تتعدد السياقات التي نحتكم إليها، عند النظر في كثير من ممارساتنا السلوكية، وهذه السياقات ليست وليدة اللحظة؛ كما هو معروف بالضرورة، بل إنها مخزون معرفي بامتياز، قد تختزن الذاكرة هذا المخزون، فيظل خاملا خامدا، وقد تثيره في لحظة زمنية، أو موقف ما، فيصبح حديث الساعة، فالذاكرة هنا إذن هي الفاعل الحقيقي المباشر لمختلف السياقات التي نحتكم إليها، ونشير بها إلى الآخرين من حولنا، بناء على سلوكياتهم الظاهرة، وممارساتهم للفعل، وأكثر ما يمتحن الفرد في مختلف سلوكياته التي يبديها هو المتسلسل تحت عنوان «السياق العام» مع أن مفهوم السياق العام؛ هو مفهوم فضفاض يصعب في مواقف كثيرة تحديد آلياته أو التعريف المنطقي له، ولذلك من السهولة بمكان أن يقال لك: «هو مخالف للسياق العام» طيب؛ ما هو السياق العام؟ هل هو ما يتوافق مع الثقافة الحاضرة لمجتمع ما؟ أو العرف؟ أو الممارسة الاجتماعية؟ قد تخضع الإجابة وفق المحتوى المعرفي عند كل شخص على حدة.
يعد السياق الإنساني واحدا من أهم السياقات التي يسلم بأهميتها الجميع، فليس هناك إنسان لا يهمه أن تكون كل ممارساته وانفعالاته وفق هذا السياق، حتى لا يصاب بدهشة النتيجة المتوقعة لأي فعل يقوم به سواء على مستواه الفردي، أو على مستواه الاجتماعي، فالإنسانية قاسم مشترك يهم الجميع؛ وإن الجميع وفق سياقاتهم الإنسانية آمنون، ومن يشذ عن ذلك فسوف يواجه بكثير من النقد، وبكثير من عدم الارتياح لما قام به، ولعلنا نستحضر الفارق النوعي بين السياق العام والسياق الإنساني، أن الأول يكون تأثيره أفقيا أي «فهم متداول» ويحتكم إلى القيم أكثر، وبالتالي فهو إلى العام منه أقرب عن الخاص، أما السياق الإنساني فتأثيره عموديا، ويحتكم إلى ما يعتلج الإنسان من يقظة الضمير، وبالتالي فهو إلى الخاص منه أقرب من العام، وبالتالي في المواقف التي تحدث، الناس محتاجون إلى السياقين كليهما، وإن كان البعض يجد بعض المبررات عن إعلان الحكم المطلق في ممارسات كلا السياقين أيضا. ويحل السياق العاطفي أيضا واحدا من السياقات التي تقيم من خلالها بعض السلوكيات والممارسات التي يبديها الأفراد، ولأن هذا السياق مرتبط أكثر بالعاطفة والمشاعر، فهنا لا يحمل صاحبه الكثير من المسؤولية «مسؤولية مخففة» حيث تحظى العاطفة؛ غالبا؛ بنوع من التعاطف أيضا، ويقع في إشكالياته أكثر ربما المرأة، وصغار السن، حيث تصنف أفعال هؤلاء وفق هذا السياق، ولذلك تستوجد الأعذار لمثل هؤلاء انعكاسا لظروفهم الخاصة.
أما السياق الثقافي، فهو أقرب إلى المهنة والتخصص منه إلى مجمل السياقات الواردة أعلاه، وهذا خاضع لكثير من التعقيدات الميكانيكية؛ لأنه سياق مكتسب بالإرادة الحرة، وليس وفق السياقات آنفة الذكر، التي تتمايز بين السياقات الفطرية، وبين السياقات المكتسبة بفعل التوارث بين الأجيال، كأعراف وقيم، قد تخضع لحكم عام يقبل أو يرفض، دون أن يكون هناك إلزام «مهني» كما هو السياق الثقافي، الذي تحكمه مجموعة من النظم والقوانين التي تضعها جماعة معينة لتنظيم وتسهيل اشتغالاتها اليومية.
والسياق في تعريفه العام، هو ما يتسق أو يتوافق مع ما تؤمن به المجموعات الإنسانية في بيئة معينة، ولعل أكثر البيئات اهتماما بهذه السياقات هي البيئة الاجتماعية، وهي البيئة ذاتها التي لا تخلو من سياقاتها الاجتماعية ، فكل مجتمع إنساني له خصوصية سياقاته الاجتماعية، وإن تقاربت الشعوب في بعض صور الممارسة منها، ولكنها لن تتطابق بصورة مطلقة.
أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الداخلية تعلن عن ضبط أكثر من ثلاثة أطنان من المخدرات الإيرانية وإلقاء القبض على (116) تاجراً لها
آخر تحديث: 18 دجنبر 2024 - 11:03 ص بغداد/ شبكة أخبار العراق- أعلنت المديرية العامة لشؤون المخدرات، اليوم، ضبط 3 أطنان من المواد المخدرة والاطاحة بـ 116 متاجراً دولياً.وقالت المديرية في بيان ، إنه” بقرارات قضائية صادرة من محكمة التحقيق المركزية في الرصافة وبأوامر وزير الداخلية عبد الأمير الشمري وبإشراف مديرها العام ومن خلال قسم التحقيقات الخاصة، وإسناد فوج المقر العام التكتيكي نفذت عملية الردع الرابعة الكبرى في تاريخ العراق واستهدفت شبكات المتاجرة الدولية بالمخدرات”.وأضافت، إن” العملية الأمنية الاستخبارية نفذن خلال عام 2024 ضمن سلسلة أهداف استراتيجية محددة بنجاح وأسفرت عن إلقاء القبض على (116) متاجرًا دوليًا بالمخدرات وضبط (3) طن و (150) كيلو غرام من مختلف المواد المخدرة والحكم بحق (82) مجرم متاجر دولي بالمخدرات بالإعدام .