يجمع اتحاد الكتاب العرب تحت مظلته عددا كبيرا من الأدباء السوريين، ويقوم بمهام كثيرة، ومتعددة من أجل خدمة الأعضاء والقيام بدوره كراعٍ للثقافة والمثقفين.

ولأن للكلمة ولأصحابها دور فاعل في التأثير على الرأي العام، وتغيير المواقف، فقد كان واضحا موقف الكثير من الأدباء العرب في مناصرة القضية الفلسطينية والوقوف بوجه المحتل الصهيوني في محاولاته الهمجية بالتوغل في غزة وتهجير أهلها، ومواجهة آلة التدمير الصهيونية التي لم توفر البشر ولا الحجر، وتحاول محو الثقافة العربية والتراث العربي، من أجل التغيير الذي تسعى إليه.

للوقوف على دور المثقف العربي ودور اتحادات الكتاب العرب في مواجهة المشروع الإسرائيلي، وما يقوم به اتحاد الكتاب العرب في سوريا من أدوار وما عليه من واجبات وما يشار إليه من جدل، كان لابد من محاورة رئيس الاتحاد الدكتور محمد الحوراني الذي أوضح الكثير من الأمور، وهو الذي قدم للمكتبة العربية الكثير من المؤلفات الأدبية التي تعنى بالصراع مع إسرائيل وكتب التاريخ، ومنها "التغلغل الإسرائيلي في العراق" وكتاب "دور إسرائيل وحلفائها في ثورات الربيع العربي" وكتاب "استقلال سوريا بين الكتلة الوطنية والثورات الوطنية" وكتاب "التعليم في ولاية دمشق في العصر العثماني" و"عولمة التعذيب" وغيرها الكثير.

جريدة "عُمان" التقت الدكتور الحوراني، وكان هذا الحوار:

- هل الثقافة العربية في أزمة وما هو سبب هذه الأزمة، وكيف يمكن مواجهتها، وما هو دور المثقف العربي واتحادات الكتاب في التصدي لحملات التطبيع مع العدو الصهيوني..؟

* الخطر الأكبر الذي تواجهه مجتمعاتنا بثقافتها وقيمها وتربيتها وتعليمها هو الاحتلال الصهيوني بكل تشعباته من احتلال عسكري وثقافي وعلمي، وسيطرة على معظم وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، كان لابد من التأكيد على دور الكلمة وتفعيلها في سبيل مواجهة آلات الحرب الصهيونية بكل تفرعاتها، وهو دور المؤسسات الثقافية والمدارس والجامعات ووسائل الإعلام الوطنية، وهنا تأتي أهمية التنسيق بين اتحادات الكتاب والمثقفين والكتاب في الدول العربية والعالم، من أجل إعلاء شأن الكلمة وتعزيز حضورها في التربية والتعليم والإعلام وكافة المفاصل المؤثرة في الشعب والقادرة على بناء عقله وتعزيز حضوره في مواجهة ما يتعرض له من محاولات تزييف فكره والقضاء على ثقافته بصفتها العامل الأهم والركن الأساس في الحفاظ على قوة المجتمع واستقلاله، ولهذا كانت اللقاءات بين اتحادات الكتاب العرب مكثفة في هذا الشأن، وكان العمل كبيرا فيما بينها على ضرورة الحفاظ على الهوية وتعزيز ثقافة الانتماء في مواجهة آلات البطش الصهيونية والغربية التي تريد تدمير قيمنا ومجتمعاتنا وأخلاقنا النابعة من أصالة ثقافتنا الوطنية التي نعتز بها.

- ما يحدث في فلسطين وبالذات في غزة، كيف كان التحرك في الوسط الثقافي العربي والسوري تجاه هذا الإجرام الصهيوني وإيصال الصوت للعالم برمته لوقف هذا العدوان الغاشم؟

• الجانب الأهم الذي تم الاشتغال عليه في هذا الموضوع كانت الحملات الكبيرة والمنظمة بين اتحادات الكتاب العرب في التصدي لحملات التطبيع مع الكيان الصهيوني، والتي كان الهدف منها جعل شعبنا العربي، وشعوب العالم المناصرة والمؤيدة لعدالة قضايانا، وفي مقدمتها فلسطين، تتناسى المجازر والاحتلال الصهيوني لأراضينا، وتقدم هذا المحتل على أنه جزء من نسيج المنطقة، وهنا تأتي المشكلة الكبيرة في عدم التمييز بين المحتل أيا كانت ديانته، وفي فضح جرائم المحتل الصهيوني وتأصيل ثقافة المقاومة عند أبناء الأمة بمختلف الاتجاهات، من ثقافة وتربية وإعلام ودراما وغيرها، لا بل إن مختلف الأجناس الأدبية يجب أن تحمل ثقافة تأصيلية مقاومة قادرة على فضح العدو وإيصال الصورة الحقيقية لأطفال الأمة وناشئتها وشبابها ممن اعتقد العدو أنهم سينسون جرائمه بعد موت الآباء الذين عايشوا المرحلة، هذا هو أساس عمل اتحادات الكتاب العرب في الدول العربية كافة، وبالتنسيق مع بعض الدول في آسيا وأفريقيا وأمريكيا اللاتينية وكذلك مع بعض الداعمين الحقيقيين لعدالة قضيتنا، والذين عانوا كثيرا من محاولات احتلالهم والتدخل في شؤون بلادهم.

- كيف يمكن أن تكون الكلمة أداة للمواجهة في زمن الغطرسة الصهيونية وما دور اتحادات الكتاب العرب في تفعيل هذا الدور؟

• يمكنني القول إن تحرك اتحادات الكتاب العرب بعد ملحمة طوفان الأقصى، وحرب الإبادة التي يشنها العدو الصهيوني على أهلنا في غزة، كان أحد أهم التحركات سواء على مستوى الاتحادات في الدول العربية أو على مستوى التنسيق مع المؤسسات الثقافية والحقوقية والإنسانية في العالم، وكانت هذه التحركات منذ الأيام الأولى للحرب على غزة، حيث تم التوقيع من قبل مئات المثقفين العرب على بيانات تفضح الممارسات الصهيونية وتدعو إلى وقف الحرب ومحاسبة الكيان الصهيوني، كما تمت ترجمة بعض البيانات إلى عشر لغات عالمية وتنظيم وقفات احتجاج في الدول الغربية والعالمية ضد الممارسات الصهيونية، فضلا عن إقامة لقاءات وندوات مع باحثين ومتخصصين في هذا الشأن ومن ضمنها مركز التعريب والترجمة الفلسطيني، إضافة إلى ندوات بمشاركة دبلوماسيين وسفراء معتمدين في سوريا لتنسيق الجهود والضغط على المحتل الصهيوني لوقف مجازره بحق النساء والأطفال في غزة، كما تم عقد لقاءات توعوية في المدارس والجامعات وإطلاق المسابقات التي من شأنها أن تعزز حضور القضية الفلسطينية عند أجيالنا، وتم إعلان مسابقة لقراءة ومناقشة إحدى الروايات التي تفضح جرائم المحتل وهي رواية "الطنطورية" لرضوى عاشور وذلك بالتنسيق مع الأمانة العامة لجائزة فلسطين العالمية للآداب.

- استضافت سوريا في فترة سابقة اجتماعا للأمانة العامة لاتحادات الكتاب العرب والأدباء العرب، هل في نيتكم استضافة استحقاق ثقافي جديد، وما هي الأنشطة القادمة..؟

* كانت سوريا أحد المؤسسين الفاعلين للأمانة العامة لاتحاد الأدباء والكتاب العرب، وأن مقر الأمانة العامة بقي في سوريا لفترة، إلا أنه انتقل إلى غيرها قبل سنوات من الحرب الإرهابية التي شنت عليها والتي أرادت تشويه ثقافتها وضرب الوئام الموجود فيها وتشويه ثقافة المقاومة التي تتمسك بها سوريا، انطلاقا منه كان لا بد من الدعوة لعقد اجتماع الأمانة العامة لاتحاد الكتاب العرب في سوريا في الشهر السابع من عام ٢٠٢٢ وهو الاجتماع الذي تم انتخاب سوريا فيه بالإجماع نائبا للأمين العام، كما تم التأكيد على تعزيز ثقافة المقاومة وتحصين الهوية من خلال الفعاليات المرافقة للاجتماع، وفيه تم التوقيع على مذكرات تعاون وتفاهم مع الجمعية العُمانية للكتاب، ومع اتحاد الكتاب في العراق، وما زال العمل جاريا على تطوير العلاقات الثقافية مع الأشقاء العرب، كما يجري العمل على إقامة ندوات وتحالفات ثقافية مع الدول العربية القريبة جغرافيا، ومع الأصدقاء في الدول الغربية مثل جمعية البندقية في إيطاليا والأصدقاء في روسيا والصين والبرازيل وأكاديمية باريس للجيوبوليتيك وغيرها.

- لديكم تعاون وثيق مع الجمعية العمانية للكتاب والأدباء، حدثنا عن أوجه التعاون التي تمت وكيف يمكن تعزيز هذه الاتفاقيات؟ وقد زار الوفد العُماني لهيئة الوثائق والمحفوظات سوريا من أجل التعاون في حفظ الوثائق بين البلدين، كيف تقيمون هذه الزيارة وماذا تم في هذا الإطار...؟

* الحقيقة أن العلاقات السياسية والثقافية مع الأشقاء في سلطنة عُمان لم تنقطع خلال سنوات الحرب في سوريا، بل تطورت بشكل إيجابي وكانت هناك زيارات متبادلة بين البلدين ولا سيما في الجانب الثقافي والعلمي والتربوي والدرامي وغيرها، كما تم التوقيع على مذكرة تعاون مع الجمعية العمانية للكتاب والأدباء يتم بموجبها طباعة كتب مشتركة بين الجمعية واتحاد الكتاب في سوريا، وقد استضاف اتحاد الكتاب في سوريا عددا من الشعراء والأدباء العمانيين وأقام لهم فعاليات مشتركة، كما كان هناك لقاء مع وفد من هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية بسلطنة عمان، وتم التأكيد على ضرورة العمل المشترك من خلال مؤسسة "وثيقة وطن" السورية، وكان حينها اجتماعا مثمرا وتمخض عن تعاون وثيق ومهم لحفظ التراث والأوابد الأثرية في سوريا بعد ما شهدناه من محاولات نهب وتخريب لهذا التراث والمخطوطات والآثار، وثمة الكثير من اللقاءات التي يتم الاشتغال عليها والتحضير لها في قادم الأيام مع الأشقاء في سلطنة عُمان.

- ماذا يقدم اتحاد الكتاب للأدباء بشكل عام من مميزات على الصعيد الأدبي والمادي؟

• حقيقة هناك الكثير من التسهيلات والحقوق والواجبات والمساعدات التي يقدمها الاتحاد للأعضاء فيه، من طباعة الكتب والنشر في الدوريات والمشاركة في الندوات والفعاليات وتقديم الضمان الصحي والراتب التقاعدي وغيرها من واجبات للزملاء أعضاء الاتحاد، وهي وإن كانت قليلة في رأينا ورأي البعض إلا أنها ضمن الإمكانيات المتاحة والتي نعكف على زيادتها وتطويرها في الفترة المقبلة، وهنا لا بد من التأكيد أن هذه المعاناة والقلة في الخدمات لا تقتصر على اتحاد الكتاب وإنما تشمل معظم المؤسسات في سوريا والسبب في هذا الحرب والحصار الاقتصادي المفروض على بلدنا والذي أثر سلبا على الوطن والمواطن وأعاق تنمية مؤسساتنا وتطورها على الأصعدة كافة.

- هناك من يشير بأصابع الاتهام إلى أن عملية طباعة الكتب في الاتحاد تتم فقط للمقربين من الاتحاد أو من يدور في فلكه، ما صحة هذا الكلام؟

* لا يوجد عمل دون أخطاء وسلبيات وهنات، أما الاتهامات فهذه مشكلة تتعلق بعقل مطلقها وخاصة إذا كانت لا تستند إلى أدلة ولا تقوم على براهين، وهنا لا بد من القول: إن هذه الدورة، أعني العاشرة من عمر اتحاد الكتاب العرب، لم تشهد طباعة أي كتاب لرئيس الاتحاد في المؤسسة، وكذلك الحال بالنسبة لمعظم أعضاء مكتبه التنفيذي باستثناء كتاب واحد أو اثنين خلال ٣ سنوات من عمر المكتب التنفيذي، وكانت الحصة الأكبر في الطباعة للزملاء أعضاء الاتحاد وقسم منها للكتاب من خارج المؤسسة، ممن تحصل مخطوطاتهم على الموافقة على الطباعة أصولا، وهنا لابد من التأكيد على أن رفض طباعة أي مخطوط لا يأتي من رئيس الاتحاد أو مكتبه التنفيذي، وإنما من لجان متخصصة ويفترض أن تمتاز بالنزاهة والشفافية، وعندما يأتي أي اعتراض منطقي من صاحب مخطوط مرفوض، فإنني أمتلك من الشجاعة والمهنية ما يكفي لتوضيح الأسباب التي اعتمد عليها القارئ، وجمعه مع صاحب المخطوط في بعض الأحيان للنقاش بهذا الشأن، ومع هذا لا أنكر وجود بعض السلبيات والثغرات التي أعمل على تجاوزها حال العلم بها.

- كتبت ذات يوم عن الجوائز الأدبية وكأنك تشير إلى ما يدور في كواليسها ووجهت الاتهام للأدباء الذين يسعون لها، لماذا قلت ذلك، وأليس من حق الكاتب أن يأكل مما يكتب؟

* لا أحد ينكر على الكاتب والأديب حقه في الكسب والعيش مما يكتب، ولا أحد ينكر حقه في التقدم إلى مسابقات عربية وعالمية يمكن أن تحقق له الحضور والشهرة اللائقة بأدبه، إلا أن الانتقاد هو لتسليع الجسد وللعلاقات المشبوهة في بعض الجوائز لأن هذا يسيء إلى الأدب الحقيقي ويشوهه ويعلي من شأن التفاهة في الثقافة والأدب معا.

- ما دمت تتهم أو تدين بعض تلك الجوائز، أليس من الأحرى أن تقوم اتحادات الكتاب العرب بإيجاد البديل المنافس لها لتحل محلها؟

* لا أخفيك أن مؤسساتنا الثقافية وفق إمكانياتها المادية المتاحة عاجزة عن تقديم جوائز مادية كبيرة في الوقت الحالي بسبب الحصار والضائقة المادية في بلدنا إلا أن هذا لا يمنعني من البحث عن بدائل بعيدة عن الشبهات في التمويل.

- في ظل الغلاء الذي يسيطر على كل شيء ومنه الورق والطباعة، ويتجه البعض للنشر عبر الكتاب الإلكتروني الذي بات متداولا في كل مكان، لماذا لا تمنحون الشرعية لهذا الكتاب ويتم اعتماده كعمل أدبي في الاتحاد بدل الورقي...؟

* الكتاب الإلكتروني وقبوله في العضوية أو في تثبيتها تمت مناقشته في المؤتمر السنوي لاتحاد الكتاب العرب العام الماضي، ولكن وفق شروط تتعلق بهذا الكتاب، وبالجهة الصادر عنها، أما أن يتم قبول أي كتاب إلكتروني فهذا ما لا يقبل به أحد في ظل حالة الاستسهال والتردي الثقافي الذي يتم الاشتغال عليه من قبل البعض.

- لماذا لا يأخذ الكتاب الرياضي حقه في اتحاد الكتاب وهناك كتب رياضية وعدد لا بأس به من الذين يعملون في هذا المجال ولكن لا يوجد له تصنيف لديكم، ويكون معترفا به للانتساب لاتحاد الكتاب، أسوة بكتب التاريخ والإدارة وغيرها، علما أن الموافقة على إصداره تتم من بين أيديكم..؟

* الكتاب الرياضي ليس من صميم عمل اتحاد الكتاب العرب والذي يعنى بشكل أساسي بالأدب والإبداع والمسرح والترجمة وغيرها من حقول المعرفة والإبداع، وهذا لا يعني أن اتحاد الكتاب ضد الكتب الرياضية أو العلمية والفنية، وإنما لكل مجاله ومؤسسته التي تهتم به وتنشره، كما أن اتحاد الكتاب على استعداد لتقديم ما يمكنه من خدمات في هذا المجال وغيره.

- هناك إحجام واضح من المتابعين للشأن الثقافي منذ سنوات عبر الأنشطة التي تقام، وبالكاد يتابعها القلة القليلة، ألم يحن الوقت للتفكير في كيفية جذب المتابع لهذه الفعاليات، ولماذا لا يتم الاستفادة من جماهيرية كرة القدم واستغلال الحضور الجماهيري لتقديم فعاليات ثقافية قصيرة خلالها...؟

• اتحاد الكتاب اشتغل في الفترة الأخيرة على إقامة أنشطة وفعاليات في أماكن مختلفة وجديدة بعيدا عن الجدران المغلقة وقد تكون الملاعب أحد هذه الأماكن في الأيام المقبلة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: اتحاد الکتاب العرب الدول العربیة التأکید على الکثیر من الکتاب فی فی الدول فی سوریا کما تم فی غزة فی هذا من أجل إلا أن

إقرأ أيضاً:

فرنسا تعارضه بشده.. مستقبل الميركوسور والاتحاد الأوروبي

بعد مفاوضات شاقة بين المفوضية الأوروبية برئاسة أورسولا فون دير لاين، ومجموعة دول الميركوسور المتشكلة من البرازيل، والأرجنتين وباراغواي وأوروغواي، تم التوصل إلى إعلان مشترك، وأُسدل الستار يوم الجمعة السادس من ديسمبر/ كانون الأول لهذه السنة على القمة الخامسة والستين للميركوسور بمدينة مونتيفيديو بأوروغواي.

وبالرغم من معارضة بعض أعضاء دول الاتحاد الأوروبي، تشبثت المفوضية الأوروبية بضرورة التصديق على اتفاقية التبادل التجاري الحر مع المجموعة، في ظل تحولات جيوستراتيجية يعرفها العالم، من أهمها صعود ترامب والحزب الجمهوري اليميني إلى سدة الحكم بالولايات المتحدة الأميركية، وتلويحه برفع الرسوم الجمركية على واردات الاتحاد الأوروبي، معتبرًا أن المستفيد الأول من الاتفاقيات التجارية التي تربط الولايات المتحدة الأميركية بالاتحاد الأوروبي، هو هذا الأخير.

هذا في الوقت الذي يتّجه العالم إلى تعزيز مقومات الاقتصاد الأخضر، ومصادر الطاقات المتجددة، من هيدروجين أخضر وطاقة حيوية ذات المصدر النباتي، وغيرها.

كما تعمل دول العالم قاطبة على البحث عن المواد الأولية الضرورية لتطوير صناعتها، وتعتبر دول الميركوسور الأربع مصدَرًا هامًا لهذه المواد، وهو ما يُسيل لعاب الكثير من الدول، منها دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرون.

إعلان مسار التفاوض

انطلقت المفاوضات بين الطرفين سنة 1999، وبعد عشرين سنة، تم التوافق على نص الاتفاق بتاريخ 28 يونيو/حزيران من سنة 2019. وفي سنة 2022، تم الاتفاق على ملحق لتوضيح النقاط الإضافية الغامضة.

واصل بعد ذلك الخبراء من الطرفين، مراجعة الوثيقة من الناحية القانونية والتقنية، رغم معارضة فرنسا التي تزعم أن إتمام هذه العملية سيلحق خسائر فادحة بالقطاع الزراعي والحيواني.

المفوضية الأوروبية التي كان لها دائمًا موقف آخر، تسعى جاهدة لإتمام هذا المسار، حيث سيتم رفع حجم التبادلات التجارية مع هذا السوق بعد إلغاء زهاء 90% من الرسوم الجمركية بين الميركوسور والاتحاد الأوروبي، في وقت يُتوقع فيه أن يتم فرض ضرائب جمركية جديدة في الولايات المتحدة الأميركية على صادرات دول الاتحاد.

هذا، وكانت الهيئة التنفيذية للمفوضية الأوروبية، قد أوصت بتعزيز المفاوضات مع دول الميركوسور من أجل التوصل إلى اتفاق قبل نهاية هذه السنة، خصوصًا بعد أن تم التوصل إلى اتفاق لمجموعة دول العشرين يخص ملفات كانت عالقة خلال الاجتماع الأخير.

فقمة مونتيفيديو بأوروغواي لدول الميركوسور مطلع هذا الشهر، ديسمبر/ كانون الأول 2024، شكلت فرصة لحسم العملية التفاوضية التي دامت أكثر من عقدين. بيدَ أن أعضاء الحكومة الفرنسية، والبرلمان بأغلبيته، وجلّ الأطياف السياسية في البلاد، قد أعربوا عن معارضتهم إبرام هذا الاتفاق، لكن الهيئة التنفيذية الأوروبية تعتبر موضوع التوصل إلى اتفاق ضرورة إستراتيجية، وهو طَرح تزكيه اثنتان – من أكبر الاقتصادات الأوروبية – هما إسبانيا وألمانيا.

يرى "فيديريكو ستاينبرغ" الباحث في "المعهد الملكي إلكانو"، أن الظروف تغيرت في السنوات الأخيرة، حيث إنه في الوقت الحالي نحن أمام فرص يتيحها الوضع الجيوسياسي واستعداد الأطراف المعنية لتوقيع الاتفاق.

إعلان

كما يوضح "ستاينبرغ" لصحيفة "سينكو دياس" الإسبانية والمتخصصة في شؤون الاقتصاد: إنه " لا يمكن لدولة واحدة أن تستخدم حق النقض ضد السياسة التجارية الأوروبية، وهذا ما عاينّاه مؤخرًا عندما عارضت ألمانيا فرض رسوم جمركية على السيارات الكهربائية الصينية. إذ تم اتخاذ القرار بالأغلبية في مجلس الاتحاد الأوروبي، رغم معارضة فرنسا. وعليه يمكن المضي قدمًا بحسب الخبير.

أهمية الاتفاق اقتصاديًا

المفوضية الأوروبية ترى في اتفاق التبادل التجاري مع دول الميركوسور تحولًا تاريخيًا، حيث سيكون أول اتفاق تجاري بهذه الأهمية والرمزية، يربط الاتحاد الأوروبي بهذا القطب التجاري المهم والذي يمثل حوالي خُمس الاقتصاد العالمي.

هذا الاتفاق سيمكّن من جني 50.000 مليون يورو من مجمل الواردات والصادرات، كما يعد شراكة إستراتيجية واقتصادية لفضاءين جغرافيين يبلغ عدد سكانهما 700 مليون شخص، وسيعمل على خلق فرص جديدة للطرفين، مع الرفع من القدرة التنافسية لمقاولات دول الاتحاد الأوروبي.

في نفس السياق، تؤكد المفوضية على أن هذه الشراكة التجارية، سترفع الناتج الداخلي الخام لدول الاتحاد إلى 15.000 مليون يورو. وإلى 11.400 مليون يورو لدول مجموعة الميركوسور.

وستمكن دول الاتحاد من الاستثمار بدول أميركا الجنوبية والاستفادة من المواد الخام الضرورية؛ لتطوير الصناعات الحديثة، وربط اقتصادات دول الميركوسور بالاقتصاد الأوروبي الذي يبحث عن بدائل بعد تلويح الولايات المتحدة الأميركية برفع الرسوم الجمركية على واردات الاتحاد، وفقًا لتصريحات أحد النواب التنفيذيين لأورسولا فون دير لاين رئيسة مفوضية الاتحاد، السيد فالديس دومبروفسكيس، في زيارة قام بها مؤخرًا إلى البرازيل، التي تعتبر من أكثر الدول المتحمّسة للاتفاق منذ سنوات.

بروكسل ترى أن هذه الاتفاقية من شأنها تعزيز الأمن الاقتصادي للمنطقة الأوروبية في عالم يشهد انقسامات متزايدة؛ حيث إن الأوضاع الجيوسياسية المضطربة تبرز أهمية تأمين اتفاقات تجارية مع شركاء موثوق بهم، اتفاقات تسهم بالفعل في حماية سلاسل الإمداد الحيوية من التقلبات، وتقليل الاعتماد على أطراف قد تتخذ قرارات مضرة بمصالح الاتحاد، مع ضمان الوصول إلى المواد الخام الأساسية الضرورية، والواردات الحيوية لتطوير الصناعات الأوروبية الطموحة، وتعزيز سلاسل الإمداد قصد الرفع من قدرة الاقتصاد الأوروبي على الصمود، في سياق اقتصاد دولي لا تعرف له مخرجات.

إعلان

أيضًا، تعتبر المفوضية الأوروبية أن خفض الرسوم الجمركية المرتفعة في الميركوسور سيعزز بشكل كبير من تنافسية الشركات الأوروبية في أسواق دول المجموعة، مما سيفتح آفاقًا جديدة لقطاعات متعددة. وهو الأمر الذي سيتيح للمصدرين من الاتحاد الأوروبي توفير أكثر من 4 مليارات يورو سنويًا.

في نفس السياق، سيرتفع منسوب تدفق العمليات التجارية للمصدرين الأوروبيين لأكثر من 26.000 شركة صغيرة ومتوسطة في الاتحاد الأوروبي التي تصدر حاليًا إلى دول الميركوسور.

كما أن الشركات الأوروبية سيكون بإمكانها المشاركة في عملية تقديم عروض والتنافس على المناقصات العامة للتوريد أو لتلبية احتياجات القطاع العام في إطار العقود العمومية لدول الميركوسور، وهو ما كان متاحًا في السابق فقط للشركات المحلية.

تحديات الاتفاق

خرج المزارعون للاحتجاج على توقيع الاتفاق، ليس الفرنسيون فقط، وإنما في إسبانيا كذلك على سبيل المثال تظاهرت بعض اتحادات المزارعين ضد التأثير المحتمل الذي قد تسببه واردات المنتجات من أميركا الجنوبية على نشاطهم الاقتصادي؛ بحجة أن السلع القادمة من دول الميركوسور لا تحترم المعايير الصحية الأوروبية، وهو ما سيضرّ لا محالة بتنافسية المقاولات الأوروبية. وهو نفس ما دفع المزارعين من دول أوروبية أخرى كبولندا والنمسا.

توقعت دراسة حديثة لمفوضية الاتحاد الأوروبي زيادة في الواردات من دول الميركوسور في اتجاه دول الاتحاد قد تصل إلى حوالي 1.800 مليون يورو بحلول سنة 2032، مع التركيز بشكل خاص على المنتجات الزراعية واللحوم.

على سبيل المثال، تشير الدراسة إلى أنه بحلول سنة 2032، سيستورد الاتحاد الأوروبي من الميركوسور الأرز بقيمة تصل إلى 152 مليون يورو، وهو ما سيشكل 10% من واردات أرز الاتحاد الأوروبي، أما واردات السكر فسترتفع لتصل إلى 114 مليون يورو. الأمر الذي سيؤثر سلبًا على الميزان التجاري للاتحاد الأوروبي مع هذا التكتل.

إعلان

لكن في المقابل، سيكون لدول الاتحاد الحصة الوافرة من السوق في قطاعات أخرى مثل الفواكه والزيوت النباتية والمشروبات الكحولية.

كما تشير الدراسة إلى أن تنفيذ 10 اتفاقيات للتجارة الحرة والتي فاوض عليها الاتحاد الأوروبي، سيرفع واردات لحم البقر إلى 529 مليون يورو، أي بزيادة قدرها 24%، مع الأخذ بعين الاعتبار كون الميركوسور هي المصدّر الرئيسي لهذا المنتوج، أي أنها تجني حوالي 432 مليون يورو.

وعليه، من المتوقع أن تنخفض أسعار المنتوجات الأوروبية بنسبة حوالي 2,4%، وأن ينخفض الإنتاج بنسبة حوالي 0,9%. هذا وقد ترتفع الواردات الإجمالية من لحوم الدواجن، حسب نفس الدراسة، بنسبة تصل إلى 28,3%، أي حوالي 260 مليون يورو من دول الميركوسور إلى الاتحاد.

يرى العديد من الخبراء أن طبيعة الاتفاق هي سياسية، بمعنى أن الاتفاق يحتاج مسطريًا إلى المصادقة البرلمانية لدول مجموعة الميركوسور، وإلى توافق وزراء الاقتصاد داخل مجلس الاتحاد الأوروبي الذي يتقاسم الاختصاص التشريعي مع البرلمان الأوروبي قبل عرضه على هذا الأخير قصد التصديق.

وحتى بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ، سنكون أمام ضرورة مصادقة البرلمانات الوطنية للدول السبع والعشرين قصد استكمال مسار الإجراءات القانونية. وغني عن البيان ما تعانيه بعض دول الاتحاد من حالة الاضطراب، كإسقاط حكومة ميشال بارنييه بفرنسا المدعوم من طرف الرئيس إيمانويل ماكرون، والمعارضة الشديدة لحكومة جورجيا ميلوني في إيطاليا، ومعارضة أنصار حماية البيئة لتوجهات الحكومة الإيطالية.

كل هذه العوامل قد تسهم في عرقلة الخطوات القانونية والتنظيمية الضرورية لتأمين تنزيل الاتفاق، لكن عرقلة مسار التنزيل القانوني للاتفاق هذا يتطلب 35% من مجموع دول الاتحاد، و45% من مجموع ساكنته، وهو أمر صعب التحقق.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • رئيس اتحاد جدة يحسم حقيقة مواجهة الزمالك ودياً
  • سوريا.. «الحكومة المؤقتة» تحضر لـ«حوار وطني» خلال أيام
  • محمد عبدالمنعم: إسرائيل نفذت أكبر عملية هجوم ضد العرب خلال أيام بسوريا
  • ندوة في رابطة الكتاب الاردنيين حول مراحل نشوء الكيان الصهيوني ونظريته الأمنية
  • المملكة عملت على تفعيل مبادئ التضامن الإنساني وتعزيز التنمية البشرية والاجتماعية في أنحاء العالم
  • كاتب صحفي: يجب أن يدعم العرب سوريا لانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة
  • فرنسا تعارضه بشده.. مستقبل الميركوسور والاتحاد الأوروبي
  • حزب الله يلتقي وفدًا فلسطينيًا: لترسيخ وتعزيز الوحدة الوطنية
  • محمد عفيفي: طه حسين خير ممثل لفكرة الانتماء إلى عالم البحر المتوسط
  • الأردن والاتحاد الأوروبي يؤكدان أهمية استقرار سوريا وأمنها