بوابة الوفد:
2024-07-03@23:55:37 GMT

«أبوعمار» بين طموحه وواقعه

تاريخ النشر: 8th, March 2024 GMT

كنت فى الجزائر عندما عقد المجلس الوطنى الفلسطينى دورته السابعة عشرة منذ تأسيسه والأولى بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت، فى شهر فبراير عام 1983. حملت طائرة خاصة فيما أتذكر، وفدا كبيرا من قادة أحزاب المعارضة المصرية فضلا عن كتاب وفنانين ومخرجين وصحفيين ومحامين ونقابيين وشخصيات عامة، للمشاركة فى أعمال تلك الدورة بهدف لا أظن أن سلطة الرئيس مبارك كانت تعترض عليه، وهو إبداء الدعم والمساندة من القوى الشعبية المصرية لياسر عرفات وللمقاومة الفلسطينية، لاسيما أن استقبالا شعبيا ورسميا فى مدن القناة كان قد جرى للترحيب بسفن المقاومة القادمة من بيروت أثناء عبورها البحر المتوسط وهى ترسو أمام الشواطئ المصرية وكان عرفات على متنها بطبيعة الحال.

وفى لقاء ضم وفد حزب التجمع لمقابلة «أبوعمار» قبل بدء جلسات أعمال المجلس، استهله عرفات كعادته دائما، باحتضان كل أعضاء الوفد وتقبيلهم، حيث صار يلقبه محبوه وخصومه بأنه بواس حضان، وحين همّ بالارتماء فى أحضان خالد محيى الدين وقبل أن يقبل رأسه، قال له ما حدث، ما كان له أن يحدث، كيف تقل طائرة واحدة كل هذا الحشد من الرموز السياسية والشعبية المصرية، لماذا لم تأتوا متفرقين تحسبا لأى مخاطر محتملة. كانت الملاحظة كاشفة لشخصية «أبوعمار» الذى علمته تجاربه المريرة للنضال من أجل القضية الفلسطينية المراوغة والمناورة والحذر، وعدم ترك الأمور للصدف، بل التفكير فى توقعها قبل حدوثها.
ودورة المجلس الوطنى الفلسطينى تقترب من إنهاء عملها، ألقى «محمود درويش» معلقته البديعة «مديح الظل العالى» التى كان يرثى فيها معشوقته بيروت «بيروت قلعتنا.. بيروت دمعتنا» وخذلان النظام العربى للفسطينى «واسحب ظلالك عن بلاط الحاكم العربى، حتى لا يعلقها وساما، واكسر ظلالك كلها، كيلا يمدوها بساطا أو ظلاما» وتعد واحدة من أجمل قصائد الشعر العربى الحديث. لم يقرأ أحد شعر «محمود درويش» بأجمل مما فعل هو. خطف درويش قلوب مستمعيه من الوفود العربية الغفيرة داخل قاعة الاجتماع بإلقائه البديع والفريد. كان صوته يعلو وينخفض، ويلوح بيده بعنف ثم يومئ بلطف، وينحنى ويستقيم، وتحمر وجنتاه انفعالا، وتنعقد خطوط جبينه وتنبسط، والقاعة لا تكف عن التصفيق والهتاف والصخب بعد كل مقطع يدمى القلوب المتلهفة لعدل العالم. بعد هذا اليوم صرت أظن أنه لو لم يكن محمود درويش شاعرا فذا، لربما غدا ممثلا عبقريا. اقترب درويش من إنهاء إلقاء قصيدته قائلا:
ما أوسع الثورة
ما أضيق الرحلة
ما أكبر الفكرة
ما أصغر الدولة
انتفض «أبوعمار» من مقعده واقفا، وهو يشير بيديه الاثنتين نحو محمود درويش ملوحا بالرفض لرسالة القصيدة الأخيرة، التى تحثه على رفض مشاريع التسوية التى تنتقص من حقوق الشعب الفلسطينى وقال: لا.. لا أوافق أعطنى دولة ولو «متر فى متر».
تذكرت هذه الحكاية بعدما قرأت الحوار الهام الذى أجراه الأستاذ «غسان شربل» رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط مع القائد الفلسطينى «ياسر عبدربه» أمين السر السابق للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأحد المقربين من ياسر عرفات ممن شاركوا فى جولات المفاوضات المتعددة مع الجانبين الإسرائيلى والأمريكى سعيا لتنفيذ تعهدات اتفاقيات أوسلو، وكشف فيها عن المناورات الأمريكية – الإسرائيلية المشتركة للمراوغة والتنصل من العهود. وأوضح كيف ساهمت إدارتا كلينتون وبوش الابن فى إضعاف سلطة عرفات بعد تشكل السلطة الوطنية فى أعقاب أوسلو، وبترويج الأكاذيب خدمة لضمان نجاح الحكومة الإسرائيلية القائمة، ليتم التأكد مجددا أن ممارسة الضغوط على الفلسطينيين لتقديم مزيد من التنازلات للتحكم فى نتائج الانتخابات الأمريكية والإسرائيلية، كم يحدث الآن، بات سياسة ثابتة لدى الطرفين الأمريكى والإسرائيلى، وعصفا بمبادئ القانون الدولى وقيمه الأخلاقية. كما تم وصم عرفات بالإرهاب والمراوغة بعد مصادرة سفينة محملة بالأسلحة متجهة إلى غزة وتحميله المسئولية عن خرق الاتفاقات التى لم تلتزم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أصلا ببنودها، والضغط عليه لتشكيل حكومة وتولى محمود عباس رئاستها ورفض المسئولين الأمريكيين والإسرائيليين التعامل معه.
كان محمود درويش يحب ياسر عرفات، لكنه لا يثق فى حسن تقديراته، وظل هو وإدوارد سعيد مستشارين مقربين من عرفات، وعضوين بالمجلس الوطنى الفلسطينى حتى اتفاقات أوسلو. لكن ادوارد سعيد وجه انتقادات صحيحة شكلية وموضوعية فى الوفد الذى تشكل مع عرفات فى مفاوضات أوسلو، وفى القلب منها أن «أبوعمار» وأحمد قريع الذى كان يوصف بمهندس اتفاقات أوسلو لم يكونا يعرفان اللغة الإنجليزية بالقدر الكافى، الذى يجنب المفاوض الفلسطينى الوقوع فى براثن المصطلحات اللغوية المراوغة التى يتقنها الجانب الإسرائيلى، وتفرض حقائق على الأرض لم تظهر بشكل واضح للجانب الفلسطينى أثناء التفاوض، لكنها تجلت فى الوضع القائم الآن «دولة متر فى متر»!
وللحديث بقية

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: على فكرة أمينة النقاش المجلس الوطني الفلسطيني المقاومة الفلسطينية محمود درویش

إقرأ أيضاً:

حي الزيتون.. قلعة حصينة تحولت لـ"كابوس" تؤرق بمقاومتها الاحتلال 

غزة - خــاص صفا

حي عنيد مقاوم، أهله مُتشبثون بأرضهم، لا يستكينون لحظة في الدفاع عنه، وقف وما زال سندًا منيعًا أمام الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة، حتى تحول إلى "كابوس" يُؤرق الاحتلال في ظل استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة.

على مساحة 9 آلاف دونم تقريبًا في قلب المدينة القديمة جنوب شرقي مدينة غزة، يقع حي الزيتون الذي تردد اسمه كثيرًا في وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي منذ بداية الحرب على غزة، لما شكله من قلعة حصينة صامدة بمقاومتها وأهلها أمام توغلات الاحتلال وغطرسته التي لم تتوقف. 

هذا الحي، الذي يتميز بكثرة أشجار الزيتون التي تُغطي معظم أراضيه الجنوبية، يُعد واحدًا من أقدم وأكبر أحياء مدينة غزة مساحةً، وثاني أكبرها سكانًا، إذ يبلغ عددهم 80 ألف نسمة.

منذ بدء العملية البرية في القطاع بداية تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، نال الحي الصامد النصيب الأكبر من الاجتياحات الإسرائيلية التي خلفت دمارًا هائلًا في منازله وبنيته التحتية، فضلًا عن استشهاد وإصابة المئات من أهله. 

اعتداءات لا تتوقف 

هذا الحي- كما يقول المواطن جلال عرفات أحد سكانه لوكالة "صفا"- يشكل درعًا واقيًا وحصنًا منيعًا لباقي أحياء غزة، كونه يتصدى بمقاومته لاجتياحات جيش الاحتلال، رغم تعرضه للتدمير والمجازر الوحشية. 

ويضيف أن "حي الزيتون واحد من أكثر أحياء غزة التي تعرضت لاعتداءات الاحتلال وعملياته العسكرية البرية، كما تعرض للتدمير الواسع ولتغيير معالمه الجغرافية خلال الحرب المستمرة".

واجتياح الحي المتكرر- وفقًا لعرفات- يعد جزءًا من استراتيجية أوسع يستخدمها جيش الاحتلال في حربه، نظرًا لما يشكله من موقع استراتيجي، كونه يقع في منطقة محورية وحدودية بسبب قربه من محور "نتساريم" وتل الهوا، بالإضافة إلى تداخله مع أحياء أخرى، إذ يربط شارع (٨) جنوبي الحي بشارع الرشيد وتشعبه داخل أحياء أخرى مثل تل الهوا والصبرة والدرج. 

ويوضح أن المناطق الواسعة والأراضي الزراعية تجعل الحي أكثر عرضة للاجتياحات، كما أنه يشكل النقطة الأولى للمواجهة، ومعروف بقوة المقاومة فيه.

وكان الحي على موعد مع أول توغل إسرائيلي في الحرب الحالية بمنتصف نوفمبر/ تشرين أول 2023، من جهته الجنوبية الغربية، ووصلت آليات الاحتلال حينها إلى منطقة "المصلبة" وشارع المدارس، وعمل الاحتلال على نسف وحرق وتدمير عدد من المنازل والبنية التحتية، إلا أن المقاومة أجبرته على التراجع إلى محيط شارع (١٠) جنوبًا.

ولم تتوقف مأساة الأهالي عند ذلك، ففي الثاني من كانون أول/ ديسمبر الماضي، أعاد جيش الاحتلال توغله في الحي من المناطق الجنوبية الشرقية، وبعد عدة أيام انسحب منه، مخلفًا أيضًا دمارًا في المباني السكنية البنية التحتية. 

ويتابع عرفات أن الاحتلال لم يكتف بهذا التدمير والقتل، بل توغل مجددًا في الحي يوم 20 شباط/ فبراير الماضي، تحت غطاء كثيف من القصف المدفعي والجوي والأحزمة النارية، حتى تمركز في شارع (٨)، وبعد عشرة أيام من التدمير وارتكاب الجرائم بحق المواطنين انسحب من الحي، بفعل ما واجهه من مقاومة واشتباكات ضارية. 

وفي فجر التاسع من أيار/ مايو المنصرم، كان الاجتياح الرابع للحي، والذي استمر أسبوعًا، وشهد عمليات قصف في محيط مسجد حسن البنا، وتدمير عدة بنايات سكنية ولاسيما في شارعي عياد والمدارس، وحرق مستوصف شهداء الزيتون، وشق طرق بين المنازل، وتدمير آبار المياه. 

وأجبر القصف العنيف عشرات آلاف المواطنين على النزوح مجددًا من الحي، حفاظًا على حياتهم وسلامة أطفالهم. 

وخلال اجتياحاته المتكررة، تكبد جيش الاحتلال خسائر فادحة في الضباط والجنود والآليات العسكرية، بفعل ما واجهه من مقاومة واشتباكات ضارية وكمائن وعمليات مركبة وتفجير للعديد من المباني المفخخة ضد قواته المتوغلة.

حكاية صمود

وما زال حي الزيتون يتعرض بشكل متواصل للقصف المدفعي والجوي، وسط إصرار الأهالي على البقاء والصمود فيه.

ومن أبشع وأبرز المجازر التي ارتكبها الاحتلال في حي الزيتون خلال حرب الإبادة المتواصلة، مجزرة مستشفى المعمداني التي أدت لاستشهاد نحو 500 مواطن. 

وبهذا الصدد، يقول عرفات إن هذا يعبر عن مدى بشاعة الاحتلال وإجرامه بحق المدنيين والمستشفيات، التي تعتبر مكانًا آمنًا وفقًا للقرارات الدولية واتفاقيات جنيف.

ويوضح أن الاحتلال لم يضع هذه الأماكن تحت أي اعتبارات إنسانية، بل عمل على استهدافها وتدميرها، وارتكاب مجازر فيها. 

ولم تسلم عائلات الحي من جرائم الاحتلال، فهناك عائلات مُسحت من السجل المدني، وهناك من فقدت أكثر من شهيد، مثل عائلات "عاشور، حسين، السرحي، الزعبوط، ارحيم، وخليفة"، فضلًا عن عشرات الجرحى والأسرى. 

وعن حجم الدمار بالحي، يقول عرفات إن حجم الدمار هائل يفوق الـ97٪، بعدما أحرق ودمر جيش الاحتلال غالبية منازله إما جزئيًا أو كليًا، بفعل القصف المدفعي والجوي الذي شهده خلال الاجتياحات المتكررة له. 

ففي الاجتياح الأخير للحي، تعمد الاحتلال إحراق أكثر من 75 منزلًا بمحاذاة مستوصف الزيتون ومنطقة "المصلبة" وشارع مسجد علي، عدا عن تدمير المستوصف الذي يخدم عشرات آلاف المواطنين سواء من أهالي الحي أو المناطق المحيطة به، وكذلك تدمير آبار المياه وشبكات الكهرباء والصرف الصحي. 

حي عنيد 

وعرفات واحد من سكان حي الزيتون الذين تضرر منزله وتم إحراقه في الاجتياح الأخير، وحين عودته لتفقده قرب منطقة "المصلبة" لم يعرف مكانه، من هول المشهد وتغيير معالم المنطقة، وحجم الدمار والركام الذي يفوق الخيال. 

وما يميز هذا الحي وجود الكثير من المعالم الأثرية والتاريخية القديمة، أبرزها مسجد كاتب ولاية، ومستشفى المعمداني وحمام السمرة، وكنيسة القديس بريفيريوس.

ويصف عرفات في حديثه لوكالة "صفا"، الحي بأنه "عنيد ومثابر يتحدى عنجهية الاحتلال، وأهله متشبثون في أرضهم، رغم ما قدموه من تضحيات وشهداء".

ويضيف "لن نستسلم وسنواصل مقاومتنا للاحتلال حتى دحره عن أراضينا، ولن نترك بيوتنا حتى لو دُمرت وأُحرقت، سنعمرها من جديد". 

ويوجه عرفات رسالة للعالم، قائلًا: "يجب عليكم التدخل العاجل لإجبار الاحتلال على وقف عدوانه ومجازره بحق أبناء شعبنا".

مقالات مشابهة

  • مستقبل الاقتصاد المصرى منح لا محنة
  • مِحَن.. ترمى علينا بشرر!
  • الوزير والمثقفون
  • عادل حمودة يكتب: في صحة أحمد زكي
  • حي الزيتون.. قلعة حصينة تحولت لـ"كابوس" تؤرق بمقاومتها الاحتلال 
  • لقاء سويدان تجري عملية جراحية.. ربنا يقطعها عادة
  • هبة عبد العزيز تكتب: ثورة 30 يونيو كانت بمثابة المخرج للمرأة المصرية من الوقوع فى فخ الجهل والتجهيل الذى مارسته الجماعة المحظورة
  • الطريق إلى الاتحادية.. الملفات السرية للإخوان.. عبدالرحيم علي يرصد إرهاب الإخوان طوال أكثر من ثمانين عامًا ضد مصر والمصريين
  • «دُفعة المراوح وتخفيف الأحمال»
  • المساندة الشعبية