الانتخابات الرئاسية في ظل تصحيح المسار
تاريخ النشر: 8th, March 2024 GMT
كان إعلان الرئيس قيس سعيد "حالة الاستثناء" يوم 25 تموز/ يوليو 2021، إيذانا بدخول "الاستثناء التونسي" (أي استمرار التجربة الديمقراطية على خلاف باقي بلدان "الربيع العربي") مرحلة "الموت السريري". ونحن قد قصدنا استعمال هذا المصطلح الطبي لمطابقته للإجراءات التي اتخذها النظام في أيامه الأولى: التعليق والتجميد وما يعنيان -نظريا- من احتمالات القطع أو الاستئناف.
لقد جاءت الإجراءات الرئاسية لتؤكد هشاشة الانتقال الديمقراطي في المستوى السياسي، بل في مجمل مستويات الحياة الجماعية، وهو ما شجّع النظام بقيادة الرئيس سعيّد على تحويل "حالة الاستثناء" إلى "مرحلة انتقالية" تؤسس لجمهورية جديدة. إنها تلك الجمهورية التي بشّر بها الرئيس نفسه خلال "الحملة التفسيرية" (أي خلال الحملة الدعائية للانتخابات الرئاسية) ولم يجد حرجا في بيان أهم مرتكزاتها خلال حواره مع الصحفية كوثر زنطور يوم 12 حزيران/ يونيو 2019؛ من مثل "البناء القاعدي" وتعديل الدستور "لأن القضية في التأسيس. يجب أن يكون هناك فكر سياسي جديد يترجمه نص دستوري جديد بالفعل". لقد كان جوهر الفكر السياسي للمترشح قيس سعيد هو أنّ "الديمقراطية النيابية في الدول الغربية نفسها أفلست وانتهى عهدها"، واقتراب نهاية دور الأحزاب واندثارها بصورة ذاتية لا تحتاج إلى قرار سلطوي.
جاءت الإجراءات الرئاسية لتؤكد هشاشة الانتقال الديمقراطي في المستوى السياسي، بل في مجمل مستويات الحياة الجماعية، وهو ما شجّع النظام بقيادة الرئيس سعيّد على تحويل "حالة الاستثناء" إلى "مرحلة انتقالية" تؤسس لجمهورية جديدة
إننا أمام خطاب واضح يريد أن يكون مناسبا للمرحلة التاريخية الجديدة التي يسميها المترشح الرئاسي "الانتقال الثوري الجديد". ولم يكن 25 تموز/ يوليو إلا نقطة البدء لتفعيل هذا المشروع السياسي بعد أن وصل صاحبه إلى قصر قرطاج، وقد نجح "تصحيح المسار" في فرض توازنات سياسية ونقابية ومدنية مكّنته من تمرير خارطته السياسية (الاستشارة الوطنية، الاستفتاء على الدستور الجديد، الانتخابات البرلمانية والمحلية) ولم يبق أمامه إلا لبنة واحدة ليكتمل البناء: الانتخابات الرئاسية.
ورغم أن كل المحطات التي عاد فيها الرئيس للإرادة الشعب (المواطن، الناخب) قد أثبتت محدودية الدعم الشعبي لمشروع الرئيس، فإن ذلك لم يكن قادرا على تعديل "المسار" الذي يأبى إلا أن يبلع منتهاه ولو كره "المعارضون"، حتى لو انتقلت المعارضة من النخب المسيّسة إلى أغلبية المواطنين المسجلين في القوائم الانتخابية كما تشهد على ذلك الأرقام الرسمية ذاتها.
منذ أن التقى الرئيس سعيد بفاروق بن جعفر، رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، بات مؤكدا أن الانتخابات الرئاسية التونسية ستجرى في موعدها (خلال شهر أيلول/ سبتمبر أو تشرين الأول/ أكتوبر القادمين). ولكن انتهاء الغموض في شأن الموعد لا يرفع الغموض عن أمور أخرى ذات صلة بتلك الانتخابات. ويبدو أنّ المشاركة المحتملة لبعض رموز المعارضة الجذرية ليس هو فقط ما يعكس "مفارقات" الواقع السياسي في جهة المعارضة، كما ذهب إلى ذلك الرئيس سعيد نفسه عندما أشار إلى التناقض بين عدم المشاركة في كل المحطات الانتخابية ثم الإعداد للمشاركة في الرئاسيات. فالمفارقة الأعظم تكمن في الثقة في العملية الانتخابية برمتها، وهي عملية يتحكم النظام في كل مفاصلها بدءا من "تعيين" أعضاء هيئة الانتخابات "المستقلة" ومرورا باختيار المراقبين المحليين والأجانب -قبولا ورفضا- وانتهاءً بالتحكم في المشهد الإعلامي بعد إخراج "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (الهايكا) واقعيا عن أي دور في تعديل المشهد الإعلامي ومراقبة الحملات الانتخابية.
المفارقة الأعظم تكمن في الثقة في العملية الانتخابية برمتها، وهي عملية يتحكم النظام في كل مفاصلها بدءا من "تعيين" أعضاء هيئة الانتخابات "المستقلة" ومرورا باختيار المراقبين المحليين والأجانب -قبولا ورفضا- وانتهاءً بالتحكم في المشهد الإعلامي بعد إخراج "الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري" (الهايكا) واقعيا عن أي دور في تعديل المشهد الإعلامي ومراقبة الحملات الانتخابية
ولا يبدو أن الاعتراض باختلاف الرهان الرئاسي عن بقية الرهانات أو الاعتراض بعدم طعن المعارضة في نتائج المواعيد السابقة؛ كافيان لرفع هذه "المفارقة" التي مدارها التناقض بين الطعن في شرعية النظام ذاته -ووصفه بالانقلابي- وبين القبول بمنافسته بشروطه، وهو ما يعني ضمنيا الاعتراف بشرعيته. وإذا كانت مفارقة المعارضة الجذرية تكمن فيما سبق، فإن مفارقة الموالاة النقدية -أو المعارضة من داخل "تصحيح المسار"- تكمن في أنّ رموزها لا هم موالون صرحاء وبالتالي لا معنى لمنافستهم للرئيس قيس سعيد، ولا هم معارضون جذريون، وبالتالي لا معنى أيضا لمشاركتهم في الانتخابات بما يعنيه ذلك من اعتراف بشرعية النظام. وهذا يجعلهم في وضعية سيئة أمام مختلف القواعد الانتخابية "الصلبة"، رغم كل عمليات سبر الآراء "المشبوهة" التي قد تضع بعضهم في مراكز متقدمة من جهة نوايا التصويت.
إذا كانت مفارقة المعارضة الأساسية تكمن في التناقض بين عدم الاعتراف بشرعية النظام وبين المشاركة في الاستحقاق الانتخابي في خارطة الطريق التي أنجزها ذلك النظام بعيدا عن التشاركية بكل معانيها المعروفة، فإن مفارقة النظام الأساسية تكمن في عدم قراءته لنتائج الاستحقاقات الانتخابية السابقة بعيدا عن شيطنة المعارضة. فقد أكدت كل تلك الاستحقاقات عدم وجود دعم شعبي واسع للمشروع الرئاسي، وهو واقع لا يمكن أن نرده إلى مخلفات "العشرية السوداء" إلا بضرب من التعسف.
فالأمر يرتبط أيضا بغياب "المشروعية" أو بغياب الإنجاز، أي بفشل الوعود الإصلاحية الكبرى التي أطلقها النظام منذ 25 تموز/ يوليو 2021. ولا يمكن لكل سرديات الشيطنة للمعارضة أن تقنع التونسي بأن النظام لا يتحمل جزءا من الأزمة المتفاقمة اقتصاديا واجتماعيا (ارتفاع مستوى التضخم، فساد الإدارة وتغوّل الكارتيلات المالية-العائلية، اهتراء منظومة التعليم وظاهرة الانقطاع عن الدراسة، عدم تعديل التشريعات المكرسة للاقتصاد الريعي، تنامي ظاهرة الإجرام خاصة بين التلاميذ.. الخ).
منطقيا، لا يمكن أن ننتظر من الرئيس سعيد إلا مواصلة منطق "شيطنة" المعارضة بإطلاق مع "أمثلة" الذات دون تقييد أو تنسيب، فكل من يعارض النظام أو ينوي منافسته -حتى بشروطه- هو شخص مشبوه (فاسد ماليا، متصهين، هدفه الحكم وتحقيق مصالحه لا مصالح الشعب، يظن الحكم تشريفا لا تكليفا، لا يفهم أن الحكم ابتلاء ووزر ثقيل.. الخ). وعلى هيئة الانتخابات أن تتحرى في كل هؤلاء ممن تتعلق بذممهم قضايا من قبل الإرهاب أو ممن لهم علاقة بالمال السياسي وبالفاسدين.
ولا يبدو أن الرئيس التونسي يجد حرجا في التحول من منافس إلى "خصم وحكم" في الآن نفسه بـ"توجيهاته" لرئيس هيئة الانتخابات، كما لا يبدو أنه يهتم للآثار الكارثية التي ستكون للتعامل مع المنافسين بمنطق "الشبهة" وكأنها حكم قضائي نهائي غير قابل للطعن.
ختاما، فإننا نرى أن "أمّ المفارقات" جميعا أو المفارقة الأصلية التي تجعل من المفارقات الأخرى مجرد "مفارقات مشتقة" (مفارقات المعارضة الجذية والموالاة النقدية والسلطة) هي أن الجميع يديرون الصراع السياسي بمنطق "الثورة" و"الإصلاح" والحال أن سقف تحركهم -دون استثناء- هو "الترقيع"، أي التحرك تحت سقف "منظومة الاستعمار الداخلي" دون تهديها بصورة وجودية. ونحن لا تستثني من هذا الحكم ما قبل 25 تموز/ يوليو 2021، بل نعتبر أنه هو المدخل الملكي لعودة المنظومة القديمة ونواتها الصلبة (المُركّب المالي-الجهوي-الأمني) للتحكم في الانتقال الديمقراطي وتشكيله حسب ما تقتضيه مصالحها المادية والرمزية.
نرجّح -حسب المعطيات الحالية- استمرار الرئيس سعيد في عهدة رئاسية ثانية. فهو من جهة أولى، لا يمثل تهديدا وجوديا لمنظومة الاستعمار الداخلي ورعاتها الإقليميين والدوليين -على الأقل إلى حد هذه اللحظة- ومن جهة ثانية سيحظى بقاعدة انتخابية أكبر من أي شخصية معارضة سيقبل النظام ترشحها؛ مع غياب أي إجماع شامل حولها داخل مختلف أطياف المعارضة
إن قوة المشروع السياسي للرئيس تكمن في أنه قد استطاع تقديم جملة سياسية تنقذ تلك المنظومة من مأزق "النظام البرلماني المعدل"، وفي الآن نفسه لا تجد رفضا لدى شريحة واسعة من النخب والأجسام الوسيطة، بل من عامة الشعب (على الأقل في الأيام الأولى التي أعقبت "تصحيح المسار"). ولكنّ الوضع الآن قد تغير، وهو ما يعني أن علاقة الرئيس -ومشروعه السياسي- بالدولة العميقة لم تعد هي ذاتها.
ونحن نذهب إلى أنه سيعاد التفاوض في تلك العلاقة أو تحديد ملامحها بصورة جلية في مستوى الانتخابات الرئاسية، فنجاح الرئيس في تلك الانتخابات سيجعله في موقع قوة غير مسبوق أمام "شركائه" في الداخل والخارج، وقد يصبح تهديدا جديا لمنظومة الاستعمار الداخلي، سواء عن اقتناع ذاتي أو تحت ضغط أنصاره، أما ظهور منافس "قوي" في تلك الانتخابات أو حتى فوزه بها -بدعم من الدولة العميقة أو من قوى خارجية- فلن يعنىَ بالضرورة نهاية النظام "الرئاسوي" أو عودة الديمقراطية التمثيلية، بل كل ما يعنيه انتهاء الحاجة لسردية "التأسيس الثوري الجديد".
ونحن نرجّح -حسب المعطيات الحالية- استمرار الرئيس سعيد في عهدة رئاسية ثانية. فهو من جهة أولى، لا يمثل تهديدا وجوديا لمنظومة الاستعمار الداخلي ورعاتها الإقليميين والدوليين -على الأقل إلى حد هذه اللحظة- ومن جهة ثانية سيحظى بقاعدة انتخابية أكبر من أي شخصية معارضة سيقبل النظام ترشحها؛ مع غياب أي إجماع شامل حولها داخل مختلف أطياف المعارضة المهووسة حتى الآن بصراعاتها الهوياتية.
twitter.com/adel_arabi21
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه قيس سعيد التونسي الانتخابات الإنقلاب تونس انتخابات قيس سعيد مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الانتخابات الرئاسیة هیئة الانتخابات المشهد الإعلامی تصحیح المسار الرئیس سعید تکمن فی من جهة وهو ما
إقرأ أيضاً:
الرئيس اليمني في خطاب للشعب بمناسبة شهر رمضان : الأمة التي تجتمع على الخير لا تهزم أبدا
عدن (الجمهورية اليمنية) - دعا الرئيس الدكتور رشاد محمد العليمي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، ابناء الشعب اليمني، وقواه الوطنية الى وحدة الصف، ونبذ الفرقة، واعلاء قيم التكافل، والتراحم، كما دعا القطاع الخاص ومجتمع المال والاعمال، والمبادرات المجتمعية الى مضاعفة برامجهم الخيرية، ومساعدة المحتاجين، خصوصا خلال شهر رمضان المبارك، حيث تشتد الحاجة الى حشد كافة الامكانيات الحكومية، والاهلية للتخفيف من وطأة الازمة الانسانية التي صنعتها المليشيات الحوثية الارهابية المدعومة من النظام الايراني، وفقا لـ(سبأ).
وهنأ رئيس القيادة الرئاسي اليمني باسمه وإخوانه اعضاء المجلس، والحكومة، في خطاب بمناسبة شهر رمضان المبارك، كافة ابناء الشعب اليمني في الداخل والخارج بحلول الشهر الكريم الذي جعله الله رحمةً لعباده، وفرصةً للتقوى، والتكاتف، والتآزر، سائلا الله سبحانه وتعالى أن يجعله شهر خير وبركة، وأن يعيده وقد تحقق للشعب اليمني كل ما يصبوا إليه من تطلعات في النصر، واستعادة مؤسسات دولته، وامنه، واستقراره.
كما وجه الرئيس العليمي في الخطاب الذي القاه نيابة عنه وزير الاوقاف والارشاد الدكتور محمد شبيبة، تهنئة خاصة لأبطال القوات المسلحة والامن، والمقاومة الشعبية، وكافة التشكيلات العسكرية المرابطين في الجبهات، وميادين العزة والكرامة، والى أولئك المناوبين في مختلف مرافق الخدمة العامة خلال الشهر الفضيل، مجددا الشكر لكافة المكونات الوطنية، والاشقاء في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، ودولة الامارات العربية المتحدة، ومنابر الوعي في الداخل والخارج الذين كان لهم جميعا ابلغ الأثر في تعزيز الصمود الاسطوري.
وقال فخامة الرئيس اليمني:" في هذه الأيام والليالي المباركة، ندعو الجميع وفي المقدمة فاعلي الخير من رجال الاعمال والقطاع الخاص إلى اعلاء قيم التراحم، وإغاثة الملهوفين، ومضاعفة تدخلاتهم الانسانية للأسر المتضررة، فالأمة التي تجتمع على الخير، والتكافل لا تُهزم أبدًا".
اضاف:" يحل علينا هذا الشهر الفضيل، وما يزال شعبنا يعاني تداعيات حربٍ ظالمة، فرضتها مليشيات إرهابية انقلابية بدعم من النظام الإيراني، مسخرة في ذلك كل وسائل الترهيب، والتخريب لتجريف سبل العيش، واعاقة أي فرصة من جانب الحكومة، والمجتمع الإقليمي والدولي لتخفيف المعاناة الإنسانية المؤلمة".
واكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي بأنه واخوانه أعضاء المجلس، على إدراك تام بهول آثار الازمة الاقتصادية، والخدمية، والوجع المتفاقم المعبر عنه في الفعاليات السلمية، والاصوات الحرة، وأنات الأمهات والأطفال في كل شبر من ربوع وطننا الحبيب، مجددا العهد بعدم ادخار أي جهد في سبيل التخفيف من المعاناة التي صنعتها المليشيات الارهابية الحوثية التي كانت تراهن بتدمير المنشآت النفطية وايقافها عن التصدير، على انهيار كامل للأوضاع في غضون أيام.
ونوه العليمي بقوة، وصلابة ابناء الشعب اليمني وصمودهم في وجه ذلك المخطط الإرهابي الذي باء بالفشل رغم ما خلفه من ازمة تمويلية، جراء فقدان الدولة أكثر من 60 بالمائة من مواردها العامة، ومصدرها الرئيسي لتغذية إحتياطياتها من النقد الأجنبي.
وقال:" ها نحن اليوم أكثر صمودا بعد نحو عامين ونصف من تلك الهجمات الاجرامية، وباقون على العهد والوعد بتحويل الازمات الى فرص للنصر الناجز بعونه تعالى".
وجدد الرئيس اليمني في هذا الشهر الكريم تذكير المواطنين في المناطق التي ترزح غصبا تحت سلطة المليشيات الارهابية، بأن الحكومة بذلت كل جهد، وقدمت كل التنازلات الممكنة، من أجل تحسين أوضاعهم، واستئناف دفع مرتباتهم.
استدرك قائلا:" لكن هذه الجماعة لا تريد للشعب اليمني إلا الفقر، والقهر، والهوان"، مجددا التأكيد على الوقوف الى جانب المواطنين في المناطق الخاضعة بالقوة للمليشيات الارهابية، ودعم ارادتهم، واحلامهم بأن هذا القيد آن له ان ينكسر.
وقال" إننا نؤمن أن الليل مهما طال، فإن الفجر قادم، وأن اليمن سينهض رغم كل المحن".
على الصعيد القومي، اشار فخامة الرئيس الى تلبيته دعوة اخيه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية الشقيقة لحضور القمة العربية غير العادية المرتقبة بالقاهرة في 4 مارس المقبل، وذلك تأكيدا لموقف اليمن الثابت الى جانب الشعب الفلسطيني، ورفض كافة المشاريع الرامية الى تهجيره، وتصفية قضيته العادلة.
كما شدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي على توجيهاته بهذه المناسبة الدينية العظيمة، الى الجهات المعنية بالإفراج الفوري عن السجناء الذين امضوا ثلاثة أرباع مدة العقوبة او نصفها، والنظر في الإفراج بالضمان التجاري عن المحبوسين على ذمة الحقوق الخاصة، مع تشكيل لجان في المحافظات من النيابات، والسلطات المحلية والغرف التجارية لمساعدة المعسرين.
وفيما يلي نص الخطاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين القائل في كتابه الكريم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”. والصلاة والسلام على اصدق انبيائه المرسلين.
أيها الإخوة المواطنون، أيتها الأخوات المواطنات، في الداخل والخارج،،
أهنئكم جميعًا، باسمي، وإخواني اعضاء مجلس القيادة الرئاسي، والحكومة بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة، والغفران، والعتق من النار.. الشهر الذي جعله الله رحمةً لعباده، وفرصةً للتقوى، والتكاتف، والتآزر.
وهي تهنئة خاصة لأبطال القوات المسلحة والامن، والمقاومة الشعبية، وكافة التشكيلات العسكرية المرابطين في الجبهات، وميادين العزة والكرامة، والى أولئك المناوبين في مختلف مرافق الخدمة العامة خلال الشهر الفضيل الذي نسأله سبحانه وتعالى أن يجعله شهر خير وبركة، وأن يعيده علينا وقد تحقق لشعبنا كل ما يصبو إليه من تطلعات في النصر، واستعادة مؤسسات دولته، وامنه، واستقراره.
وأنها فرصة أيضا ان نجدد في كل مناسبة الشكر لكافة المكونات الوطنية، واشقائنا في تحالف دعم الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية، ودولة الامارات العربية المتحدة، ومنابر الوعي في الداخل والخارج الذين كان لهم جميعا ابلغ الأثر في تعزيز هذا الصمود الاسطوري.
أيها الإخوة والأخوات المواطنون،،
هذا الشهر العظيم اختصه الله بفضائل جليلة، وجعله ميدانًا للطاعات، والتقرب اليه سبحانه وتعالى، وسبيلاً لمغفرة الذنوب ورفع الدرجات، فطوبى لمن استغله في مرضاته تعالى بالخيرات، والأعمال الصالحات.
"شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْءَانُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٍۢ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍۢ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَىٰكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون".
إن شهر رمضان ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب والملذات، بل هو مدرسة إيمانية يتربى فيها المسلم على الصبر، والتقوى، ويزداد فيها التقرب من الله عز وجل بالصيام والقيام، وقراءة القرآن، والإحسان إلى الفقراء، والمحتاجين.
وهو فرصة عظيمة لتجديد العهد مع الله، ولإحياء قيمنا الإسلامية النبيلة التي تدعو إلى التكافل والتراحم والتآخي بين أبناء المجتمع.
أيتها الأخوات أيها الإخوة الاحرار في كل مكان،،
يحل علينا هذا الشهر الفضيل، ومايزال شعبنا يعاني تداعيات حربٍ ظالمة، فرضتها مليشيات إرهابية انقلابية بدعم من النظام الإيراني، مسخرة في ذلك كل وسائل الترهيب، والتخريب لتجريف سبل العيش، واعاقة أي فرصة من جانب الحكومة، والمجتمع الإقليمي والدولي لتخفيف المعاناة الإنسانية المؤلمة.
انني واخواني أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، على إدراك تام بهول آثار الازمة الاقتصادية، والخدمية، والوجع المتفاقم المعبر عنه في فعالياتكم السلمية، واصواتكم الحرة، وأنات الأمهات والأطفال في كل شبر من ربوع وطننا الحبيب.
لقد كانت المليشيات الارهابية تراهن بتدمير المنشآت النفطية وايقافها عن التصدير، على انهيار كامل للأوضاع في غضون بضعة أيام، بعدما فقدت الدولة أكثر من 60 بالمائة من مواردها العامة، ومصدرها الرئيسي لتغذية احتياطياتها من النقد الأجنبي.
لكن ذلك المخطط الإرهابي رغم ما خلفه من ازمة تمويلية، باء بالفشل بفضل صبركم، ووعيكم، ودعم الاشقاء والأصدقاء.. وها نحن اليوم أكثر صمود بعد نحو عامين ونصف من تلك الهجمات الاجرامية، وباقون على العهد والوعد بتحويل الازمات الى فرص للنصر الناجز بعونه تعالى.
اعلم ان هذا هو ليس الوقت المناسب للحديث عن المزيد من الوعود، لان الأولوية هي الان للخبز والماء، والدواء، والخدمات الحيوية، وهو ما نعمل عليه اليوم، ولن ندخر أي جهد في سبيل التخفيف من المعاناة، دون النكوص عن التزامات المعركة الوطنية لاستعادة مؤسسات الدولة، واسقاط الانقلاب باعتباره جذر الازمة، وصانعها.
ونحن اليوم أكثر يقينًا بأن النصر قادم، وأن هذا المشروع العنصري الى زوال، الامر الذي يتطلب منا جميعا الاستعداد لما قد يكون أصعب، واشد في مواجهة الارتدادات المحتملة لأزمة المليشيات الإرهابية، وداعميها في النظام الإيراني.
ايتها المواطنات أيها المواطنون،،
اننا على ثقة ان سنوات الحرب العجاف، كشفت لكم مخططات المليشيات الإرهابية لجعل بلدنا بعيدا عن ركب التطور الهائل الذي يشهده العالم من حولنا.
إن التحديات التي تواجه بلدنا لم تقتصر على تداعيات الانقلاب الغاشم في الداخل فقط، وانما امتدت إلى محاولات جعل اليمن ساحة ابتزاز للمجتمع الدولي، عبر تهديد الممرات المائية في البحر الأحمر، وخليج عدن، ضمن الاجندة الإيرانية المكشوفة لزعزعة امن واستقرار المنطقة، وتصفية قضاياها العادلة.
ولذلك، فقد كانت الازمة الاقتصادية، والتهديدات المتزايدة للأمن البحري في قلب مشاوراتنا مع الحلفاء والأصدقاء، وكافة الفاعلين الإقليميين والدوليين.
اننا في ذلك لا نستجدي الدعم العسكري كما يعتقد البعض، بل كف الأذى الإيراني عن بلدنا، لإن ايماننا بقضيتنا، وثقتنا بعزيمة شعبنا، وشجاعة جيشنا لا حدود لها في صناعة الغد المشرق الذي تستحقون.
ان هذه الاتصالات الدبلوماسية المثمرة، الذي نقودها، واخواني أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، هي جزء اصيل من سياسة الدفاع المشترك، في مواجهة عدو إقليمي مشترك، وحماية مصالح مشتركة.
وبالتالي فقد أكدنا ان هذه الشراكة، يجب ان تبدأ وفقا للالتزامات الدولية، بدعم قدرات الحكومة، العضو في الأمم المتحدة في حماية أراضيها، ومنع تحويلها الى منصة تهديد للسلم، والامن الدوليين.
وعلى الصعيد القومي فقد لبينا دعوة اخي فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية لحضور القمة العربية غير العادية المرتقبة خلال أيام في القاهرة، تأكيدا لموقف شعبنا الثابت الى جانب الشعب الفلسطيني، ورفض كافة المشاريع الرامية الى تهجيره، وتصفية قضيته العادلة، التي سنواصل بكل اخلاص الدفاع عنها، وحق شعبها المناضل في إقامة دولته المستقلة كاملة السيادة.
أيها اليمنيون الأحرار في كل مكان،،
نجدد في هذا الشهر الكريم تذكير أهلنا في المناطق التي ترزح غصبا تحت سلطة المليشيات الارهابية، اننا بذلنا كل جهد، وقدمنا كل التنازلات الممكنة، من أجل تحسين أوضاعكم، واستئناف دفع مرتباتكم، لكن هذه الجماعة لا تريد للشعب اليمني إلا الفقر، والقهر، والهوان.
إن هذه الحرب التي فرضتها المليشيات عليكم، وهذه الجبايات التي تستنزفكم، والجرائم، والاعتقالات التي ترتكبها بحقكم، ليست إلا جزءًا صغيرا من مشروعها الاوسع، القائم على العبودية، والعنصرية، والاستبداد، وإعادة اليمن قرون الى الوراء.
لذلك فإن أحد المداخل الحاسمة لأنهاء هذا العبث، الذي يصادر أحلامكم، ومستقبل ابنائكم، يرتكز على وقف تغذية المجهود الحربي للمليشيات بالمال، والرجال، والسلاح، والتمسك بمبادئ الحق، والعدل، والحرية، والمواطنة المتساوية.
ولعلكم تشاهدون الحراك الاجتماعي الواسع في المحافظات المحررة، كمؤشر للحياة والحريات المكفولة بموجب الدستور والقانون، وليس تعبيرا عن الفوضى كما تحاول ان تصورها منابر المليشيات.. وأننا هنا لا نحملكم فوق طاقتكم تحت ضغط القوة الغاشمة، وانما لتأكيد الوقوف الى جانبكم، ودعم ارادتكم، واحلامكم بأن هذا القيد آن له ان ينكسر.
أيتها الإخوات.. ايها الاخوة المواطنون،،
يعلمنا هذا الشهر الفضيل الصبر في المحن، والانصاف، وقول الحق، وصون اللسان، والأقلام عن الخوض في الاشاعات، والتضليل، وعدم استخدام نعمة التكنولوجيا، ووسائل التواصل الاجتماعي في التحريض، وتكريس الفرقة والشقاق، بل توظيفها فيما ينفع الناس، وتجديد الأمل بمستقبل أفضل تتحقق فيه تطلعاتهم في إنهاء كابوس الإمامة، واستعادة الأمن والاستقرار، والسلام بمشيئته تعالى.
وفي هذه الأيام والليالي المباركة، ندعو الجميع وفي المقدمة فاعلي الخير من رجال الاعمال والقطاع الخاص إلى اعلاء قيم التراحم، وإغاثة الملهوفين، ومضاعفة تدخلاتهم الانسانية للأسر المتضررة، فالأمة التي تجتمع على الخير، والتكافل لا تُهزم أبدًا.
وقد وجهنا بهذه المناسبة الدينية العظيمة، الجهات المعنية بالإفراج الفوري عن السجناء الذين امضوا ثلاثة أرباع مدة العقوبة او نصفها، والنظر في الإفراج بالضمان التجاري عن المحبوسين على ذمة الحقوق الخاصة، مع تشكيل لجان في المحافظات من النيابات، والسلطات المحلية والغرف التجارية لمساعدة المعسرين.
أيها الشعب اليمني العظيم،،
إننا نؤمن أن الليل مهما طال، فإن الفجر قادم، وأن اليمن سينهض رغم كل المحن.
وأننا نسأل الله عزّ وجل في هذه الليلة المباركة أن يوفقنا لاغتنام أيام رمضان ولياليه بحسن طاعته، وأن يديم علينا التوفيق والسداد، كما نسأله تعالى الرحمة للشهداء، والشفاء للجرحى، والحرية للمعتقلين، وان يحفظ بلدنا وشعبنا، وسائر الشعوب والبلدان من كل مكروه وسوء، تقبل الله منا جميعا صيامنا وقيامنا.. إنه سميع مجيب.
رمضان كريم.. وكل عام وأنتم بخير
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته