الذكاء الاصطناعي أبعد من كونه مجرد أعجوبة تكنولوجية
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
مما لا شكّ فيه فقد أصبح الذكاء الاصطناعي الشغل الشاغل لغالبية حكومات الدول المتقدّمة؛ لإدراكها أن العالم يقف عند فجر حقبة جديدة، ستغيّر حياة البشرية والطريقة التي تعيش وتعمل بها في عدد كبير من المجالات والقطاعات المختلفة، مع الإقرار في نفس الوقت بأن مخاطر هذه الحقبة لا تزال مجهولة أيضًا.
فلا مبالغة بالقول إن العالم دخل فعليًا مرحلة جديدة عنوانها السباق في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، لكن إذا لم يتم وضع قواعد ناظمة لهذا السباق؛ فإنّه قد يخرج عن السيطرة، ويهدد المعمورة كلها؛ لأنه يثير العديد من المخاطر والتهديدات الأمنية والأخلاقية؛ نتيجة الاعتماد المتزايد عليه.
ليس صدفة أن أكبر الاستثمارات فيه التي يقوم بها العملاقان المتنافسان، الولايات المتحدة والصين، هي في هذا المجال
كما أن التطبيقات الضخمة لهذا الذكاء، تعد تمهيدًا لحرب ناعمة بين الآلة والإنسان، ولا يمكن قراءة استقالة "جيفري هينتون" – الذي يطلق عليه "الأب الروحي للذكاء الاصطناعي" من شركة غوغل أوائل مايو 2023 – إلا في سياق "جرس الإنذار" الذي ينبّه البشرية إلى تلك المخاطر العديدة المتعلّقة بالذكاء الاصطناعي.
التقديرات تشير إلى أن حوالي 800 مليون شخص سيفقدون وظائفهم خلال الأعوام المقبلة؛ بسبب تطوير الشركات التكنولوجية العملاقة جيلًا جديدًا من البشر الرقْميّين الذين سيتفوقون على العُمّال والمُحترفين من البشر، بل يتوقّع بعض العلماء أن يحلّ الذكاء الاصطناعي، مكان البشر في 99% من الوظائف في غضون العقدين المقبِلين.
المعروف أن الذكاء الاصطناعي ليس قضية اقتصادية فقط، ولا هو مجرد الروبوت – وأليكسا وأمازون – الذي يخدمك في منزلك أو يراجع جدول الضرب مع أطفالك، أو تلك التكنولوجيا التي تؤسّس لثورة طبية جديدة، أو التعليم والصناعة، أو المركبات التي تعمل من دون سائق؛ بل إنه أيضًا أداة سيطرة وهمينة وفرض نفوذ من خلال التكنولوجيا العسكرية والدفاعية الصاعدة.
إذ ليس صدفة أن أكبر الاستثمارات فيه التي يقوم بها العملاقان المتنافسان، الولايات المتحدة والصين، هي في هذا المجال. فالعالم بأجمعه يعرف غوغل، ومايكروسوفت، وأمازون، والبعض فقط يعرف علي بابا، وبايدو، وتنسنت الصينية المهمة بالقدر نفسه، هذا دون احتساب مراكز البحث المتخصصة المرتبطة بها.
قبل عقدين من الزمان كان الحديث عن طموحات الذكاء الاصطناعي والروبوتات بديلًا للعقل البشري – أو على الأقل تدريب الآلة لتنفّذ ما يقوم بعمله الإنسان أو العامل أو الموظف في مناحي الحياة – يقابل إما بالاستخفاف والتقليل من الأهمية من غير المتخصصين والمهتمين، بينما كان يرى الجانب الآخر من المتخصصين، أن الأمر لا يزيد على مجرد ضرب من ضروب الخيال العلمي أو الفانتازيا الهوليودية.
اليوم يترقب العالم بحذر تطورات التنافس في هذا المجال "الذكاء الاصطناعي"؛ لأنّ من سيقوده، سيمسك بزمام الثورة الصناعية الخامسة.
في ظل اقترابنا من بداية حقبة جديدة، يظهر مستقبل الذكاء الاصطناعي في الأفق بإمكانات واسعة وعمق متنوع. في هذا السياق المتسارع التطور، أصبح الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تكنولوجيا مدهشة، بل أصبح ركيزة حاسمة للمستقبل الذي كان يومًا ما خيالًا علميًا.
فمن الخوارزميات المتطورة التي تدعم تفاعلاتنا الرقمية اليومية، إلى العوالم الناشئة للمركبات ذاتية القيادة والروبوتات المتقدمة، يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل عالمنا بطرق فريدة. وبدلًا من كونه مجرد سرد للقدرات التكنولوجية، يمثل مستقبل الذكاء الاصطناعي تفاعلًا معقدًا يشمل الابتكار، وتأثيره الواسع في المجتمع، والمسؤولية الأخلاقية.
ووفق هذا المشهد سريع التطور، لا يعد الذكاء الاصطناعي اليوم مجرد أعجوبة تكنولوجية – في ظل معطيات تتحدث عن توقعات بشأن وصول الإنفاق العالمي على أنظمة الذكاء الاصطناعي إلى حوالي 300 مليار دولار بحلول 2026 – بل أصبح مهندسًا محوريًا للمستقبل الذي كان ذات يوم عالمًا من الخيال العلمي.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن هناك طفرة واسعة في تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ستؤدي إلى تحولات متسارعة في أسواق العمل، وتخلق مزيدًا من المخاوف بشأن المنافسة بين البشر وتلك التطبيقات، وسط تنافس وسباق محموم بين شركات عمالقة التكنولوجيا على تطوير تقنيات متقدمة، يُمكنها مواصلة الثورة التي يصنعها الذكاء الاصطناعي في الأسواق العالمية.
ويبقى السؤال المعلق أين العرب من هذا المشهد؟ صحيح أن المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي من Tortoise Intelligence وضع كلًا من السعودية، والإمارات، وقطر، والبحرين في المراتب الأولى عربيًا بوصفها دولًا لها بصمة في هذا المجال، لكنّ كثيرًا من الدول العربية ما زالت خجولة في تبنّي الذكاء الاصطناعي، وكأنها منفصلة عن الواقع بمستويات مختلفة.
إنّ الاقتصاد المستقبلي هو اقتصاد معرفي (تقني – رقمي)، وفي حال بقيت دول بعيدة عما يجري في عالم الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، فستكون منفصلة عن هذا الواقع، وبعيدة كل البعد عمّا يحصل من تطوّر على مستوى الثورة الصناعية الرابعة.. فهل نحن فاعلون؟
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الذکاء الاصطناعی فی هذا المجال
إقرأ أيضاً:
أحيانا عبر نظرة العين.. كيف يهدد الذكاء الاصطناعي في الهاتف خصوصيتك؟
بالرغم من أن الذكاء الاصطناعي سهّل حياة البشر بصورة كبيرة، فإن استخدامه لا يزال يثير مخاوف بشأن الخصوصية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالهواتف الذكية، التي تحمل أدق تفاصيل حياتنا.
وأوضح الخبير في تكنولوجيا المعلومات رونالد أبي نجم، الإثنين، في حديث إلى قناة "الحرة"، أن تقنيات الذكاء الاصطناعي غيرت كثيرا في أساليب حياة البشر، لافتا في الوقت نفسه إلى أنها قادرة على اختراق خصوصيات الناس، التي وصفها بـ"النفط الجديد" الذي يحقق الكثير من الأرباح للشركات.
وبشأن حماية بيانات الذين يستخدمون برامج الذكاء الاصطناعي، قال: "تلك البرامج قادرة على جمع الكثير من المعلومات والبيانات، وما تقوله بعض الشركات عن قدرتها بشأن حماية المعلومات يدخل في باب التسويق والدعاية".
وزاد: "بعضنا يقول كنت أفكر في منتج أو شيء معين فظهر لي فجأة على منصات التواصل الاجتماعي، والحقيقة أن برامج الذكاء الاصطناعي وصل بعضها إلى قدرة قراءة حركة عين المستخدم وأين يركز بصره خلال تصفح الهاتف، وبالتي يمكن معرفة اهتماماته".
واستشهد أبي نجم بأن شركة أبل تقول إنها تسعى دائما لحماية بيانات مستخدمي أجهزتها، مردفا: "لكن مع التشارك والتداخل مع برنامج (تشات جي بي تي)، يتم نقل البيانات من أجل تقديم خدمات أو معلومات أفضل".
وأضاف: "بمجرد قبولنا سياسة استخدام الهواتف الذكية ومنصات التواصل الاجتماعي ومواقع خدمات أخرى، فإننا نكون قد أعطينا موافقتنا المسبقة على مشاركة بياناتنا، وهناك شركات تعرضت لعقوبات بسبب ذلك، فمثلا ميتا التي تملك موقع فيسبوك، اعترفت بأنها تستخدم بيانات المستخدمين حتى تتمكن من تطوير برامج الذكاء الاصطناعي لديها".
وأردف: "عندما نستخدم منصات التواصل الاجتماعي وخدمات تقدمها مواقع أخرى بشكل مجاني، فإن الثمن الذي ندفعه هو مشاركة البيانات والخصوصية".
واستطرد الخبير التكنولوجي: "البيانات التي تحصل عليها تلك الشركات بات يطلق عليها (النفط الجديد)، وكلما حصلت تلك الشركات على بيانات أكثر، ارتفعت نسب أرباحها وزاد نفوذها بشكل أكبر".
الصين وأميركا.. توقعات باشتداد المنافسة على الذكاء الاصطناعي يتحدث الرئيس المنتخب، دونالد ترامب عن جهود لدعم التفوق الأميركي في سباق التسلح مع الصين في مجال الذكاء الاصطناعي. تقنيات متطورةوفيما يتعلق بتقنياتالذكاء الاصطناعي المتطورة وكيفية تغييرها لحياة البشر، قال أبي نجم إن تلك التقنيات جعلت لكل شخص أساليبه الخاصة في التعامل مع هاتفه الذكي، مشيرا إلى أن الهواتف "أصبحت قادرة على فهم لغات البشر بشكل جيد، وتلقي الأوامر الصوتية وتنفيذها".
وأضاف: "حتى الآن الكثير منا لا يستطيعون الاستفادة من الخدمات التي تتوفر في أجهزتم بفضل تلك التقنيات الحديثة.. وحتى قبل ظهور هذه التقنيات، فإن الناس كانوا يستخدمون 2 بالمئة من مزايا تلك الأجهزة".
نوه الخبير التكنولوجي بأن "المساعدات الصوتية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، باتت أدوات تقنية متقدمة تُسهِّل التفاعل بين المستخدمين وأجهزتهم"، مستطردا بأن قدراتها تختلف حسب إمكانيات الشركة المصنعة أو الداعمة لها.
وشرح قائلا: "المساعد الصوتي سيري (Siri) تطور في الآونة الأخيرة، وأصبح قادرا على تنفيذ أوامر صوتية أكثر، مثل تلخيص المقالات وتسجيل المكالمات وتفريغ النصوص، مما يُحسِّن تجربة المستخدم بشكل ملحوظ، كما أن ذلك المساعد بات مرتبطا بتطبيق (تشات جي بي تي)، وبالتالي هناك إمكانيات أكبر للإجابة على الكثير من الأسئلة والمواضيع".
وزاد: "بالنسبة للمساعد الصوتي بيكسبي (Bixby) من سامسونغ، فقد تم تطويره بحيث يُمكّن المستخدمين من التحكم في هواتفهم وأجهزتهم المنزلية الذكية التي تنتجها تلك الشركة عن طريق الأوامر الصوتية".
حادثة انتحار مراهق.. ما مخاطر "العلاقات الخيالية" مع الذكاء الاصطناعي؟ تصدرت حادثة انتحار مراهق يُدعى سيول سيتزر في ولاية فلوريدا، عناوين الأخبار، حيث يُزعم أن المراهق، البالغ من العمر أربعة عشر عامًا، أنهى حياته بعد ارتباطه العاطفي بشخصية افتراضية على منصة الذكاء الاصطناعي Character.AI.كما تطرق أبي نجم إلى مساعد غوغل (Google Assistant)، وهي خدمة ذكاء اصطناعي متقدمة متاحة على أجهزة أندرويد وأجهزة "غوغل هوم"، موضحا أنها "مفيدة جدا في عمليات البحث عبر محرك غوغل".
وتابع: "بالتالي.. لكل مساعد مزاياه، حسب الشركة التي تنتجه وتدعمه".
ومن مزايا الذكاء الاصطناعي في الهواتف، كما يرى أبي نجم، "تحسين جودة التصوير الفوتوغرافي والفيديو خاصة في ظروف صعبة مثل عدم وجود إضاءة كافية، حيث تعمل تلك البرامج على تحسين جودة الصور ومقاطع الفيديو بشكل تلقائي دون تدخل بشري".
وزاد: "حتى بعد مرحلة التصوير يمكن إدخال الكثير من التطويرات على المنتج، فعل سبيل المثال أصبح حذف أي عنصر في الصورة مثل شخص أو شجرة أو سيارة أمرا سهلا للغاية".