ربما نقول إنها نظريةٌ إعلامية وهي الحس العام بأن استفزاز الضيف في المنصات الإعلامية يفضي لاستخراج إجابات مثيرة ومطلوبة من الجمهور مما يلفت النظر للمادة الإعلامية، خاصة إذا حدث الاستفزاز في لحظة غير متوقعة من الضيف ومن الجمهور معاً، كأن تكون نبشاً عن مسألة قديمة طمرها النسيان ولم يعد الضيف نفسه يقول بها أو تجاوزها إلى غيرها، فيحدث أن يظهر المذيع بوصفه خبيراً بأمور الضيف وبواطن سيرته فيضع الضيف والجمهور في لحظة اندهاش فجائي، وتتحفز رغبات المشاهدين بانتظار ما سيحدث للضيف ونوعية رد فعله.

وكثيراً ما يتحول المشهد إلى موقف مسرحي مما يمتع الجمهور ويطربهم لممارسة تشفّي خصوم الضيف مقابل غضب محبي الضيف، وينتج عن هذا رد فعل عام يشتهر معه المذيع وينتشر صيت البرنامج، ويتم عادة تصنيف المذيع الذي تكثر عنده هذه المواقف بأنه خطير، وأن صمود أي ضيف لتحدياته سيكون امتحاناً لمتانة الضيف وقوة شكيمته.
وهذه ممارسة إعلامية كسبت مصداقيتها من طرب الجماهير لها ومن شيوع المقاطع التي تسجل الحدث وتستجلب له التعليقات خاصة مع زمن تويتر (X) من حيث تيسير شيوع المقاطع مع إغراء التعليقات عليها، ويحدث أن تتحول إلى وسم (هاشتاق)، قد يتضمن السخرية في أحيان كثير مع بعض التشفّي، بمثل ما يتضمن مواقف مع أو ضد المذيع، وتصبح القضية حدثاً لحظوياً لافتاً. وتبقى صورة المذيع محل توقع مستمر بأنه صياد ماهر يلتقط الفرص السانحة ليوقع بالضيف ويجعله يترنح معنوياً وأحياناً جسدياً، إذ تظهر لغة الجسد بأشد حالاتها مما يزيد من فضول المشاهدة. وكم من مرة وقع فيها بعض الضيوف والضيفات في مقالب شائكة يكون ثمنها المعنوي باهظاً، وأحياناً يكون الثمن مادياً وحقوقياً، وهذه أيام تشبه تاريخياً ما نسميه بأيام العرب وهي أزمنة حروب أهلية عربية كانت تقع غالباً بسبب كلمة كانت عابرةً، ولكنها ترتد لتكون كلمةً قاتلة تورث الحزازات وتصنع الحروب وتسفك الدماء.
وفي زمننا هذا أصبحت الحروب الإعلامية سمةً ثقافية ينتظرها الجمهور، وإن كان يستنكرها باللسان ولكنه يطرب لها ويراها تكسر روتين الجد والرتابة وتتشفى فيها من المشاهير الذين يقعون عادةً تحت طائلة المحسودين بسبب نجاحاتهم غير المبررة أحياناً، فإذا وقع أحدهم أصبح الحدث مطلوباً لأنه عرّى شخصاً ما وبيّن أنه ليس بشيء حسب تقييم اللحظة.
وهذه تقوم على لعبة ذهنية يقتنصها المذيع بينما الضيف يحاذر من غلطة تنهي مقامه أو سمعته أو منصبه. ولذا أصبحت من الثقافة الإعلامية بين شخصية المذيع وشخصية الضيف وحقوق المشاهدة. والسؤال: هل الإعلام لخدمة الضيف كشخص أم خدمة القضية أم إبراز شخصية المذيع، وكلها حقوق تحضر في آن واحد، وفي زحمة نفسية وعقلية تتصارع فيها الرغبات ولا تخلو من بعض الرهبة، ومحاولة اختراق جدار الستر، واقتحام القلعة المحصنة، وفي كل الأحوال فالإيقاع بالضيف يعد مكسباً إعلامياً، بينما ستكون مجاملة الضيف خسارةً إعلامية.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: الفصحى المحكية د. عبدالله الغذامي يكتب: المتنبي اللابس والمتلبس

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي

إقرأ أيضاً:

رداً على تقارير إعلامية..مصر تنفي زيارة نتانياهو إلى القاهرة

نفى مصدر مصري، ما تداولته تقارير عن زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، إلى القاهرة، لإجراء مباحثات على اتفاق الهدنة في قطاع غزة.

ونقلت قناة القاهرة الإخبارية عن المصدر أن بلاده تواصل "بذل كل جهودها الممكنة لدعم القضية الفلسطينية والتصدي لمخطط تصفيتها، ودفع المفاوضات لوقف إطلاق النار في غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية للأشقاء الفلسطينيين".

وقالت وكالة رويترز في وقت سابق اليوم الثلاثاء، إن نتانياهو سيتوجه إلى القاهرة‭ ‬الثلاثاء، من محادثات على وقف إطلاق النار في قطاع غزة. وأضافت أن من المتوقع توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة خلال الأيام المقبلة.

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: وما نيلُ المطالب بالتمنى !!
  • رداً على تقارير إعلامية..مصر تنفي زيارة نتانياهو إلى القاهرة
  • ما هي أفضل الهواتف القابلة للطيّ عام 2024؟
  • «الأمن السيبراني»: 411 ألف ملف خبيث يطلقها المجرمون السيبرانيون يومياً
  • د.حماد عبدالله يكتب: " تحــدث " كـــى أراك
  • مدحت شلبي يطمئن الجمهور بعد تعرضه لوعكة صحية.. وهذه رسالته لكهربا
  • كريستين بيل تقدم حفل جوائز نقابة ممثلي الشاشة
  • قيمة استثنائية مقابل سعر .. تعرف على أفضل شاشات ألعاب في الأسواق
  • مصر والأردن تؤيدان عملية انتقالية سلمية سياسية تتمثل فيها كل القوى السورية
  • د.حماد عبدالله يكتب: لماذا سميت "مصر" بالمحروسة !!