بين الأمس واليوم.. ذاكرة الأجداد تحكي قصص ترائي هلال رمضان
تاريخ النشر: 9th, March 2024 GMT
شريط من الرويات وذكريات الماضي، ينقلها الأجداد كل عام، لحواس أحفادهم المستمعين لقصص تحري استطلاع هلال شهر رمضان المبارك، حيث يستذكر الأجداد حكايات الترائي قبل توسع علوم الفلك وأدوات الرصد الإلكترونية، وانعدام انتشار الراديو، والتلفاز حيث كانت المجتمعات المحلية تترقب إعلان واستطلاع رؤية الهلال بالعين المجردة دون غيرها، وعند رؤية الهلال يستبشر الأهالي بالخير وتعم الفرحة.
أساليب متنوعة تنقلها روايات الأجداد في إيصال خبر حلول شهر رمضان سواءً من خلال الأسلحة التقليدية لما يصدر عنها من ضجيج يدوي صداها القرى القريبة والمجاورة، أو عن طريق إشعال مجموعات من الحطب في أعالي الجبال بما يسمى "بالمشاعل" لترى الأعين المجاورة أدخنة الدلالة على إتمام شعبان، وكذلك ترقب سماع صوت المدافع الموجودة والقريبة من أماكن تجمع الناس، لتبلغهم هذه الأساليب بالخبر اليقين بموعد الشهر الفضيل.
وتجسد روايات الأجداد الذكريات السعيدة التي حملت في طياتها العديد من القصص عن قرب شهر رمضان المبارك, ناقليها إلى أحفادهم لإشباع فضولهم الدائم، في سرد المواقف الراسخة من خلال شريط الزمن لحياتهم وحياة آبائهم من قبلهم حين رؤية الهلال بالعين المجردة، قبل وجود ممكنات الاستطلاع الحديثة وأجهزة نقل الخبر في عولمة التكنلوجيا المعاصرة، حيث كانت أعينهم الخبيرة والثاقبة ذات البصر الحاد, بمثابة نبأ معلوم تحدد به علامات دخول شهر رمضان.
ويروي المواطن عبدالجابر بن جابر أحمد الشيخ الذي بلغ من العمر قرابة 100 عام قائلاً:" إن استطلاع وتحري هلال شهر رمضان المبارك في كل عام, ارتبط بذاكرة الأجداد وينقله الآباء إلى الأجيال الأخرى، حيث كان فضول المعلومة لدينا ونحن صغار، تلازم أجدادنا لسماع قصص ترائي الهلال، ونمكث كل عام قبل غروب الشمس في جوٍ يسوده الهدوء بأعالي قمم جبال قريتنا، أو عبر أراضينا المنبسطة صافية الأجواء، نتحرى برفقتهم هلال شهر الخير, ونشاهد أمامنا التدرج الزمني لنزول قرص الشمس قبل الغروب, حتى احمرار الشفق، وقرب انسدال الغسق بنصف ساعة مما تثير هذه الألوان ومناظرها البهية المتغيرات التي تطرأ بها من إعجاب نتداول رواياته لأمهاتنا في المنازل بكل إعجاب.
ويضيف خلال حديثة: أجدادنا يذكرون لنا بحكمتهم التي يمتلكونها ورصانة معلوماتهم، ما جسدته الذكريات عن قرب شهر رمضان المبارك، والمواقف السعيدة التي حملت في طياتها العديد من القصص، والمواقف الجميلة في الترائي بالعين المجردة، قبل وجود ممكنات الاستطلاع المتطورة، وكذلك نشاهد ما يحظى به بعض أفراد القرية من تميز في حدة البصر وهم ندرة من الأشخاص، وعند رؤية الهلال, تعم الابتسامة على محيا الجميع, باستقبال الشهر الفضيل في جوٍ يسوده الألفة والمحبة والترابط بين أفراد العائلة الواحدة والمجتمع، مؤكدًا أن لرؤية هلال رمضان في الماضي طابعاً مختلفاً ومن هذه اللحظة نبدأ بالاحتفاء بقدوم شهر الخير، وتبادل التهنئة والتبريكات.
من جانبه أوضح الفلكي خبير مرصد الشمس ورصد الأهلة محمد بن ردة الثقفي, تطورات مراحل تحري رؤية هلال شهر رمضان في العصر الحديث، مشيرًا أنه في كل عام تستعد المراصد الفلكية الموثوقة في جميع مناطق المملكة في يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان لتحري رؤية هلال شهر رمضان المبارك وهذا ما نعيشه حديثاً في نقلهم للخبر اليقين باستخدام كافة الأدوات التخصصية مثل التلسكوبات وكمرات التصوير الإلكترونية والدرابيل، التي أسهمت في تطوير طرق تحرّي وثبوت رؤية الهلال، إذ لم تقتصر الرؤية في العصر الحديث على العين المجردة فقط، بل دعمت بالتقنية الحديثة لتتبع ولادة الهلال وقت النهار حتى مراحل ما بعد غروب الشمس.
المصدر: صحيفة عاجل
كلمات دلالية: شهر رمضان ذكريات رمضان شهر رمضان المبارک هلال شهر رمضان رؤیة الهلال کل عام
إقرأ أيضاً:
ذاكرة الركام .. شهادة على الإرهاب الأمريكي المستمر
الثورة / عبدالواسع احمد
كان منزل صالح السهيلي يضج بالحياة والطمأنينة، أطفال يركضون في أرجائه، وضحكات تدفئ جدرانه، عائلة يمانية بسيطة، تعيش يومها بأمل رغم التحديات.
لم يكن أحد يتوقع أن يتحول هذا البيت، في لحظة خاطفة، إلى ركام وصمت دائم، بعد أن اخترق صاروخ أمريكي الليل، ليحمل معه الموت إلى حضن الأسرة.
في مساء الأحد الماضي، اخترق الصاروخ الصمت كوحش مفترس، لينهش منزل المواطن صالح السهيلي في منطقة شعب الحافة بمديرية شعوب،، لحظات فقط، وتحول كل شيء إلى رماد.
ارتقى أربعة من أفراد الأسرة شهداء في الحال، وأصيب أكثر من 25 آخرون، معظمهم نساء وأطفال، بعضهم لا يزال يصارع الموت في غرف الإنعاش.
لم يكن في المنزل أي موقع عسكري، ولا مستودع ذخيرة، ولا حتى عنصر مسلح، فقط أسرة يمنية، نامت على أمل، وصحَت على مجزرة.
القرار الأمريكي كان واضحًا : لا مكان آمن في صنعاء، الكل مستهدف، لا فرق بين مدني وعسكري.
جريمة بلا مبرر، ولا إنذار. الطائرات لم تُسمع، وكأنها كانت تتقن القتل بصمت.
لم يكن هذا مشهدًا من فيلم رعب، بل جريمة واقعية مكتملة الأركان، ارتُكبت أمام مرأى العالم، في قلب العاصمة صنعاء .
وسط الأنقاض، عُثر على دمية محترقة، وكتب مدرسية، وملابس عيد لم تُلبس بعد، اختلط الركام بأحلام الطفولة، وتحولت تفاصيل الحياة اليومية إلى شواهد على كارثة.
صورة واحدة من هناك، باتت اليوم أيقونة للفاجعة، تختزل الألم، وتفضح الإرهاب الأمريكي الذي لا يحتاج إلى محاكمات، بل إلى ضمير عالمي توقّف عن العمل.
الجيران هرعوا إلى المكان حفاةً مذهولين، لم يستوعبوا ما حدث، والمشهد في المستشفى كان أفظع .
تدفق المواطنون من كل حدب وصوب، حاملين المصابين على الأكتاف، والطواقم الطبية في سباق مع الوقت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
الأطفال، من يحملون في أعينهم أحلام المستقبل، كانوا الأكثر تضررًا، جراحهم أعمق من أن تُوصف.
تساءل بعضهم من على أسرتهم البيضاء : “لماذا نحن ؟ هل هذا المنزل خطر على أمريكا ؟ هل كنا نهدد أمنهم ؟”
وفي مواقع التواصل، ضجّت الأصوات الغاضبة، وتداول الناس صور الضحايا ودمار المنزل، مرفقة بوسم : #الإرهاب_الأمريكي .
أما الإعلام العربي الموالي للعدوان، فكان حضوره مشينًا، لم يأتِ على ذكر الحادثة إلا كخبر مشوّه ومزيّف، يبرر الجريمة بسقوط أخلاقي لا مثيل له، لكن الأقبح، كان تشفّي بعض المرتزقة في وسائل الإعلام ومنصات التواصل، فبدلًا من إدانة المجرم، وجدوا في الجريمة مبررًا، وروّجوا لتأويلات كاذبة تغطي وجه الحقيقة، بل ذهب بعضهم للقول إن الضربة “مبررة”، متجاهلين تمامًا الدماء، والدموع، وفقدان الأطفال .
هذه الجريمة، التي طالت منزل السهيلي، ليست الأولى ولا الأخيرة، فقد سبقتها جرائم عديده لا تحصى ..
** وتستوقفنا هنا فاجعة أخرى مماثلة، لا تقل ألمًا، لا وهي مجزرة أسرة الزميل بشير الحرازي التي لا تُنسى .
ففي ليلة مشابهة، استهدفت طائرات العدوان منزل بشير الحرازي الكائن في أرضية سكن الحراس المدنيين المجاور لسكن موظفي الأمم المتحدة بمنطقة حدة، وكان حينها في عمله، بعيدًا عن المنزل لا يعرف ما تخبئ له الأقدار .
عندما استشهدت زوجته وأطفاله، دون سابق إنذار، لم يكن أحد يعتقد أن أيادي الإجرام يمكن أن تصل إلى أسرة نائمة، في حي سكني آمن،
يومها عاد بشير الحرازي إلى منزله مسرعًا بعد إبلاغه بالاستهداف الوحشي الجبان، يقطع صمت الشوارع بنبض قلبه الذي سبق خطواته .
لم يكن يعلم أن البيت الصغير، الذي كان يأوي إليه كل مساء، قد صار حفنة من الرماد والغبار، وأن ضحكات أطفاله، التي كانت تملأ الأركان، قد سكنت إلى الأبد .
وقف أمام الركام، تتطاير في رأسه شظايا الذكريات — أصواتهم، ضحكاتهم، آخر لحظاتهم، غير مصدّق بما حدث .. أسرته الصغيرة غادرت دون عوده (زوجته وأطفاله الأربعة) .. والى جانبهم ضيوفه ( شقيق زوجته وأطفاله الاثنين ) جميعهم الثمانية في غمضة عين اصبحوا ضحايا عدوان همجي لا يرحم ..
بكى بشير ألمآ ، لكنه لم يجد دموعًا لأن الوجع أعمق من البكاء ..
جلس على ركام كان يومًا جزءًا من جدار منزله، وراح ينادي أسماء أبنائه ( هاجر – عزالدين – عمر – احمد ) واحدًا تلو الآخر، كما لو أنهم سيخرجون من بين الحطام ليقولوا له : “ن حن هنا يا أبي، لم نذهب بعيدًا” .
لم يكن بشير سياسيًا، ولا حمل سلاحًا، بل كان موظفًا بسيطًا، (حارس مدني) في هيئة التأمينات يؤمن بأن كلمة الحق ضد العدوان أشرف من الصمت المعيب ..
مرت الأيام، وترك بشير أطلال البيت كما هو، لم يشأ أن يزيل الركام.
فالركام هناك لايزال الشاهد الأخير على حياةٍ كانت، وانطفأت، دون ذنب، سوى أنهم كانوا يحلمون بيوم آخر، أقل قسوة، في وطنٍ حر ينعم بالأمن والاستقرار .
في الختام …
ما يجري في صنعاء من جرائم متكررة، عنوانها الواضح هو “الإرهاب الأمريكي”، لن يُنسى، ولن يُغتفر.
وهذه الجرائم الموثقة بالدم والصور والأنين، ستبقى شاهدة على عصر غابت فيه العدالة، وتواطأ فيه الكثيرون .
واليمن، رغم الجراح، لن يسكت عن حقه وسيسجّل التاريخ أن هذه الأرض، رغم كل المحن، بقيت مقاومة، عصيّة على الانكسار، وصامدة في وجه الارهاب الامريكي الصهيوني على الدوام ..