قال مجمع البحوث الاسلامية، إن من أهم دعائم المجتمع الصالح الذي ينشده الإسلام، ويدعو إليه، ويحث عليه، أن تسود بين أفراده المحبة والإخاء، والصدق والإخلاص، والتعاون على البر والتقوى.

وأوضح مجمع البحوث الإسلامية فضل إصلاح ذات البين، قائلا إن المتأمل في الشعائر التي يقوم بها المسلم، ويُطالب بأدائها يجد أنها تؤكد على هذه المعاني، وتُدَرِّب المسلم على التخلق بها، فمثلا العبادات شرعت فيها الجماعات لتأليف القلوب ونبذ الخلافات، وأن يُرى المسلم بين إخوانه على قلب رجل واحد، وفي جانب المعاملات حَرَّمَ الإسلام كل ما يجلب الخلاف، وينشر الأحقاد، ووضع الإسلام مبدأ عامًا في المعاملات: أن كل ما أدى إلى النزاع والخلاف منهي عنه شرعًا.

 

وكثيرًا ما نجد الشيطان ينزغ بين بني الإنسان بغية الوقيعة بينهم، وإفساد ذات البين، قال – تعالى -: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا} [الإسراء: 53].

وقال – ﷺ –: {إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ} رواه مسلم. 

ومعني قوله – ﷺ -: {وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ}: أي أن الشيطان يسعي بين الناس بالخصومات والشحناء والحروب والفتن وغيرها، فيحدث الخلاف والنزاع، ويكون الخصام استجابة لفعل الشيطان.

وطبقا لما يفرضه علينا ديننا أن نسعى بالصلح والتوفيق بين المتخاصمين والإصلاح بينهم، لكي نُفَوِّت على الشيطان غوايته وإفساده بين بنى البشر؛ وذلك استجابة لنداء الرحمن: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1]، وقوله: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128]، وقوله: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114].

بل أباح الإسلام في الإصلاح بين الناس كل كلمة طيبة تثلج الصدور وترفع الضغائن والأحقاد، وإن كانت في أرض الواقع ليس لها وجودًا، فقال – ﷺ -: {لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا، أَوْ يَقُولُ خَيْرًا} متفق عليه. 

فيجب أن يكون من يقوم بالإصلاح غير مراءٍ أو طالب رياسة، وأن يتحلى بأخلاق رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في إصلاحه بين الناس، مذكرًا المتخاصمين عاقبة الظلم، مبينًّا فضل العفو.

فعن أُمِّ سَلَمةَ- رضي اللَّه عنها-: أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: {إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ} مُتَّفَقٌ عَلَيهِ. 

وقد رتب الشرع الحكيم على الإصلاح بين الناس أجورًا عظيمة، فقال- ﷺ - لأبي أيوب رضي الله عنه: {يَا أَبَا أَيُّوبَ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى صَدَقَةٍ يُحِبُّهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ: تُصْلِحُ بَيْنَ الناس إذا تباغضوا، وتفاسدوا}. رواه الطبراني (4/ 138). 

وكما رتب الإسلام عظيم الأجر على الإصلاح بين الناس، فقد بيّن عظيم الإثم والوز على الشقاق والنزاع، فقال – ﷺ -: {أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ»، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «صَلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ}. رواه الترمذي. 

وختامًا أيها السائل الكريم: “الإصلاح بين الناس له فضل عظيم، وأجر جزيل صاحبه مثاب، ومرفع الدرجات.  فاللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام”.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: ن الناس

إقرأ أيضاً:

رجب بوابة رمضان.. أثر المواظبة على العبادة في الاستعداد للشهر الفضيل

مع حلول شهر رجب، يفتح الله لنا بابًا جديدًا من الرحمة والمغفرة، فهو من الأشهر الحرم التي خصها الله بمكانة عظيمة. ويعتبر رجب محطة تحضيرية مهمة لشهر رمضان المبارك، حيث يستغل المسلمون هذا الشهر لتهيئة أنفسهم روحيًا وجسديًا من خلال المواظبة على العبادات والتقرب إلى الله، استعدادًا لشهر الصيام والرحمة، في هذا الموضوع، نستعرض الأثر الروحاني لشهر رجب ودوره في تعزيز الاستعداد لرمضان، وأهمية اغتنام أيامه ولياليه في الطاعات.

رجب.. شهر عظيم في الإسلام

شهر رجب هو أحد الأشهر الحرم التي ذكرها الله في القرآن الكريم في قوله تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36].


ومن هذه الأشهر، رجب الذي عُرف بكونه شهر التوبة والاستغفار والإكثار من الطاعات. وقد كان السلف الصالح يُعظّمون هذا الشهر ويستغلونه في الصيام والصلاة والدعاء، وكانوا يعتبرونه مقدمة للتجهيز الروحي لشهر رمضان.

 

أثر العبادة في رجب على الاستعداد لرمضان

شهر رجب يعد فرصة عظيمة للمسلم ليتدرب على العبادة ويُدخلها في روتين حياته، مما يسهل عليه الالتزام في رمضان. ومن أبرز آثار المواظبة على العبادة في رجب:

1. تصفية النفس والتوبة

رجب هو شهر الاستغفار وتجديد العلاقة مع الله، حيث يكثر المسلمون من التوبة النصوح، استعدادًا لدخول رمضان بقلوب نقية متوجهة لله، التوبة في رجب تمنح العبد بداية جديدة وفرصة لترك الذنوب.

2. التدرج في الصيام

الصيام في رجب يساعد في تعويد النفس والجسد على مشقة الصيام. وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يُكثر من الصيام في الأشهر الحرم. الصيام في رجب يجعل البدء بصيام رمضان أقل مشقة ويهيئ النفس للالتزام.

3. الإكثار من النوافل

يُعد شهر رجب فرصة لزيادة النوافل، كقيام الليل وقراءة القرآن، مما يعين المسلم على الاستمرار في هذه العبادات خلال رمضان.

 المواظبة على النوافل في رجب تُرسّخ حب الطاعة وتجعلها عادة سهلة في الشهر الفضيل.

4. تهيئة القلب لروحانية رمضان

الالتزام بالعبادات في رجب، مثل الذكر والتسبيح والدعاء، يعزز من خشوع القلب وتقربه لله. ومن يعتاد على الروحانية في رجب، يجد نفسه مهيأً أكثر لاستقبال نفحات رمضان.


 

عبادات مستحبة في رجب

الصيام: يُستحب صيام الأيام البيض (13، 14، 15) أو صيام أي يوم تطوعًا، اقتداءً بالسنة النبوية.

الإكثار من الاستغفار: فهو شهر المغفرة، ويقول الله في الحديث القدسي: "يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم."

الصدقة: الإنفاق في سبيل الله في رجب يزيد الأجر ويُعد من الأعمال المحببة.

الدعاء: الدعاء في رجب يُعَد تحضيرًا لدعوات رمضان.

 

كيف يساعد رجب في بناء عادات إيجابية لشهر رمضان؟

1. التدريب على الانضباط: المواظبة على الطاعات في رجب تعوّد النفس على الالتزام والانضباط، مما يُسهّل أداء العبادات في رمضان.


2. الارتباط بالقرآن: قراءة القرآن بانتظام في رجب يُنشئ علاقة وثيقة مع الكتاب الكريم، تجعل ختمه في رمضان هدفًا ممكنًا.


3. التخلص من العادات السيئة: يُعد رجب وقتًا مناسبًا لترك المعاصي والعادات السلبية، مما يساعد على استقبال رمضان بصفحة بيضاء.

 

 رجب بوابة لرمضان

رجب ليس مجرد شهر عادي، بل هو هدية من الله لمن أراد الاستعداد لرمضان، المواظبة على العبادة فيه تُسهّل الدخول في أجواء الشهر الفضيل، وتزرع في النفس حُب الطاعة والاستمرار عليها، فلنغتنم هذه الأيام المباركة، ولنجعل منها نقطة تحول في علاقتنا بالله، حتى ندخل رمضان ونحن في أفضل حال.

مقالات مشابهة

  • قاعة المؤسسات بمعرض الكتاب تناقش "حقوق المرأة بين الشريعة الإسلامية والتشريعات الوضعية"
  • مجمع البحوث الإسلامية: رحلة الإسراء والمعراج جسرًا سماويًا بين الأرض والسماء
  • واعظات الأوقاف في زيارة لجناح المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمعرض الكتاب
  • رمضان .. كيف تدرب نفسك على الصيام عن الشهوات
  • رجب بوابة رمضان.. أثر المواظبة على العبادة في الاستعداد للشهر الفضيل
  • وزير المالية: لأول مرة استثمارات القطاع الخاص تتفوق على الدولة بنسبة 63%
  • هل يجوز إخراج مبلغ مالي بنية الزكاة والصدقة معا؟.. الإفتاء توضح
  • "مخدر الشيطان".. ما هو "الشابو" الذي أثارت جرائمه فزع المصريين؟
  • وزير الشؤون الإسلامية يوجه بتخصيص خطبة الجمعة القادمة للتحذير من مدعي تعبير الرؤى
  • كيف أعبد الله؟ اعرف الطريقة الصحيحة للتقرب إلى ربك