ملك الحجاز .. سر الرقم 60 في حياة الشيخ السعيد عبدالصمد الزناتي
تاريخ النشر: 8th, March 2024 GMT
يوافق اليوم الجمعة الأخيرة من شهر شعبان، الذكرى الـ 34 لوفاة «ملك الحجاز» القارئ الشيخ السعيد عبد الصمد الزناتي، والذي وافته المنية في مثل هذا اليوم 8 مارس عام 1990، عن عُمر يُناهز الـ 63 عامًا، ونرصد في السطور التالية محطات في ذكراه.
ملك الحجاز.. الشيخ السعيد عبدالصمد الزناتي وسر الرقم 60وُلد القارئ الشيخ السعيد عبدالصمد الزناتي، عام 1933، بقرية القيطون، التابعة لمركز ميت غمر، محافظة الدقهلية، بدأ حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، وأتم حفظه كاملاً قبل أن يبلغ سن الثانية عشر، وراجعه وتعلم أحكامه قبل أن يبلغ سن الثالثة عشر من عُمره، ثم أجاد القراءات السبع والعشر.
وعُرف «الزناتي» بقارئ الثلاث محافظات، حيث وُلد بمحافظة الدقهلية، وحفظ القرآن الكريم بها ثم درس علوم القرآن بمحافظة الشرقية، ثم انتقل بعد ذلك ليُقيم بمحافظة القليوبية وبالتحديد في مدينة كفر شكر عام 1960، وذلك قبل أن يبلغ الثلاثين من عُمره، فانهالت عليه الدعوات من تلك المحافظات لإحياء المناسبات والسهرات الدينية كقارئ للقرآن الكريم.
وتقدم «الزناتي»، لاختبار الإذاعة في عام 1960، وقُبل بها قارئاً للقرآن الكريم، استطاع الانفراد بمدرسة أُطلق عليها «مدرسة الحجاز» ولذلك لُقب بـ«ملك الحجاز» نسبةً إلى مقام الحجاز بضم الحاء، حيث أن مقام الحجاز أحد المقامات الموسيقية والنغمية التي تحتاج لموهوب فذ عبقرى يُترجم ما بها من وقع على آذان ومشاعر السامعين.
أصبح «الزناتي» خلال فترة وجيزة أحد أهم قراء القرآن الكريم الذين وصلوا إلى الشهرة ومكانة مرموقة بين عباقرة التلاوة وقراء القرآن، وسافر إلى العديد من دول العالم، وخلال رحلاته الخارجية حصل على العديد من شهادات التقدير، وعدد كبير من الأوسمة والجوائز العالمية.
كان الشيخ مصطفى إسماعيل أقرب الناس له لأنه أول من شجعه واحتضنه، حيث جمعهما أول لقاء بينهما فى مولد العارف بالله سيدنا الشيخ جودة بمركز منيا القمح بالشرقية وأعجب بصوته كثيرًا وأشاد به وتنبأ له بمستقبل كبير في عالم التلاوة، ومن ثم بدأت اللقاءات تتعدد والسفريات معا للخارج.
ورشحه الشيخ مصطفى إسماعيل للتليفزيون حينما بدأ الإرسال بمصر عام 1960، وهو نفس العام الذي التحق فيه بالإذاعة، وكان صديقه في ذلك الوقت هو الفنان الممثل إبراهيم سعفان وكان أحد السميعة له، وهو الذي قدم له طلب الالتحاق بالإذاعة، وفي هذا العام قام برفقة الشيخ مصطفى إسماعيل بتسجيل العديد من التلاوات القرآنية صوت وصورة، وبلغت التلاوات المسجلة للشيخ الزناتي بالتليفزيون فى تلك الفترة 30 تلاوة بالصوت والصورة، وبذلك يعد أول من سجل تلاوات قرآنية للتليفزيون مع القارئ الشيخ مصطفى إسماعيل، ويتم اعتماده قارئًا بالتليفزيون رسميًا منذ ذلك الحين حتى وفاته رحمه الله.
ذكرى الشيخ فتحي المليجي.. محطات في حياة نابغة مدرسة السلطان مصطفى إسماعيل ذكرى رحيل مصطفى إسماعيل.. حفيده: سجل 3000 ساعة تلاوة والأتراك انبهروا بصوتهوعن سر رقم 60 في حياة الشيخ السعيد عبدالصمد الزناتي يقول نجله القارئ الشيخ محمود: هذا الرقم حمل معانى كثيرة فى حياة والدى رحمه الله، والقدر صنع له الرقم، فهو رقم تليفون منزله، وكانت التليفونات نادرة جدا منذ عام 1950 حتى عام 1980، وفى تلك الفترة كان الذى يمتلك تليفونا لمنزله يكون من الأعيان، فكان للتليفون وللقارئ الفضل فى شهرة كل من الآخر، فكان الناس يعبرون عن فرحتهم بقدوم الشيخ السعيد الزناتى بقولهم: «يا عم افرح عندنا اليوم 60 كفر شكر، فيعلم الجميع أن القادم هو الشيخ عبدالصمد الزناتى، وكان البعض يتباهى قائلا: عندنا اليوم البطل، فيسأله بعض الناس قائلا: من؟ فيقول 60 كفر شكر، لأنه رقم مميز لقارئ مميز محبوب، وأنه من كبار عمالقة القراء، والسر فى 60 كفر شكر أنه جمع ثمانية أشياء تحمل رقم 60 هى: رقم تليفون منزله، ثم رقم السيارة الخاصة به ورقم رخصة السلاح الخاص به وانتقاله للإقامة فى كفر شكر عام 1960 وبدء تأسيس المسجد بكفر شكر عام 60 والتحاقه بالإذاعة عام 60 والتليفزيون عام 60 وأول أبنائه الذكور مواليد عام 1960.
وفى عام 1973، أصدر الرئيس السادات توجيهاته بإنشاء مسجد كبير بعاصمة كل محافظة يطلق عليه مسجد النصر أو اسم أحد زعماء مصر الراحلين وأقيم مسجد ناصر فى بنها عاصمة محافظة القليوبية، وقد تم ترشيح الشيخ الزناتى قارئا للسورة بمسجد ناصر، وعندما زار الرئيس السادات بنها وأدى صلاة الجمعة بهذا المسجد استمع إلى الشيخ الزناتى فأعجب به وأثنى عليه، وعندما شعر وزير الأوقاف آنذاك بحب الرئيس لأداء والدى وتلاوته وافق على ترشيح الدكتور عبدالمنعم عمارة، محافظ الإسماعيلية آنذاك للشيخ الزناتى؛ لأن يقرأ السورة بأحد أكبر مساجد الإسماعيلية، فأصدر وزير الأوقاف وقتها قرارًا بنقل والدي من قارئ السورة بمسجد ناصر ببنها إلى قارئ السورة بمسجد المطافئ بالإسماعيلية، وهو أكبر مساجد هذه المدنية ومنحه المحافظ شقة بالإسماعيلية، واقترح عليه شراء عزبة هناك، فوافق واشترى 20 فدانا وقتها من ماله الخاص بالإسماعيلية، ليصبح بعد ذلك قارئ مدن القناة، وكان يقرأ في المناسبات التي يحضرها الرئيس السادات مما ساعد على انتشاره كقارئ للقرآن الكريم أمام كبار الشخصيات وكانوا يدعونه فى مناسبات كثيرة.
توفي القارئ الشيخ السعيد عبدالصمد الزناتي، في مثل هذا اليوم 8 مارس عام 1990، عن عُمر يناهز الـ57 عاماً، بعد رحلة حافلة في خدمة كتاب الله، ودُفن في مسقط رأسه بقرية القيطون، بمركز ميت غمر، بمحافظة الدقهلية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الزناتي الجمعة الأخيرة من شهر شعبان الشيخ مصطفى إسماعيل الشیخ مصطفى إسماعیل القارئ الشیخ کفر شکر قارئ ا عام 1960
إقرأ أيضاً:
إسماعيل عبد المعين (3-10) الجوع والمسغبة والصولفيج..!
الانجاز الذي حققه إسماعيل عبد المعين يبدو على غرار (مدرسة) أو مذهبية موسيقية متماسكة؛ وهو ما يسميه (الزنجران)..إنها رؤية وتيار موسيقي لم يؤخذ بجدية يستحقها؛ على الأقل من باب المدراسة والمثاقفة والفحص والتجريب..!
والزنجران عند عبدالمعين هو مزيجٌ من مقامات عربية (حجاز كار- نهاوند) مع أنغام زنجية؛ ويقول عنه إنه إيقاع إفريقي مع مسحة شرقية (قوة إيقاع مع رنين)..!
رؤية الزنجران في الموسيقى التي قام عبد المعين بتطبيقها عملياً..هل يمكن أن نقول إنها تعادل في الثقافة والأدب دعوة "السودانوية" أو (السودانيزم (Sudanism أو (القومية الثقافية) من لدن حمزة الملك طمبل والأمين مكي مدني وأحمد الطيب زين العبدين على سبيل المثال..؟ أو مدرسة الغابة والصحراء في الأدب عند محمد المكي إبراهيم ومحمد عبدالحي والنور عثمان أبكر وأصحابهم..؟ أو "مدرسة الخرطوم" للتشكيل عند الصلحي وشبرين وإخوانهم..؟!
هل كان عبد المعين يبحث عن هوية سودانية عبر الموسيقى والغناء..؟!
**
كان عبد المعين على وعي كبير بالتنوع السوداني ألاثني والجهوي..والثقافي ثم الفني والموسيقي والإبداعي..! وله إشارات عديدة إلى أهازيج جدته (فاطمة فور) وتومات كوستي والحكامتين الشهيرتين (أم بشاير وأم جباير)..!
عبد المعين يولي عناية كبيرة بالنقرزان والتُم تم (ذلك الخيط الممتد من بحر الغزال والرديف وتومات كوستي وفاطمة خميس ورابحة وحوّه حسب الرسول وزنقار وإبراهيم عبد الجليل إلى ابوداؤود وعائشة الفلاتية وحسن عطية).. ويرى عبد المعين أن التم تم مطابق لمقام الزنجران..!
يقول عبد المعين إنه لم يسبقه أحد إلى تطبيق نغم الزنجران إلا (زرياب في العصر العباسي).. ويؤكد:(زرياب بس وبعدو أنا)..! ويقول إن زرياب أمه حبشية وأبوه فارسي عاش في الحيرة بالعراق..!
ويرى عبد المعين أنه الوحيد في هذا العصر الذي استطاع استخدام الزنجران وتوطينه في الموسيقى والإيقاع..وإنه ظل يبحث عن أصول الزنجران على مدى 18 عاماً..! وفي حديث آخر عند ذكر إيقاعات سيد درويش وموسيقاه، يقول إن ألحان الزنجران في مصر ادخلوا فيها "العجمة السودانية".. ويضيف عبد المعين إنه اكتشف إن جِدة سيد درويش سودانية..!
**
الزنجران في دوائر المعارف باختصار هو تسمية فارسية لمقام يُسمى (زنجران) ويُسمى أيضاً (زنكله) أو (زير كلاه) وهو فرع من مقام الحجاز حيث يبدأ بجنس الحجاز على الدرجة الأولى ثم جنس العجم على الغماز (الدرجة الرابعة):
في حوار معه تناول عبد المعين موضوعاً بالغ الأهمية تحدث فيع عن مسعاه لإيجاد موسيقى وايقاعات تجمع بين كل أقاليم السودان شمالا وجنوباً..وقال انه كان يبحث موسيقياً عن المشترك بين موسيقى شمال السودان وجنوبه..! وقدّم لذلك مثالاً تطبيقياً بأغنية (قالوا ليّا سرّو):
قالوا ليّا سرّو
قالوا ليّا سرّو
سرّو غامض.. ما قدرت احلو
الجُنقلي كان زمان مسروق
القطنو قام نزلوهو السوق
بعد المناقل نحلّق فوق
الجُنقلي حاشا ما نسوك..يا الجُنقلي
اهلك شافوك وهندسوك..الجُنقلي
قريب خلاص نعبر بحر الزواف
نزور ونشوف أهلي الدينكا اللطاف
صممنا على نهاية المطاف
طمنّا الكان هوّاب وخاف
حددنا الميس خلاص
قولوا لي وين؟ قولو ليا وين؟ فوق لي الرجاف
قالوا ليّا سرّو قالوا ليّا سرو
سرّو غامض..ما قِدرت احلو
الغريب أن هذه الأغنية اختاروا الفنان محمود عبد العزيز (الحوت) وغناها على رقصات شمالية وجنوبية..!
كما غني محمود عبد العزيز أيضاً من أغاني عبدالمعين (إنتَ كان زعلان):
إنتَ كان زعلان..أنا ما بزعل
وإنتَ كان مبسوط..يا سيدي بالأكتر
**
دا سواري النقرشو
ودا حِجيلي الحركسو
لو سمعت كلام عدوك
سبناك يا سيدي لي الداروك
**
امشي امشي لي الداروك
كان جبل طلعو
كان عسل ضاقو
إنتَ كان مبسوط..يا حبيبنا بالأكتر..
يا لمحمود عبدالعزيز واختياراته العجيبة..عليه شآبيب الرحمة..!
**
ويقدِّم عبد المعين مثالاً آخر في أغنيته (يامبيو):
يامبيو ..انتي وين يا بلادي اليامبيو
لمّا الكلام يكون في جوبا
تلقى الخبر وصل دار نوبا
هيييي هييييي دار نوبا..دار نوبا
انتي فين يا بلادي يامبيو
قالوا كتير نتقابل سوا
كلام الناس مليان لولوا
ايييييه مليان لولوا.. كلام الناس مليان لولوه..
أنت فين يا بلادي يامبيو
يا بلاد الزاندي يامبيو
يثول عبدالمعين: الحاجات دي بتربط الشمال والجنوب..كنت بقولا في الكبريهات بره وفي باريس عشان أوريهم إيقاعات السودان..كلام زي "خلاص يا قلبي استحمل" ما بعرفوها..موسيقانا فيها الدغمة واللونية الزنجية..وأنا حبوبتي أم ابوي جبلاوية وأم أمي دينكاوية..أغانينا ما زي أغاني مراكش وتونس..أنا عشت في منقلا خمسة سنين وبغني أغاني دينكاوية وبرقص في النقارة..آنا قدمت موسيقى وأغاني الزنجران في نيروبي ورقّصت الكينيين مع السودانيين...!!
د.محمد عثمان الجعلي صاحب كتاب (رحيل النوار خلسة: علي المك وجيله) قال عن إسماعيل عبد المعين (هو ابن مدينة بحري وأيقونتها الخالدة، وهو سليل ووريث فني لإسماعيل صاحب الربابة الموصوف في طبقات ود الله) ويصف د.الجعلي عبد العين بـ(المملوك الشارد في فيافي مملكة الغناء السوداني الذي ذهب إلى باريس والحي اللاتيني حيث العلم والفاقة والكونسرفتوار والمسغبة والصولفيج)..!!
مرتضى الغالي
murtadamore@yahoo.com