في خطابه الأخير، أشار زعيم جماعة الحوثي المدعومة من إيران إلى تجنيد الآلاف من المقاتلين خلال الأشهر الماضية، وهو ما يثير الشكوك من نوايا الجماعة باستئناف الحرب في الجبهات الداخلية مع تعطل مسار السلام جراء الأحداث بالبحر الأحمر.

وعقب هجمات الـ7 من أكتوبر الماضي التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية وما أعقبها من هجوم للجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، سارعت جماعة الحوثي إلى الإعلان عن فتح دورات تدريب عسكرية في مناطق سيطرتها تحت مسمى دورات "طوفان الأقصى".

وقال زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي في خطابه الخميس، بأن هذه الدورات شارك فيها أكثر من 282 ألف متدرب خلال فترة الحرب على غزة تضمنت هذه الدورات أكثر من ألف مناورة ومسير عسكري للمشاركين فيها، مؤكداً على استمرارية هذه الدورات وقال بأن مخرجاتها كثيرة.

زعيم الجماعة الحوثية تفاخر في خطابه بما قال بأنها "نتائج مهمة ومذهلة في تطوير القدرات العسكرية" لمليشياته، مضيفاً بأن القُدرات الصاروخية كانت عند بداية الحرب في اليمن عام 2015م لا يتجاوز مداها 45 كلم وأنها وصلت حالياً إلى مستوى فوق الـ1000 كلم، حد زعمه.

تكثيف المليشيات الحوثية لتحركاتها العسكرية من خلال عمليات التجنيد والتحشيد وإجراء المناورات، يثير المخاوف من وجود نوايا لديها بتدشين جولة جديدة من الحرب في اليمن، في ظل جمود مسار السلام جراء تصعيدها المستمر في البحر الأحمر وخليج عدن.

فمحاولات المليشيات الحوثية لتغطية تحركها العسكري تحت لافتة دعم المقاومة الفلسطينية بوجه إسرائيل، ومواجهة ما تسميه بـ"العدوان" الأمريكي البريطاني، لا تبدو منطقية في ظل عدم وجود أي إمكانية لمواجهة برية بين المليشيات وهذه الأطراف الخارجية.

وما يعزز من صحة توقع لجوء الجماعة الحوثية إلى تفجير الحرب في اليمن من جديد، هي حجم الأزمة الداخلية التي تعاني منها الجماعة منذ توقف الحرب بموجب اتفاق الهدنة قبل نحو عامين، وعلى رأسها بوادر التحرك الشعبي الذي واجهته العام الماضي للمطالبة بالرواتب ومعرفة مصير الإيرادات بعد توقف الحرب.

هذا التحرك الشعبي مثل تحدياً خطيراً للجماعة الحوثية، لتأتي أحداث الـ7 من أكتوبر الماضي، كطوق نجاة لها، بالهروب نحو رفع لافتة القضية الفلسطينية وفتح صراع مع العالم عبر الهجمات على السفن التجارية بالبحر الأحمر وخليج عدن.

وفي هذا السياق، كان لافتاً توجه الجماعة الحوثية وإصرارها على تنظيم المسيرات والحشود بشكل أسبوعي في المدن والمديريات الخاضعة لسيطرتها تحت لافتة غزة، لضمان إخماد ومنع أي تحرك شعبي مناوئ لها يطالب بملف المرتبات والخدمات.

كما أن توقف الحرب بالهدنة الأممية وبوادر التحرك الشعبي مثل في حد ذاته تهديداً حقيقاً لجماعة الحوثي، حيث يوفر بيئة مناسبة لظهور الصراعات الخفية داخل أجنحة الجماعة وبين قياداتها على النفوذ والجبايات والإيرادات، والذي ظهر مؤخراً على الرغم من استماتة الجماعة في استغلال الحرب على غزة والأزمة بالبحر الأحمر.

أحدث مظاهر هذه الصراعات الخفية، هي قضايا الفساد التي تم الكشف عنها من قبل قيادات بالجماعة ضد قيادات أخرى، كما حصل مع الاتهامات التي ساقها القيادي البارز بالجماعة الشيخ سلطان السامعي ضد وزير التجارة بحكومة الجماعة محمد شرف المطهر في جلسة برلمانية مؤخراً، واستدعت قيام ناشطين ووسائل إعلام تابعة لقيادات حوثية بارزة بشن حملة إعلامية شرسة ضد السامعي.

وخلال اليومين الماضيين، تفجرت قضية لافتة أثارها الناشط الإعلامي الحوثي حسين الأمحلي ضد القيادي بالجماعة عبدالسلام جحاف، واتهمه بالنصب وأخذ مبالغ مالية تصل إلى ملايين الريالات مقابل الإفراج عن معتقلين لدى سلطة الجماعة.

اتهامات متبادلة بقضايا فساد ونصب تعكس حجم الصراع الخفي الدائر داخل الجماعة الحوثية بين أجنحتها وقياداتها حول النفوذ والأموال، قد يدفع بالجماعة إلى التفكير في العودة إلى خيار الحرب للحفاظ على تماسكها، في ظل المؤشرات بقرب انتهاء الحرب في غزة والتي سينتهي معها مبرر التصعيد الذي تشنه الجماعة ضد الملاحة الدولية.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: الجماعة الحوثیة الحرب فی

إقرأ أيضاً:

تحليل: تحركات الزُّبيدي في محاربة الكهنوت وأبعاد مرونته الوحدوية

رغم مبدئه الواضح نحو استعادة الدولة الجنوبية السابقة للوحدة السياسية مع الشمال عام 1990، إلا أن هناك الكثير من أقواله وأفعاله تدل على أنه قائد سياسي يتمتع برؤية وطنية واسعة الأفق تجاه الوحدة الاجتماعية ووحدة المصير للشعب اليمني في الجنوب والشمال معاً. 

يتحرك عضو مجلس القيادة الرئاسي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي، في إطار المشروع السياسي الذي أنشئ لأجله المجلس الانتقالي كحامل سياسي وعسكري لمطلب قطاع واسع من الشعب في الجنوب بالانفصال السياسي عن الشمال، لكنه في بعض المناسبات يبدي مرونة كبيرة في التعاطي مع فكرة بقاء اليمن موحدا تحت راية الجمهورية اليمنية بشرط معالجة القضية الجنوبية بعدل وإنصاف. تتيح له هذه المرونة رؤية الموقف الحقيقي لقوى الشمال، حيث ما زالت بعض قوى حرب 94 تتعامل مع الجنوب كفرع تابع للأصل، وليس كنصف آخر للوطن اليمني الكبير وشريك أساسي سواء في الوحدة السياسية أو الاجتماعية.

>> لمتابعة قناة "نيوزيمن" على الواتساب إضغط هنا

ومن ناحية أخرى، يرى مراقبون أن السبب الرئيس وراء تعبير الزبيدي عن المرونة الوحدوية في بعض المناسبات، يكمن في التطور الإيجابي لمواقف بعض القوى الشمالية التي أدركت فداحة الأخطاء السياسية التي مارسها نظام صنعاء بحق الجنوب، واقتنعت بأن نموذج وحدة العام 1990 المتبوعة بحرب في 1994 وأخرى في 2015، لا يمكن أن تعمّر طويلا. وأمام المستجدات التي أسفر عنها انقلاب المليشيا الحوثية على السلطة الشرعية والحرب التي شنتها على كل محافظة يمنية، قد تكون القوى الشمالية المعتدلة شريكة موثوقة في وحدة سياسية مستقبلية معدّلة أو حتى مختلفة كلياً عن وحدة الضم والإلحاق.

شواهد للمرونة الوحدوية

بدأت بوادر هذه المرونة بعد تشكيل حكومة المناصفة التي نص عليها اتفاق الرياض 2019، لكنها لم تظهر في تصريحات الزبيدي إلا بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022. ما أخرجها إلى العلن هي المرونة المقابلة التي أبداها رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، والتقارب السياسي بين المجلس الانتقالي الجنوبي برئاسة عيدروس الزبيدي، والمقاومة الوطنية بقيادة طارق صالح، وقوات العمالقة بقيادة عبد الرحمن المحرمي، وهو تقارب لعبت الإمارات العربية المتحدة، وما زالت، دوراً كبيراً في نشوئه واستمراره إلى الآن. وبعد أكثر من عام على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، وجد رئيس وأعضاء المجلس أنفسهم أمام عدو مشترك يتمثل في مليشيا الحوثي ومشروعها السياسي الذي يأخذ مسارين: الأول ينبع من المعتقدات الطائفية للنظام الإمامي البائد بأحقية السلالة الهاشمية دون غيرها في حكم اليمن، والثاني مشروع إيراني لا يقتصر خطره على سيادة واستقرار اليمن فقط، بل يهدد استقرار الدول العربية ومصالح الدول الحليفة لها.

يبدو عيدروس الزبيدي أكثر أعضاء مجلس القيادة الرئاسي نشاطاً، ومنذ استوعبت القوى الشمالية الحجم الحقيقي للقضية الجنوبية وتعاملت مع الجغرافيا الجنوبية كحاضنة آمنة للدولة الموحدة، ارتفع منسوب التوافق داخل المجلس الرئاسي، وصرح الزبيدي في أكثر من مناسبة أن القوى الجنوبية ستواصل وقوفها إلى جانب قوى الشمال في محاربة المليشيا الحوثية حتى القضاء على مشروعها الطائفي وأفكارها الكهنوتية. وكذلك فعل عضوا المجلس الرئاسي فرج البحسني وعبد الرحمن المحرمي، وهما عضوان لديهما ثقل سياسي وعسكري فاعل على أرض الواقع.


بالإضافة إلى ذلك، يحرص عيدروس الزبيدي على الالتقاء بمكونات سياسية واجتماعية من الشمال، مثل لقائه بمحافظ البيضاء المعيّن من الحكومة الشرعية عبد القوي شريف، ومؤخراً لقاؤه، السبت الماضي، بمجموعة من مشايخ ووجهاء محافظة صعدة المناوئين لمليشيا الحوثي، وغيرها من اللقاءات. وفي وقت سابق من يونيو الجاري، قال الزبيدي في إحدى الفعاليات إن ما يجمع الشعب في الجنوب والشمال أكثر مما يفرقه، لكن "إذا صدقت النوايا". وقد كان هذا التصريح أوضح تعبير عن المرونة الوحدوية من جانب الزبيدي، ورسالة إلى قوى الشمال المناوئة للمليشيا الحوثية لفتح عيونها على ما يجمع الشعب في الشمال والجنوب وعلى ما يفرّقه. 

محاربة الكهنوت الحوثي

بالإضافة إلى محاربة القوات الجنوبية التابعة للمجلس الانتقالي والقوات المشتركة لتنظيم القاعدة في المحافظات الجنوبية، تواجه الجغرافيا الجنوبية -حاضنة السلطة الشرعية- تهديد المليشيا الحوثية بتكرار اجتياح عدن والسيطرة بالقوة على بقية المحافظات المحررة. منذ سنوات تطالب القوى الجنوبية قوى الشمال بالاستنفار لمواجهة التمدد الحوثي جنوباً وشرقاً وتحرير محافظات الشمال من المليشيا التي تعمل على إحياء النظام الإمامي البائد، وما عدا المقاومة الوطنية برئاسة طارق صالح في الساحل الغربي وقوات الجيش الوطني المسنودة برجال القبائل في مأرب، تكاد أن تكون بقية خطوط المواجهة في المناطق الشمالية الأخرى فريسة سهلة لأي تمدد حوثي خارج قواعد الاشتباك.

تسعى مليشيا الحوثي إلى إحياء نظام الإمامة الذي قاومه اليمنيون -شمالاً وجنوباً- على مدى ألف سنة ماضية، وتستخدم المؤسسات التعليمية والخدمات الأساسية للمواطنين من أجل تنفيذ مشروعها الكهنوتي. في مواجهة هذا السعي الحوثي الدؤوب لغسل أدمغة المواطنين في مناطق سيطرتها، وخاصة الجيل الصاعد، استدعى الزبيدي أواخر مايو الماضي، وزير الشباب والرياضة رئيس اللجنة العليا للمراكز الصيفية نايف البكري، ووزير الشؤون الاجتماعية والعمل محمد الزعوري. في لقائه بالوزيرين، أكد الزبيدي على أهمية إقامة المخيمات الصيفية "لخلق جيل متسلح بالوعي"، وهو تأكيد نابع عن وعي الرجل بخطورة التعبئة الطائفية التي تمارسها مليشيا الحوثي من خلال المراكز الصيفية لطلاب المدارس في مناطق سيطرتها، وهي خطورة تكمن شدتها في المستقبل أكثر من الحاضر.

ويرى مراقبون ونشطاء محليون أنه بمقابل هذا التحرك من أعلى سلطة سياسية في البلاد لتفعيل دور المراكز الصيفية لطلاب المدارس، يتوجب على الوزارات والمؤسسات الحكومية المعنية تجهيز مناهج خاصة بالدورات الخاصة ببرنامج هذه المراكز، في ضوء الأوضاع الراهنة للأزمة وفي ضوء ما تلقنه المليشيا الحوثية لطلاب المدارس من أفكار طائفية خطيرة على مستقبل اليمن واستقراره.

وفي لقائه بمشايخ ووجهاء محافظة صعدة، طلب الزبيدي منهم بوضوح الاستعداد للمرحلة القادمة في مواجهة المليشيا الحوثية "سلماً أو حرباً"، وقد حمل هذا اللقاء دلالات لا ينبغي على قوى الشمال تفويتها، وأبرزها أن خلخلة التماسك الظاهر للمليشيا الحوثية تبدأ من تفكيك حاضنتها الشعبية في معقلها ودعم مناوئيها الأكثر تضرراً من مشروعها الطائفي القائم على تمجيد الحرب وتضليل الشعب وإذلال المعارضين من أجل التفرد بالحكم.

مقالات مشابهة

  • كيف ردت المليشيات على من تخلفوا عن حضور (يوم الخرافة) لتأكيد الأحقية المزعومة لعائلة عبد الملك الحوثي في حكم اليمنيين؟
  • هيومن رايتس تطالب بضغط دولي لوقف انتهاكات ذراع إيران
  • يوم الخرافة.. إجماع شعبي واسع لحماية الهُوية اليمنية من التزييف الحوثي
  • كساد المحاصيل الزراعية يفضح أكاذيب ذراع إيران حول خلية التجسس
  • خطة أميركية جديدة لردع «المسيَّرات» الحوثية في البحر الأحمر
  • إرهاب مشترك.. لماذا تسعى الميليشيا الحوثية للتعاون مع حركة الشباب الصومالية؟
  • تحليل: تحركات الزُّبيدي في محاربة الكهنوت وأبعاد مرونته الوحدوية
  • واشنطن تداعب المليشيات بتهديد جديد
  • اختطافات الحوثي تطال الفنانين والتهمة الحرب الناعمة
  • انفلات أمني يضاعف معدلات الجريمة في مناطق الحوثي