داود معلاّ.. شاعر القدس الذي لم تنصفه الثقافة
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
أعترف أنني لم أكن قد انتبهت إُلى اسم هذا الشاعر المُجيد أو قرأتُ شعره قبل وفاته. وأول قصيدة سمعتها له هي قصيدة "الشجر المأسور"، بصوت الفنان أيمن الحلاق في أحد إصداراته.
لفتتني هذه القصيدة، ففتشت عنها وعن صاحبها، وبدأتُ أقرأ شاعرَنا وإنتاجه. وهنا نستعيد السؤال الدائم، لماذا لم يأخذ شعراء فلسطين في الثمانينيات والتسعينات نصيبهم وحظهم من الشهرة والتقدّم، إلا إذا كانوا في بيروت ضمن عصبة الشعراء والكتّاب الذين رعتهم دائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية.
ورغم أن شهرته لم تفُق شهرة زملائه، ولم يمتهن الأدب، ولم يحترف الشعر، ولم يجُل في الصالونات الأدبية والعلاقات الثقافية، ولم يُدرّس اللغة العربية، ودرسها متأخراً (بعد الخمسين من عمره)، إلا أنه استحق أن يلقبه بعض النقاد "شاعر القُدس"، ومنهم الدكتور عمر الساريسي والدكتور حسن الأمراني، الذي استحسن شعره عن القدس وخصوصاً:
يا قدسُ ضُمِّيني إليكِ ففي يدي .. جُرحٌ قديمٌ لا يزالُ جديداً
يا قُدسُ ضُمٍّيني فإني خائفٌ .. ألاّ أكونَ على ثَراكِ شهيداً
وقال عنه الأمراني إن الذي يطالع ديوان "حديث الريح" سيقول إنه يستحق لقب "شاعر القدس" فكيف بمن قرأ ديوانه "الطريق إلى القدس" ورأى تفاؤله بحتمية العودة إلى القدس..
من هو شاعرنا؟
إنه الشاعر داود موسى المُعَلاّ، ولد عام ١٩٣٣ في قرية المالحة من ضواحي القدس، ونشأ فيها. وتلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة القرية، وبرزت موهبته من الصف السابع، حيث شارك بالعديد من المسابقات الشعرية، وكان الأبرز بين أقرانه في الحفظ والنظم، ومنذ ذلك الوقت أطلق عليه الطلاب لقب "شاعر".
وفي عام 1948، عام النكبة، اندلعت الأحداث بين القرى الفلسطينية والعصابات الصهيونية، ومن بينها قريته.. أدّت إلى تدمير القرية وتهجير أهلها إلى منطقة الخليل في الضفة الغربية، مما كان له الأثر الكبير في نفس الفتى داود (13 سنة)، حيث انصبّت معاني اللجوء والغربة والتشريد فجأة في وجدانه.. وأخرجها شعراً مليئاً بالحب والثورة.
لم يحترف الأدب، كما ذكرنا أعلاه، بل دخل معترك الحياة باكراً، وعمل مع والده في المقاولات والبناء في الضفة الغربية. وما لبث أن انتقل إلى عمّان في عام 1964، وعمل موظفاً في فندق الأردن. وبعد عشر سنوات أسس شركة مقاولات وعاد إلى العمل الحر.
ولما كان لجامعة بيروت العربية بعد النكسة دورٌ بارزٌ في تلقُّف طلاب الضفة الغربية وغزة، وتعليمهم بطريقة الانتساب، وخصوصاً للمواد الأدبية، انتسب شاعرنا للجامعة، وحاز شهادة الليسانس في اللغة العربية وآدابها عام 1989 في السادسة والخمسين من عمره.. وهي تجربة ثرية وزاخرة بالمواد، وليست مجرد انتساب وقراءة بعض الكتب (لكاتب هذه السطور تجربة مشابهة بالتخصص نفسه في عام 1994). فلم يمنعه العمل والعمر من تثقيف نفسه وتعليمها..
شارك الشاعر داود معلاّ في عدد من الأمسيات الشعرية في الأردن والخارج، آخرها مهرجان الجنادرية في الرياض 1997. واشترك بالمسابقة الشعرية لجائزة عبد العزيز سعود البابطين التي ينظمها مكتب البابطين في القاهرة، وفاز بجائزة «الإبداع الشعري» لعام 1996.
لم يثنِهِ عمله عن المطالعة، وخصوصاً دواوين الشعر التي يستعيرها أو يشتريها، وكان مواكباً للفعل الثقافي ومتابعاً له من خلال الحرص على متابعة المجلات الثقافية، مثل "الآداب" من لبنان و"الرسالة" من مصر و"العربي" من الكويت.
ولم يترك شاعرنا نظم الشعر، ونشر بعض قصائده في الصحف، وأذيع بعضها في التلفزيون الأردني.
وعندما بدأ العمل الحر تفرّغ قليلاً للشعر، وجمع أشعارَهُ وطبع أول ديوان له بعنوان "الطريق إلى القدس". ثم أصدر ديوانه الثاني "حديث الريح"، وانتسب إلى رابطة الأدب الإسلامي عام 1987.
عن شعره قال الناقد حسني جرار أنه "امتاز شعره بالفكرة الجيدة، والصورة الشعرية الموفقة.. وامتازت قصائده بحسن الديباجة وبراعة الاستهلال الذي يأخذ بِلُبِّ السامع أو القارئ من بداية القصيدة..".
شعره
ـ الطريق إلى القدس، شعر، عمان، 1984.
ـ حديث الريح، شعر، عمان، 1992.
ـ جرح مسافر فوق الريح، عمان، طبع بعد وفاته.
توفي الشاعر داود مُعَلاّ في ٤ حزيران (يونيو) ١٩٩٩ في الأردن.
نماذج من شعره
فتاة من فلسطين
ما بالُ هندٍ خلا من حُليِها الجيدُ .. هل فارقت حيَّها الصيدُ الصناديدُ
ما بالُها وشحوبٌ في ملامحِها .. أفراحُها الصمتُ والدمعُ الأغاريدُ
سألتُها وأنا مِنها على قدر .. ما الخطب؟ قالت: أخطبٌ ذاك أم عيد؟
يا سائلي ودموع العين جارية .. حَرّى أكفكفُها، والجسمُ مكدودُ
في العيدِ كيف أداري الدمعَ وا لَهَفي .. وكيف نسعى إلى زيناتها الغيدُ
الشجـــــر المأســــــور
عيناكِ مَالي أناديها فتعتذرُ .. تومي إليَّ حياءً ثم تَسْتَتِرُ
حيرانة أم بقايا الصمت تمنعها .. من أن تبوح وفي أجفانها السّهَرُ
أشكو إليها فتُغضي وهي صارخة .. في صمتها، وشموع الليل تُحتضر
قد هِمْتُ فيها فلاقيتُ الهوى عجلاً .. نشوان يُحذف من همسي ويُختصر
قولي لِهُدبك أن يرقى، فما لبثت .. عيناي تسألُ في سري وتنتظرُ
عيناكِ يا قدسُ، شيءٌ ثمَّ يجذبني .. فيها فتغرقني أهدابُها السمرُ
أماه هل غضبت عيناك من غزلي؟ .. هل تغفرين اذا ماجئت أعتذرُ؟
يا قدسُ كانَ سِوارُ السورِ ملعبَنا .. وكان فيه يموتُ الخوفُ والحذرُ
فأينَ يا قدسُ أهلونا.. وساحتُنا؟ .. غاب اللقاء، فلا ركبٌ ولا سفرُ
لكنَّ جرحَك لا يغفو النزيفُ به .. ما زالَ حولَ ضِفافِ النهرِ ينتظرُ
فأنتِ فينا وفي أطفالِنا أبداً .. وهل يخالف قلبَ الغيمةِ المطرُ
أطفالُ أمسِكِ ما زالت سواعدُهُم .. تَمتدُّ نحو ذُرى الأقصى وقد كَبُروا
تنقضُّ أعينُهُم شوقاً لساحتِه .. وتبرقُ النار فيها كلما نَظَروا
تميلُ حولَ شعاعِ الشمسِ أعظُمُهم .. وتستوي في صلاة الليلِ إن سهروا
تشتدُّ، فهي على الإيمان ثابتة .. تعتدّ، فهي بسيف الله تعتمر
إن تسأل النصر عنهم فهو صاحبهم .. أو تسأل الموت عنهم فهو يأتزر
ياقدس لا تعتبي إن طار بي قلمي .. إلى خيال توالت حوله الصورُ
ماذا أرى وهمومي فيك تدفعُني .. إلى الجنون.. وأين السمع والبصر؟!
من ذا يصدِّقُ أن الليلَ يكرهُنا .. وأنَّ شمسَ ضُحاها كلُّها حُفَرُ؟
ونحن كنّا حُماة الأرضِ ما رفعتْ .. يدٌ علينا العصا، إلا وننتصرُ
هذا المكبّرُ والجرحُ الكبيرُ لظى .. يقولُ هذا دمُ الأحفاد يا عمرُ
ستلتقي حولَ نارِ النهرِ أذرعُنا .. وسوفَ يقفزُ من أقدارِنا القدرُ
حتى نرى رايةَ الإيمانِ تجمعُنا .. وينطقَ الشجرُ المأسورُ والحجرُ
*كاتب وشاعر فلسطيني
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير الشاعر فلسطين فلسطين مسيرة شاعر هوية سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إلى القدس داود م
إقرأ أيضاً:
«شاعر رابعة».. الدائرة الأولى إرهاب تؤجل محاكمة متهم بالشروع في قتل ضابط
تستكمل الدائرة الأولى إرهاب بمركز إصلاح وتأهيل وادي النطرون، برئاسة المستشار سامح عبد الحكم رئيس المحكمة وعضوية المستشار عبد الرحمن صفوت الحسيني والمستشار ياسر عكاشة المتناوي والمستشار محمد مرعي والمستشار وائل مكرم وأمانة سر أشرف حسن، الأربعاء المقبل، جلسات محاكمة الإرهابي طارق محمود، شاعر منصة رابعة العدوية، المتورط في الشروع في قتل أحد ضباط الأمن المركزي، وكانت المحكمة قد أمرت بإيداع المتهم بمركز إصلاح وتأهيل وادي النطرون على ذمة القضية.
وواجهت المحكمة المتهم بالتهم المنسوبة إليه فأنكرها وقرر أنه شاعر واسم شهرته طارق عربان، وله عدة دواوين منها "رسالة إلى القناص - ويا عسكري البهوات" وأنه كان مكلف فقط بإلقاء دواوين الشعر على منصة ميدان رابعة العدوية أثناء اعتصام جماعة الإخوان بالميدان.
وأضاف أنه غادر البلاد منذ ٢٠١٥ إلى السودان ومنه إلى ماليزيا، وحضر إلى مصر منذ أشهر وتم بعدها إلقاء القبض عليه في سبتمبر الماضي وذلك لتقديمه للمحاكمة.
وكانت الإدارة العامة لمباحث تنفيذ الأحكام تمكنت من ضبط المتهم بعد أن ظل هاربًا منذ ارتكابه الواقعة في ٢٠١٥ وبعد صدور حكم غيابي ضده.
وجاء في أمر الإحالة أن المتهم متورط في الانضمام لجماعة أسست على خلاف أحكام القانون الغرض منها الدعوى إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي بأن انضم الى جماعة جهادية تدعو إلى جهاد الحاكم والخروج عليه وتكفير المجتمع لعدم تطبيقه للشريعة الإسلامية وتهدف الى التعدي على المنشآت والمؤسسات الحكومية بهدف الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر وكان الإرهاب من الوسائل التي يستخدمها تلك الجماعة في تنفيذ أغراضها وانضم إليها مع علمه بذلك وكان ذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
وشرع المتهم في قتل عمرو عبد الرؤوف إبراهيم نقيب شرطة - الضابط بالعمليات الخاصة بالأمن المركزي - حال كونه من القائمين على تنفيذ أحكام القسم الأول من الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وكان ذلك عمدًا مع سبق الإصرار بأن بيت النية وعقد العزم على ذلك وأعد لذلك الغرض سلاح ناري "بندقية آلية".
وحال قيام المجني عليه بتنفيذ إذن النيابة العامة الصادر قبل المتهم بضبطه وتفتيش سكنه أطلق صوبه هو والقوة المرافقة وابلًا من الأعيرة النارية قاصدًا من ذلك قتله فأحدث إصابته المثبتة والموصوفة بالتقرير الطبي خاصته المرفق بالتحقيقات والتي نتج عنها أن تخلف لديه عاهة مستديمة يستحيل برؤها وهي فقد إبصار العين اليمنى إلا أنه خاب أثر جريمته لسبب لا دخل لإرادته به ألا وهو تدارك المجني عليه بالعلاج وكان ذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
وأحرز المتهم سلاحًا ناريًا "بندقية آلية" مما لا يجوز الترخيص بحيازتها أو إحرازها وكان ذلك بقصد استعمالها في نشاط يخل بالأمن العام وكان ذلك على النحو المبين بالتحقيقات
كما أحرز ذخائر مما تستعمل على السلاح موضوع الاتهام السابق دون أن يكون مرخصًا لهم في حيازتها أو إحرازها وكان ذلك بقصد استعمالها بنشاط يخل بالأمن العام وكان ذلك على النحو المبين بالتحقيقات.
اقرأ أيضاًلـ 22 يونيو.. تأجيل محاكمة 111 متهما في خلية «طلائع حسم الإرهابية»
قضايا قيمتها 13 مليون جنيه.. ضربات متتالية ضد تجار العملة