«يوم الشهيد»، هو رمز الاعتزاز والفخر بأشرف دماء سالت دفاعاً عن تراب الوطن، وهم شهداء القوات المسلحة الذين ضحوا بأرواحهم فى سبيل الوطن، يتزامن الاحتفال بيوم الشهيد مع إحياء ذكرى الشهيد الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق، الذى يعد أشهر العسكريين فى النصف الثانى من القرن العشرين ومُلقب بالجنرال الذهبى.
«يوم الشهيد» مناسبة للتأكيد على فكرة العطاء دون مقابل، فقد أشرف الفريق عبدالمنعم رياض على الخطة المصرية لتدمير خط بارليف، خلال حرب الاستنزاف، ورأى أن يشرف على تنفيذها بنفسه وتحدد يوم السبت 8 مارس 1969، موعداً لبدء تنفيذ الخطة، وفى التوقيت المحدد انطلقت نيران المصريين على طول خط الجبهة لتكبد الإسرائيليين أكبر قدر من الخسائر فى ساعات قليلة وتدمير جزء من مواقع خط بارليف وإسكات بعض مواقع مدفعيته فى عنف اشتباك شهدته الجبهة قبل حرب أكتوبر 1973.
وفى صبيحة اليوم التالى يوم 9 مارس، قرر الفريق عبدالمنعم رياض، أن يتوجه بنفسه إلى الجبهة ليرى عن قرب نتائج المعركة ويشارك جنوده فى مواجهة الموقف، وقرر أن يزور أكثر المواقع تقدماً التي لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 متراً، ووقع اختياره على الموقع رقم «6» وكان أول موقع يفتح نيرانه بتركيز شديد على دُشم العدو فى اليوم السابق، ويشهد هذا الموقع الدقائق الأخيرة فى حياة الفريق عبدالمنعم رياض، حيث انهالت نيران العدو الإسرائيلى فجأة على المنطقة التى كان يقف فيها وسط جنوده واستمرت المعركة التى كان يقودها الفريق بنفسه حوالى ساعة ونصف الساعة إلى أن انفجرت إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الحفرة التى كان يقود المعركة منها وتتجه الشظايا القاتلة وتفريغ الهواء.
استشهد الفريق رياض متأثراً بجراحه بعد 32 عاماً قضاها عاملاً فى الجيش المصرى ونعاه الرئيس جمال عبدالناصر ومنحه رتبة الفريق أول ووسام نجمة الشرف العسكرية. واعتبر يوم 9 مارس من كل عام هو يومه تخليداً لذكراه، وأطلق اسمه على أحد الميادين الشهيرة بوسط القاهرة بجوار ميدان التحرير ووضع به نصباً تذكارياً له. كما أطلق اسمه على العديد من الشوارع والمدارس والمساجد فى العديد من المدن المصرية والعربية.
يجسد الاحتفال بيوم الشهيد الذى يقوم فيه الرئيس عبدالفتاح السيسى بتكريم أسر الشهداء تقديراً للمبادئ السامية والقيم النبيلة التى تأسست عليها العسكرية المصرية ولا تزال راسخة فى وجدان أبنائها على مر الأجيال الذين واجهوا الإرهاب بالتنمية.
مشهد استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض وهو بين جنوده فى الخطوط الأمامية على الضفة الغربية للقناة لن ينساه رجال الجيش المصرى على مر التاريخ، وهذا المشهد أصبح أيقونة لكل القادة من بعده، الذين اتخذوا الصفوف الأمامية لجنودهم فى جميع المعارك التى خاضتها القوات المسلحة، وصولاً إلى المواجهة الشرسة مع التنظيمات الإرهابية على أرض سيناء، حتى أصبح كل جيل يسلم الجيل الذى يليه، هذا العنوان وهذه الصورة وهذا المشهد.
فكان استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض فى ميدان المعركة رمزاً لعطاء وتضحيات القوات المسلحة على مر التاريخ، وسيظل رسالة لكل من تسول له نفسه المساس بمصر وأرضها وشعبها بأن هناك أبطالاً لا يهابون الموت وجاهزون للدفاع عن هذا الوطن.
فى إحدى زياراته للجبهة ومن خلال مقابلة مع الجنود بإحدى الليالى الباردة، شاهد المشير رياض جندياً يقف فى حراسته وهو يرتعد من البرد، فتوجه إليه وسأله عن معطفه؟ فأجابه الجندى قائلاً: لقد أعرته لزميل خرج فى مأمورية، فما كان من الفريق رياض إلا أن خلع معطفه وأعطاه للجندى ليرتديه، ووجه إليه كلاماً قائلاً: فى الصباح لا تنسى أن تعيده إلىّ.
ومن أقواله على الجبهة قال الفريق الشهيد: «القادة العسكريون لا يولدون هكذا، لكنهم يُصنعون، يصنعهم العلم والتجربة والفرص والثقة.. كن دائماً بين جنودك فى السلم، ومعهم فى الصفوف الأمامية فى الحرب.. كن قدوة صادقة لجنودك.. لا تجعل جنودك حتى فى أحلك الظروف واللحظات يرون عليك علامات القلق والارتباك.. احمل معك ميزاناً حساساً للثواب والعقاب.. اهتم بشئون جنودك ومشاعرهم.. أخطار الصغار صغيرة ويمكن معالجتها ما دامت بغير قصد وحتى فى حدود ممارستهم لحق التجربة والخطأ، أما أخطاء الكبار فإنها دائماً كبيرة.
الاحتفال بيوم الشهيد، وكل شهداء الوطن ذكرى عزيزة على نفوسنا جميعاً نستحضر فيها بطولات رجال صدقوا الوعد وبذلوا كل غالٍ ونفيس من أجل أن يحيا هذا الوطن كريماً أبياً.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حكاية وطن رسالة الشهيد محمود غلاب يوم الشهيد الفريق عبدالمنعم رياض القوات المسلحة الخطة المصرية حرب أكتوبر 1973 القوات المسلحة یوم الشهید
إقرأ أيضاً:
الشهداء فى الذاكرة.. والدة الشهيد وائل كمال: وصى أخوه يدفنه مع منسى
في قلب كل شهيد، قصة بطولة لا تموت، وتضحية نقشها التاريخ بحروف من نور، في هذه السلسلة، نقترب أكثر من أسر شهداء الشرطة والجيش، نستمع إلى حكاياتهم، نستكشف تفاصيل حياتهم، ونرصد لحظات الفخر والألم التي عاشوها بعد فراق أحبائهم.
هؤلاء الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم دفاعًا عن الوطن، لم يرحلوا عن ذاكرة الوطن ولا عن قلوب ذويهم من خلال لقاءات مؤثرة، نروي كيف صمدت عائلاتهم، وكيف تحولت دموع الفقد إلى وسام شرف يحملونه بكل اعتزاز.
هذه ليست مجرد حكايات، بل رسائل وفاء وتقدير لمن بذلوا أرواحهم ليحيا الوطن.
" مكنش قايل ليا أنه مش بيخدم في سيناء، وبعد أتفجئت أنه كان من ضمن كتيبة الرجالة اللى كانوا مع منسى الأسطورة، ووصى أخوه وأخو منسى أنه يدفن معاه "، بهذه الكلمات بدأت والدة الشهيد الرائد وائل كمال حديثها عنه، مضيفة أن نجلها الشهيد لقى استشهاده أثناء قيامه بعملية مداهة لمجموعة من العناصر التكفيرية في سيناء، موضحة أنه أثناء قيامه بالتعامل مع هؤلاء التكفريين أصيب إصابة مباشرة لقى أستشهاده على اثرها.
وتضيف والدة الشهيد، أنها تلقت خبر أستشهاد نجلها من شقيقه، مضيفة أن الشهيد كان ضمن كتيبة الأبطال 103 صاعقة كتيبة العقيد أركان حرب " منسى " والذى أستشهد هو الأخر في سيناء " كمين البرس "، موضحة أن نجلها كان يقوم بعملية تمشيط للمنطقة بعد العملية الإرهابية الفاشلة التي استهدفت مطار العريش، لافتة إلى أن الشهيد أثناء عملية التمشيط هو وقواته، رصد مجموعة من التكفيرين أثناء محاولتهم الهرب بدراجات بخارية، فقام بملاحقتهم وأثناء مطاردتهم والتعامل معهم أصيب إصابة مباشرة أستشهد على أثرها.
ووجهت والدة الشهيد رسالة لنجلها متمنية أن يكون في أعلى الدرجات في الجنة كما وعد ألله تعالى الشهداء، كما وجهت رسالة لجميع الشهداء قائلة " ستظلون في القلب إلى أن نلقاكم ".
مشاركة