جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-15@08:08:46 GMT

أما آن لك أن ترجع إلى الله

تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT

أما آن لك أن ترجع إلى الله

 

حمد الحضرمي **

 

جميع بني آدم بلا استثناء غير معصومين من الخطأ، إلّا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وقعنا في أخطاء فأصبحنا مطالبين بالتوبة وطلب المغفرة من الله عز وجل، والله يعرض علينا التوبة ليل نهار ونحن نعرض عن ذلك، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل"، ورغم أن باب التوبة مفتوح إلّا أن بعضنا يستمر في ارتكاب الأخطاء ويعرض عن التوبة، معتقدًا بأن الوقت لم يحن للتوبة، ويغره شبابه وصحته وقوته، وتحدثه نفسه بأن العمر ما زال طويل، وعليه أن يستمتع بالحياة كيف ما يشاء، وبعضهم يقول بأن معاصيه كثيرة ومنذ زمن طويل فلن تقبل توبته.

والإنسان لا يعلم متى يحين أجله ورحيله عن هذه الدنيا الفانية، فعليه الإسراع في التوبة وعدم تأجيلها، يقول الله تعالى: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين" (آل عمران: 133). كما إن الله تعالى رحمته وسعة كل شيء ولا يطرد أي إنسان يلجأ إليه تائبًا من معاصيه ولو كانت كثيرة وعظيمة، يقول تعالى "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم" (الزمر: 53) وقد جاء في الحديث القدسي "يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني لغفرت لك"، وهنا يتبين لنا جميعًأ بأن الله جل وعلا دائمًا يجعل باب الأمل مفتوح أمام المؤمن ليتوب بلا تردد، فيجد الله قد قبل توبته وأدخله برحمته الواسعة جنته.

وحتى تكون التوبة مقبولة يجب أن تكون خالصة لله سبحانه، وأن يرافقها ندم وأسف على ما مضى من خطأ، وأن يقلع عن المعصية ويتركها في الحال، وإن كان عليه حق لإنسان سارع في رده إليه وطلب العفو منه، وأن يعزم التائب على عدم العودة إلى المعصية، ويفتح صفحة جديدة مع الله، ويشغل نفسه بذكر الله وتلاوة القرآن، ويرافق الصالحين والأخيار ويترك رفاق السوء، ويطهر قلبه من العداوة والبغضاء والكراهية والحقد والحسد، وأن لا يمد يده إلى الحرام، وأن لا يأكل إلا الحلال، وإن فعل التائب ذلك فقد استحق أن يكون حبيب الله، قال تعالى "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" (البقرة: 222).

وحتى تزيل آثار المعصية وما تسببه من ضيق وهم عليك بالاستغفار، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن المؤمن إذا أذنب كانت نُكْتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه..." وقد كان علي رضى الله عنه يقول: العجب ممن يقنط ومعه النجاة، فقيل وما هي النجاة، قال كثرة الاستغفار، وأفضل الاستغفار ما كان عند الأسحار، قال الله تعالى "وبالأسحار هم يستغفرون" (الذاريات: 18) وعندما يتوب الإنسان توبة صادقة ويستغفر الله يصبح إنسانًا طاهرًا ويتغير حاله إلى أحسن الأحوال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب"؛ فبالتوبة والاستغفار ينشرح الصدر ويرتاح البال وتنزل السكينة على النفس ويطمئن القلب، ويصبح العقل والجسم سليمان، ويدفع الله عنه الفتن والمحن، ويرزقه الرزق الحلال الطيب في كل شؤون حياته.

فلا تيأس مهما بلغت أوزارك ولا تقنط مهما بلغت خطاياك، فما جعل الله التوبة إلا للخطاة وما أرسل الأنبياء إلا للضالين وما جعل المغفرة إلا للمذنبين وما سمى نفسه الغفار التواب العفو الكريم إلا من أجل أنك تخطئ ليغفر لك. يقول أبو نواس:

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة // فلقد علمت بأن عفوك أعظم

إن كان لا يرجوك إلا محسن // فمن الذي يدعو ويرجو المجرم

وشهر رمضان على الأبواب وهي فرصة ثمينة أن يبادر المسلم إلى التوبة لله عز وجل وإصلاح العلاقة مع ربه، واستثمار أيام وليالي الشهر في الأعمال الصالحة والعبادات الخاصة لله تعالى وكثرة الاستغفار مع التوبة ليعم الخير حياته، كما رغب سيدنا نوح عليه السلام قومه بالاستغفار حتى تتنزل عليهم الخيرات، قال تعالى "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا * يرسل السماء عليكم مدرارًا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا" (نوح: 10- 12).

فما أجمل أن يسارع المسلم إلى التوبة ويحافظ عليها، فالله سبحانه يفرح بتوبة عبده إليه، لأن التائب من ذنوبه يكون قريبًا من الله، يتمتع بقلب نقي لا يعكره ذنب، ويبتغي ما عند الله من الثواب، فتوبوا إلى الله قبل الموت والرحيل، وابتعدوا عن كل المعاصي والذنوب والأخطاء، وافتحوا لحياتكم صفحة جديدة من بداية شهر رمضان المبارك، تكون كلها أعمال صالحة تقربكم إلى الله وتكون العلاقة قوية مع ربكم والوالدين والأولاد والإخوة والأقارب والجيران والأصدقاء، وتسامحوا ونظفوا وطهروا قلوبكم من كل الأحقاد والضغائن والبغضاء، واقبلوا على الله بقلوب نقية ونفوس صافية لتنالوا محبته ورضوانه. 

وعليكم بدعاء سيد الاستغفار "اللهم أنت ربي، لا إله إلا الله، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت". وعلينا جمعًا المبادرة بالتوبة إلى الله، قال تعالى "وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون" (النور: 31). وعلينا المداومة على الاستغفار لأنه العلاج الناجح من الذنوب والخطايا، والله يرضى عن التائب المستغفر الصادق لأنه يعترف بذنبه ويستقبل ربه تائبًا إليه راجيًا سعة حلمه وكريم عفوه وعظيم جوده ورحمته التي وسعت كل شيء، اللهم بلغنا رمضان بقلوب صالحة تقية نقية مخلصة محبة تائبة لك، ساعية لرضاك، طالبة جنتك، راغبة طاعتك، عازفة عن المعاصي، اللهم اجعلنا من التوّابين المتطهرين وأدخلنا في رحمتك يا رب العالمين.

** محامٍ ومستشار قانوني

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

صلاة تجعل الملائكة تسأل عنك في رمضان.. يغفلها الكثيرون

قيام الليل كنز عظيم ومعجزة حقيقية لمن يداوم عليها، ولا شكّ أنّها من أعظمِ الطّاعات عند الله - سبحانه وتعالى-، وهي كنزٌ عظيمٌ لمن أدركها؛ فتتحصَّلُ فيها الطُّمأنينة والرِّضا، ويحصل العبد من صلاة قيام الليل على الأجر الوفير والخير الكثير حيث تشهدها الملائكة وتكتبها السَّفرة الكِرام البررة، فلْيحرص كل مؤمن على هذه العبادة الجميلة، كلٌّ حسب طاقته.

قيام الليل

بنسبة 90 % هو أهم أدوات السعي لأي شيء أنت تريده، فكرة الخلوة بالليل بنفسك والناس نائمة من حولك وأنت قائم تصلي وتدعي وتبكي كفيلة إنها تصلح أي أمر دمر عندك (نفسياً ومعنوياً ومادياً)، قال أحد السلف: (أتعجبّ ممّن له عند الله حاجة كيف ينام وقت السحر)، يكفيك ربع ساعة أو ثلث ساعة فقط من الليل تركع لله فيهم، فسهام الليل لا تُخطئ الهدف أبداً حتى وإن لم تصبه إصابة كاملة.

أعظم ما قيل في قيام الليل

- ألا يَكفيك أَن اللَّٰه إصطفاك من بين أَهل بيتك و بلدتك لِتُناجيه و يُطلِق لسانك بالدُعاء لِيَستجيب لَك
- ‏أما يَكفيك أنه حِين تَغيب ليلة عن قِيام الليل فَتنظُر الملائكة علىٰ بيتك فتَراهُ مُظلم و قد اعتادت أن تَراهُ مُنيراً كل يوم
- فَتسأل عليك ما أصَابَك فَتَخَلفتَ الليلة عن قيام الليل
- ‏فإن كُنت مريضاً دَعوا لَكَ بالشِفاء و إنْ كُنت مَهمومَاً حَزيناً دَعت لَك بأن يُفرَّج هَمك
‏ - أما يَكفيك أنهُ ستكون لَكَ صُحبةٌ فـِ السماء فإن غِبت عنهم سَألوا الله عليك.. فلا تنس قيام الليل .

دعاء الصائم قبل الإفطار كما ورد في السنة النبوية.. ردّده وقت أذان المغربدعاء النبي بصلاة الفجر في رمضان.. ردده طوال الشهر يجبر الله بخاطركأسرار قيام الليل

وقد علم العارفون أنَّ قيامَ الليل مدرسةُ المخلصين، ومضمارُ السابقين، وأنّ الله تعالى إنما يوزّع عطاياه، ويقسم خزائن فضله في جوف الليل، فيصيب بها من تعرض لها بالقيام، ويحرم منها الغافلون والنَّيام، وما بلغ عبدٌ الدرجات الرفيعة، ولا نوَّر الله قلبًا بحكمة، إلاّ بحظ من قيام الليل.

والسرُّ في ذلك أن العبد يمنع نفسه ملذّات الدنيا، وراحة البدن، ليتعبّد لله تعالى، فيعوضه الله تعالى خيرًا مما فقد، وذلك يشمل نعمة الدّين، وكذلك نعمة الدنيا، ولهذا قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وأربعة تجلب الرزق: قيام الليل، وكثرة الاستغفار بالأسحار، وتعاهد الصدقة، والذكر أول النهار وآخره."

ولا ريب أنَّ الصلاة نفسها فيها من حفظ صحة البدن، وإذابة أخلاطه، وفضلاته، ما هو من أنفع شيء له، سوى ما فيها من حفظ صحة الإيمان، وسعادة الدنيا والآخرة، وكذلك قيام الليل من أنفع أسباب حفظ الصحة، ومن أمنع الأمور لكثير من الأمراض المزمنة، ومن أنشط شيء للبدن، والروح، والقلب".

ولهذا لا تجد أصح أجسادًا من قوَّام الليل، ولا أسعد نفوسًا، ولا أنور وجوهًا، ولا أعظم بركة في أقوالهم، وأعمالهم، وأعمارهم، وآثارهم على الناس، وقوَّام الليل أخلص الناس في أعمالهم لله تعالى، وأبعدهم عن الرياء، والتسميع، والعجب، وهم أشدّ الناس ورعًا، وأعظمهم حفظًا لألسنتهم، وأكثرهم رعاية لحقوق الله تعالى، والعباد، وأحرصهم على العمل الصالح.

ولا بد من تذكرة أخيرة، وهي أنه "صلى الله عليه وسلم" لم يترك هذه السُّنَّة قطُّ في حياته، لا في مرض، ولا في كسل، ولا في غيره، وهي سُنَّة قيام الليل، حيث روى أبوداود - وقال الألباني - صحيح: عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ، يَقُولُ: قَالَتْ عائشة رضي الله عنها: "لاَ تَدَعْ قِيَامَ اللَّيْلِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لاَ يَدَعُهُ، وَكَانَ إِذَا مَرِضَ، أَوْ كَسِلَ، صَلَّى قَاعِدًا".

وكان ينصح أصحابه بالحفاظ عليه، وعدم التذبذب في أدائه، حيث روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرِو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ لِيّ رَسُولُ اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم": «يَا عَبْدَ اللَّهِ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلاَنٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ، فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ».

وتتحقَّق هذه السُّنَّة بصلاة ركعتين أو أربع، أو أكثر، في أي وقت من بعد صلاة العشاء، وإلى قبل صلاة الفجر، وقد أراد رسول الله "صلى الله عليه وسلم" لجميع المسلمين أن يؤدوا هذه السُّنَّة، فجعل الأمر سهلًا على الجميع، فلم يشترط طول القيام، إنما نصح أن نصلي قدر الاستطاع، حيث روى أبو داود - وقال الألباني - صحيح، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم": «مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ القَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ المُقَنْطِرِينَ».

مقالات مشابهة

  • المحافظة على روحانية الشهر الفضيل
  • دور الخطاب في تبليغ الرسالات السماوية وأثره في التأثير والإقناع
  • وكيل الأزهر: الصيام تدريب للنفس للوقوف على حدود الله تعالى
  • الوقف.. «الصدقة الجارية»
  • من مقامات نبي الله إبراهيم عليه السلام، وهو يسعى لهداية قومه.. الموقف الحاسم
  • صلاة تجعل الملائكة تسأل عنك في رمضان.. يغفلها الكثيرون
  • من مقامات نبي الله إبراهيم عليه السلام، وهو يسعى لهداية قومه.. التنوع في أساليب الإقناع
  • حكم من يفطر متعمدا في نهار رمضان؟.. أمين الفتوى يجيب
  • أسامة الجندي: مفهوم التوبة في الإسلام يرتكز على التوازن بين صفات الجمال والجلال لله
  • رزق تطلبه ورزق يطلبك