البوابة نيوز:
2024-12-22@11:18:45 GMT

الجذور الثقافية للفكر الديمقراطي في الصين

تاريخ النشر: 8th, March 2024 GMT

 

 

أشار الرئيس شي جين بينغ في تلخيصه لطريق التحديث الصيني النمط، إلى أن "النظرة الفريدة للعالم والقيم والتاريخ والحضارة والديمقراطية والبيئة وغيرها وما تأتي به من الممارسات العظيمة المشمولة في التحديث الصيني النمط، هي ابتكارات عظيمة في نظريات التحديث وممارساته في العالم." الديمقراطية تعد من المحتويات المهمة للقيم الاشتراكية الصينية الجوهرية.

وقد نجح الحزب الشيوعي الصيني، متحدا مع الشعب الصيني، في التماس طريق التنمية السياسية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وطرح مفهوم الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة. وإن الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة هي ديمقراطية عميقة وشاملة تغطي جميع الجوانب، تتخذ من قيادة الحزب الشيوعي الصيني ضمانة أساسية، ونظام مجالس نواب الشعب حاملا مؤسسيا، والديمقراطية الاستشارية شكلا مهما، والديمقراطية القاعدية تجسيدا حيا، مما أظهر فهما جديدا للديمقراطية التي تعتبر إحدى القيم المشتركة للبشرية جمعاء. إن فكرة وممارسة الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة متجذرة بعمق في حضارة الصين العظيمة الممتدة منذ أكثر من خمسة آلاف عام، وهي من جينات الثقافة التقليدية الأصيلة.

الشعب هو مصدر سلطة الدولة

من أين تأتي السلطة؟ هذا هو السؤال الأول الذي يجب على جميع النظريات السياسية الإجابة عليه. حسب مفهوم الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة، السلطة من الشعب وإلى الشعب، ويتجسد هذا المفهوم بكل وضوح في الثقافة الصينية التقليدية الممتازة.

في الثقافة الصينية، السلطة الأعلى للسماء، وإرادة السماء هي الإرادة الأكثر مصداقية وتقديسا، وابن السماء، كرمز للدولة، يستمد قوته من تفويض إرادة السماء. اعتقد الصينيون القدماء أنه لا سر في إرادة السماء، وأن إرادة الشعب هي إرادة السماء، وقد جاء في ((كتاب شانغشو)) (من روائع الكتب القديمة) قول: "كل ما يريده الشعب، تستمع إليه السماء في النهاية." وإرادة السماء هي إرادة الشعب، فقد جاء في هذا الكتاب: "تستمع السماء إلى ما يريده الناس." لذلك فإن سلطة ابن السماء تأتي اسميا من إرادة السماء، ولكنها في الحقيقة تأتي من إرادة الشعب، واختيار الشعب يمثل اختيار السماء، وإرادة الشعب هي المصدر الشرعي الوحيد للسلطة. لذلك، في الثقافة الصينية، إرادة الشعب هي دائما وجود أسمى لا يقل أهمية عن إرادة السماء وأوامرها.

تركت فكرة "أن إرادة الشعب هي إرادة السماء" تأثيرا عميقا على تطور تاريخ الصين وسياستها، فعلق الأباطرة الحكماء والوزراء الفضلاء في الصين القديمة أهمية كبيرة على إرادة الشعب واتجاه قلوب الشعب، واعتبروها حجر الزاوية لاستقرار النظام وأعلى أساس للشرعية السياسية. واليوم، فإن السلطة السياسية الشعبية تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني هي اختيار تاريخي واختيار الشعب، وهي تجسد بشكل كامل وشامل إرادة الأغلبية الساحقة من الشعب الصيني.

الشعب هو غاية سلطة الدولة

الهدف الأساسي للحزب الشيوعي الصيني هو خدمة الشعب بكل أمانة وإخلاص، وهذا تجسيد مهم للديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة ويرتبط ارتباطا وثيقا بالتفكير التقليدي الموجه نحو حاجة الشعب. قال شيون تسي (عالم من عصر الممالك المتحاربة): "السماء ترعى كل الناس، وليس الإمبراطور وحده. بل العكس من ذلك، فإن الغرض من إقامة الدولة هو خدمة الشعب في حياته وإنتاجه." 

تسي قونغ (أحد تلاميذ كونفوشيوس) سأل معلمه ذات مرة قائلا: "إذا كان الشخص محسنا إلى الآخرين ومساعدا لغيره دائما، فهل يعتبر شخصا فاضلا؟" قال كونفوشيوس: "ليس فقط شخصا فاضلا، بل هو ملاك، وحتى الملوك العظماء، مثل ياو وشون، يظلون بعيدين عن ذلك." من وجهة نظر كونفوشيوس، إن رعاية عامة الناس ومساعدتهم هي الهدف الأساسي للدولة، وهي المطلب الأساسي للملك أيضا. فيما يتعلق بالمثل الأعلى للتناغم، جاء في كتابه ((الطقوس)) أن الحالة المثالية للحوكمة هي تمكين كل شخص في الدولة من الحصول على مكانه الخاص، وأن تكون له حياة ونمو وإنجاز ورعاية. دعا منغ تسي الملك إلى أن "يستمتع مع الشعب"، واعتقد أن أهم وظيفة للدولة هي حماية الممتلكات الأساسية والحياة اليومية للشعب. في أوائل أسرة تشينغ (1644-1911)، طرح العالم الكبير هوانغ تسونغ شي رأيا مهما مفاده أن "الشعب هم السيد، والملك هو الضيف"، مشيرا إلى أن الشعب هو الجسم الرئيسي للسياسة، والملك هو الهدف الذي تم إنشاؤه لمصالح الشعب. لا ينبغي للملك أن يعتبر الدولة ملكا خاصا له، ولكن يجب أن يخدم الشعب، ولا يسعى وراء المصلحة الخاصة، ولكن يسعى لمصالح الشعب، ولا يجعل الكارثة الشخصية كارثة عامة، ولكن يعمل على تخفيف كوارث الشعب. إن قول الأمين العام شي جين بينغ: "أنا لست مِلكا لنفسي ولن أخيب آمال الشعب" ملخص وتفسير دقيق لجوهر هذا الفكر.

اعتقد الصينيون القدماء أن الشعب هو غاية الخدمة والهدف النهائي لسلطة الدولة، وهذه الفكرة التي تسطع بإشراق روح الديمقراطية، تواصل سطوعها في شكل الديمقراطية الشعبية في العصر الجديد.

مشاركة الشعب في حكم الدولة بطرق متنوعة

الديمقراطية التشاورية هي ترتيب مؤسسي مهم للشعب الصيني لإفساح المجال كاملا لإحساسه بالملكية والمشاركة في الحوكمة الوطنية، وهي تجسيد مهم للنظام الديمقراطي في الصين، حيث يتم الاستماع بشكل كامل إلى آراء واقتراحات الشخصيات من كافة الأوساط الاجتماعية.

تتماشى هذه النقطة مع المفهوم القديم لاختيار الأشخاص الأكفاء للخدمة العامة في الصين القديمة. كان هناك دائما مفهوم مهم للغاية في الثقافة الصينية مفاده أنه في الحكم الفعال للدولة لا ينبغي أن يكون الملك ديكتاتورا، ولكن يجب أن يستوعب تماما آراء الأشخاص الأكفاء، وأن الشخص، بغض النظر عن خلفيته، يمكن انتخابه لأجهزة الدولة وتولي مناصب حكومية. ومع ذلك، فإن هذا النوع من الانتخابات ليس ما يسمى بـ"شخص واحد صوت واحد" كما هو الحال في الدول الغربية، ولكن من خلال أشكال مختلفة من الترشيح مثل التزكية والفحص والاختبار لاختيار الأشخاص الأكفاء حقا. 

بالإضافة إلى النظام الانتخابي، في الوحدات القاعدية على مستوى المحافظة وما دونها، أنشأ الصينيون القدماء أيضا أشكالا مختلفة من الحكم الديمقراطي الذاتي، ومن بينها نظام ميثاق القرية الذي ظهر في فترة أسرة سونغ. ميثاق القرية تنظيم قاعدي مستقل برئاسة شرفاء القرى، يتشكل من المتطوعين من أبناء القرى، وأعضاء التنظيم يرشحون القادة، ويناقشون أعراف القرية والتزاماتها، ويتوسطون في نزاعات أهلها، ويعالجون الشؤون العامة مثل الإغاثة والتعليم والضرائب فيها وما إلى ذلك، وكل ذلك وفقا لمبدأ التشاور الديمقراطي. إلى جانب ذلك، يدعو ميثاق القرية إلى الولاء والوئام والمودة بين الجيران. لعب ميثاق القرية دورا مهما في دفع أبناء الوحدات القاعدية إلى المشاركة بنشاط في إدارة الشؤون الداخلية واستقرار النظام الاجتماعي، وكان أيضا تجسيدا واضحا لروح الديمقراطية في المجتمعات القاعدية في الصين. 

 

تصحيح الانحراف بنظام المؤرخ الإمبراطوري والمراقبة المتبادلة بين السلطات

نظام المؤرخ الإمبراطوري له تاريخ طويل في بلادنا. وتتمثل إحدى وظائف المؤرخ الإمبراطوري الأساسية في مراقبة سلوك الإمبراطور وتصحيح أخطائه. منذ فترة أسرة تشين، تم إنشاء منصب المؤرخ الإمبراطوري رسميا، وكان مسؤولا بشكل أساسي عن المراقبة، وهذا المنصب يشكل مع رئيس الوزراء المسؤول عن الإدارة والقائد الأكبر المسؤول عن الشؤون العسكرية، أجهزة السلطة الثلاثة الرئيسية تحت الإمبراطور. على مدى أكثر من ألفي عام، ثبت واكتمل المنصب باستمرار، وتحول إلى هيئة مراقبة شاملة ذات وظائف واضحة وعمليات مستقلة، مثل جهاز المراقبة الإمبراطوري في فترة أسرتي تانغ ويوان، ومركز التفتيش في فترة أسرتي مينغ وتشينغ. وقد لعب هذا النظام دورا حاسما في تسيير أعمال سلطات الدولة وساهم مساهمات عظيمة في تعديل الأخطاء، وتطهير الحكم من الفساد، وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وفي العصور القديمة، امتلك عديد من المؤرخين الجرأة على كشف الأخطاء واعترضوا على الأعمال غير القانونية، غير مبالين بالتضحية بأرواحهم، حتى لقب البعض منهم بـ"المؤرخ الإمبراطوري الحديدي". 

الديمقراطية ليست فكرة مجردة، ولكل أمة أفكارها الديمقراطية الخاصة والفريدة في سياق تطورها التاريخي. إن النجاح الهائل الذي تحققه الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة في الصين حاليا، لا ينفصل عن الينابيع الثرية لثقافة الديمقراطية في الثقافة الصينية التقليدية الممتازة. وعلى أساس أفكار المحبة والقرب من الشعب واعتبار الشعب أساسا، قام الصينيون القدماء باستكشاف فعال وبناء مثمر لروح ونظام الديمقراطية في العديد من الجوانب، ولا تزال جهودهم ملهمة حتى يومنا هذا. من خلال امتصاص العناصر الغذائية للثقافة التقليدية الممتازة، سيصبح النظام الديمقراطي الصيني أكثر اكتمالا، وذلك سيساهم بمزيد من الحكمة الصينية في تقدم الحضارة السياسية الإنسانية في ظل النظام العالمي الجديد.

 

*تساو جينغ نيان.. تساو جينغ نيان، باحث في قاعدة أبحاث التبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات الصينية والأجنبية بمعهد كونفوشيوس في مدينة تشيويفو بمقاطعة شاندونغ.

المصدر: البوابة نيوز

إقرأ أيضاً:

اللافي: مبادرة ستيفاني فرصة لتحقيق تطلعات الشعب الليبي في الديمقراطية

التقى عضو المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، اليوم الخميس، نائبة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، “ستيفاني خوري”، وذلك لمناقشة تفاصيل العملية السياسية الجديدة التي طرحتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، والتي تهدف إلى تحقيق الاستقرار، وتوحيد مؤسسات الدولة، والدفع نحو إجراء انتخابات وطنية شاملة.

وخلال اللقاء، أحاطت خوري، عبد الله اللافي بمضامين إحاطتها الأخيرة، وشرحت الخطوات المزمع اتخاذها لتيسير العملية السياسية، بما في ذلك تعزيز التنسيق الدولي، ومعالجة القضايا العالقة في القوانين الانتخابية، وإيجاد حلول توافقية تقود إلى انتخابات حرة ونزيهة تضمن الاستقرار المستدام في ليبيا، بحسب بيان اللافي.

من جانبه، أعرب عبد الله اللافي عن دعمه الكامل لهذه الجهود، واستعداده لتذليل كافة الصعوبات التي قد تواجه تنفيذ هذه المبادرة، ودعوة جميع الأطراف الليبية إلى العمل بروح واحدة، وتغليب مصلحة الوطن العليا.

وأكد اللافي أن هذه العملية، التي تتم برعاية أممية، تُعد فرصة حقيقية لإعادة توحيد مؤسسات الدولة وتحقيق تطلعات الشعب الليبي في الاستقرار والديمقراطية، مشددًا على أهمية التنسيق الدولي والإقليمي لدعم هذه الخطوات وضمان نجاحها.

في ختام اللقاء، تم الاتفاق على مواصلة التعاون والتنسيق بين المجلس الرئاسي وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لضمان تحقيق أهداف هذه العملية السياسية، بما يحقق مصلحة ليبيا ويضعها على طريق الاستقرار والازدهار.

مقالات مشابهة

  • بوفايد يحذر خوري: “مشروعكم المشبوه إلى الانهيار أو الانفجار”
  • عضو بالحزب الديمقراطي الأمريكي: زيادة ميزانية الدفاع ضرورة لمواجهة الصين وروسيا
  • عقيلة صالح: ندعم كل مبادرة تحقق إرادة الشعب الليبي بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية
  • الطوفان إرادة لا تنكسر.. مظاهرات حاشدة لنصرة غزة في مدن عربية
  • الجيل الديمقراطي : أعداء الوطن يتربصون بمقدرات الدولة
  • ممثلة «سوريا الديمقراطية»: الشعب بحاجة إلى نظام جديد يضمن التشاركية
  • الحركة الشعبية / التيار الثوري الديمقراطي: ثورة ديسمبر عائدة ولو كره الفلول
  • الجبهة الشعبية تدين العدوان الصهيوني على اليمن
  • سفير الصين: العلاقات المصرية الصينية دخلت العصر الذهبي لتقدم نموذج للتضامن والتنمية
  • اللافي: مبادرة ستيفاني فرصة لتحقيق تطلعات الشعب الليبي في الديمقراطية