جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-12@20:33:34 GMT

سلطنة عُمان.. القوة الناعمة

تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT

سلطنة عُمان.. القوة الناعمة

 

د. محمد العاصمي

ظهر مصطلح القوة الناعمة لأول مرّة في كتاب عالم السياسة وعميد كلية كينيدي الحكومية بجامعة هارفرد سابقًا جوزيف ناي في العام 1990م، هذا الكتاب بعنوان الطبيعة المُتغيرة للسياسة الأمريكية حيث عرّفها بأنها "قوة الجاذبية والتي تعني بأن تكون جذابًا بالنسبة للآخرين، لا أن تضعهم في صفك وبجانبك بواسطة الإكراه واستخدام السلاح، أو بدفع الأموال".

لم يعر العالم السياسي هذا المصطلح الكثير من الاهتمام، بل على العكس فقد نشبت حروب متعددة منذ ذلك الوقت وقامت صراعات دولية تعد من أكبر الصراعات على مر التاريخ الحديث، وكل ذلك من أجل استعراض القوة العسكرية والسياسية وأخذ الريادة في سبيل السيطرة على القرار السياسي والتحكم في مصير العالم وبالتالي الوصول للهدف الأسمى هو خيرات وموارد الدول، وهذا هو الشكل الجديد للإمبريالية في هذا العصر.

لقد أدرك المغفور له السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- أن القوة لا تكمن فقط في امتلاك جيش قوي مجهّز بأحدث الأسلحة والعتاد وإنما هناك تأثير يمكن خلقه من خلال فلسفة مختلفة تنطلق من مبادئ ثابتة، لذلك قامت السياسة العمانية على مبدأ التسامح وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، ومد يد الصداقة لجميع دول العالم، وانتهاج السلام كخيار أساسي للتعايش بين دول العالم واتباع الطرق السلمية في حل النزاعات الدولية.

هذه المبادئ والثوابت والقيم والثبات عليها جعل من سلطنة عُمان ذات مكانة مرموقة بين دول العالم وجعلت منها وسيطًا مثاليًا في عمليات السلام التي تقدم عليها الدول المتنازعة، ولعبت سلطنة عمان هذا الدور بكل اقتدار وكفاءة ومثلت ثقلًا سياسيًا في المنطقة جعلتها تكسب احترام العالم اجمع دون استثناء، وقد ساهمت سلطنة عُمان فى نزع فتيل عديد الأزمات وربما أهمها ملف الصراع الأمريكي الإيراني والملف النووي، وجنبت المنطقة حروبًا كادت أن تعصف بها.

وعلى نفس النهج سار حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أعزه الله- الذي قام بخطوات كبيرة في هذا الملف ولذلك نشاهد حاليًا انعكاس هذه السياسة على النمو الاقتصادي الذي تشهده البلاد وقيام العديد من الدول عبر شركات باستثمارات كبيرة في سلطنة عمان.

إن القوة الناعمة التي اكتسبتها سلطنة عمان وامنت بها منذ البداية أخذت زمنًا طويلًا لتظهر نتائجها، ومن أجل الوصول إلى هذه اللحظة تحمل العماني الكثير من الهجوم والاتهامات بالانعزال عن العالم والانطواء والانكفاء على الذات، واعتبر الكثيرين سلطنة عمان بأنها تعيش على الهامش السياسي، غير مدركين الفلسفة والمبادئ والقيم التي أراد سلاطين هذا الوطن إكسابها لكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة، ولذلك قلما تجد عماني يتدخل في شؤون الدول الأخرى ولم يسجل التاريخ خروج إرهابي واحد من هذا البلد لينضم للتنظيمات الإرهابية التي انتشرت في المنطقة.

لم تتشكل القوة الناعمة العمانية من المجال السياسي فقط؛ بل إنها تعددت في أشكالها وساهمت عدة مجالات في تشكيلها كالثقاقة والرياضة والاقتصاد، وفرض العماني حضوره من خلال القدرة على تحقيق مكاسب متعددة في جميع المحافل التي ينشط فيها، وقد تجلت هذه القوة في موقف سلطنة عمان من القضية الفلسطينية وما قدمته من مساهمات واضحة في هذا الملف.

ومن خلال معايشتي لكثير من الفعاليات التي مثلت فيها سلطنة عمان خارجيًا وجدت أن هذا التأثير حاضرًا وبقوة، فالعماني يحظى بالثقة والقبول في مختلف المنظمات والهيئات والمؤسسات الدولية والإقليمية، وتواجده فيها يكوّن بإجماع المنتمين إليها دون تردد أو معارضة؛ بل يكاد يكون إجماعا تاما على أهمية وجود سلطنة عمان في مقاعد هذه المنظمات.

لقد وجدنا أريحية وسهولة كبيرة في الوصول إلى مقاعد العديد من المنظمات بفضل مكاسب السياسة العمانية ونهجها القويم والتي شكلت قوتها الناعمة، وهذا الفضل يعود بعد الله تعالى لحكمة قادة هذا الوطن الذين آمنوا بأن رسالة الإسلام تنطلق من السلام والتعايش والتسامح، وأن السلام خيار الأقوياء، وأن ما يمكن الحصول عليه بالحكمة أكبر من مكاسب القوة التي تزول بزوال هذه القوة.

نحن اليوم ووسط ما يدور من أحداث وصراعات وتجاذبات سياسية علينا أن نحافظ على عوامل قوتنا الناعمة وأن نعززها؛ وذلك لكي نستمر في قيادة المنطقة نحو مستقبل خالي من الصراعات السياسية والنزاعات الدولية ينعم فيه الإنسان بالأمن والأمان والاستقرار.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

سلطنة عمان تحقق الاستدامة البيئية في قطاع النفط والغاز

- مشروع الأراضي الرطبة تستخدم المياه المصاحبة لإنتاج النفط في زراعة أشجار القصب وزيادة الرقعة الخضراء

- مشروع مرآة يستخدم الطاقة الشمسية في إنتاج بخار الماء واستخدامه في تعزيز إنتاج النفط

برزت سلطنة عمان كواحدة من الدول الرائدة في تبني ممارسات الاستدامة البيئية في قطاع النفط والغاز من خلال استخدام أحدث التقنيات والتكنولوجيا المتقدمة، وتسعى سلطنة عمان إلى تقليل الانبعاثات الكربونية لضمان عدم التلوث البيئي من خلال الاستفادة من الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى التركيز على جهود البحث والتطوير في هذا المجال.

وقال الدكتور صالح بن علي العنبوري مدير عام المديرية العامة للاستكشاف والإنتاج بوزارة الطاقة والمعادن لـ"عمان": إن قطاع النفط والغاز في سلطنة عمان من القطاعات السباقة في تبني المبادرات والمشروعات التي تساهم في الحفاظ على البيئة العمانية. لذلك تقدم سلطنة عمان نموذجا مثاليا في إمكانية تحقيق الالتزام بمتطلبات حماية البيئة والتحول إلى طاقة منخفضة الكربون مع المحافظة على إمداد العالم بمنتجات بترولية نظيفة.

وتم وضع العديد من المبادرات منها مراقبة جودة الهواء في مناطق الامتياز البترولية وذلك بوضع محطات لمراقبة جودة الهواء وربط هذه المحطات بمنصة "نقي" التابعة لهيئة البيئة. وهناك أيضا مبادرات الحد من الانبعاثات من خلال تحسين كفاءة الطاقة والحد من استخدام الوقود في عمليات الحقول والاستعانة بالربط بالشبكة الكهربائية واستخدام وسائل الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح لإنتاج الكهرباء، والحد من حرق الغاز في الحقول ومحطات المعالجة.

ثم تأتي مبادرات إعادة استخدام الانبعاثات وذلك من خلال استخدام تقنيات مبتكرة لالتقاطها وإعادة استخدامها في توليد الطاقة، بالإضافة إلى مبادرات التخلص من الانبعاثات من خلال التقاط الكربون وتخزينه ليتم استخدامه في عمليات الاستخلاص المعزز للنفط. كما أن زراعة النباتات في حقول النفط والمحطات تساعد أيضا في زيادة معدلات التمثيل الضوئي والتخلص من الانبعاثات الكربونية.

وأضاف الدكتور صالح العنبوري: إن من المبادرات التي حصلت على جوائز بيئية مشروع إعادة تدوير المياه الناتجة من عمليات النفط والغاز بحقل نمر التابع لشركة تنمية نفط عمان، حيث يوفر هذا المشروع بيئة صديقة للحياة البرية لأكثر من 100 نوع من الطيور. يساعد هذا المشروع في تقليل التصحر وتعزيز التنوع البيولوجي في المناطق الصحراوية كما أنه يوفر الطاقة ويقلل من الانبعاثات.

تقليل الانبعاثات الكربونية

وحول دور تكنولوجيا الاستخلاص المعزز في تقليل الانبعاثات الكربونية، أشار العنبوري إلى أن تكنولوجيا الاستخلاص المعزز للنفط تعد من التقنيات المتقدمة التي تسهم في زيادة معدلات الاستخلاص من الحقول البترولية، وتلعب هذه التقنية دورا مهما ليس فقط في زيادة معدلات استخلاص الحقول، وإنما أيضا في تقليل الانبعاثات الكربونية، وذلك من خلال مجموعة من المشروعات المتكاملة التي تدمج بين زيادة الإنتاج والحفاظ على البيئة، كتقنية التقاط غاز ثاني أكسيد الكربون وحقنه في مكامن النفط التي بلغت إنتاجيتها مرحلة النضج وبدأت في الانخفاض، ليقوم ثاني أكسيد الكربون بتحفيز المكمن مجددا واستخراج كميات أخرى من النفط العالق في الصخور وبالتالي فإن هذه العملية تتم في حلقة مغلقة لا يوجد بها ضرر من الانبعاثات ومن جهة أخرى تزيد من الإنتاج. كذلك تعتبر عمليات إعادة تدوير المياه المصاحبة لتوليد البخار باستخدام وسائل الطاقة المتجددة ثم حقن هذا البخار في مكامن النفط الثقيلة إحدى وسائل الاستخلاص المعزز للنفط التي تقلل الانبعاثات الكربونية.

وأضاف الدكتور صالح العنبوري: قضت التوجيهات السامية لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- باعتماد عام 2050 عاما للوصول إلى الحياد الصفري لسلطنة عمان، وبحكم انضمام البلاد إلى العديد من المبادرات والمعاهدات الدولية فإنه من الضرورة وبالأخص في قطاع النفط والغاز الإيفاء بالالتزامات على تلك المعاهدات، وعليه قامت وزارة الطاقة والمعادن بالعمل مع جميع الشركات المشغلة بتوجيه مشروعاتها إلى الحفاظ على البيئة وتقليل الانبعاثات ومنها مبادرة البنك الدولي للوصول لصفر حرق روتيني عام 2030م، ومبادرة التعهد العالمي لغاز الميثان والتي تهدف لخفض انبعاثات غاز الميثان من قطاع النفط والغاز بنسبة 30% من خط أساس عام 2020م وذلك بحلول عام 2030م.

مضيفا: تحرص وزارة الطاقة والمعادن على تعزيز التكامل بين المجتمع المحلي وحماية البيئة من خلال التوعية ودعم المبادرات المحلية والمسؤولية الاجتماعية حيث تقدم الشركات المشغلة حلقات عمل للمجتمع المحلي والمدارس المحلية لزيادة وعيهم بأهمية الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتطوير مهارات الشباب في المجالات البيئية. كما تقدم هذه الشركات الدعم اللازم للمشروعات التنموية والمبادرات البيئية. ومن ضمن تلك المبادرات على سبيل المثال وليس الحصر قامت شركة شل بمشروع " الطاقة الشمسية في المدارس" والتي ضمت 22 مدرسة في مختلف محافظات سلطنة عمان، كما وفرت شركة تنمية نفط عمان التدريب والتأهيل للأفراد المشاركين في الأنشطة البيئية المستدامة كإعادة تدوير النفايات والزراعة المستدامة. وأطلقت شركة أوكسي عمان مشروع أوتاد للطباعة ثلاثية الأبعاد لتعزيز الابتكار التعليمي والبيئي الذي شجع المشاركين على التفكير في تصاميم صديقة للبيئة الذي يقلل من استهلاك الموارد التقليدية.

ضمان عدم تلوث البيئة

وأوضح الدكتور صالح العنبوري أن الشركات المشغلة تسعى في الحقول النفطية إلى إيجاد طرق مبتكرة لضمان حماية البيئة منها معالجة المياه المصاحبة لعمليات النفط والغاز ثم التخلص منها بطرق آمنة على أعماق عميقة في باطن الأرض بعيدة عن مصادر المياه الجوفية، كما أن إعادة حقن المياه المعالجة تعتبر أحد أهم الوسائل المستخدمة في المحافظة على ضغط المكمن النفطي. وفي حقل نمر تعالج المياه المصاحبة باستخدام أنظمة طبيعية تعتمد على النباتات حيث تقوم بامتصاص الملوثات وتحسين جودة المياه بشكل مستدام وصديق للبيئة مما يسهم في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ومن طرق المعالجة المتبعة لدى بعض الحقول النفطية هي الفلترة لإزالة الشوائب الصلبة من المياه والتناضح العكسي reverse osmosis لإزالة الشوائب الصلبة والأملاح وتحويلها إلى مياه نظيفة قابلة لإعادة الاستخدام.

وتسهم المبادرات والتقنيات التي تعتمدها الشركات المشغلة في قطاع النفط والغاز باستخدام الطاقة المتجددة إلى تعزيز الاستدامة البيئية وخفض الانبعاثات الكربونية من خلال الاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ومشروعات الهيدروجين الأخضر. حيث تستخدم الطاقة الشمسية لتشغيل المعدات والتقليل من استخدام الشبكات الكهربائية أو مولدات الديزل. كما تسهم الطاقة الشمسية في عمليات الاستخلاص المعزز للنفط وذلك عن طريق إنتاج بخار الماء وضخه في باطن الأرض لتعزيز الإنتاج النفطي.

مشروعات ناجحة

وقال مدير عام المديرية العامة للاستكشاف والإنتاج: إن هناك الكثير من المشروعات التي قامت بها وزارة الطاقة والمعادن مع شركائها من شركات النفط والغاز والتي أسهمت في الحفاظ على البيئة وتقليل التلوث وخفض الانبعاثات الكربونية، ومن هذه المشروعات الناجحة مشروع شركة دليل للنفط في استغلال الغاز المصاحب بدلا من حرقه، وأيضا مشروع الأراضي الرطبة الموجودة في منطقة نمر من أكبر الأراضي الرطبة الصناعية في العالم والتي تستخدم المياه المصاحبة لإنتاج النفط في زراعة أشجار القصب وزيادة الرقعة الخضراء في سلطنة عمان.

كما أن مشروع مرآة هو أحد مشروعات استغلال الطاقة المتجددة في سلطنة عمان حيث يستخدم المشروع الطاقة الشمسية في إنتاج بخار الماء واستخدامه في تعزيز إنتاج النفط. كما قامت شركة سي سي إنرجي ديفالومبنت بتشغيل مشروع تحويل الغاز إلى طاقة مما حدّ من كمية الغازات المحروقة. كما قامت بعض الشركات باستغلال مخلفات الطعام لإنتاج الأسمدة، وغيرها من المشروعات التي تسهم في تحقيق التنمية المستدامة.

مقالات مشابهة

  • اكتشاف ضخم يفوق التوقعات في عمان
  • خط الزمن العماني الذي يحكي المنجزات
  • سلطنة عمان والبحرين تؤكدان ضرورة العمل لتعزيز التعاون العربي والإسلامي المشترك
  • سلطنة عمان تنجح بإطلاق أول قمر صناعي.. هذه مهماته
  • للاستشعار عن بعد ومراقبة الأرض.. سلطنة عمان تطلق أول قمر اصطناعي
  • سلطنة عمان تُطلق أول قمر صناعي (OL-1) لتعزيز تقنيات الاستشعار عن بعد ومراقبة الأرض
  • النعماني يستقبل سفيري السودان وفرنسا
  • بنك ظفار يفتتح 3 أفرع جديدة في السيب وبوشر
  • مهرجان عمان للعلوم يختتم فعاليات نسخته الرابعة.. غداً
  • سلطنة عمان تحقق الاستدامة البيئية في قطاع النفط والغاز