السلاح المنفلت في العراق: بين الواقع والتجارة والقانون!
تاريخ النشر: 8th, March 2024 GMT
عَرف العراق العديد من التجارات "الغريبة والجديدة" بعد العام 2003، وربّما من أبرزها تجارة السلاح بكافّة أنواعه، والاتّجار بالبشر والمخدّرات وغيرها من المعاملات غير القانونيّة والمهلكة للوطن والناس.
وتُعتبر تجارة السلاح من التجارات الرائجة في بلاد تعاني من هشاشة أمنيّة في عدّة مدن، وبالذات تلك المملوكة بشكل واضح للجماعات الرسميّة وشبه الرسميّة المالكة للسلاح، وربّما للسلطة، وتتحرّك بسيّارات حكوميّة.
وهذه المعضلة الضاربة لهيّبة الدولة والناشرة للرعب والموت في أرجاء الوطن؛ لم تجد أيّ معالجات باتّة ورسميّة وحاسمة لها. وتحاول حكومة محمد شياع السوداني حاليّا العمل على حصر السلاح بِيَد الدولة، عبر مشروع شراء الأسلحة من المواطنين.
وسبق للسوداني أن أعلن نهاية العام 2022 تَعهّده بإنهاء ظاهرة السلاح المنفلت، وهذا الشعار رفعته كافّة حكومات بغداد بعد العام 2005 ولكنّها لم تتمكّن من تطبيقه، لأسباب واقعيّة قاهرة.
يرجع السبب إلى انتشار الأسلحة التي خلفها الجيش العراقيّ في مرحلتين: الأولى بعد الاحتلال الأمريكيّ في العام 2003، والثانية بعد سيطرة "داعش" على ثلث العراق. وفي كلتا المرحلتين صارت غالبيّة أسلحة الجيش بمتناول عموم الناس، حتّى بيعت في الطرقات وأسواق الخردة
ومن هذا المنطلق أعلنت وزارة الداخليّة في السابع عشر من كانون الثاني/ يناير 2024 عن جهوزيّة 697 مركزا، إضافة إلى البوابّة الإلكترونيّة، لشراء الأسلحة من المواطنين ضمن مشروع "حصر السلاح بِيَد الدولة"، وترافق المشروع حملات إعلاميّة وقانونيّة وإداريّة.
ولا تملك حكومة بغداد إحصائيات رسميّة دقيقة تتعلّق بكمّيّات الأسلحة الخفيفة والمتوسّطة والثقيلة الموجودة خارج إطار سيطرة الدولة،
ويرجع السبب إلى انتشار الأسلحة التي خلفها الجيش العراقيّ في مرحلتين: الأولى بعد الاحتلال الأمريكيّ في العام 2003، والثانية بعد سيطرة "داعش" على ثلث العراق. وفي كلتا المرحلتين صارت غالبيّة أسلحة الجيش بمتناول عموم الناس، حتّى بيعت في الطرقات وأسواق الخردة!
وهنالك تقديرات غير رسميّة تؤكّد بأنّ عدد الأسلحة العراقيّة غير المرخّصة قرابة عشرة ملايين قطعة سلاح، وأنّ العشائر لوحدها تمتلك أكثر من سبعة ملايين قطعة سلاح!
وهنالك جملة عوائق أمام تطبيق هذا المشروع، ربّما من أبرزها تمسّك العصابات الإرهابيّة، وشبه الرسميّة الخارجة على القانون، بسلاحها لأنّه الأداة الأهم لحمايتها من الحملات الحكوميّة. وكذلك استمرار الفساد الإداريّ الذي يمكن أن يلعب دورا مهما في التغاضي عن الأسلحة الأكثر خطورة، ومنها الأسلحة القنّاصة والكاتمة وغيرها.
وقد أكّد الناطق باسم الداخليّة العميد مقداد الموسوي يوم 12 شباط/ فبراير الماضي أنّ الوزارة ستشتري "جميع أسلحة المواطنين الخفيفة والمتوسّطة، وحتّى الثقيلة، من صواريخ ومسيّرات ومقذوفات".
والغريب أنّ الداخلية أكّدت بأنّه "من حقّ المواطن حيازة سلاح واحد ويكون خفيفا مثل البندقيّة أو المسدّس"! ولا ندري أيّ قانون يجيز لعموم المواطنين الاحتفاظ بالأسلحة في منازلهم، وهذه، ربّما، يمكن قبولها لبعض الشخصيّات، وفي بعض المناطق النائية ومواقع المشاريع التي تحتاج إلى حراسات مُعيّنة للحفاظ على الأموال والأملاك. فهل سترخّص الدولة لكلّ مواطن قطعة سلاح واحدة، وبالنتيجة سنبقى ندور في ذات الدوّامة؟
ولم تُحدّد الوزارة بَعْد أسعار شراء الأسلحة، ولكنّها حدّدت مليار دينار عراقيّ، (100 دولار = 152 ألف دينار) لكلّ محافظة، لشراء الأسلحة!
وهنالك مَن يقول بأنّ الداخليّة ستشتري بندقيّة "الكلاشنكوف" بمليون دينار، وهذا يعني جمع نحو ألف قطعة كلاشنكوف فقط من كلّ محافظة وفقا للمبلغ المُخصّص للشراء!
والمذهل أنّ القرار الحكوميّ ساهم في انتعاش بورصة الأسلحة المحلّيّة، وشهدت الأيّام الماضية زيادة تقترب من 25 في المئة قياسا بالأسعار السابقة! وبدأ تُجّار غسيل الأموال والأسلحة بجمع مختلف أنواع الأسلحة، أملا في الحصول على أموال أكثر من اللجان الحكوميّة!
هنالك جملة عوائق أمام تطبيق هذا المشروع، ربّما من أبرزها تمسّك العصابات الإرهابيّة، وشبه الرسميّة الخارجة على القانون، بسلاحها لأنّه الأداة الأهم لحمايتها من الحملات الحكوميّة. وكذلك استمرار الفساد الإداريّ الذي يمكن أن يلعب دورا مهما في التغاضي عن الأسلحة الأكثر خطورة، ومنها الأسلحة القنّاصة والكاتمة وغيرها
ولو حاولنا حسابها بحسبة بسيطة، وبمعدّل شراء 1000 دولار للقطعة الواحدة، فهذا يعني قرابة عشرة مليارات دولار، وهذا المبلغ يكفي لإعادة بناء المؤسّسة العسكريّة بشكل جيّد. ولهذا يفترض تحويل هذه الأسلحة إلى هيئة التصنيع الحربيّ للاستفادة منها، والاحتفاظ بها في مستودعات آمنة وبعيدة عن المناطق السكنيّة.
وقانونيّا تنصّ المادّة (15) من قانون الأسلحة رقم 2 لعام 2022 على أنّه "يُعاقب بالسجن بين سنة وثلاث سنوات، وغرامة ماليّة قدرها مليونان إلى خمسة ملايين دينار، كلّ مَن يُقبض عليه وهو يحمل سلاحا غير مرخّص"!
ومع ذلك تشهد بعض مناطق العراق بين حين وآخر مواجهات مسلّحة قاتلة بين المواطنين وآخرها في "مدينة الصدر" ببغداد قبل أسبوعين، وأيضا مواجهات كبيرة بين بعض العشائر وآخرها الصراع بالأسلحة المتوسّطة بين عشيرتين بمحافظة ذي قار الجنوبيّة الأحد الماضي، ومصرع مدير استخبارات المحافظة عزيز شلال خلال فضّ الاشتباكات!
لكنّ السؤال الذي يبرز أمامنا: هل هذه الحملة كافية لبسط الأمن، وزراعة الطمأنينة في المجتمع، وفرض هيبة الدولة؟
نأمل حقيقة نجاح هذه الحملة، وألا تهدر أموالها في أمواج الفساد المالي المستمرّ، ويفترض تسجيل القطع المسحوبة من المواطنين بحواسيب الوزارة حتّى لا تُباع ثانية للدولة، وبالذات ونحن نتحدّث عمّا لا يقلّ عن عشرة ملايين قطعة سلاح!
إنّ الجماعات الإرهابيّة ومئات العصابات الشريرة المتنوعة لا تُسلِّم أسلحتها بسهولة؛ وبالتالي يُفترض أن تكون المعالجات أشدّ، وبأدوات قانونيّة صلبة، تمنع العودة لمربّع الفوضى وهدر الأموال العامّة بعد انتهاء حملة شراء الأسلحة!
twitter.com/dr_jasemj67
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العراق الأسلحة العصابات العراق أسلحة الإرهاب مليشيات عصابات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة شراء الأسلحة قطعة سلاح الرسمی ة
إقرأ أيضاً:
سلاح المقاومة.. كيف تتعامل الأطراف مع الملف الشائك عسكريا وسياسيا؟
بدأت الأسئلة تطرح نفسها مؤخرًا حول ملف «نزع سلاح» المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، خاصة بعد أن أصبح هذا الموضوع ذريعة جديدة من الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو لعرقلة اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
المفارقة أن «سلاح المقاومة» أصبح في الواقع «وهميًا»، في ظل الضربات المكثفة التي يوجهها جيش الاحتلال الإسرائيلي على مدار الساعة، كما تنتشر القوات الإسرائيلية في معظم مناطق غزة بشكل شبه كامل، دون أن تتوقف هذه الهجمات أمام أي مقاومة حقيقية.
رغم ادعاءات الاحتلال حول قوة «سلاح المقاومة»، إلا أن الحقيقة هي أن هذه المقاومة لا تمتلك أسلحة ثقيلة أو متوسطة، فهي تفتقر إلى القاذفات الصاروخية المتنقلة، والدبابات، والطائرات المقاتلة، و السيارات المدرعة.
كما أن المقاومة لا تملك مدافع طويلة أو متوسطة أو حتى قصيرة المدى، وكل ما تمتلكه فعلاً هي أسلحة خفيفة، مثل الرشاشات وبعض القاذفات المحمولة على الكتف المعروفة باسم «آر بي جي»، وهي أسلحة منخفضة الكفاءة مقارنة بما يمتلكه جيش الاحتلال.
واستطاعت حماس والفصائل الأخرى الحصول على عدد محدود من هذه القاذفات في السنوات الماضية، حيث أُجريت بعض عمليات تطوير طفيف عليها. ومع مرور الوقت، من المؤكد أن معظم هذه الأسلحة قد تم استهلاكها أو أنها في طريقها إلى النفاد.
وقد تم تهريب هذه القاذفات من ليبيا عبر الفوضى الأمنية التي أعقبت أحداث 25 يناير 2011، حيث كان لإيران وجماعة الإخوان دور كبير في الخطوات اللوجيستية التي تمت، ليس لمواجهة إسرائيل فقط، بل لزعزعة الاستقرار في مصر والجوار.
الرشقات الصاروخية:ومن واقع عدد الضربات الصاروخية التي نفذتها المقاومة خلال الأشهر الأولى للحرب، فقد تضاءلت تمامًا في الفترة الأخيرة، بما يشير إلى تراجع القوة التسليحية للمقاومة، خاصة أننا لم نعد نرى «الرشقات الصاروخية» التي كانت تتم بشكل شبه يومي.
وبصرف النظر عن مدى فعاليتها، فلم يتم رصد حالة إصابة واحدة من جراء هذه الصواريخ المحدودة الفاعلية والمحدودة المدى أيضًا، فلم يكن لها تأثير مباشر سواء في التدمير أو القتل سوى «التخويف» فقط، في ظل مجتمع إسرائيلي ليس معروفًا عنه الشجاعة.
لكن الدعاية الصهيونية استغلت هذه «الرشقات» الصاروخية التي كانت تطلقها المقاومة على المناطق السكنية داخل الأراضي المحتلة، وكانت تروج في الإعلام الغربي بأن أسلحة الإرهاب تستهدف المدنيين «الآمنين» في محاولة لشيطنة المقاومة أمام المجتمع الدولي.
وبالتالي، فإن المردود الفعلي والحقيقي لهذه «الرشقات» الصاروخية كان يمثل عبئًا وليس سلاحًا حقيقيًا، تم استغلاله من قبل إسرائيل لتشويه سمعة المقاومة الفلسطينية رغم حق الشعب الفلسطيني في المقاومة المسلحة للاحتلال الإسرائيلي، لكن بمنهجية واصطفاف داخلي.
وأمام هذا الواقع، رأى مراقبون وطنيون أنه من مصلحة المقاومة أن تضع الاحتلال الإسرائيلي في حرج أمام المجتمع الدولي، وتعلن عن إلقاء السلاح، مع طلب ضمان أمنها وسلامتها من أي اعتداء إسرائيلي.
ويشير هذا الرأي إلى أن هذه الخطوة قد تسبب للكيان المحتل ارتباكًا في تكتيكاته، وتحرجه أمام العالم وأمام الداخل الإسرائيلي. خاصة أن الجناح المتطرف في حكومة نتنياهو يروج دائمًا بأنه يحارب إرهابيي حماس ليقضي على سلاحهم.
طبيعة السلاح:ويرى مراقبون أن سلاح المقاومة لا يوجد له حصر دقيق، ولا يعرف أحد مكانه. ومعظم السلاح بحوزتها هو سلاح صغير الحجم، يسهل إخفاؤه، وأقرب إلى السلاح الشرطي وبعض المتفجرات المحلية الصنع.
ويعتقد البعض أن المقاومة يمكنها استغلال الموقف الحالي لصالحها، بتسليم بعض هذه القطع أمام جهات دولية محايدة. لكن المقابل الآن هو وقف الحرب، وهو ما يحتاجه القطاع في ظل الدعم الأمريكي غير المحدود.
فالواقعية السياسية والاستراتيجية تشير إلى أنه لا يمكن لسلاح خفيف، حتى وإن كان تعداده بالعشرات أو الآلاف، مواجهة جيش مدجج بأحدث الأسلحة (مقاتلات F-16 وF-15 و(F-35 بالإضافة إلى منظومات متطورة.
ورغم انقسام الرأي داخل معسكر المقاومة ما بين مؤيد ورافض لمبدأ تسليم السلاح حاليًا، إلا أن الصوت الأعلى داخل المقاومة يتغلب على اتجاه تسليم السلاح. ويرى أن التمسك به هو الذي يعصمها من تغول جيش الاحتلال ويحمي سكان القطاع.
وقال قياديون في حركة حماس: إن سلاح المقاومة يمثل حياة الشعب الفلسطيني، ولا يمكن التفريط فيه تحت أي ظرف، مؤكدين أن الحركة لن تفاوض على سلاحها أو على من يحمل هذا السلاح في أي مرحلة.
وأوضح محمود مرداوي، القيادي في حركة حماس، أن مطالب نزع سلاح المقاومة هو طرح إسرائيلي خالص، ولم يصدر عن الجانب المصري. وأوضح أن مجرد الدخول في نقاش حول هذا البند يعد مرفوضًا تمامًا.
تعثر المفاوضات:وبينما تتعثر مفاوضات التهدئة، فإن حكومة نتنياهو تتمسك بنزع سلاح المقاومة، في مواجهة المطالب اليومية لعائلات المحتجزين التي تطالب بوقف الحرب وإبرام اتفاق وقف إطلاق نار، حرصًا على أرواح ذويهم المحتجزين لدى فصائل المقاومة والعمل على تحريرهم.
ويطالب كل من وزير المالية بتسئيل سموتريتش ووزير الأمن الداخلي بن جفير بانتهاز الفرصة المواتية والتأييد الأمريكي غير المسبوق، وإعادة احتلال قطاع غزة احتلالًا كاملاً، خاصة أن قطاع غزة يعد معقلًا لحركة حماس التي تسببت في كارثة 7 أكتوبر.
يأتي هذا رغم الانتقادات الداخلية المتصاعدة لاستمرار الحرب التي أصبحت بلا معنى بعد أكثر من عام ونصف العام. تزايدت الأصوات الرافضة لها، بما في ذلك مئات الأكاديميين وجنود الاحتياط والطيارين الرافضين.
اعتبر الرافضون الحرب خطرًا على المحتجزين، فضلاً عن كونها تحقق أهدافًا سياسية لنتنياهو ولا تحقق مصلحة الكيان المحتل. علقت حركة حماس على مطالب نزع سلاحها، وأكدت أنها ستقدم ردًا رسميًا بعد التشاور مع الفصائل في غزة.
أوضحت الحركة أنها لن تقبل باتفاقات جزئية لاستمرار المساعدات والغذاء ثم عودة الحرب. وأكدت أن هذا الأمر أصبح من الماضي، وأن سلاح المقاومة لا يمكن التفريط فيه.
ورغم الضغوط الإسرائيلية والمطالب الدولية، تظل حركة حماس والفصائل الفلسطينية متمسكة بسلاحها، معتبرة إياه حقًا شرعيًا لحماية الشعب الفلسطيني، في وقت يتزايد فيه التأييد للمقاومة ورفض الحلول الجزئية التي تكرر ويلات الحرب.
اقرأ أيضاًباحثة: التعليم فى فلسطين نوع من أنواع المقاومة ضد الاحتلال
مصطفى بكري: الدفاع عن الأرض حق مشروع.. فلماذا تطالبون بنزع سلاح المقاومة؟
بكري: أثق أن المقاومة ستتخذ قرارات تحمي شعب فلسطين.. والمراهنون على انقسام الصف واهمون