سعر الصرف والفائدة الدواء المر لإنقاذ الاقتصاد
تاريخ النشر: 8th, March 2024 GMT
شهدت مصر قبل نهاية الأسبوع الماضي، سلسلة من القرارات الاقتصادية والمصرفية المفاجئة، والتي استهدفت تحقيق الضبط المالي والنقدي للاقتصاد المصري، بعد ارتفاع معدلات الأسعار والصرف الأجنبي بسبب المضاربات.
محاولات الحكومة خلال الفترات السابقة، بالتوازي مع التوترات الإقليمية تارة والعالمية تارة أخري، جعلت التحركات تسير بمعدلات أبطأ في ظل التغييرات، والأحداث المتسارعة، خصوصا التي تحدث في منطقة البحر الأحمر، واستمرار العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة، ومناطق من مدينة رفح الفلسطينية، وهو ما أثر بالسلب علي القطاعات الاقتصادية في مصر.
أزمة التمويل
علي مدار الأشهر الماضية؛ شهد الاقتصاد المصري عددا من التحديات، أبرزها ارتفاع سعر الدولار في السوق الموازية بمعدلات جاوزت التوقعات بما يساوي 250%، من قيمتها الحقيقية داخل الجهاز المصرفي، وهو ما أثر بصورة كبيرة علي ارتفاع معدلات التضخم، وزيادة الأعباء على المواطنين، للحصول علي السلع والخدمات الأساسية.
وتأثر المستثمرون والمستوردون بتلك الزيادات، في ظل استمرار أزمة نقص العملة، وعدم قدرات الجهاز المصرفي على تدبيرها، بسبب تراجع مصادر النقد الأجنبي من عوائد السياحة، ورسوم عبور قناة السويس، بسبب تأثيرات الأحداث العالمية.
واعلنت الحكومة خلال الأسبوع الماضي، الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، واتمام برنامج لتسهيل المدد، والذي توقف في ديسمبر عام 2021؛ ليتم رفع المبلغ التمويلي الممنوح من الصندوق لمصر، بقيمة تبلغ 8 مليارات دولار، و1.2 مليار دولار، موجهة لتحقيق الاستدامة البيئية، لتصل جملة المبالغ المتفق عليها لـ9.2 مليار، وهو ما يغطي جزءا كبيرا من الاحتياجات التمويلية للبلاد والمقدرة بما بين 37 و 42 مليار دولار.
قرارات الجهاز المصرفي الصادرة الأربعاء الماضي، استهدفت بصورة كبيرة الحد من معدلات التضخم، والوصول لأرقام أحادية، بعد أن تفاقمت الأرقام لأكثر من 40% في الفترات الأخيرة.
مواجهة التضخم
وقال تقرير حكومي، إن تحريك سعر الفائدة، في اجتماع استثنائي، جاء في ضوء التطورات الاقتصادية علي الساحتين الإقليمية والدولية، وهو ما أثر بصورة كبيرة علي الاقتصاد المحلي في الآونة الأخيرة، وما تلاه من نقص الموارد من العملات الأجنبية، مما عزز ظهور سوق موازية لسعر الصرف، وتباطؤ النمو الاقتصادي.
وأوضح التقرير، أن حالة عدم اليقين التي شهدها الاقتصاد المصري، مع ارتفاع الموجات التضخمية ساعدت في رفع سعر السلع الأساسية، وصدمات العرض المحلية، لتقوم بدورها في رفع معدل التضخم العام، والوصول به لمستويات قياسية، كسرت الأرقام المستهدفة بنهاية العام الميلادي الحالي.
سهر الدماطيتدخلات الجهاز المصرفي
وقالت الخبيرة المصرفية، سهر الدماطي، إن الإجراءات التي استهدفها الجهاز المصرفي، هي مواجهة التضخم والسيطرة عليه، بخلاف تحقيق الاستقرار المنشود لسعر الصرف الأجنبي، وتعزيز قدرات الجنيه أمام العملات الأخرى، باعتباره جزءا من التسعير العادل للجنيه، وفقا لاسعار السوق.
وأوضحت "الدماطي"، في تصريحات لـ"البوابة نيوز"، أن اللجوء لرفع الفائدة بواقع 600 نقطة أساسية لم يكن قرارا منفصلا، وإنما مكملا لسلسلة من الإجراءات التصحيحية، التي تتخذها الدولة المصرية، لتحقيق الانضباط المالي والنقدي، ومواجهة تداعيات ارتفاع سعر الصرف الأجنبي في السوق السوداء.
وأضافت أن الهدف من تنفيذ تلك الاجراءات هو حماية المواطنين وتوفير ضمانات لهم في ظل ارتفاع موجات التضخم الوهمية التي سببها السوق الموازية والمضاربات في العملة، وهو أساس توجيه الجهاز المصرفي نحو التسعير العادل للجنيه وفقا لأسعار السوق.
وذكرت أن لجوء الجهاز المصرفي، لوضع سعر صرف مرن للجنيه، وتركه لقوى العرض والطلب، جاء بعدما فاق سعر العملة الأجنبية، في الأسابيع الماضيبة، كل التوقعات، داخل الأسواق الموازية، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الاحوال أن يتم تحديد الاستثمارات بناء علي سعر السوق السوداء، ولكن ينبغي أن يتم وفقا لما يحدد "المركزي" وليس المضاربات.
أوضحت أن تلك الاجراءات تسهم في مواجهة تفاقم الاستهلاك من خلال الوصول بسعر الفائدة الحقيقي و توجيه المدخرات سواء من شهادات بنسبة 30% وغيرها بدلا من الاستهلاك وبالتالي تساعد علي توفير المزيد من السيولة من النقد الأجنبي والمحلي.
وأكدت أن الجهاز المصرفي أصبح قادرًا الآن على توفير كافة الاعتمادات المستندية بالعملة الأجنبية للمستثمرين، وبالتالي سيؤدي ذلك لضرب السوق السوداء في مقتل، خصوصا بعد انتهاء أزمات العجز التمويلي نظرا لوجود سيولة مالية داخل الجهاز المصرفي وهي في طريقها للزيادة.
حازم الشريفالاستثمار الأجنبي والأمن القومي
بينما قال الباحث الاقتصادي المهندس حازم الشريف، إن الاجراءات التي تم اتخاذها، جاءت لتصحيح المسار، في ظل ضبابية المشهد الراهن، وممارسات المضاربين ومحتكري السلع؛ مؤكدا أن تلك الظاهرة ليس من المنطقي استمرارها لبناء الاقتصاد القومي .
وأضاف "الشريف"، في تصريحات لـ"البوابة نيوز"، أن تلك الإجراءات لم تكن لتتم إلا من خلال التنسيق بين الجهاز المصرفي والمجموعة الاقتصادية، وفقا لتكليفات الرئيس عبد الفتاح السيسي، باتخاذ ما يلزم لحماية الاقتصاد المصري والمواطنين باعتباره أحد ركائز الأمن القومي.
وأشار إلي أن ملف سعر الصرف، هو أحد الإجراءات المفصلية، لوضع قيمة حقيقية، وتسعيرة موحدة للعملة في مصر، كجزء من جذب الاستثمار، بخلاف التوجه لرفع الفائدة، لجذب أكبر قدر من الاستثمارات غير المباشرة، في أذون وسندات الخزانة المحلية، باعتبارها أحد اهتمامات المستثمرين.
وأوضح أنه لا يمكن إنكار المعاناة التي تواجه المواطنين بسبب ارتفاع الأسعار مع اقتراب شهر رمضان المعظم؛ مؤكدًا أن تلك الظاهرة من شأنها التلاشي مع إعلان الحكومة التحرك للإفراج الفوري عن البضائع والسلع الاستراتيجية بما ينعكس علي المرونة في المنتجات داخل الأسواق، وهو ما يسهم في خفض الأسعار بسبب زيادة العرض مقابل انخفاض الطلب.
مؤسسات التمويل الدولية
وقال "الشريف"، إن الفترة المقبلة ستشهد انفراجة كبيرة في الاقتصاد المصري، خصوصا مع إعلان عدد من المؤسسات الدولية، إتمام قرض صندوق النقد الدولي، للاتفاق المبرم مع الحكومة، بقيمة تتجاوز 9 مليارات دولار، والتنسيق مع البنك الدولي للحصول علي تمويل آخر، وبالتالي ستكون هناك سيولة من النقد الأجنبي، ستسهم بلا شك، في خفض سعر العملات الأجنبية، وترفع من مركز الاحتياطي الأجنبي.
وأوضح أن الصفقات الاستثمارية التي أعلنت عنها مصر، قبل أسبوعين، ودخول 35 مليار دولار، من إجمالي استثمارات تبلغ 150 مليار دولار، كقيمة مشروع رأس الحكمة مع الجانب الإماراتي، من شأنه فتح شهية المستثمرين للقدوم للبلاد، وضخ المزيد من الاستثمارات، بعد الإجراءات التي تم اتخاذها مؤخرا، وهو ما يرفع من نسب التشغيل، ويدفع عجلة الإنتاج.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: سعر الصرف الجهاز المصرفي أخبار مصر القرارات الاقتصادية الحكومة الاقتصاد المصری الجهاز المصرفی ملیار دولار سعر الصرف أن تلک وهو ما
إقرأ أيضاً:
كرتونة رمضان في مصر تواجه أزمة غير مسبوقة بعد ارتفاع أسعارها 100%
القاهرة- في ركن من أركان مجمع تجاري كبير بالقاهرة، حيث تتراص كراتين رمضان ذات الأحجام المتنوعة، توقفت سيدتان لتفحص محتويات كل كرتونة بعناية فائقة، وتقارنان الأسعار مع التدقيق في أدق التفاصيل.
لم تكن نظراتهما نظرات المتبرعين المعتادة، بل نظرات ربات بيوت حريصات على كل قرش. كانتا تحسبان مدى الوفرة في كل كرتونة، لا لتوزيعها على المحتاجين، بل لتخزينها في بيوتهما، كأن الغلاء هذا العام قد قلب الموازين.
وتواجه مبادرات "كرتونة رمضان" أو "شنطة رمضان" في مصر أزمة غير مسبوقة، حيث قفزت تكلفة الكرتونة الواحدة بأكثر من 100% مما أدى إلى تراجع واضح في مكوناتها وفي توزيعها على الأسر الفقيرة.
وفي ظل ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية منذ آخر تعويم في مارس/آذار 2024، أصبحت التغيرات على "كرتونة رمضان" تعكس أزمة اقتصادية عميقة تهدد روح الشهر الكريم، في وقت تشتد فيه الحاجة إلى التضامن الاجتماعي.
رمزية "حقيبة رمضان" مهددةوبالتزامن مع قرار البنك المركزي المصري تحرير سعر صرف الجنيه من نحو 31 جنيها إلى 51 جنيها للدولار بنسبة هبوط حوالي 60%، قفزت الفائدة 6% دفعة واحدة ما بين 27.25% و28.25%، وارتفع التضخم إلى أكثر من 33%.
وتعد "كرتونة رمضان" شكلا من أشكال التكافل الاجتماعي الذي اعتاده المصريون وتقليدا سنويا حيث يتم توزيعها على الأسر المحتاجة خلال الشهر المبارك، في أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان بأكثر من 107 ملايين نسمة.
إعلانوتحاول "كرتونة رمضان" الاحتفاظ برمزيتها في ظل تراجع مكوناتها وارتفاع أسعارها، وتحتوي عادة على بعض المواد الغذائية الأساسية مثل الأرز والزيت والسكر والمعكرونة، بالإضافة إلى بعض المواد الأخرى مثل التمر والفول والشاي والصلصة.
وزادت الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد من حاجة أكثر من 30 مليون مواطن مصري تحت خط الفقر، وفق آخر إصدار للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لبحث الدخل والإنفاق السنوي في 2019-2020.
وبلغ معدل الفقر 29.7%، لكن منذ ذلك التاريخ لم ينشر الجهاز أي إصدار جديد، إذ كان المفترض صدوره نهاية كل عامين، في حين تشير تقديرات مستشارة الجهاز هبة الليثي إلى أن نسبة الفقر ارتفعت لتصل إلى 35.7% في عام 2022-2023.
وترجح بعض التوقعات زيادة هذه النسبة منذ تحريك الحكومة المصرية سعر صرف الجنيه 4 مرات منذ فبراير/شباط 2022، بالتزامن مع ارتفاع معدلات التضخم إلى أرقام قياسية غير مسبوقة.
تأثير الأزمة على الجمعيات الخيريةلم يقتصر أثر الأزمة الاقتصادية على أسعار ومكونات "كراتين رمضان"، بل امتد إلى تراجع أعداد الكراتين الموزعة على الفقراء في عموم البلاد بنسبة أكثر من 30%، وفقًا لصحف ومواقع محلية.
وكشف مسؤول في التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي (أكبر تحالف للمنظمات والجمعيات الخيرية في مصر تحت إشراف الدولة) أن خطة التحالف خلال شهر رمضان تتضمن توزيع أكثر من 4.5 ملايين كرتونة، لتلبية احتياجات الأسر من المواد الغذائية الأساسية.
وأوضح حاتم متولي نائب رئيس الأمانة الفنية للتحالف، في تصريحات صحفية، أن التحالف يعمل على تلبية احتياجات المواطنين، وتحقيق التكافل الاجتماعي، وتعزيز مظلة الحماية المجتمعية خلال الشهر الكريم.
ورغم عدم وجود إحصاءات رسمية دقيقة لأعداد الكراتين الموزعة من قبل الجمعيات الخيرية أو التحالف نفسه، فإن التقديرات تشير إلى أن هذا الرقم يقل بنحو 33% عن توزيع 6 ملايين كرتونة مواد غذائية في شهر رمضان 2023.
إعلان بدائل "كرتونة رمضان"كشف رئيس جمعية الكوكب المنير للتنمية ممدوح كوكب عن "تراجع واضح في عمل الجمعية خلال شهر رمضان على خلاف كل عام لأسباب تتعلق بارتفاع أسعار جميع السلع الغذائية من ناحية، وتراجع قدرات المصريين على التبرع من ناحية أخرى".
وأوضح، في حديثه للجزيرة نت، أن ارتفاع الأسعار انعكس على مكونات كرتونة الخير وجعلتها أصغر حجما أو أغلى سعرا وأقل عددا في كلا الحالتين، مما يؤثر بالطبع على خريطة توزيع حقائب رمضان وبالتالي أصبحت تكفي عدد أيام أقل من المعتاد.
وأشار كوكب، الذي تعمل جمعيته في محافظة سوهاج بصعيد مصر وهي إحدى أفقر المحافظات المصرية، إلى أنه نظرا لتراجع عدد المتبرعين وانخفاض مبالغ التبرعات قرر أن يوزع المساعدات نقدا، لكنه أشار إلى أن عمل التحالف الوطني للعمل الأهلي أصبح هو الجهة الأقدر على تقديم المساعدات.
تغير إستراتيجية المتبرعينوقال رئيس جمعية "مواطنون ضد الغلاء" محمود العسقلاني إن "إستراتيجية المتبرعين في إعداد شنطة رمضان تغيرت في ظل ارتفاع أسعار السلع الغذائية تحت وطأة انخفاض الجنيه وتراجع قيمة الدخول وزيادة معدلات التضخم".
وأوضح، في تصريحات للجزيرة نت، أن الاهتمام أصبح يتركز على النوعية أكثر من الكم مثل اختيار السلع الأساسية كالزيت والأرز والمكرونة والصلصة، واستبدال ياميش رمضان الغالي واختيار البلح الأرخص ثمنا، مشيرا إلى أن المتبرعين قادرون على التكيف مع تغيرات في الأسعار.
كما رأى العسقلاني أن روح العطاء في شهر رمضان لن تتأثر بشكل كبير بارتفاع معدلات التضخم. إلا أنه لفت إلى أن الأزمة الاقتصادية قد أحدثت خللاً في التركيبة الاجتماعية، مما دفع بعض أفراد الطبقة المتوسطة إلى اللجوء إلى شراء كراتين رمضان للاستخدام الشخصي كنوع من التوفير.