في ذكرى يوم الشهيد.. تضحيات القوات المسلحة تروي رمال شمال سيناء
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
تحيي مصر والقوات المسلحة في التاسع من مارس من كل عام ذكرى يوم الشهيد، وهو ذكرى استشهاد الفريق أول عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق الذي استشهد عام 1969 على الجبهة وسط جنوده، حينما ضرب أروع الأمثال في الفداء والتضحية من أجل حماية الوطن.
وعلى مدار التاريخ، قدم الجيش المصري بعطاء أبنائه وتضحياتهم جيلًا بعد جيل، نماذج فريدة للعمل والعطاء بكل الصدق والشرف، حافظوا فيها على أمن الوطن وحماية ثوابته واستقراره، في إيمان كامل بأنه لا تفريط في أمن مصر القومي مهما كانت التضحيات.
ولأن القوات المسلحة الدرع الواقية لمصر والحصن المنيع لأمنها واستقرارها وسلامة شعبها، كانت لسيناء على موعد مع ملحمة جديدة من ملاحم الجيش المصري في الدفاع عن تراب الوطن المقدس، حيث ارتوت الأرض المباركة بدماء الشهدائها أمام جماعات الظلام والإرهاب والتكفير على مدار أكثر من عشرة سنوات، واجه فيها الجندي المصري بشجاعة وبسالة كل من أراد الشر لهذا الوطن الآبي.
ففي أعقاب أحداث عام 2011، وما صاحبها من مظاهر الفوضى المدمرة، التي طالت العديد من دول المنطقة، وتنامي ظاهرة الإرهاب، وانتشار التنظيمات المسلحة، كان للقوات المسلحة بتماسكها وتلاحمه بأبناء الوطن الدرع القوي الذي حافظ على بقاء الدولة المصرية في مرحلة هي الأصعب في تاريخ مصر الحديث، وما لبث أن استتبعها ثورة شعبية في 30 يونيو 2013، استطاع خلالها الشعب المصري، بدعم من القوات المسلحة، فك ارتهان الدولة المصرية بقيمها وتاريخها الحضاري، من جماعات الإرهاب، التي استطاعت خلال عام واحد أن تبث سمومها وتشيع الظلام والألم في أوصال الدولة المصرية.
لذلك، كانت القوات المسلحة مُدركة لحجم التحديات والتهديدات المحيطة، ليس فقط بالأمن القومي المصري، بل بوجود مصر وكيانها، تعرف تعلم أن الهدف هو إسقاط هذا الكيان الهائل والكتلة البشرية الصلبة وإخضاعها لنظرية التفتيت والتقسيم التي تجتاح عالمنا العربي ومحوره الرئيسي وعموده الفقري هي مصر.
وقد واجهت مصر تحديات لم تمُر بها من قبل من الفترة عام 2011 حتى عام 2022، لذلك، كان لزاما على الدولة المصرية بأن تتخذ العديد من الإجراءات سواء كانت سياسية أو أمنية أو عسكرية أو اقتصادية، من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي المصرية وتماسك النسيج الوطني للشعب، لمواجهة تلك التحديات، وبعد نجاح ثورة 30 يونيو، ظهر واضحا مدى التحديات التي تواجه الدولة المصرية، وكان على رأس تلك التحديات، هو تحدي مواجهة الإرهاب في مصر خاصة في سيناء.
تطهير سيناء من الإرهابوضعت القيادة السياسية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والقيادة العامة للقوات المسلحة في تخطيطها لمكافحة الإرهاب الذي شهدته أرض الفيروز من الفترة 2011 حتى عام 2022 العديد من الاعتبارات، منها تنفيذ المهام العسكرية بالتوازي مع إعادة الحياة لطبيعتها، خاصة القرى المتاخمة لمناطق العمليات بوسط وشمال سيناء، وبالتوازي أيضًا مع عملية المشروعات التنموية التي تشيهدها الدولة فى سيناء والتي وصلت إجمالي استثمارتها أكثر من 800 مليار جنيه.
خلق بؤرة إرهابية جديدة تكون في سيناءكان من المُخطط أن يتم خلق بؤرة إرهابية جديدة تكون في سيناء، ويتم نقل العناصر الإرهابية لها من مغرب الأرض ومشرقها، لكن نجاح قوات الأمن في تدمير البنية التحتية واللوجستية للعناصر الإرهابية والتكفيرية، ساهم في إحباط ذلك المخطط، وفي ذات الوقت، قامت الدولة المصرية ومؤسساتها ومنها القوات المسلحة، بعملية تنمية شاملة في جميع سيناء، لتصل للعالم رسالة، أن سيناء جزء من مصر وأساس الأمن القومي المصري.
وقد نجحت القوات المسلحة في إعادة الإستقرار وتوفير الأمن لأهالي سيناء، كذلك عودة الحياة لطبيعتها وتدمير البنية التحتية للإرهاب من مخابئ وملاجئ ومخازن الأسلحة والذخائر والمتفجرات والعبوات الناسفة والأدوات المستخدمة فى تصنيعها، والقضاء على القيادات الرئيسية للعناصر الإرهابية وإلقاء القبض على العديد من المشتبه بهم.
التزمت القوات المسلحة والشرطة المدنية بالحفاظ على القواعد والضوابط والمعايير الخاصة بحقوق الإنسان وتوفير الحماية الكاملة للمدنيين من أبناء الشعب المصري في جميع المناطق التي شهدت عمليات مداهمات أمنية والالتزام الدقيق بقواعد الاشتباك المعمول بها دوليًا.
كما التزمت القوات بقواعد الاشتباك التي تم وضعها بدقة، مع اتخاذ جميع الإجراءات القانونية ضد العناصر الإرهابية والمطلوبين جنائيا وإحالتهم إلى المحاكمة وفقا للمعايير والضمانات التي كفلها الدستور، كذلك الإفراج عن العناصر المشتبه بهم بعد استكمال مراجعة موقفهم الأمني.
أشادت الأمم المتحدة عبر تقريرها رقم 14 والتي تقدمت به إلى مجلس الأمن الدولي خلال النصف الثاني من عام 2021؛ بجهود مصر في مجابهة ومكافحة الإرهاب، وقد تضمن تقرير الأمم المتحدة جهود الدولة المصرية والقوات المسلحة في مجابهة الارهاب؛ والذي أشاد بجهود مصر في مجابهة ومكافحة الإرهاب؛ بالتوازي مع تحقيق التنمية في سيناء.
وأوضحت الأمم المتحدة في تقريرها أنه في مصر؛ حدث انخفاض في نشاط تنظيم أنصار بيت المقدس ؛ وهذا التنظيم جماعة محلية منتسبة إلى تنظيم داعش تظهر بكثرة في دعايته.
وكشفت الأمم المتحدة في تقريرها أنه يرجع الفضل في ذلك إلى عمليات مكافحة الإرهاب وإلى مبادرة لدعم انشقاق قادة تنظيم أنصار بيت المقدس ؛ فقد أضعف بذلك الروح المعنوية وعزز الإنطباع بأن الجماعة أخذة في الإنحسار، ونوهت الأمم المتحدة أن الاستثمار ات العامة في مجالات البنى التحتية والنقل والإسكان في سيناء زادت من جهة أخرى.
عودة الحياة لطبيعتها إلى شمال ووسط سيناءبعد نجاح كبير للعمليات العسكرية في سيناء نجحت القوات المسلحة في إعادة الحياة إلي طبيعتها مرة أخرى إلى مدن وقرى شمال ووسط سيناء حين انتظمت الدراسة فى المدارس والجامعات كما أن الشوارع والميادين والأسواق فى العريش والشيخ زويد ورفح عادت تنبض بالحياة من جديد، كما دارت عجلة الإنتاج بالمصانع، كما شهدت البنية التحتية طفرة غير مسبوقة خلال السنوات السابقة لم تحدث على مدار عقود.
كما يظهر التواجد الأمني المكثف الذي انعكس بشكل إيجابي على حالة الهدوء والاستقرار، وكذلك تنفيذ خطط التنمية والتطوير، فيما تستقبل القرية الأوليمبية بمدينة العريش، بآلاف الرياضيين الموهوبين من شباب المدارس والجامعات وإقامة العديد من المعارض الفنية والإبداعية والمهرجنات الرياضية والفنية، كما كانت شواطئ شمال سيناء قبلة للمصريين مرة أخرى.
تنمية سيناءتولى القيادة السياسية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي ،اهتمامًا كبيرًا بتنمية سيناء وتضعها على رأس أولوياتها في خطط التنمية والتطوير، حيث أن هناك العديد من المشروعات القومية والتنموية الزراعية والصناعية وفي مجال البنى التحتية يتم تنفيذها على أرض سيناء وفقًا لمخطط الدولة لتحقيق التنمية المستدامة.
لقد بدأ خطوات التنمية الحقيقية لسيناء، بافتتاح قناة السويس الجديدة، التي نفذت بأيد ومعدات مصرية شارك أبناء سيناء في تلك الملحمة، كما شملت التنمية، تطوير منطقة شرق بورسعيد، في إطار مشروع تنمية محور منطقة قناة السويس، الذي يقع معظم مشروعاتها في سيناء، ويشمل ميناء ومنطقة صناعية ومنطقة لوجيستية ووحدات مجالات التنمية المختلفة في سيناء.
كما تشمل التنمية إنشاء مشروع مدينة الإسماعيلية الجديدة - سلام مصر - رفح الجديدة، بالإضافة إلى تطوير طرق سيناء بالكامل، كما تم إنشاء مطار البردويل ورفع كفاءة مطار العريش، بالإضافة إلي مدن وتجمعات سكنية جديدة في قلب سيناء.
كما تم رفع كفاءة الموانئ والمزارع السمكية واستصلاح الأراضي وبناء مدن صناعية كما تم توصيل وتحديث ورفع كفاءة البنية التحتية والأساسية، بالإضافة إلي إقامة مشاريع صغيرة ومتناهية الصغر لصالح أهالي شمال وجنوب سيناء.
ولربط سيناء بباقي أرض الوطن، والتغلب على مشاكل عبور المواطنين من إلي سيناء، تم إنشاء 5 أنفاق، منهم نفقين في الإسماعيلية ونفقين في بورسعيد أسفل قناة السويس، بمنطقة جنوب بورسعيد وشمال الإسماعيلية، وإقامة العديد من الكباري العائمة على ضفتي القناة، كذلك تطوير ميناء العريش البحري.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: القوات المسلحة يوم الشهيد الجيش المصري سيناء الامن القومى المصرى العناصر الإرهابیة القوات المسلحة فی الدولة المصریة البنیة التحتیة الأمم المتحدة شمال سیناء العدید من فی سیناء
إقرأ أيضاً:
والدة النقيب محمد أحمد عبده لـ«الأسبوع»: «الشهيد» ورفاقه أجهضوا رفع الرايات السوداء وإعلان «ولاية سيناء»
واجه الإرهابيين بملابسه المدنية.. ورحل متمسكًا بسلاحه ومرددًا الشهادتين
- ودّعتُ السعادة مع فراقه.. وأروي الآن تفاصيل بطولاته بكل فخر
- استشهاده فخرٌ لكنه كسر قلوبنا جميعًا.. ومصر باقية بشبابها
- سأظل أدافع عن بلدي لأخر يوم في عمري.
- البلد دي دفعت فيها دم ابني أول فرحتي ومش ندمانة
في مطلع يوليو عام 2015، شهدت منطقة الشيخ زويد بشمال سيناء معركة شرسة استبسل خلالها النقيب محمد أحمد عبده ورفاقه في الدفاع عن موقعهم العسكري ضد هجوم إرهابي واسع النطاق. وسط النيران الكثيفة والمحاولات اليائسة من العناصر التكفيرية لاختراق خطوط الدفاع، ظل محمد يقاتل بشراسة، مسيطرًا على دبابة كان يدير منها المواجهة. ورغم إصابته، رفض التراجع واستمر في إطلاق النيران، لكنه سقط شهيدًا وهو «يتمسك بسلاحه، ويردد الشهادتين»، وفقًا لشهادة زملائه.
عن اللحظات التي سبقت الاستشهاد، تقول والدته، أمل المغربي، لـ«الأسبوع»: «كان يوم 14 رمضان. كنا ننتظره قبلها بيوم، لكنه اتصل بكل الأسرة، لم يستثنِ أحدًا منا، كأنه كان يودعنا دون أن نشعر. كان هادئًا على غير العادة، رغم أنه متعود يضحك معنا بصوت عالٍ، ويحاول أن يسعدنا بكلامه. قبل 24 ساعة من استشهاده، كان الوضع مختلفًا. كلماته كانت تحمل معنى عميقًا لم يفهمه أحد منا في وقته».
تضيف الأم: «خلال المكالمة سلَّم على والده. قال لي: يا ماما، اتكلمي، عايز أسمعك. استغربت من كلامه، لكن ما كانش في بالي احتمال بسيط إنه مش راجع. قال لي إنه واخد إجازة من 15 رمضان لحد العيد.كان أسعد خبر لنا. كان أول رمضان من يوم ما اتخرج من الكلية الحربية ما يحضرش معانا رمضان. هو كبير إخواته، ووجوده بيعمل بهجة، لكنه استُشهد تاني يوم المكالمة، تحديدًا الساعة 7 الصبح».
«عرفنا الخبر الظهر. شقيقه، مازن، كان فاتح فيس بوك. فجأة انهار، وسمعت صوته بيعيط في غرفته. رُحت أشوف فيه إيه، قال لي: محمد يا ماما.. .محمد.. .سألته: فيه إيه؟ وأنا مش عايزة أسمع منه إجابة. صرخت بأعلى صوتي وأنا بقول: ابني! الجيران نزلوا على صوتنا، وفيهم اللي كان عارف الخبر من بدري».
محمد.. مصدر البهجةتتعلق عيون والدة الشهيد بالسماء وهي تقول: «محمد، بدون مبالغة والله، كان مصدر البهجة والفرحة والسعادة في البيت. شخصيته قوية، ومبتسم على طول، وصوته كان له معانٍ كتيرة، حنية ورجولة واحتواء. كان أول ما ينزل إجازته، إخوته يتلموا عليه ويفضلوا يضحكوا. والدهم كان بيبقى فرحان وهو شايفهم مبسوطين، ويدعي لهم يكونوا مع بعض على طول. نلاقيهم قايمين يلبسوا. أقول لهم: رايحين فين؟ يقولوا: محمد هيخرجنا يا ماما. كان يحتوي إخوته».
تكمل: «محمد ابني الكبير، ربنا رزقني به بعد خمس سنين زواج، وبعده بسنتين وُلدت منة. بعدها بثلاث سنين، مازن. محمد، خلال دراسته، كان متفوقًا ومحبوبًا في كل المراحل التعليمية. حصل على شهادة الثانوية العامة بمجموع 94%، لكنه فضَّل الكلية الحربية على الهندسة. التحق بسلاح المدرعات، وكان مشهودًا له بالانضباط والكفاءة والشجاعة، وتم ترشيحه لقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في دولة الكونغو. بعدها رجع مصر في 2013، وعنده خبرة كبيرة حول قدرات وتدريب وتسليح الجيوش اللي لها عناصر في القوات الدولية».
تقول الأم: «لما رجع من قوات حفظ السلام، كان قائد سَرِيَّة وأخذ فِرْقَة تدريبية. فرحنا أنا ووالده. اتَّاري ابني لما رجع طلب نقله لسيناء علشان يكون مع الأبطال. كان دايمًا بيتمنى يكون معاهم. كان يقول لنا: هم موجودين هناك علشان يدافعوا عن مصر كلها. تم قبول طلب النقل. الضباط والجنود اللي بيروحوا سيناء ليهم معايير خاصة جدًا، على الفرازة. مكنتش أعرف إنه في سيناء. قال لي: أنا رايح الإسماعيلية، علشان ما نقلقش عليه. مكناش نعرف إنه هناك. كل مكالماته كان بيطمنّا: المكان كويس، والجو تحفة، وإنه تمام».
أمل المغربي:
- مكالمة الوداع الأخيرة قبل الاستشهاد كانت تحمل معاني فهمناها بعد رحيله
- قال لشقيقته في المنام: «الجنة ولا الفرح؟».. فرحلت قبل زواجها بـ٣ أيام
- ابني اختار المواجهة بدل الإجازة ليبقى علم مصر خفاقًا على الحدود
بطل في ساحة المعركةتروي والدة الشهيد، نقلًا عن زملاء نجلها البطل: «وردت معلومات للقيادة عن وجود مخطط إرهابي قبل إجازة محمد اللي المفروض كان نازلها. عدت أربعة أيام دون تحرك من العناصر التكفيرية. كانت الأمور مستقرة، فقرر ينزل الإجازة بعد حصوله على تصريح رسمي بها من قائده، وما كانش عنده تكليف بالبقاء في الموقع. لكن وهو في الطريق، سمع بالهجوم على أكمنة وارتكازات في توقيت واحد، من ضمنها الكمين اللي كان بيقوده وسلَّمه قبل الإجازة لزميله. لم يتردد لحظة في العودة، رغم أنه كان بالزي المدني، وانضم إلى القتال فورًا».
زملاؤه يروون تفاصيل المعركة التي خاضها: «كانت أعداد المهاجمين ضخمة، أكثر من 70 عنصرًا مدججين بأسلحة ثقيلة، لكن محمد ورفاقه قاتلوا بشراسة. كان يدير المعركة من داخل دبابته، يناور ويضرب مواقع التكفيريين، ملحقًا بهم خسائر فادحة، حتى أصيب. استُشهد محمد وهو يردد الشهادتين». تقول والدته: «محمد، ابني البطل، فداء لبلده. كنت حريصة أعرف استشهد إزاي؟ الرصاصة في ظهره ولا في صدره؟ تأكدت أنه غادر الحياة وهو يحافظ على أرضه وسلاحه، مُقبِل غير مُدبر. كانت معركة مهمة، لو نجح الهجوم، لاستولى الإرهابيون على الموقع ورفعوا راياتهم السوداء عليه، وأعلنوا ما يُسمى بـ"ولاية سيناء"، لكن جهود القوات المسلحة، وتضحيات الشهيد محمد واللي زيه، أفشلت المخطط وسحقت المهاجمين».
تستحضر والدته كل معاني الصبر والفخر: «اللي حصل هدّاني شوية، ريّحني بدل ما أبكي فراقه، بقيت أحكي بطولاته وأمجاده. اللي بيعرفوه بيقولوا لي: محمد، مش ابنك لوحدك، ده ابننا كلنا، بطل رفع راسنا، دافع عنّا وعن بلدنا. استشهاد ابني فخر ما بعده فخر»، تضيف: «بقول للجميع: مصر أمانة في رقبتنا، الأمانة اللي لازم نحافظ عليها. أمانة دفعنا فيها دم كتير وطاهر. شباب في عمر الزهور. محمد كان عنده 24 سنة. دفع دمه وعمره وشبابه. الشهيد ربنا ذكره في القرآن الكريم، حيّ يُرزق، مكانه في الجنة إن شاء الله، يدخلها بدون حساب ولا سابقة عذاب، وهيشفع لنا».
تضيف: «بعيدًا عن ساحة المعركة، فقدانه كسر قلبي ونفسي. بصراحة، بعد الاستشهاد كان كل اللي همني إني مش هشوف ابني تاني. محمد كان عمود العيلة، كان ابني وصاحبي. كنت ساعات بستشيره لو فيه حاجة مش عاوزة أقولها لباباه علشان ما يزعلش. أكلمه وأحكي له. كان عاقل في رأيه ونصايحه. كان في ضهري وضهر إخواته»، تكمل بحزن: «خاصمت الدنيا من بعده. ضحينا بالسعادة والبهجة والفرح».
رؤية.. وحالة وفاةتكشف والدة الشهيد عن اختبار آخر في حياتها، قائلة: «منة، بنتي، كانت بتعتبر أخوها محمد شخص غير عادي. بعد وفاته بثلاث سنين، كان زفافها. كانت كاتبة في مذكراتها إنها اتكسرت بعد استشهاد محمد، وإن الدنيا ملهاش طعم، ونفسها تروح له، وتكون شهيدة زيه. يوم وقفة عيد الأضحى، في 20 أغسطس 2018، كنا صايمين يوم عرفة. شقتها كانت جاهزة، وكنا بنحضر لفرحها اللي فاضل عليه أسبوعين. صحيت من النوم، فجأة، وقالت لي: «ماما، أقسم بالله أنا هموت. شوفت محمد أخويا في الحلم، كان عليه قماشة بيضا. سلمت عليه. خيرني: الجنة ولا الفرح يا منة؟». وقد كان. ماتت.
تقول الأم: «حسيت بسكينة في قلبي، نظرت للسماء، وقلت لربنا: معقولة 2 في 3 سنين؟ مش كتير عليا؟ حسيت برسالة تسليم للقضاء، معرفش جات لي منين. منة، كانت متأثرة جدًا باستشهاد محمد.كان شقيقها وصديقها، بتحكي له كل حاجة. كانت مهندسة، اتعيّنت في شركة الكهرباء تكريمًا له بعد الاستشهاد.كانت صحتها كويسة. وفاتها واللي كانت كاتبة في مذكراتها يبين تأثير أخوها عليها. كان بالنسبة لها نموذج للشاب اللي كانت تتمنى ترتبط بواحد زيه».
تطرقت الأم لحالة «مازن»، شقيقه الأصغر لمحمد.رغم فخره بأخيه الشهيد، يشعر بوجع عميق، يقول لي: «بعد إخواتي أنا عايش صورة بس، لو هتخيروني بين الدنيا ونعيمها أو إني أروح لأخواتي، هختار أخواتي». تكمل الأم: «مازن قال لي: يا أمي، متزعليش مني، أنا وقت اللزوم هروح أتطوع في الجيش. قلت له: أزعل إزاي؟ كفاية إني شايفة قدامي راجل. أنا معاك يا مازن. مصر غالية، لكن فيها جيش هو خير أجناد الأرض، وإحنا في رباط إلى يوم الدين. ده كلام الرسول ﷺ، يا مازن».
رسالة من أم الشهيدتوجّه والدة الشهيد، محمد، رسالة لشباب مصر: «البلد هتقوم على أكتافكم. اصمدوا يا ولادي. خلي إيدكم في إيدين بعض، وحبوا بلدكم. على قد ما تحبوا البلد، ربنا هيكرمنا بيها. مصر هتقود المنطقة، ويكون لها دور كبير في العالم. أنا مستبشرة خير. بقول له: يا رب، أنا مش هتنازل عن إني أشوف بلدي حاجة كبيرة، علشان أحس إننا دفعنا تمن حاجة تستاهل، وربنا يحييني وأشوف ده بعيني، ومحمد يتأكد إن دمه ساهم في رفعة بلده».
تؤمن أم البطل أن مصر تستحق التضحيات، وأن القيادة السياسية تدرك حجم المسؤولية: «عندنا قيادة واعية، حكيمة، رئيس حاطط روحه على كفه. تاني يوم استشهاد ابني، ارتدى الرئيس عبد الفتاح السيسي لبسه الميري، وطلع على سينا. كأن بيقول للعالم كله: أنا واللي ورايا صف واحد دفاعًا عن مصر. هو بطل تصدّى لإنقاذ البلد اللي كانت بتواجه خراب ودمار، مؤمن، يعرف ربنا صح، وربنا بيساعده في تحويل المحنة لألف منحة».
تؤكد بثقة أن على الجميع أن يقف في ظهر القيادة: «لازم نقف في ضهره ونساعده في تحويل السلبيات لإيجابيات. البلد دي كانت إيه، وأصبحت إزاي؟ والله لو هنجوع، نجوع لكن جوه بلدنا، لا إحنا مشردين، ولا بلاد تانية ترفض تستقبلنا». تشدد: «البلد دي باقية، وطول ما هي بخير، إحنا بخير. وطول ما إحنا مع بعض إيد واحدة، هتكون في أمان. الناس اللي زعلانة من حاجات، زي غلاء المعيشة اللي بيكوي العالم كله، بقول في نفسي: وده يساوي إيه جنب أم ضحّت بابنها؟ لكن أنا فرحانة بوعي الناس دلوقتي، لما حسيت بالخطر على البلد أصبحنا جميعًا إيد واحدة».
وفيما قرر محافظ الإسكندرية، عام 2015، إطلاق اسم الشهيد النقيب محمد أحمد عبده على أحد الشوارع المتفرعة من شارع عمر المختار، وعلى مدرسة ابتدائية تابعة لإدارة شرق التعليمية بالإسكندرية، ليظل اسمه محفورًا في ذاكرة الوطن، تمامًا كقلوب محبيه، فإنه رغم الألم، تظل أمل المغربي، والدة الشهيد، تقف بشموخ. تؤمن بأن مصر تستحق كل التضحيات، وتثق في أن «الأمانة التي تركها الشهداء في رقابنا لن تُضيّع». تقول بحسم: كـ«مواطنة مصرية، وأم شهيد، سأظل أدافع عن بلدي بكل قوة لغاية أخر يوم في عمري. البلد دي دفعت فيها دم ابني، أول فرحتي، ومش ندمانة، اللي شارك في النصر على الإرهاب الأسود».