الجزيرة:
2024-10-02@20:54:17 GMT

ماذا يريد (العم سام) من السودان؟

تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT

ماذا يريد (العم سام) من السودان؟

إذا حوّرنا قليلًا ذلك السؤال الذي طرحه المفكر والباحث الأميركي نعوم تشومسكي: ماذا يريد العم سام؟ وأضفنا له من السودان، فإن الوصول إلى إجابة نهائية لهذا السؤال الخطير تُعيدنا إلى إمعان النظر في طبيعة الإستراتيجية الأميركية إزاء السودان، والتي يبدو أنها تواجه مُعضلة عميقة، وهي عدم فهم ما يجري على الأرض، أو تجاهل ما يقوم به حلفاؤها في المنطقة بدعم أحد الأطراف، هو الدعم السريع تحديدًا، ما يعني دعم استمرار الحرب.

محاولات أميركية عبثية

في ديسمبر/ كانون الأول 2021 وبعد قطيعة دبلوماسية لنصف قرن تقريبًا، قامت الولايات المتحدة بتعيين جون غودفري سفيرًا لها في السودان، وسرعان ما انخرط الرجل في محاولات عبثية للتدخل في الشأن السياسي، وفرض جماعة علمانية على رأس السُلطة، لكنه وجد معارضة قوية من التيارات اليمينية، ثم رمى كل ثقله بعد ذلك وراء فولكر بيرتس رئيس البعثة الأممية، بَيد أن الأخير نفسه أخفق في مهمته، وتسبب في تعقيد الأوضاع بصورة كارثيّة.

غادر بيرتس الخرطوم غير مرغوب فيه، وسرعان ما لحقت به البعثة كلها، وفي مرحلة لاحقة اضطر غودفري لتقديم استقالته، لأسباب غامضة، وأسفر خطاب الوداع الذي ألقاه تحت أصوات الرصاص عن سياسة البيت الأبيض المضطربة.

ولعل ذلك السفير شعر بأنه تورّط في إشعال الصراع، أو لم ينجح في مهمته الدبلوماسية، حتى إنه لم يجد الوقت ولا الوسيلة للهروب من نيران القتال الذي فوجئ به على مقربة من مبنى السفارة في ضاحية سوبا، جنوب الخرطوم.

إخلاء مضطرب

عدم المبالاة أو بالأحرى الفشل الأميركي في استكناه حقيقة الأوضاع الميدانية، جعلَ صحيفة (واشنطن بوست) تسخر من ذلك الإخفاق الدبلوماسي، بما فيه فرار الرعايا الأميركيين في السودان؛ بحثًا عن الأمان.

ووصفت الصحيفة آنذاك جهود الإخلاء المضطربة بأنها ليست سوى الحادث الأخير في سنوات السياسة الأميركية في المنطقة، بما يعزز حقيقة العجز عن رؤية العلامات التحذيرية لاندلاع الصراع بين الجيش والدعم السريع داخل الخرطوم، حتى اصطدمَ آخر رهانات واشنطن، وهي المبادرة الأميركية السعودية، بطريق مسدود، وتهرُّب الدعم السريع، من تنفيذ اتفاق جدة في مايو/ أيار 2023، القاضي بخروج قواتهم من الأعيان المدنية، ووقف إطلاق النار، وقد فشلت واشنطن والرياض في تطوير آليات رقابية، أو إلزام أي من الأطراف المتقاتلة بحماية المدنيين والتوقيع على سلام ينهي معاناة الشعب السوداني.

جنجويد الإمبراطورية

ثمة كتاب مثير للجدل أصدره الدكتور والباحث السوداني عشاري محمود، تحت عنوان (جنجويد الإمبراطورية)، وقصد بهم شخصيات أميركية فاعلة في الملف السوداني، أشار إليهم بالاسم: فيكتوريا نولاند وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، ومولي في مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية، وثالثهما جون غودفري السفير الأميركي في السودان، حيث وصفهم دكتور عشاري بـ"الأقانيم الثلاثة المضخمة".

وقال؛ إن خطرهم على السودان والسودانيين يضاهي خطر الجنجويد المعروفين، أي قوات حميدتي، ويعملون على استنقاذ قادة الدعم السريع من الهزيمة، بالضغط على الجيش للذهاب إلى المفاوضات، وتحطيم المؤسسة العسكرية، وإخضاع السودان لهم ولعملائهم بالمنطقة، ثم نهب ثرواته.

لكن التطورات الدرامية التي صاحبت السياسة الخارجية الأميركية تجاه السودان مؤخرًا كانت لافتة للعيان، منها الاستقالة المفاجئة لغودفري، وتعيين اليهودي دانيال روبنشتاين بديلًا له، ثم تعيين (توم بيرييلو) مبعوثًا خاصًا بشأن السودان، ويعني ذلك – عمليًا – سحب ملف السودان من تحت يدي (مولي في) في محاولة أخيرة لاستعادة النفوذ الأميركي في أفريقيا، والإمساك بالخيط الضائع منها، تحت مخالب الدعم الروسي الذي كاد أن يهيمن على أهم موارد السودان، وهو الذهب، وبات جليًا أن من يصل إلى هذا المنجم المُهمل من الثروات هو الفائز في السباق.

الرهان الخاسر

من الواضح أيضًا أن المشرعين الأميركيين مارسوا ضغوطًا عنيفة لإنشاء هذا المنصب، وتوظيف بيرييلو لملء الفراغ الدبلوماسي في المنطقة بتحركات فاعلة على الأرض، تضمن لهم التحكم في مصير هذا البلد، لا سيما أن الولايات المتحدة استثمرت القليل جدًا من الطاقة الدبلوماسية، وخلقت أصواتًا معادية لها وسط العساكر والقوى الإسلامية، الأكثر فاعلية، فضلًا عن أن الرهان على حميدتي، المتهم بارتكاب جرائم حرب، والسعي لإبادة بعض القبائل الأفريقية كالمساليت والفور، سيكلف الحزب الحاكم هنالك أصوات لوبيهات مؤثرة في الانتخابات الأميركية.

لكن بالمقابل التخلي عن فكرة دعم آل دقلو سيكلفهم أيضًا خسارة دولة عربية ثرية، تستثمر مليارات الدولارات في الغرب، وتدعم بصورة جلية قوات الدعم السريع، بل نجحت في شراء أصوات كثير من القادة الأفارقة؛ بهدف تسويق حميدتي كما لو أنه الرئيس الفعلي للسودان.

لم تكتفِ الولايات المتحدة الأميركية باستعداء التيار الإسلامي في السودان فحسب، وإنما تعتبر قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وأركان حربه جنرالات إسلاميين! وقامت بفرض عقوبات على الأمين العام للحركة الإسلامية علي كرتي، في تطابق غير بريء مع رواية الدعم السريع بأن الحرب يقف خلفها (الفلول)؛ أي القوى الإسلامية، والتي اختارت بطوعها القتال إلى جانب القوات النظامية.

لكن المؤكد أن قادة المؤسسة العسكرية الحاليين أبعد ما يكونون عن أي التزامات بنهج الحركة الإسلامية، في المظهر أو الجوهر، وما زالوا يرفضون إطلاق سراح الرئيس المعزول عمر البشير، ويرفضون مشاركة المؤتمر الوطني في الفترة الانتقالية، فضلًا عن أن البرهان قاد بنفسه جهود التطبيع مع إسرائيل، ولا يمكن إطلاقًا أن تكون تلك رغبة الحركة الإسلامية الداعمة للقضية الفلسطينية.

يبدو أن حكومة بايدن تمضي في ذات النهج السابق، الذي عمل على منع وصول الأنظمة الوطنية، أو بالأحرى أصحاب المشروعات الإسلامية إلى السُلطة، حتى ولو تم ذلك بالانتخابات، على حساب أقلية علمانية منبوذة لا تزال تراهن عليها، وتريد فرضها بالقوة وهدم أي تجربة ديمقراطية تأتي بمن لا يطيقونه، وربما فات على العم سام أن العداء الأميركي للشعوب الأفريقية يجلب أصدقاء مثل روسيا والصين وإيران أيضًا.

لا شك أن ازدراء الولايات المتحدة الأميركية، القيمَ الديمقراطية وحقوق الإنسان يصعب أن تجد له مثيلًا، كما قال أحدهم، ويعني ذلك أن الحكومات الأميركية ليست مؤتمنة على مصلحة الشعب السوداني، ولا هي حريصة على الديمقراطية وحقوق الإنسان، ويمكن أن تدعم قوى الحرية والتغيير أو أي عسكري إذا خضع لها بالمرة، مثلما تدعم حميدتي حاليًا، وتتغاضى عن جرائمه، بتوظيف فئة طائشة من الوحوش الآدميين للقيام بالمهمة، ومن ثم التخلص منهم لاحقًا، بعد انزلاق السودان في أتون الفوضى الخلّاقة، وترتيب الأوضاع، بعد إنهاك كل الأطراف، وفقًا لتصوراتهم الاستعمارية.

ولكن هل ستنجح تلك الخُطة، أم أن إرادة الشعوب هي الأقوى؟

 

 

 

 

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة الدعم السریع فی السودان

إقرأ أيضاً:

إعلان جديد من السفارة الأميركيّة لمواطنيها في لبنان.. ماذا يتضمن؟

أعلنت السفارة الأميركية في بيروت أنها تعمل مع شركات الطيران لتأمين مغادرة المواطنين الأميركيين من لبنان من خلال توفير رحلات إضافية.  

The U.S. Embassy in Beirut is working with airlines to address U.S. citizens requests to depart Lebanon by providing additional flights with seats for personal purchase. For more information and to complete our intake form visit our website: https://t.co/6ssIKvvOI9 pic.twitter.com/SkJ4Pqfg5z

— U.S. Embassy Beirut (@usembassybeirut) September 30, 2024    

مقالات مشابهة

  • المبعوث الأميركي يرتب لإرسال قوات أفريقية لحماية المدنيين في السودان .. بيرييلو قال إن «جميع دول العالم تدعم وقف الحرب واستعادة الحكم المدني»
  • تدعم الجيش أم الدعم السريع.. أين تصطف دول الجوار في حرب السودان؟ (3)
  • حلفاء للجيش السوداني يعلنون تحقيق انتصار ساحق على قوات الدعم السريع
  • المحاولات الفاشلة والناجحة لحل الحزب الشيوعي السوداني ذو النفوذ النقابي القوي ودوافعها الرئيسية: ماذا يريد الحزب الشيوعي في السودان؟ (2 من 3)
  • وحدة خطاب (تقدم) و (مليشيا الدعم السريع) : اكذوبة إعدامات خارج القانون فى الحلفايا
  • الخارجية السودانية تقدم توضيحات جديدة بالصور عن إستهداف مقر سفير الإمارات بالخرطوم وتفاصيل تصفية مواطن على يد الدعم السريع
  • الحديث ان حرب الدعم السريع هي ضد المواطن وليس ضد الجيش امر لايمكن مغالطته
  • دفاعاً عن النفس.. توجيهات للقوات الأميركية في الشرق الأوسط بـالرد السريع على أي اعتداء
  • إعلان جديد من السفارة الأميركيّة لمواطنيها في لبنان.. ماذا يتضمن؟
  • حاكم إقليم دارفور: جهات دولية دفعت الدعم السريع للسعي لامتلاك السودان بالقوة