الحوار الاستراتيجي بين قطر والولايات المتحدة.. شراكة ثابتة وتعاون مثمر
تاريخ النشر: 8th, March 2024 GMT
ينعقد الحوار الاستراتيجي السنوي بين دولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية للمرة السادسة تواليا لمناقشة آفاق التعاون المشترك بين البلدين وتعزيز مضامينه، بما يوضح مدى عمق العلاقات الثنائية ومستوى التنسيق على صعد مختلفة، في الوقت الذي يلتزم فيه الطرفان بتمتين تلك العلاقات وإنضاج مواقف تعكس نتاج عقود من الشراكة المتبادلة ومواجهة التحديات على المستوى الإقليمي والعالمي.
وينطلق الحوار الاستراتيجي بين البلدين بنسخته الجديدة في العاصمة الأمريكية /واشنطن/، حيث يرأس الوفد القطري معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، بينما يرأس الجانب الأمريكي أنتوني بلينكن وزير الخارجية، لبحث آخر المستجدات على مستوى الشراكة الثنائية الراسخة ومناقشة أبرز التحديات الدولية، وعلى رأسها دور الوساطة القطرية وشركائها الدوليين في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة.
وتؤكد دولة قطر في كل المحافل الدولية، ضرورة أن تظل تلبية الاحتياجات الإنسانية الحيوية للشعب الفلسطيني أولوية قصوى للمجتمع الدولي، خاصة في ظل معاناته المتفاقمة من ويلات الاحتلال والحصار والحرب وعرقلة إسرائيل إدخال المساعدات، في تحد سافر للقانون الدولي والتدابير المؤقتة لمحكمة العدل الدولية في هذا الشأن، كما تعبر دولة قطر عن موقفها الثابت من ضرورة استمرار وتكثيف الجهود الإغاثية إلى قطاع غزة، وتحذر من التداعيات الكارثية المترتبة على وقف دعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين /الأونروا/.
وتجمع البلدين علاقات متبادلة متميزة، توجها الرئيس الأمريكي جو بايدن رسميا بتصنيف دولة قطر حليفا رئيسيا للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي /الناتو/ في مطلع فبراير 2022، وذلك عقب مباحثات أجراها مع حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وهو أول لقاء قمة يعقده الرئيس الأمريكي بايدن مع قائد خليجي في البيت الأبيض عقب توليه الرئاسة، وقال بايدن حينها إن تصنيف قطر حليفا رئيسيا للولايات المتحدة هو “اعتراف بمصلحة الولايات المتحدة في تعميق التعاون الدفاعي والأمني معها”.
وكانت الدورة الخامسة من الحوار الاستراتيجي، قد انعقدت في الدوحة في الثاني والعشرين من نوفمبر 2022 بعد أشهر من احتفاء الجانبين بمرور 50 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وتصنيف دولة قطر حليفا رئيسيا للولايات المتحدة من خارج حلف شمال الأطلسي /الناتو/، بما يؤكد التعاون الوثيق بين البلدين وتعزيز الإرادة المشتركة للدفع بالعلاقات إلى آفاق أرحب.
وقد تناول الحوار الاستراتيجي الخامس 12 قضية رئيسية هي: /الاستقرار الإقليمي، والتعاون الدفاعي، والصحة العامة، ومكافحة الإرهاب، ومكافحة الاتجار بالبشر، وحقوق الإنسان، وتغير المناخ، وكفاءة الطاقة، والمساعدات الإنسانية، والاستثمار الإستراتيجي، والتعاون الاقتصادي، والتبادلات الثقافية والتعليمية/، بجانب إعلان عدد من الشراكات وتوقيع عدد من مذكرات التفاهم.
وقال معالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية -آنذاك-، إن المباحثات التي عقدت خلال الحوار الاستراتيجي الخامس بين الولايات المتحدة ودولة قطر شملت تطورات الملف النووي الإيراني، وقضايا العراق وليبيا وأفغانستان وفلسطين، مؤكدا في ختام جلسات الحوار التي عقدت في الدوحة أن الحوار الاستراتيجي السنوي بين قطر والولايات المتحدة منصة مهمة في العلاقات بين البلدين.
من جهته، أكد أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، أهمية الشراكة بين واشنطن والدوحة لحل الخلافات وإنهاء الصراعات الإقليمية والدولية، مشيرا إلى أن الحوار الاستراتيجي مع قطر دليل على الشراكة القوية التي تجمع البلدين، والتعاون المشترك، وشدد على أن بين الولايات المتحدة وقطر شراكة ثنائية وإقليمية أضحت عالمية أكثر فأكثر في مجالات متعددة.
وكانت الخارجية القطرية قد نوهت بتزامن الحوار مع بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022، والتعاون الوثيق بين دولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية لضمان بطولة آمنة وناجحة، والشراكة الأمنية القوية بين البلدين بما في ذلك التعاون في إنفاذ القانون والطيران وأمن الحدود ومكافحة التطرف العنيف ومكافحة الإرهاب وتمويل الإرهاب.
وقال المتحدث باسم الخارجية القطرية حينها، إن العلاقات بين دولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية أسست من خلال المؤسسات في مختلف الفترات، مؤكدا أن دولة قطر تعمل في بيئة من التحالفات الدولية والثنائية والمتعددة الأطراف.
وعقب الحوار الاستراتيجي الخامس في نوفمبر 2022، أكدت وزارة التجارة والصناعة خلال جلسة اقتصادية أن إجمالي الاستثمارات القطرية المباشرة في الولايات المتحدة بلغ حوالي 69 مليار دولار حتى عام 2022، وأن الشركات الأمريكية العاملة في دولة قطر تسهم بشكل رئيس في حركة التنمية التي تشهدها الدولة، مع وجود 856 شركة أمريكية تعمل بالسوق القطرية، في ظل سعي دولة قطر إلى تنويع اقتصادها لتقليل اعتمادها تدريجيا على الصناعات الهيدروكربونية، والانتقال نحو اقتصاد قائم على المعرفة، بما يتماشى مع رؤية قطر الوطنية 2030.
وفي كلمة له عقب مباحثات الحوار الاستراتيجي الخامس، قال سعادة السيد سلطان بن راشد الخاطر وكيل وزارة التجارة والصناعة إن دولة قطر تسعى إلى بناء قدراتها التصنيعية والبحثية والتطويرية، إلى جانب بناء قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة، وتوسيع نطاق مراكزها التكنولوجية، داعيا أصحاب الشركات الأمريكية للاستفادة من المشاريع والحوافز المالية والأطر التشريعية والقانونية التي توفرها البرامج الحكومية المختلفة.
من جهتها، أوضحت السيدة ليز كلارك، المدير الأول لشؤون الشرق الأوسط بغرفة التجارة الأمريكية، أن الحوار الاستراتيجي الخامس بين الولايات المتحدة وقطر سلط الضوء على العلاقة الاستراتيجية الوثيقة التي تربط البلدين، مضيفة أن غرفة التجارة الأمريكية تشيد بجهود الحكومتين الأمريكية والقطرية لمواصلتهما هذا الحوار للعام الخامس على التوالي، واستخدام تلك المنصة لضمان تفاعل متناغم ومستدام.
وفي الثالث من شهر مارس 2023، عقدت الولايات المتحدة وقطر جلسة التعاون الاقتصادي والتجاري كأحد مخرجات الحوار الاستراتيجي الخامس، بحضور الممثل الخاص للشؤون التجارية والعمل التجاري في وزارة الخارجية الأمريكية وسعادة السيد سلطان بن راشد الخاطر وكيل وزير التجارة والصناعة، وجرى خلال الجلسة، بحث الاستثمار القطري في الولايات المتحدة وفرص الاستثمار للشركات الأمريكية في قطر وكذلك سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري من خلال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وكذلك مشاركة المرأة الاقتصادية.
جدير بالذكر أن الحوار الاستراتيجي الأول بين دولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية انطلق في واشنطن في 31 من شهر يناير 2018، ومثل الحوار الاستراتيجي السنوي بين دولة قطر والولايات المتحدة منذ انطلاقته علامة فارقة في تاريخ الشراكة القوية بين البلدين، حيث شكلت مذكرات التفاهم والاتفاقيات التي جرى إبرامها على مدار السنوات الخمس الماضية دفعة قوية للشراكة التاريخية بين البلدين، والتي تشمل كل المجالات حيث تجاوزت الشراكة الاقتصادية بين الدوحة وواشنطن 200 مليار دولار.
وخلال الدورة الأولى من الحوار الاستراتيجي يناير 2018، ناقش الطرفان آفاق الشراكة في مجالات الدفاع ومكافحة الإرهاب ومكافحة التطرف والتجارة والاستثمار، ووقعا مذكرات تفاهم مختلفة وخطابات نوايا في مجالات التجارة الثنائية والاستثمار والتكنولوجيا، وأصدرت الحكومتان إعلانا مشتركا حول التعاون الأمني، حيث أكدتا التزامهما المشترك بتعزيز السلام والاستقرار ومكافحة ويلات الإرهاب، وأعربتا عن رغبتهما المشتركة في تعزيز علاقاتهما الثنائية في قطاع الطاقة والتوقيع على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بين دولة قطر والولايات المتحدة.
وفي الدورة الثانية من الحوار الاستراتيجي يناير 2019، وقع الجانبان على ثلاث مذكرات تفاهم، وبيان نوايا بين البلدين ضمن مساعي تأكيد التزامهما الطويل المدى بتعزيز الشراكات الحالية، وناقشت الحكومتان تعزيز الشراكة الدفاعية للحفاظ على الاستقرار في المنطقة، كما ناقشتا شراكات لمكافحة الإرهاب وإنفاذ القانون في إطار جهودهما المشتركة المستمرة لمنع التطرف والعنف.
وفي الدورة الثالثة من الحوار الاستراتيجي سبتمبر 2020، أكد الطرفان أهمية جهودهما المشتركة لإيجاد سوق طاقة عالمي يتسم بالشفافية والتنافسية، وذلك لصالح المستهلكين والمنتجين، كما عبر البلدان عن التزامهما بالإعلان المشترك حول التعاون الأمني لتعزيز السلام والأمن ومكافحة الإرهاب الذي تم توقيعه في الحوار الاستراتيجي الأول في يناير 2018.
وانتهت النسخة الرابعة من الحوار الاستراتيجي نوفمبر 2021، إلى الالتزام بمواصلة التعاون في تنفيذ البرامج العالمية المصممة خصيصا لدعم الدول الأعضاء وغيرها من أصحاب المصلحة في مكافحة الإرهاب من أجل تعزيز الدعم لعمليات الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، بما في ذلك مراجعة استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب وتقارير الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وتعزيز التنسيق والاتساق في جهود الدول الأعضاء لمكافحة الإرهاب على المستوى الدولي بدعم من ميثاق الأمم المتحدة العالمي لمكافحة الإرهاب.
وقد تطورت العلاقات الدفاعية والأمنية بين الولايات المتحدة وقطر من خلال “الحوار الاستراتيجي” الأول الذي انعقد في يناير 2018، ويعقد سنويا منذ ذلك التاريخ.
وتظهر أهمية تصنيف دولة قطر كحليف رئيسي للولايات المتحدة في المكانة والهيبة التي تكتسبها دولة قطر بفضل حكمة قيادتها وتدخلاتها الناجحة الحاسمة في كثير من الملفات، فقد استضافت الدوحة مباحثات السلام بين الحكومة الأمريكية وحركة طالبان التي انتهت بتوقيع اتفاق الانسحاب الأمريكي من أفغانستان عام 2020، ثم لعبت قطر دورا رئيسيا في إجلاء آلاف الأمريكيين والأجانب العالقين في أفغانستان عام 2021، حيث أظهرت دولة قطر دورها الريادي في الوضع الأفغاني.
وأصبحت الدوحة حينها مركزا للتنسيق الدبلوماسي لتنفيذ العمليات الإنسانية والإغاثية بالنسبة لأفغانستان، ونقطة عبور لآلاف الأشخاص الذين تم نقلهم جوا من أفغانستان على مدى عدة أشهر، فتم نقل ما يقرب من 40 في المئة من جميع العالقين في مطار كابول عبر قطر، بما يعكس موقع دولة قطر كحليف استراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
وخلال أزمة الحرب في أوكرانيا، احتلت دولة قطر حيزا مهما من النقاشات بشأن التداعيات المترتبة على قطع الغاز الروسي، إذ تباحث مسؤولون في الإدارة الأمريكية مع نظرائهم في قطر بشأن احتمال إمداد أوروبا بالغاز الطبيعي، حيث تعد دولة قطر واحدة من أكبر منتجي الغاز الطبيعي المسال، وتنفق قطر ما يقرب من 30 مليار دولار لزيادة طاقتها الإنتاجية لمواجهة أي نقص في إمدادات الطلب العالمي المستمر على الغاز.
وليس هذا فحسب، ففي 23 ديسمبر 2023 قدمت الولايات المتحدة الأمريكية الشكر إلى دولة قطر لوساطتها الناجحة مع فنزويلا والتي أسفرت عن إطلاق سراح 10 أمريكيين في سجون فنزويلا، وأعربت واشنطن عن امتنانها لجهود دولة قطر التي سهلت المحادثات بين السلطات الفنزويلية والمسؤولين الأمريكيين لتمهيد الطريق نحو عودة المواطنين الأمريكيين المحتجزين هناك.
إضافة إلى ذلك فإن العلاقات التجارية والاقتصادية والاستثمارات تشكل علامة مضيئة في صلب العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، وقد اكتسبت زخما كبيرا منذ عشرين عاما بتوقيع اتفاقية التجارة والاستثمار (TIFA) في عام 2004، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 9.46 مليار دولار في 2022 وحده، مما جعل الدوحة الشريك التجاري التاسع لواشنطن.
وشهدت العلاقات القطرية الأمريكية محطات رئيسية في تاريخها، فقد بدأت العلاقات الرسمية بينهما عام 1972، حيث شكلت منطقة الخليج بما في ذلك دولة قطر، محطة مهمة للولايات المتحدة بعد الاكتشافات الأولى للاحتياطيات النفطية الهائلة في أوائل القرن الـ20، واستمرت العلاقات بين قطر والولايات المتحدة في التوسع خلال السبعينيات والثمانينيات.
وفي عام 1992 عقد البلدان اتفاقية تعاون دفاعي، لكن العلاقة أصبحت أكثر أهمية عندما بدأ تدشين قاعدة العديد الجوية في قطر.
وفي عام 1997، كانت الزيارة الرسمية الأولى التي قام بها صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى الولايات المتحدة، وشكلت الانطلاقة نحو علاقات متميزة، ثم تلتها بعد ذلك زيارات رسمية أخرى على مختلف المجالات بين البلدين، ليرتفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى آفاق واسعة.
وتعتبر الولايات المتحدة أكبر مستثمر أجنبي في قطاع النفط والغاز في قطر، وهو ما ظهر جليا في تأسيس البلدين خلال السنوات الأخيرة مجلس الأعمال المشترك، والذي يهدف إلى تسهيل التبادل التجاري والاستثمار بين البلدين، وتشمل صادرات الولايات المتحدة إلى قطر /الطائرات، والسيارات، والآلات والمعدات الكهربائية، والأجهزة البصرية والطبية والمنتجات الصيدلانية/، بينما تشمل صادرات قطر إلى الولايات المتحدة: /الأسمدة، والألومنيوم، والغاز الطبيعي المسال/.
الشرق القطرية
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة من الحوار الاستراتیجی الولایات المتحدة وقطر بین الولایات المتحدة للولایات المتحدة ومکافحة الإرهاب لمکافحة الإرهاب وزیر الخارجیة الأمم المتحدة العلاقات بین ملیار دولار بین البلدین المتحدة من المتحدة فی آل ثانی فی قطر
إقرأ أيضاً:
الإمارات وأميركا.. شراكة اقتصادية تصنع المستقبل
مصطفى عبد العظيم (أبوظبي)
أخبار ذات صلةتشهد العلاقات الاقتصادية بين الإمارات والولايات المتحدة الأميركية، التي تتسم بالديناميكية والتنوع، زخماً متسارعاً في النمو والتطور، مستفيدة من عمق ومتانة الروابط بين البلدين، والرؤية المشتركة لصنع المستقبل والمساهمة في تحقيق الازدهار العالمي.
وخلال السنوات القليلة الماضية، سجلت الاستثمارات البينية في البلدين تحولاً نوعياً في حجم ومجالات الاستثمار التي تجاوزت القطاعات التقليدية من البنية التحتية ومشاريع النفط والغاز إلى مجالات اقتصاد المستقبل المرتكزة على التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي والفضاء والطاقة المتجددة، والتي باتت تشكل المحركات الرئيسية لنمو الشراكة الاقتصادية بين البلدين.
وبدأت مسيرة الشراكة بين البلدين في مجال التكنولوجيا المتقدمة مبكراً في العقد الأول من الألفية الجديدة مع اتجاه بوصلة الشركات الإماراتية للاستثمار في قطاعات التكنولوجيا الأميركية، من خلال استثمار «مبادلة» في شركة «أيه إم دي» الأميركية لصناعة معالجات الرقائق الإلكترونية، حيث لعبت «مبادلة» دوراً تحولياً في مسيرة الشركة، تلاها في 2009 تأسيس شركة «غلوبال فاوندريز»، إحدى الشركات الرائدة على مستوى العالم في مجال تصنيع أشباه الموصلات، فضلاً عن كونها مستثمراً رائداً في مجال البرمجيات وعلوم الحياة.
ويسهم تعزيز التعاون في الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، والاستفادة من الابتكارات والتقنيات الحديثة، في تطوير قطاعات المستقبل في الإمارات، وسياسة التنويع الاقتصادي الوطني، كما يعزز تكثيف الاستثمارات الإماراتية في التكنولوجيا المتقدمة داخل الولايات المتحدة من مكانة الدولة مركزاً تقنياً عالمياً، ويدعم مكانتها في المنطقة، لاسيما أن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يعدان من القطاعات الواعدة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام، والانفتاح الشامل على اقتصاد المستقبل.
وتوفر الاستثمارات الإماراتية في الولايات المتحدة الأميركية التي تتجاوز وفقاً للتقديرات حاجز التريليون دولار، فرصة مهمة لتوسيع الاستثمارات الوطنية على الصعيد العالمي، مما يسهم في تعزيز الاستدامة التنموية الشاملة، وكذلك في تعميق الروابط الاقتصادية والسياسية بين البلدين، مما يضمن شراكة استراتيجية طويلة الأمد.
وتعد الإمارات حالياً أحد اللاعبين الذين لهم تحرك بارز في صناعة أشباه الموصلات خلال السنوات الأخيرة، فقد فطنت مبكراً لأهمية هذا المجال، من خلال تعزيز استثماراتها الخارجية في هذا القطاع، لتتوسع الشراكات العميقة بين الشركات الأميركية والإماراتية، لتشمل اليوم عدداً واسعاً من أبرز شركات التكنولوجيا الأميركية من«أي بي إم» و«مايكروسوفت» إلى «إنفيدا» و«أوبن إيه آي».
ويشكل الذكاء الاصطناعي أحد أبرز الملفات الهامة في التعاون بين البلدين والشركات التابعة لهما في أعقاب إعلان «MGX» الإماراتية عن شراكة عالمية للاستثمار في الذكاء الاصطناعي بقيمة تصل إلى 100 مليار دولار مع شركات «مايكروسوفت» و«بلاك روك» و«جلوبال إنفراستركتشر بارتنرز».
قطاع الطاقة
تتمتع دولة الإمارات والولايات المتحدة بشراكة طويلة الأمد في قطاع الطاقة، إذ تعتبر الإمارات مصدراً موثوقاً لإمدادات النفط، وفي الوقت ذاته تسعى بشكل فاعل إلى تطوير بدائل مستدامة في الغاز الطبيعي والغاز المسال وحلول منخفضة الكربون والبنية التحتية للطاقة.
ويعمل البلدان على تعزيز الاستثمارات المتبادلة في مجال الطاقة، ولدى الإمارات استثمارات مهمة في سوق الطاقة الأمير كي تتجاوز الـ 70 مليار دولار حتى الآن من خلال «أدنوك»، «مصدر»، و«XRG»، كما سيعمل البلدان، وبما يمتلكان من إمكانات ضخمة في مجال الطاقة، على تطوير حلول طاقة مبتكرة في القطاع، بما يضمن تأمين الموارد وسلاسل الإمدادات لمراكز البيانات والذكاء الاصطناعي، إذ تولي دولة الإمارات أهمية كبيرة للاستثمار في شبكات الطاقة الذكية وتطوير البنية التحتية الرقمية والاستثمار في الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة إدارة الطاقة.
تريليون دولار استثمارات
تُعد الإمارات حالياً الوجهة الرئيسية لصادرات الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وهي تُمثل أكبر فائض تجاري أميركي في المنطقة، وأكبر ثالث فائض على مستوى العالم، تتجاوز الاستثمارات الإماراتية في الولايات المتحدة حالياً تريليون دولار، وتُسهم فيها العديد من الكيانات الإماراتية الكبرى، مثل «جهاز أبوظبي للاستثمار» (ADIA)، «مبادلة»، «مجموعة 42»، «MGX»، «مصدر»، و«أدنوك».
وتسارعت الشراكات الاقتصادية الاستراتيجية بين البلدين في الأشهر الأخيرة، مع العديد من الإعلانات الكبرى التي تركز على الذكاء الاصطناعي والطاقة، مما يعزز سجل الإمارات الطويل في الاستثمار المتبادل والمربح في الولايات المتحدة.
«إم جي إكس»
تعد «MGX» الإماراتية من بين المستثمرين الرئيسيين في مشروع «ستارغيت»، الذي يخطط لاستثمار 100 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع القادمة، إلى جانب OpenAI، Softbank، و«Oracle».
كما أعلنت شركة «إم جي إكس»، وهي شركة إماراتية متخصصة في مجال التكنولوجيا تركّز على تسريع تطوير وتبني الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة، عن شراكة مع «بلاك روك» و«جلوبال إنفراستركتشر بارتنرز» و«مايكروسوفت»، لإطلاق «الشراكة العالمية للاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي»، وذلك للاستثمار في مراكز البيانات الجديدة والموسعة، تلبيةً للطلب المتزايد على القدرة الحوسبية الفائقة.
وتعمل هذه الشراكة على توفير بنية مفتوحة ونظام حيوي واسع النطاق، يوفر مجالاً واسعاً ومتنوعاً لمجموعة من الشركاء والشركات فيما تعمل شركة «إنفيدا» على دعم الشراكة العالمية للاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي مع توظيف خبرتها في مجال مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي ومرافق الذكاء الاصطناعي لصالح منظومة الذكاء الاصطناعي.
كما ستعمل الشراكة العالمية للاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بشكل فاعل مع قادة الصناعة، للمساهمة في تعزيز سلاسل إمداد الذكاء الاصطناعي.
وبموجب هذه الشراكة، سيتم العمل على توظيف 30 مليار دولار من رأس المال الخاص من المستثمرين ومالكي الأصول والشركات، على أن يصل هذا إلى 100 مليار دولار من الاستثمار.
أدنوك XRG
أعلنت «أدنوك» مؤخراً نيتها زيادة استثماراتها في السوق الأميركية عبر شركتها الاستثمارية الدولية الجديدة «أدنوك XRG »، التي تركز على التقنيات التي تدعم الانتقال إلى الطاقة النظيفة، كما تعد «أدنوك» مستثمراً في مشروع «ريو غراندي للغاز الطبيعي المسال» (RGLNG) بالشراكة مع «إكسون موبيل»، وهو أكبر مشروع بنية تحتية ممول من القطاع الخاص في ولاية تكساس.
محفظة مصدر
تتوسع محفظة «مصدر» بشكل سريع في الولايات المتحدة، حيث تضم حالياً مشاريع لطاقة الشمس والرياح على مستوى المرافق ومشاريع لتخزين الطاقة. وفي عام 2019 استحوذت «مصدر» على حصص مجموعة «جون لاينغ بي ال سي» في محطتين لطاقة الرياح بالولايات المتحدة الأميركية. كما أن «مصدر» هي شريك مالك مشترك لشركة «تيرا-جين»، وهي واحدة من أكبر منتجي الطاقة المتجددة المستقلة في الولايات المتحدة، والتي تضم محفظتها مشاريع من طاقة الشمس والرياح قيد التشغيل بقدرة إجمالية تبلغ 3.8 جيجاواط، مع مرافق لتخزين الطاقة بقدرة 5.1 جيجاواط/ساعي في ثلاثين موقعاً.
«جلوبال فاوندريز»
تُعد «جلوبال فاوندريز» أكبر استثمار منفرد لـ «مبادلة»، وهي أكبر استثمار خاص في تاريخ ولاية نيويورك، وتوظف منشأة «فاب 8» التابعة لها في مقاطعة «ساراتوجا» بولاية نيويورك ما يقارب 3000 شخص وتدعم 15.000 وظيفة غير مباشرة في المنطقة.
«جلفتاينر»
وقعت «جلفتاينر» في عام 2014، اتفاقاً لمدة 35 عاماً لتشغيل محطة في ميناء «كانافيرال» بولاية فلوريدا، والتي تعد الآن منشأة شحن لصناعة الفضاء الأميركية.
شراكات للنمو
ترحب الإمارات بشركات الولايات المتحدة للاستفادة من بيئة الأعمال التنافسية في الدولة، مع وجود أكثر من 1500 من الشركات الأميركية التي لها حضور في الإمارات، وتشارك في مجموعة واسعة من القطاعات التي تحمل إمكانيات كبيرة للنمو أكثر من أسواق أخرى، مثل اليابان أو أوروبا.
الاقتصاد الجديد
كما تمثل دولة الإمارات اليوم إحدى الوجهات الأكثر جذباً لانطلاق وتأسيس الأعمال، حيث نجحت خلال السنوات الماضية في تطوير عدد من التشريعات والإجراءات ساعدت مجتمع الأعمال على النمو والمنافسة، كان من أبرزها استحداث قوانين تواكب التقنيات الحديثة في حركة الاقتصاد، مثل قانون التجارة من خلال وسائل التقنيات الحديثة، وقوانين خاصة بحماية الملكية الفكرية، مثل قانون الملكية الصناعية والعلامات التجارية وحقوق المؤلف، كما عززت الدولة البيئة التشريعية للشركات العائلية، باعتبارها أحد النماذج الاقتصادية المهمة لتعزيز النمو المستدام، ودعم توجه الدولة نحو اقتصاد المعرفة والتكنولوجيا.
«مايكروسوفت» و«جي 42»
يشكل إعلان «مايكروسوفت» استثمار 1.5 مليار دولار في شركة «جي 42» لإدخال أحدث تقنيات «مايكروسوفت» في مجال الذكاء الاصطناعي، والدفع بمبادرات تطوير المهارات إلى دولة الإمارات ودول العالم، خطوة مهمة لترسيخ مكانة أبوظبي في قطاع التكنولوجيا العالمي، وتأكيداً على الثقة والفرص الواعدة التي تتمتع «G42» لتوسيع حضورها الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي لتصبح في مصاف أكبر الشركات العالمية على هذا الصعيد. وفي سبتمبر 2024، أعلنت «مايكروسوفت» و«مجموعة 42» تأسيس مركزين جديدين في أبوظبي. سيركز المركز الأول على تعزيز نشر الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول في منطقة الشرق الأوسط وجنوب العالم، بينما سيكون المركز الثاني امتداداً لمختبر أبحاث «الذكاء الاصطناعي من أجل الخير» التابع لـ «مايكروسوفت» في الإمارات.
«جي 42» و«انفيدا»
أعلنت «جي 42»، المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، شراكتها مع «انفيدا»؛ بهدف تعزيز تكنولوجيا المناخ، من خلال التركيز على تطوير حلول الذكاء الاصطناعي، الهادفة إلى تحسين توقعات الطقس بشكل كبير على مستوى العالم.
ويستند التعاون إلى منصة «NVIDIA Earth -2»، وهي منصة مفتوحة تقوم بتسريع عملية الوصول إلى توقعات المناخ والطقس، عبر توظيف واسطة المحاكاة عالية الدقة المعززة بالذكاء الاصطناعي.
وتركز «جي 42» و«NVIDIA» في المرحلة الأولى من تعاونهما، على تطوير نموذج لتوقعات الطقس بدقة كيلومتر مربع لتحسين دقة رصد التوقعات الجوية، وتتضمن أهم محاور المبادرة، إنشاء مركز عمليات جديد، ومختبر للمناخ التقني في إمارة أبوظبي، سيكون مركزاً مخصصاً للبحث والتطوير، ما يرسخ التزام الشركتين بالاستدامة البيئية، ويعزز هذا المركز جهود تطوير الحلول المناخية والجوية المخصصة، التي تستفيد من أكثر من 100 بيتابايت من البيانات الجيولوجية.