، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صلاةُ اللَّيل مثنى مثنى، فإذا خَشي أحدُكمُ الصُّبح، صلَّى ركعةً واحدةً تُوترُ له ما قد صلَّى» وأقل الوتر ركعة واحدة يصليها بعد صلاة العشاء، فإن أوتر بثلاث ركعات فالأفضل أن يسلّم بعد الركعتين ويأتي بواحدة، وإن أوتر بخمسة فيسلم بعد كل ركعتين ومن ثمّ يأتي بركعة واحدة، ويراعي في صلاته الطمأنينة وعدم العجلة والنقر، فيخشع في صلاته ولا يتعجل فيها، فأن يصلي عددًا قليلًا من الركعات بخشوعٍ وطمأنينةٍ؛ خيرٌ له مما هو أكثر بلا خشوع.

فضل صلاة قيام الليل

يعرف قيام الليل بأنّه قضاء الليل في الصلاة أو في غيرها من العبادات، وقال ابن عباس -رضي الله عنه- أنّ قيام الليل يتحقق بأداء صلاة العشاء في جماعة، والعزم على صلاة الصبح في جماعة، وقد رغّب الله -تعالى- بهذه العبادة العظيمة، وجعل لها الكثير من الفضائل.

أولًا: منفضل صلاة الليلأنه من صفات عباد الرحمن والمؤمنين، وعلامة من علامات المتّقين، فمن اتصف به كان من المتقين النبلاء؛ لأنّه لا يقدر على قيام الليل إلا من وفّقه الله -تعالى- له، قال تعالى: «وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا* وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا».

ثانيًا: منفضل صلاة الليلأن الله -عزّ وجلّ- وعد من يقوم الليل بالمنزلة العالية والمقام المحمود، وهذا دليل على ما يترتب على قيام الليل من الأجر العظيم.

ثالثًا: منفضل صلاة الليل، إجابة الدعاء، ففي الليل ساعة لا يسأل فيها المسلم شيئًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه.

رابعًا: منفضل صلاة الليل، أنقيام الليل بابٌ من أبواب الخير، ودليلٌ على شكر الله على نعمه، وفيه مغفرة للذنوب، ودخول الجنة.

خامسًا: منفضل صلاة الليل،أفضل صلاة بعد صلاة الفريضة، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أفضل الصّيام، بعد رمضان، شهر الله المُحرَّمُ، وأفضل الصَّلاة، بعد الفرِيضة، صلاةُ اللَّيل».

دعاء صلاة قيام الليل

ورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ».

«وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ، وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ».

مقالات مشابهة

  • لا أستطيع قيام الليل بعد رمضان فهل الأذكار لها نفس الثواب؟
  • هل يجوز دفع أموال الزكاة للأخت المحتاجة؟.. الإفتاء توضح
  • شروط التوبة النصوح وكيفية تحقيقها خطوة بخطوة
  • تأملت في أسباب نجاح شيخنا الحبيب محمد سيد حاج
  • كنز عظيم لمن واظب على هذه الصلاة.. حاول أن تصليها
  • مش مجرد كلمات.. خالد الجندي: 3 مفاتيح لتحقيق التوبة النصوح
  • علي جمعة يوضح الفرق بين الاستغفار والتوبة
  • تنفيذ حُكم القتل تعزيرًا في مواطن ارتكب جرائم إرهابية
  • لماذا نستغفر بعد الصلاة؟.. دار الإفتاء توضح السبب
  • اسقاط طائرة أمريكية MQ_9 في الجوف