عربي21:
2024-12-23@02:53:59 GMT

الأمريكيون العرب والمأزق الانتخابي المحيّر

تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT

من مظاهر تأزم أنظمة الديمقراطية الغربية المستمر منذ أكثر من عقدين أن الحياة السياسية لم تعد تتيح للناخب خيارا فعليا بين مرشحين أو حزبين مختلفين حقا.

فقد تشابه الساسة وتشابهت الأحزاب، واختلطت البرامج (على فرض وجودها) ولم تبق من فوارق تذكر. وإن وجدت فهي فوارق ضئيلة ضآلة لا تسوغ ترجيح مرشح أو حزب على آخر ترجيحا بيّنا.

ولهذا صح حكم المراقبين منذ منتصف التسعينيات بأن حزب العمال الجديد في بريطانيا ليس سوى نسخة من حزب المحافظين. وقد أجاد المعلق سايمون جنكينز في تحليل هذه الظاهرة في كتاب اختار له عنوانا بليغا هو "ثاتشر وأبناؤها". وأهم هؤلاء الأبناء السياسيين الحفظة على تركة تاتشر الإيديولوجية هما توني بلير وغوردون براون، مهندسا تحويل حزب العمال حزبا يمينيا لا فرق بينه وبين حزب التوري (المحافظين) إلا في سطحيّ التفاصيل. وقد بكّر الوعي السياسي الشعبي باستبانة هذه الحقيقة، حيث كان المحتجون آنذاك يرفعون أمام 10 داوننغ ستريت لافتات كتب عليها "توري بلير" (وليس توني). على أن ظاهرة اختلاط أنساب الأحزاب وانعدام الخيار الانتخابي هي أرسخ في الولايات المتحدة وأعرق، حيث شاع القول منذ زمن بعيد بأنه لا فارق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلا بقدر الفارق بين الكوكاكولا والببسي كولا. ولكن بيل كلنتون، المعجب برونالد ريغان بالغ الإعجاب (!) هو الذي مضى بعملية الخلط هذه إلى غايتها القصوى عن وعي وتصميم.

هذا كلما تعلق الأمر بالسياسات الاجتماعية والاقتصادية عموما. أما المسألة التي يتحد فيها الحزبان الأمريكيان في إجماع بافلوفيّ مزمن، فهي مسألة نصرة إسرائيل ظالمة ومظلومة. ولهذا يجد الأمريكيون العرب والمسلمون اليوم أنفسهم في مأزق محير: لا يستطيعون التصويت لبايدن في رئاسيات هذا العام لأن التصويت له سيكون مكافأة على اشتراكه الفعال في حرب إبادة شعب غزة؛ ولكنهم يعلمون أن عدم التصويت لبايدن يعني المساهمة في تقوية احتمال فوز ترامب.

وإذا كانت كراهية بايدن قد خيلت لأحد بعض الأوهام بشأن موقف ترامب من غزة فها إن الرجل قد نطق، بعد خمسة أشهر من المراوغة، ليستحث الإسرائيليين على استكمال حربهم الإبادية ويخاطبهم محرضا: "عليكم إنهاء المشكلة". وترجمتها: أتموا المهمة. أجهزوا عليهم. أبيدوهم عن بكرة أبيهم!

ويتسق موقف ترامب من غزة مع موقفه من أوكرانيا. فقد قال قبل عامين إن الغزو الروسي لأوكرانيا عملية "عبقرية" وقرار "ألمعي"! أما أعضاء الناتو فقد هددهم الشهر الماضي بأنه سيشجع روسيا على فعل أي شيء تريد ضد أي دولة عضو لا تدفع ما عليها من مستحقات! وهو يقصد الدول التي لا تخصص من ناتجها المحلي النسبة المائوية المتفق عليها للإنفاق العسكري.

والواقع أن بين ترامب ونتنياهو شبها كبيرا من حيث تضخم الذات وإدمان الكذب والغدر والهوس بالمصلحة الشخصية إلى حد إشعال الفتن والحروب و"المشي على الجثث". أما أبرز ما يجمع بينهما فهو الاستخفاف بالمبادئ والقوانين وعدم احترام أحد والتعويل في كل شيء على القوة، كأن كلا منهما يلوح إلى العالم بأسره بإشارة اليد البذيئة التي يأتيها النزقون والمعربدون تعبيرا عن الاستهتار والمكابرة والعزة بالإثم. وقد حدث في فترة ما بين الحربين أن السياسي النازي رئيس مجلس شيوخ مدينة دانتزيغ (غدانسك البولندية حاليا) آرثر كارل غرايزر ألقى في مقر عصبة الأمم في جنيف يوم 13 يوليو 1936 خطابا عدوانيا استخف فيه بكل مطالب إبقاء المدينة حرة ووقف شتى أشكال السيطرة النازية عليها، ثم ترك مقعده وقبل أن يغادر القاعة التفت إلى جناح الصحافيين ووضع إبهامه على أنفه، في تلك الإشارة التي يراد بها الاستهزاء والاستهتار. ومعروف أن ستالين قلد هذه الحركة بعد ذلك بأعوام أمام المصورين، في لحظة دعابة نادرة في سيرة هذا الطاغية الذي أمر بقتل عشرات الملايين من البشر دون أن يرف له جفن. وقد كان رد المندوب البريطاني أنثوني إيدن عندما نبهه الصحافيون إلى فعلة غرايزر الشنيعة أن طلب منهم تجاهل هذا الجلف النازي.

وبالمثل، فالذي تفعله إسرائيل منذ تأسيسها إنما يتلخص في صورة قبيحة: دولة مارقة إبهامها على أنفها وهي تضحك وتقهقه وتصفّر في كل حين وتلوح بإشارات البذاءة إلى العالم كله مستهزئة بهيئة الأمم مستهترة بقانون الدول، فلا يجد الغرب ردا سوى تصنّع عدم الانتباه إلى همجية هذا الجلف الصهيوني.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة ترامب بايدن امريكا غزة بايدن ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

قصة الاحتفال برأس السنة الميلادية.. تعرفوا عليها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ايام وتفصلنا عن الاحتفال برأس  السنة الجديدة 2025، فيحتفل المواطنين  الاحتفال بالتنزة  في الأماكن المختلفة  ، فيما تعلق المحلات  زينة رأس السنة كل عام ، وتضع ماكيت شجرة عيد الميلاد.

ونقدم لكم  معلومات عن الاحتفال 
ظهر 1 يناير كبداية للعام في وثائق التقويم اليولياني في روما في  عام  45 قبل الميلاد بأمر يوليوس قيصر. ويعتبر العالم القديم المسيحي (منها عدد من الدول الكاثوليكية في أمريكا اللاتينية حتى الآن)، يوم 1 يناير، يوم ذكرى ختان يسوع (يسبقه يوم عيد الميلاد). وفي التاريخ الذي يحتفل فيه المسيحيون الأوروبيون به بقدوم العام الجديد، فيتبادلون هدايا عيد الميلاد لأن يوم رأس السنة يقع في غضون اثني عشر يومًا من موسم عيد الميلاد في التقويم الليتورجي المسيحي الغربي وتعود أصول عادة تبادل هدايا عيد الميلاد في السياق المسيحي إلى المجوس الثلاثة الذي قاموا بتقديم الهدايا للطفل يسوع.
احتفال رأس السنة
خلال القرن السادس عشر أعلن عن 1 يناير في معظم بلدان أوروبا الغربية يوم بداية السنة الجديدة الرسمية، وذلك حتى قبل الانتقال إلى التقويم الغريغوري. 
وبدأت روسيا، التي كانت تحتفل في بداية السنة في 1 سبتمبر، بإتباع هذا التاريخ بموجب أمر مباشر من بطرس الأكبر في عام 1700، وذلك 218 عام قبل اعتماد التقويم الغريغوري رسمياً. يطلق على هذه الليلة في بعض البلدان خصوصًا في أوروبا الوسطى اسم ليلة القديس سلفستر، يذكر أنّ الكنيسة الرومانية الكاثوليكية تعتبر 1 يناير يوم عيد وذكرى مخصصة إلى مريم العذراء وهو يوم مقدس في معظم البلدان ذات الغالبية المسيحية، مما يتطلب من جميع الكاثوليك حضور الصلوات الدينية في ذلك اليوم. ويجوز حضور قداس عشية رأس السنة وفيه يحيي أيضًا ذكرى البابا سلفستر الأول، وبالتالي أصبح من المعتاد حضور قداس مساء يوم رأس السنة الميلادية الجديدة.

مقالات مشابهة

  • العرب بين حداثة الزيف وأزمة الوعي
  • سوريا والعرب المتأخرون
  • طقس العرب .. فرص التساقطات الثلجية مرتفعة هذا الشتاء / فيديو
  • الثكنة الأخيرة
  • من وعي كلمة السيد القائد حول آخر المستجدات
  • قصة الاحتفال برأس السنة الميلادية.. تعرفوا عليها
  • غيرترود بِيل.. الجاسوسة التي سلّمت العرب للإنجليز
  • 9 طرق لرفع ضغط الدم المنخفض.. تعرف عليها
  • نصف مليون عربي خلف القضبان
  • محمد مكي: توليت تدريب المقاولون العرب بأسرع تفاوض