منير أديب يتساءل: ميناء غزة قرار سياسي أم إنساني؟
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
الطرح الأمريكي على لسان الرئيس في الكونجرس بإنشاء ميناء على سواحل غزة لا قيمة له؛ فالقرار الخاص بهذا الميناء جاء متأخرُا للغاية، فنحن نتحدث عن حرب مر عليها خمسة شهور كاملة وقد لا يتم بناء هذا الميناء إلا بعد شهر كامل من الآن؛ فضلًا عن الشروط الإسرائيلية التعجيزية لبناء هذا الميناء وإدارته.
قرار واشنطن ببناء ميناء على سواحل غزة يُعني استمرار الحرب وانحياز خفي لإسرائيل، وهو ما دفع حركة حماس ومازال للتمسك بشروطها التي تتعلق بخروج الرهائن الإسرائيلين، وهنا يمكن القول: إنّ أمريكا باتت جزءًا من مشكلة غزة وليست جزءًا من حلها، فضلًا على أنها لم تكن طرفًا محايدًا نزيهًا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قبل أكثر من سبعين عامًا.
هدف إنشاء ميناء غزة ليس ارسال المساعدات وإنما تقنين إرسالها! بمعنى مزيد من التضيق على سكان القطاع؛ فبدلًا من إرسال هذه المساعدات عبر معبر رفح والتي تُسيطر عليه مصر والحكومة المشكلة في قطاع غزة، بات هناك ميناء "أمريكي" سوف يكون في حوزة إسرائيل إذا استمر الاجتياح العسكري لقطاع غزة.
وهنا يبدو الفشل الأمريكي في حل الصراع، وهو ما سوف تدفع ضريبته واشنطن من سياستها الخارجية، فضلًا عما سوف يدفعه الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن وحزبه في الإنتخابات الرئاسية القادمة؛ ولذلك لا يمكن أنّ يُقارن الفشل الأمريكي في السياسة الخارجية الحالي بأي فشل أخر في أي مرحلة تاريخية أخرى، وهذا يعود في الأساس لإستجابة الإدارة الأمريكية للوبي اليهودي في الدوائر الأمريكية.
الفلسطينيون يموتون جوعُا نظرًا لنقص المساعدات عمدًا ورفض إسرائيل الدائم لدخولها ووضع عراقيل أمام هذا الدخول؛ كما أنها أخطأت بالضغط على الفلسطينين من خلالها، وقد يموتون تحت وقع هذه المساعدات التي يتم إلقاؤها عليهم جوًا؛ أو الوعد بإنشاء ميناء قد يستغرق ثلاثين يومًا وأكثر؛ فما الذي يمكن أنّ يجده الفلسطينيون بعد أن أكلوا علف الحيوان ونبات الصبار، حتى حشائش الأرض فقد احترقت بالنابلم الإسرائيلي.
الهدف من انشاء ميناء غزة هو مزيد من الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني؛ فإذا كانت واشنطن جادة في مساعدة الفلسطينيين لإرغمت إسرائيل على وقف آلة الحرب أو على الأقل وقف استهداف المشافي الصحية أو دخول المساعدات الإنسانية والطبية والإغاثية عبر معبر رفح المصري، ولكن قرار إنشاء الميناء المتأخر هو قرار سياسي وليس إنساني، وسوف يتم استخدامه للضغط على الفلسطينين وليس لحل مشاكلهم الرئيسية.
لا أحد يمكن أنّ يُنكر ما نجحت حماس في تحقيقه في 7 أكتوبر الماضي؛ فهو انتصار حقيقي بالمقاييس العسكرية، وأهميته ليس في الأهداف التي أحرزتها حماس في هذا اليوم ولكن في الدلالة، والتي يمكن اختصارها في إزالة هالة القداسة التي رسمتها إسرائيل لجيش الدفاع، هذه الهالة سقطت ومعها سقطت ورقة التوت الأخيرة عن أمريكا؛ وكل منهما سوف يدفع ضرية أكبر إنّ لم ينتبهو لضرورة تغيير سياساتهما.
لا يمكن أنّ يرسم ميناء غزة الحياة فيها بعد أن تخاذل العالم عن نجدة الشعب الفلسطيني، ولكن سوف تظل الأنفاق مأوى الحياة بداخلها بعد أنّ حاول العالم ومعهم إسرائيل أنّ يخفوها من على وجه غزة.
اختصارًا يلجأ الفلسطينيون إلى باطن الأرض لأنهم حرموا من الحياة على وجهها؛ وعندما تعقل إسرائيل هذه المعادلة سوف يكون هناك شأنٌ أخر؛ الشعب الفلسطيني يبحث عن حقه على الأرض وبين أعماقها في الأنفاق وفي السماء؛ فإذا كانت إسرائيل قد وصلت إليهم على الأرض فحتمًا لن تصل إليهم في عمقها ولن تُجاريها في الوصول إلى السماء.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: ميناء غزة غزة فلسطين معبر رفح الأزمة الإنسانية فى غزة میناء غزة یمکن أن
إقرأ أيضاً:
هذا ما يجري في غرف إسرائيل المغلقة بشأن غزة وما يدور على الأرض
قالت صحيفة "الأخبار" اللبنانية، صباح اليوم الخميس 21 نوفمبر 2024، إن الحديث عن تولّي شركة أميركيّة أمنيّة خاصّة، مهمة توزيع المساعدات على الفلسطينييّن الذين جوّعهم الاحتلال في قطاع غزة ، ليس بالجديد، غير أن ما يضفي على الموضوع أهميّة وجديّة هو إدراجه في مداولات الكابينت الإسرائيلي.
وأضافت الصحيفة، أن ذلك جاء بالتزامن مع اجتماعٍ عقده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، ووزير الجيش يسرائيل كاتس، ورئيس الأكان هرتسي هليفي، ووزير الماليّة بتسلئيل سموتريتش، في مقرّ "فرقة غزة" لبحث الموضوع نفسه.
إقرأ أيضاً: وزير الجيش الإسرائيلي يفرض عقوبات على "كيانات مرتبطة بحزب الله"
وتابعت الصحيفة "على أن إدخال شركة أمنيّة، بمعزل عن جنسيّتها، مسألة تشوبها بالفعل عراقيل قانونيّة، وفقاً لما كشفته بداية الأمر، صحيفة "إسرائيل اليوم"، والسبب في ذلك عائدٌ إلى الكيفيّة التي يعرّف بها القانون الدوليّ الاحتلال؛ إذ إن الشركة ستعمل فعليّاً، بالإنابة عن إسرائيل، المعرّف وجودها في غزة باعتباره قوّة احتلاليّة. وعلى هذا الأساس، يتركز النقاش في إسرائيل اليوم حول كيفيّة تخطي تلك العراقيل القانونيّة".
وتأتي هذه المناقشات في وقتٍ تخلط فيه إسرائيل الحقائق والوقائع على الأرض؛ فبعدما تأكد أن "خطة الجنرالات" المنفّذة في مناطق شمالي القطاع، وتحديداً في كل من جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، هدفها طرد السكان الفلسطينيين وتهجيرهم، بعد تجويعهم وتعطيشهم عن طريق الحصار الشديد، وقتل من لا "ينزح" منهم بالقصف المدفعي والجوي المكثّف، تدّعي إسرائيل، وفقاً لإذاعة الجيش الإسرائيلي، أن عمليتها هناك هدفها "إخلاء المنطقة من المسلّحين".
إقرأ أيضاً: بالفيديو والصور: عشرات الشهداء والإصابات في مجازر إسرائيلية جديدة بغـزة وشمالها
وتؤكد الإذاعة نية إدخال شركة أمنيّة أميركيّة خاصّة تعمل بإشراف إسرائيلي، وتتولى توزيع المساعدات على السكان في الشمال، والذين بقي منهم بالفعل نحو مئات آلاف قليلة، بالمقارنة مع أكثر من مليون قبل اندلاع الحرب.
على أن ما تقدّم لا يحجب حقيقة أن إسرائيل تهدف من وراء الخطة، بالفعل، إلى تهجير أكبر قدرٍ من الفلسطينيين وإقامة المستوطنات على أراضيهم. إذ إن الشركة الأمنية المنويّ إدخالها ستنشئ ما يعرف بـ"الفقاعات الإنسانية"، وفقاً لنموذج سبق وأن طُبق في العراق إبان غزو الأخير واحتلاله.
إقرأ أيضاً: تفاصيل اتهام 3 فلسطينيين بالتخطيط لاغتيال بن غفير
وستقوم الشركة الأميركية بإنشاء مناطق مسوّرة محميّة بآلاف المرتزقة، ومزوّدة بقاعدة بيانات بيوميترية على أساسها تتحكم بدخول الفلسطينيين وخروجهم - سيكون عليهم أن يثبتوا عدم علاقتهم بتنظيمات المقاومة الفلسطينية -، ومنحهم الطعام والشراب. والحديث هنا يجري عن بشر جُوّعوا منذ أكثر من 400 يوم، وهم محاصرون أساساً منذ نحو 20 عاماً، وتتحكم إسرائيل اليوم بأجوائهم وبحرهم وبرهم.
وفي حال تمكّنت إسرائيل من إيجاد مخرج قانوني لهذه المسألة، وهو ما يبدو غير مستبعد مع اقتراب دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، وموقف الحزب الجمهوري المناهض لـ"محكمة العدل الدولية" في لاهاي، ودعوات قياداته إلى فرض عقوبات عليها، فإن إدخال الشركة وتطبيق الخطة سيجري كتجربة أولى بداية في حي العطاطرة، وجباليا. وفي هذه الحالة، فإن بقاء قوات الاحتلال في القطاع (أو في المنطقة المذكورة تحديداً) سيستمر على الأقل نحو ثلاثة أشهر، لكي تتمكن الشركة من تنظيم أمورها، والشروع في العمل الذي يستلزم التزوّد بالعتاد والمركبات المصفّحة والأسلحة، فضلاً عن إنشاء مقر لها على أراضي القطاع.
وبالعودة إلى مشاركة وزير الماليّة بتسلئيل سموتريتش، في الاجتماع الذي انعقد في مقر "فرقة غزة" لمناقشة الموضوع، فذلك يتصل عملياً بالتكلفة الماديّة لهذه الخطة.
وفي هذا السياق، تشير إذاعة الجيش إلى أنه من غير الواضح من سيتولى مسألة تمويل الشركة، والذي يكلّف وفقاً للتقديرات الإسرائيلية ما بين 50 - 60 مليون دولار، تضع إسرائيل عينها على الإمارات أو دول أخرى لتأمينها. أيضاً، أشيع أنه بموازاة فحص كيفية تخطي العراقيل القانونية، تبحث إسرائيل في إمكانية تجنيد مؤسسات ومنظمات دولية لتمويل هذه الشركة، بهدف إضفاء شرعية عليها، كونها ستعمل بالوكالة عن الاحتلال الذي سبق وأن حظر نشاط "منظمة غوث وتشغيل اللاجئين" ( الأونروا )، بواسطة قانون شرّعه في الكنيست .
وفي الوقت ذاته أوضحت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، أن هذه الخطة كانت إحدى "خُطط الدُرج" الإسرائيلية، وأن إخراجها يأتي في ظل تعميق جيش الاحتلال سيطرته الميدانية في القطاع، عبر توسيع أربعة محاور، وإقامة "بؤر استيطانية عسكرية"، بما يخدم عملياً هدف فرض حكم عسكري على الفلسطينيين.
وما تقدّم، حظي بحصة في المداولات التي أجراها كاتس وقادة المنظومة الأمنية في الأيام الأخيرة، وهدفت إلى الدفع بهكذا حكم.
وتنقل الصحيفة عن مصادر ضالعة في النقاشات قولها إن "عدداً من الضباط في قيادة المنطقة الجنوبية يدفعون إلى تطبيق حكم عسكري في القطاع، ويناقشون ذلك مع المستوى السياسي".
وتعزّز هذا الدفع عملياً بعد إقالة نتنياهو لوزير الأمن السابق يوآف غالانت، الذي سبق وأن أعلن معارضته لفرض حكم عسكري، نظراً إلى تكلفته العالية. كما تعزّز على خلفية فوز ترامب الذي سبق أن شرّعت بلاده "سيادة" إسرائيل على الجولان، وكانت على بُعد خطوة من تشريعها في الضفة الغربية المحتلة أيضاً.
وطبقاً للمصادر ذاتها فإن القرار الذي اتخذته إسرائيل يقضي بعدم الانتظار إلى حين تنصيب ترامب، في 20 كانون الثاني/ يناير المقبل، وإنما البدء في تنفيذ الخطوات الفعلية لفرض الحكم العسكري، بحيث يكون ثمة أمر واقع مفروض في قطاع غزة، لدى تسلّم ترامب مهماته. على أن المحرّك المركزي لما تقدّم، يبقى استقرار الائتلاف الحاكم، الذي يؤيد قطاع عريض منه الحكم العسكري وعودة المستوطنات.
المصدر : وكالة سوا - صحيفة الأخبار اللبنانية