لا للحرب ولا للعسكر والطريق لوحدة القوى المدنية الحديثة والتقليدية وفترة انتقالية تأسيسية طويلة في السودان بعد وقف الحرب
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
د. عبد المنعم مختار
استاذ جامعي متخصص في السياسات الصحية القائمة على الأدلة العلمية
يجب الاعتراف بأن الشراكة المدنية-العسكرية عقب ثورة ديسمبر المجيدة كانت بقيادة العسكريين، وليس المدنيين، منذ التوقيع على الوثيقة الدستورية وحتى انقلاب اكتوبر ٢٠٢١ وتحولت لشراكة عسكرية-عسكرية بين الجيش وقوات الدعم السريع من جانب والحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام منذ الانقلاب وحتى اندلاع حرب ابريل ٢٠٢٣.
اسهمت الشراكة المدنية-العسكرية بقيادة شكلية للمدنيين في تسويق الانتقال دوليا مما قاد لإزالة السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب ولرفع معظم العقوبات الدولية ولفتح ابواب المساعدات الاقتصادية والاعفاء من الديون. لكن قيادة العسكريين لجل ملفات السلام وبعض ملفات العلاقات الخارجية الحيوية واحتكارهم وتوظيفهم لملف الأمن الداخلي واحتكارهم لأضخم القطاعات الاقتصادية المدنية، كمجموعة شركات زادنا، وتدخلاتهم في معظم السياسات المدنية، جعل الحديث عن قيادة مدنية للشراكة المدنية-العسكرية منافيا للوقائع على الأرض.
الشراكة المدنية-العسكرية بين الوثيقة الدستورية والاتفاق الإطاري
يعد الاتفاق الإطاري تطويرا نظريا للوثيقة الدستورية لصالح السيطرة المدنية على الشراكة المدنية-العسكرية. على عكس الوثيقة الدستورية، ابعد الاتفاق الإطاري العسكريين من تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي ومجلس الوزراء الانتقالي ونص على مدنية مجلس السيادة وابتدر آلية مدنية لاختيار رئيس القضاء والنائب العام ونوابهم وعضوية المحكمة الدستورية. ولكن الاتفاق الإطاري أشرك العسكريين، تحديدا الجيش وقوات الدعم السريع والحركات المسلحة الموقعة على الاتفاق الإطاري، مع القوى المدنية في اختيار رئيس الوزراء الانتقالي ومجلس السيادة المدني مما يفتح الباب لتدخل العسكريين في اختيار عضوية هاتين المؤسستين، وان كانت مدنية.
الخلافات المدنية-المدنية حول الشراكة المدنية-العسكرية
لا شك أن أهم نقاط الاختلاف، بل والصراع، بين قوى الحرية والتغيير من ناحية وقوى التغيير الجذري ولجان المقاومة من ناحية أخرى كانت حول رفض أو قبول الشراكة المدنية-العسكرية. وتراوح الخلاف بين رفض لكل أشكال الشراكة ورفض الشراكة مع اللجنة الأمنية للنظام البائد.
تتفق القوى المدنية ذات المصلحة في الانتقال الديموقراطي في موقفها المناهض للحرب وترفع من أجل ذلك شعار لا للحرب.
اذا توافقت القوى المدنية على ابعاد العسكريين من الانتقال القادم بعد وقف الحرب فسيمهد ذلك الطريق لوحدة مطلوبة بينها وعندها سيكون الشعار المصاحب ل "لا للحرب" هو "لا للعسكر".
العلاقات المدنية-العسكرية بعد وقف الحرب وضرورة ابعاد العسكر من الانتقال القادم
إقتتال الشركاء العسكريين دليل كاف على عجزهم عن إدارة العلاقات العسكرية-العسكربة ناهيك عن الحكم الرشيد للمدنيين. تسبب تقويض الجيش وقوات الدعم السريع للأمن القومي، الذي هو أمن المواطن في المقام الأول، باشعال والاستمرار في حرب أهلية تسببت خلال عامها الأول في قتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين وارتكاب مئات الآلاف من الجرائم الأخرى في حق المدنيين، وتكبيد البلاد لخسائر بعشرات المليارات من الدولارات.
اهم الدروس المستفادة من الحرب الجارية وما سبقها في الانتقال هي عدم تأهيل العسكريين لإدارة العلاقات العسكرية-العسكرية (والدليل هو الحرب) وعدم قدرتهم على ادارة علاقات مدنية-عسكرية بقيادة مدنية (والدليل هو الانقلاب العسكري). لذا هناك ضرورة قصوى لإبعاد العسكريين من قيادة الانتقال القادم ورفض أي شراكة معهم في الحكم مستقبلا، بل وإخضاع شئونهم العسكرية للسيطرة المدنية، فقرار الحرب لا يمكن أن يترك مرة أخرى للجنرالات.
أن ابعاد العسكريين من الانتقال القادم ضرورة ولكنها ايضا مهمة صعبة ومعقدة ويمكن أن لا تتم. لذا يجب توحد اكبر قدر من القوى المدنية الحديثة والتقليدية حولها والعمل بقوة ومثابرة لتحقيقها. ويمكن لسلاح المقاطعة المدنية لاي انتقال مستقبلي يحوي شراكة عسكرية ان يكون احد الآليات.
فترة انتقالية تأسيسية طويلة بشرعية انتخابية خالية من المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وخطة عمل متوافق عليها
وفي المقال القادم سنعرض بتفصيل أكثر لمقترحنا التالي حول الانتقال القادم والذي يمكن اجماله في ثلاثة مراحل:
1. مرحلة ما قبل الفترة الانتقالية: وتهدف لوقف الحرب واغاثة المدنيين والبدء في إعادة الإعمار وتدشين الاصلاح العسكري والامني بفصل القوات وأبعادها من المدن والسيطرة المدنية على الأسلحة الثقيلة والطيران العسكري والتوافق على خطة عمل (أو خطتي عمل متنافستين في الانتخابات) الفترة الانتقالية التأسيسية الطويلة والتجهيز للانتخابات المبكرة. يمكن لهذه الفترة أن تمتد لعام ونصف.
2. انتخابات مبكرة نزيهة وعادلة وتشمل كل القوى المدنية والواجهات المدنية للحركات المسلحة ويبعد منها بحسم وعزم المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وكل واجهاتهم وقياداتهم القائمة والمستحدثة بآليات قانونية وسياسية وامنية فعالة. ويمكن استخدام التصويت الالكتروني عبر منصات الانترنت الآمنة في المناطق النائية.
3. فترة انتقالية تأسيسية طويلة تمتد لعشرة سنوات وتهدف ل (أ) اكمال السلام وتوحيد الجيوش وتقليصها وابعادها من السياسة والاقتصاد والجغرافيا المدنية تحت إشراف وسيطرة المدنيين خلال عشرة سنوات (ب) تنفيذ خطة إعادة إعمار وتنمية عشرية تركز على الأقاليم الأقل نموا والاكثر تأثرا بالحرب و (ج) ازالة التمكين وتحقيق العدالة والعدالة الانتقالية والبدء في مصالحات مجتمعية قاعدية وتوافقات على عقد اجتماعي جديد ونظام فيدرالي وديمقراطي مناسب لواقع المجتمعات السودانية
moniem.mukhtar@googlemail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الاتفاق الإطاری الانتقال القادم القوى المدنیة العسکریین من
إقرأ أيضاً:
السودان.. حرب «منسية» و ملايين يعانون في صمت
مع نهاية عام آخر، تتواصل الحرب المُدمرة في السودان وقد تصل إلى عامها الثالث في منتصف أبريل القادم من عام 2025. ومازال التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين طرفي الحرب: الجيش والدعم السريع، بعيد المنال على الأقل في الوقت الحالي.
التغيير ــ وكالات
وتبدو مأساة السودان تائهة في زحام أولويات الإعلام الدولي. أما رقعة الجوع في السودان، فإنها آخذة في التمدد لتصل إلى مناطق جديدة، حسب تقارير إعلامية وأخرى مدعومة من الأمم المتحدة.
“حرب منسية”وخصصت صحيفة “ديلي مورنينغ” مقالا مطولا للغاية عن الحرب المدمرة في السودان، والتي وصفتها بأنها لا تحظى بمتابعة إعلامية كبيرة بالمقارنة مع حروب أخرى مشتعلة حاليا في العالم.
وبدأت الصحيفة الإنجليزية تقريرها عن الحرب “المنسية” بالقول: “ينبغي ألّا تكون هناك منافسة أو مقارنة حول أي حرب هي الأكثر أهمية في العالم”. وأضافت أن الحرب المُدمرة في السودان بالكاد تُوجد على رادار بعض وسائل الإعلام .
وتابعت أن الحرب بالنسبة للأشخاص الذين يكتوون مباشرة بنيرانها هي مسألة حياة أو موت، “إذ يجب على الجميع خارج السودان أن يفهم ما يحدث في واحدة من أصعب الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث”.
وأردفت الصحيفة ذاتها: “لا يُمكننا أن نتحدث عن أهمية حياة السود ثم نتجاهل الملايين من الأرواح التي تأثرت بهذا الصراع (في السودان) دون أن نفهم الأسباب الكامنة وراءه”.
ولفتت صحيفة “ديلي مورنينغ” الأنظار إلى أن الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أوقعت آلاف القتلى والجرحى. وفرضت على الملايين النزوح بحثا مكان آمن. فضلا عن معاناة ملايين من السودانيين من أزمة جوع حادة.
وأشار نفس المصدر أنه من “المستحيل” الحصول على الأرقام الحقيقية والكاملة للكارثة التي يعيشها السودان، مُوضحا أن عمال إغاثة يعملون داخل السودان يقول إن الحرب تسببت في “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”
وترى “ديلي مورنينغ” أن القوى الغربية تدرك بوضوح حجم المشكلة. أما وسائل الإعلام الكبرى فقد “اختارت إلى جانب الحكومات التي تزودها بالبيانات الصحفية لتقوم بنسخها ولصقها-اختارت- أن تغض الطرف عن الأمر”.
وواصل المصدر أنه في خضم الحرب المدمرة في السودان، تُحقق شركات أسلحة فرنسية أرباحا هائلة من التكنولوجيا المستخدمة في الصراع، وفي انتهاك لحظر أسلحة فرضته الأمم المتحدة. وأضاف: “لا شك أن أطرافا أخرى متورطة أيضا”.
وفي وقت سابق، كشفت منظمة العفو الدولية أن ناقلات جنود مدرعة تستخدمها قوات الدعم السريع قد صُنعت في الإمارات العربية المتحدة ومُجهزة بمعدات فرنسية.
وأشارت صحيفة “ديلي مورنينغ” أن شركات الأسلحة متواطئة في توفير الوسائل، التي يُمكن من خلالها مواصلة القتال. وأضافت أنه لا بد من منع شركات الأسلحة من توريد المعدات العسكرية، التي تُغدي الحرب الأهلية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
ودعت الصحيفة البريطانية إلى بذل المزيد من الجهود من أجل تحقيق وقف دائم لإطلاق النار في “هذه الحرب الأهلية الكارثية”.
الذهب والحرب!أما صحيفة “فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ” ، فقد سلطت الضوء على الأزمة السودانية بمقال يحمل عنوان :”مليارات من تجارة الذهب تموّل الحرب”.
وذكرت الصحيفة الألمانية ذائعة الصيت أنه أمام الحرب المدمرة التي تدور رحاها في السودان “يجب على المجتمع الدولي وألمانيا ألّا يقفا موقف المتفرج”، بل ينبغي عليهم “حرمان أطراف النزاع من أهم مصادر تمويلهم”، ( في إشارة للذهب).
ولفتت “فرانكفورتر ألغماينه” أن التوصل إلى اتفاق شامل ودائم يُوفر الحماية للسكان المدنيين يبدو أمرا يصعب تحقيقيه على المدى، إذ إن الأطراف المتحاربة: الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ماضيان في خيار المواجهة. وأضافت أن هذا الوضع يزيد من أهمية استكشاف خيارات أخرى لوقف الحرب.
وواصل المصدر ذاته أن “صمود أطراف النزاع لفترة طويلة يعود إلى اعتمادها على موارد مالية كبيرة و دعم خارجي على شكل أسلحة ومعدات”. وأضاف أن “تقييد” مصادر التمويل وإمدادات الأسلحة قد يساعد في تقليل العنف ضد المدنيين.
وكتبت “فرانكفورتر ألغماينه” تقول: “تستفيد كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع من تجارة الذهب منذ سنوات. ومع استقلال جنوب السودان في عام 2011، حل إنتاج الذهب المتزايد محل النفط كأهم سلعة تصدير للبلاد”.
وأضافت: “يتعلق الأمر بمليارات الدولارات سنويا، والتي تستفيد منها شركات القوات المسلحة وقوات الدعم”.
وأوضح المصدر ذاته أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فرضتا عقوبات على بعض الشركات السودانية المُشاركة في تجارة الذهب. وأضافت أنه “يجب فرض عقوبات على المزيد من الشركات لضمان عدم تعاون مقدمي الخدمات اللوجستية أو شركات التأمين في الاتحاد الأوروبي مع قطاع المعادن في السودان”.
وقالت “فرانكفورتر ألغماينه” في هذا الصدد: “من خلال لائحة الاتحاد الأوروبي بشأن المعادن في مناطق النزاع، تُلزم الشركات بالفعل بضمان أن الذهب المستخدم صناعيا لا يمول الجهات المسلحة”.
وشدد المصدر ذاته على أن “كل هذه الإجراءات لن تؤدي إلى إنهاء بشكل مباشر للحرب، بيد أنها ستساعد على الأقل في الحد من معاناة المدنيين، وإيجاد مساحة للحديث عن وقف إطلاق النار والاعتماد على الحلول السياسية”.
مجاعة تتمدد“الصراع في السودان يُشعل أزمة مجاعة حادة”. كان هذا عنوان تقرير نشرته صحيفة “ميراج نيوز” الأسترالية للحديث عن تأثير الحرب المباشر على طعام ملايين السودانيين، الذين يُواجهون خطر مجاعة حقيقي في عدة مناطق.
وكتبت “ميراج نيوز” تقول: “يُواجه السودان أزمة مُتفاقمة، مع انتشار واسع للجوع الحاد وتزايد سوء التغذية الحاد والنزوح الجماعي، مما يزيد من تفاقم الوضع الإنساني المُتردي بالفعل، وفق تقرير مدعوم من الأمم المتحدة”.
وتشير تقديرات التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن أكثر من 24.6 مليون شخص يُعانون من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
وأوضحت صحيفة “ميراج نيوز”، بالاعتماد على معلومات مُستقاة من تقرير للجنة مراجعة المجاعة بالتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، فإن المجاعة اتسعت إلى خمس مناطق ويُرجح أن تمتد إلى خمس مناطق أخرى بحلول شهر مايو القادم.
وأضاف المصدر ذاته أن “عدة مناطق أخرى معرضة لخطر المجاعة، لاسيما تلك التي تشهد تدفقات كبيرة من النازحين”. وأردف أن المناطق المُتضررة تشمل أجزاء من ولايات شمال وجنوب دارفور والخرطوم والجزيرة.
وكتبت “ميراج نيوز” “رغم أن هطول الأمطار فوق المتوسط دعم الزراعة في المناطق التي سمحت فيها الظروف الأمنية بذلك، فإن الصراع المستمر عرقل بشدة الأنشطة الزراعية”. وواصل المصدر ذاته أن المزارعين اضطروا إلى التخلي عن حقولهم، وتعرضت محاصيلهم للنهب أو التدمير.
الوسومالجيش الدعم السريع السودان حرب