المصالح الأمريكية في المنطقة ..هل حانت لحظة الحقيقة؟
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
منذ الحرب العالمية الثانية، اندفعت الولايات المتحدة لتعزيز مصالحها في الشرق الأوسط عبر ثلاثة محاور أولها ضمان تدفق النفط من الخليج وضمان أمن إسرائيل والحد من نفوذ الكتلة السوفييتية آنذاك، وتم لاحقًا إضافة مكافحة الإرهاب والحد من امتلاك أسلحة الدمار الشامل، وفق ما هو منشور في أكثر من موقع أمريكي مثل: (https://world101.
والمتتبع لتاريخ المنطقة وعلاقاتها مع الولايات المتحدة، لعله سيجد كم هي مكلفة ودموية هذه العلاقة، حيث دفعت شعوب المنطقة أثمانًا باهظةً لتطبيق تلك السياسات (حربًا أو سلامًا) وأفضت إلى غزو دول عربية شملت العراق وسوريا وتفتيتها وفق محاصصة طائفية يدفع ثمنها العراق ما بعد النظام السابق لغاية اليوم في حين تعرضت سوريا لأكبر هجمة إرهابية شنت بعد الحرب العالمية الثانية على شعب أعزل لم يقم بأي عمل عدائي ضد الولايات المتحدة! وجرى تقسيم السودان والدفع بليبيا إلى خانة عدم الاستقرار والفوضى والأعتى من ذلك غرس نظام عنصري ودموي في قلب الأمة العربية تدفع ضريبة وجوده منذ 1948عام.
من الواضح أن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة شائكة ومعقدة ولا يمكن الاستخفاف بها. عسكريا، فإن ما نسبته 41% من مبيعات الأسلحة الأمريكية قد ذهبت لدول المنطقة بنهاية عام 2022 وفق مقال نشرته صحيفة القدس العربي بتاريخ 18 مارس 2023 علمًا أن الصادرات العسكرية الأمريكية للخارج ارتفعت خلال عام 2022 لتصل ما قيمته 205.6 مليار دولار مرتفعا بنسبة 49%. في السياق ذاته أصبحت الولايات المتحدة المزود الرئيسي تقريبًا لإمدادات السلاح للعديد من الدول العربية خاصة الخليجية، وتبرر الأوساط الأمريكية الرسمية هذه الصفقات بحجة أنهم إذا لم يوافقوا على تمريرها، فإن غيرهم سيبيعها لهذه الدول، في إشارة إلى روسيا والصين، وسمحت أن تقوم شركة مثل: (CyberPoint) الأمريكية بالتعاون مع إحدى الدول الخليجية لتطوير منظومة تجسسية استهدفت النشطاء والشخصيات السياسية والإعلامية حول العالم وفق ما نشره موقع (https://warontherocks.com/) بتاريخ 11 أغسطس 2023. في ذات الوقت هناك ما يقرب من 30 ألف جندي أمريكي في المنطقة إلى جانب العديد من القواعد العسكرية الأمريكية.
كما تتزايد الآن النبرة بأن هذه الصفقات تسهم في إبعاد النفوذ العسكري الصيني والروسي عن المنطقة وهو طرح يشبه الذرائع التي سيقت إبان الحرب الباردة حول دعم بعض هذه الدول عسكريًا ردعًا للنفوذ السوفييتي قبل أن تلاحقهم مصائر الامبراطوريات وتضرب مآلات التاريخ سؤددهم.
على المسار ذاته، تجمع الولايات المتحدة ودول المنطقة مصالح اقتصادية وتجارية هائلة، حيث بلغ التبادل التجاري بحسب ما نشر في موقع (سكاي نيوز عربية) بتاريخ 20 أكتوبر 2023 ما قيمته 121 مليار دولار. على الـجانب التعليـمي في العام الدراسي 2022/ 2023 كان هناك نحو مليون طالب أجنبي في الولايات المتحدة، 10% منهم من دول الشرق الأوسط وإفريقيا بحسب موقع (https://www.statista.com/).
تشير المعطيات والوقائع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها أن هذه العلاقات حيوية وعميقة وحساسة رغم كل التقلبات السياسية والعسكرية والحروب المتتالية التي دارت رحاها على خرائط الشرق الأوسط ولم تفض إلا إلى الخراب والتفتيت والتقسيم. ويؤسس هذا العبور على مشهد المصالح الأمريكية في المنطقة إلى طرح مزيد من الأسئلة حول الخيارات المتاحة لهذه العلاقات، ويعكس وجود مساحات براغماتية ومصالح كبرى بين دول المنطقة والولايات المتحدة، ولعله من المخل أن تختزل مختلف الإدارات الأمريكية المتعاقبة في البيت الأبيض كل هذا الحراك الضخم في الشرق الأوسط من أجل ضمان أمن إسرائيل بهذه الطريقة المجحفة التي تفقدها كل مصداقية وقبول في المنطقة (وحتى في الداخل الأمريكي مؤخرًا) في ظل تمترسها وراء كيان لا يتردد في شن حروب الإبادة وتجاهل كافة الأعراف الإنسانية والدولية والقانونية بطريقة لم نر ما يماثلها من بشاعة وتنكيل إلا في الهولوكوست ضد اليهود أنفسهم أو ما اقترفته داعش من فظائع في حق الشعب العراقي والسوري.
وحري بالولايات المتحدة في خضم كل هذه المصالح المهمة والشائكة أن تعيد النظر في تعاطيها مع قضايا المنطقة قبل أن تفقد ما تبقى لها من مصداقية وتقدير على المستوى الشعبي العربي والشرق الأوسطي، فإسقاط المساعدات الغذائية على الغزاويين جوًا من ناحية ومنح إسرائيل أكثر الأسلحة فتكًا وقتلًا في ذات الوقت لإبادة الشعب الفلسطيني، لا يمكن أن يكون سلوك دولة عظمى تريد أن تقدم للعالم نموذجًا مختلفًا في السلوك السياسي والحضاري، لاسيما وأن العالم العربي قدم المبادرات تلوى المبادرات السياسية لتحقيق سلام عادل ودائم مع القيادة الإسرائيلية وتغيير مصير الشرق الوسط نحو السلام والازدهار ولكن من الواضح أن الآخر «لا يرى» في السلام مع الطرف الفلسطيني نهاية لهذه المأساة المستعرة منذ 75 عاما، بل لعله يرى في السلام مقبرة لطموحاته وأوهامه.
ويبقى السؤال مشرعًا باتساع أفق الأماني والتفاؤل (حتى وإن بدا ساذجًا) إلى متى ستقف الولايات المتحدة داعمة لهذا الوضع البائس في المنطقة؟ أولم يئن أن تقوم الولايات المتحدة بدورها الحقيقي كدولة عظمى يرى العالم أن بيدها مفاتيح الحل والعقد!، وكم من الضحايا والشهداء يجب أن يلقوا حتفهم في هذا الصراع من الطرفين؟ قبل أن تقتنع واشنطن أنه لا مناص من السلام ومن الاعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة، كي يتسنى لأجيال المستقبل حياة كريمة ومستقبلا لا ينزل على رؤوسهم بقنابل فوسفورية من الأف – 18 الأمريكية الصنع وتحكمهم في أيديولوجيات العنصرية والإقصاء ومجرمي الحروب ويعبرون سنوات الصبا مشتعلين غضبًا للانتقام من قتلة أهلهم وذويهم. ولعل هذه اللحظة التاريخية الفارقة بعد السابع من أكتوبر فرصة تاريخية أيضًا للدفع بالسلام والاستقرار ووقف شلالات الدم والدمار.
يحيى العوفي كاتب ومترجم عماني – صحيفة عمان
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الشرق الأوسط فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
مونيكا وليم تكتب: الانتخابات الامريكية.. ما بين الولايات المتأرجحة والحرب في الشرق الأوسط
تفصلنا ساعات على تحديد مؤشرات مبدئية للفائز بالانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية التي تمثل أكبر خطر سياسي على العالم في عام 2024 بغض النظر عمن سيفوز وذلك وفقاُ للتقرير الصادر عن مجموعة أوراسيا الاستشارية لتحليل المخاطر وذلك في ضوء عدد من المعطيات، الأول انها ستسهم في إعادة تموضع الولايات المتحدة في النظام الدولي ، الثاني ستشكل الانتخابات مرحلة نوعية جديدة بالنسبة لمسار العديد من الحروب الدائرة في المنطقة وكذا الحرب الروسية-الأوكرانية
ومع اقتراب موعد الانتخابات، تتزايد حدة التنافس والاستقطاب بين المرشح الجمهوري والمرشحة الديمقراطية خاصة في الولايات المتأرجحة ورغم ان القضايا الاقتصادية هي التي غالبا ما تؤثر علي اراء الناخبين في الولايات المتحدة الامريكية
من حيث المبدأ، فأن أولويات الناخب الأمريكي تختزل في الاقتصاد كونه المحرك الأساسي والمؤثر علي حياة المواطن ، والمهاجرين غير الشرعيين في قضية الإجهاض، فعلي سبيل المثال ، فقد تُظهر استطلاعات الرأي في الولايات المتأرجحة السبعة أن الاقتصاد يتصدّر أولويات الناخب الأميركي واهتماماته بنسبة (41 %)، متبوعًا بالهجرة (14 %)، فالإجهاض (13 %)، ثمّ الرعاية الصحية (8 %)، فالديمقراطية وتوحيد البلاد ونزاهة الانتخابات (7 %)وبالتالي فإن ترامب يتقدّم في ملفيّ الاقتصاد والهجرة، في حين تتقدّم هاريس في ملفات الإجهاض والرعاية الصحية والديمقراطية
الا ان التغيرات المتلاحقة في الشرق الأوسط، سيكون لها تأثيرات كبيرة علي مجري الانتخابات الحالية وآراء الناخبين، فقد اظهر استطلاع للرأي ان غالبية الناخبين الأمريكيين يشعرون بأن احتمال التصاعد الصراع الدائر في الشرق الأوسط، فقد ابدي اكثر من 50% تخوفهم من اتساع الحرب في المنطقة، ووفقا لاستطلاع اجراؤه لاسوشيتد برس كما أن مركز (اه بي يورك نيور للأبحاث العامة ( AB York) ، أظهر أن 4 من كل 10 أمريكيين يشعرون بالقلق من انجرار الولايات المتحدة في حرب في الشرق الأوسط
واستناداً على ذلك، وحين تقترب الانتخابات وتفصلها ساعات عن حسم المعركة بين المرشح الجمهوري والمرشحة الديمقراطية، يصبح أي مجموعة من الناخبين لها تأثير علي ولاية قد تكون الحاسمة، وهو ما انعكس في مخاطبة الرئيس ترامب للجالية اللبنانية الامريكية بانه سيسعي إلي السلام في حال انتخابه في ولاية ميشيغان و اوهايو وبنسيلفانيا حيث الانتشار اللبناني ليس لاستمالتهم ولكن لمنع تصويتهم إلي هاريس.
وانطلاقاً من حقيقة مفاداها، أن الأمريكيون لا ينتخون مرشح لأنه نجح في إدارة ال لكنهم يعاقبون في حال فشلهم كما حدث مع جيمي كارتر جراء أزمة الرهائن منذ 40 عاما ، وبالرجوع إلي اخر السبعينات مع احتجاز 52 امريكي في طهران لمدة 444 يوما، بعد اندلاع الثورة الايرانية الخمائيني ، وفشل جيمي كارتر في عودتهم ، تلاحظ تغيير مجري الانتخابات لصالح رونالد ريجان ، وبالتالي هناك تقديرات و احتمالات لمعاقبة هاريس كونها جزء من الإدارة الحالية، فأي تصويت عقابي ضدها يصب لصالح ترامب اعتباراً من مبدأ الكلفة السياسية
ومن ثم ما هي الأصوات التي ستحسم السباق؟
تشير كافة استطلاعات الرأي إلى تقارب كبير والفارق يظل بين نقطة أو نقطتين، فوفقا إلى News week حيث يحقق ترامب 48.5% بينما هاريس 48.4% ، لذلك انتقل المرشحين بين الولايات المتأرجحة لحشد الناخبين على التصويت، وباستقراء الخلفية التاريخية للسبعة ولايات متأرجحة لمحاولة توقع اتجاهات التصويت، تبين ما يلي:
ففي بنسيلفانيا التي تعد أكبر الولايات المتأرجحة والتي فار بها دونالد ترامب عام 2016 وعادت إلى الحزب الديمقراطي في 2020 نتيجة مشروعات البنية التحتية التي أطلقها جو بايدن، فهي تتميز بمكانة استراتيجية في الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث ستكون النتائج في هذه الولاية حاسمة في تحديد الفائز في الانتخابات، كونها تحظي ب 19 مندوبا في المجمع الانتخابي.
اما ميشيغان، فقد تعد معقل الحزب الديمقراطي ألا انه في 2016 تم ترجيح كفة جو بايدن وهو ما اثار العديد من التساؤلات حينها، غير ان الحزب الديمقراطي قد استعادها في 2020 وبالتالي تمثل هذه الولاية ذات الأغلبية العربية المسلمة نقطة فاصلة أخري في الانتخابات خاصة في ظل وجود انقسام بين الجالية العربية، حيث انه يوجد اتجاه متنامي يتعلق بالمقاطعة وعدم التصويت وبالتالي تواجه هاريس مشكلةً في كسب أصوات العرب والمسلمين الأميركيين بسبب دعم إدارة بايدن، للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، غير إن خطابها في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي جاء مخيّبًا لآمالهم.
أما ولاية ويسكونسن، فقد تتشابه مع ميشيغان فقد خسرها الديمقراطيين في انتخابات 2026 وتم استعادتها في 2020 وولاية جورجيا التي يسيطر علي سكان أمريكيين من اصل أفريقي وهو ما يمثل افضلية لصالح كاملا هاريس إلا ان هناك جانب يؤيد مشروع ترامب الذي ينص علي ألغاء الضمانة الفيدرالية للإجهاض وبالتالي ستشكل هي الآخري نقطة حاسمة في ظل الصراع الدائر في المنطقة اخذا بالاعتبار أم
في حين ان كارولينا الشمالية الولاية المتأرجحة التي لم تصوت لصالح الحزب الديمقراطي منذ 2008، إلا انها قد انتخبت حاكم ديمقراطي عام 2017 وقد استغل ترامب الاثار المدمرة لإعصار هيلين الذي تسبب في مقتل 63 شخصاً للتشكيك في سياسات الديمقراطيين واهتمامهم بالولاية.
اما سادس ولاية متأرجحة هي اريزونا المتاخمة للحدود مع المكسيك ، فهي تعد ولاية جمهورية بالأساس لكنها ايدت الديمقراطيين في انتخابات 2020 ومع ذلك هناك فرصة لترامب للفوز بها نتيجة تركيزه على ملف الهجرة الغير الشرعية وهو ما يساهم بحد كبير في تغيير قواعد اللعبة
ومنذ 2004 لم تصوت ولاية نيفادا لصالح أي مرشح جمهوري غير ان المحافظين يعتقدون أن بإمكانهم الفوز خلال الاعتماد علي تصويت سكان أمريكا اللاتينية الذين ينفصلون بشكل متزايد عن المعسكر الديمقراطي
بعد استعراض جميع المعطيات المذكورة عاليه، فهناك صعوبة في وضع تقديرات تتعلق بحسم كفة مرشح علي غيره فالاحتمالات متقاربة إلي حد كبير وبالتالي أي تقدم لاحداهما سيحسم الانتخابات، كما يبدو أنه لم يكن هناك اقتناع كامل بأي من المرشحين أو برامجهم. ومع ذلك، يمكن القول إن التصويت في الانتخابات الأمريكية يعد تصويتًا عقابيًا، يهدف إلى منع مرشح معين من الفوز على آخر.