البوابة نيوز:
2024-07-01@18:05:12 GMT

الجذور الثقافية للفكر الديمقراطي في الصين

تاريخ النشر: 8th, March 2024 GMT

 

 

أشار الرئيس شي جين بينغ في تلخيصه لطريق التحديث الصيني النمط، إلى أن "النظرة الفريدة للعالم والقيم والتاريخ والحضارة والديمقراطية والبيئة وغيرها وما تأتي به من الممارسات العظيمة المشمولة في التحديث الصيني النمط، هي ابتكارات عظيمة في نظريات التحديث وممارساته في العالم." الديمقراطية تعد من المحتويات المهمة للقيم الاشتراكية الصينية الجوهرية.

وقد نجح الحزب الشيوعي الصيني، متحدا مع الشعب الصيني، في التماس طريق التنمية السياسية الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وطرح مفهوم الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة. وإن الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة هي ديمقراطية عميقة وشاملة تغطي جميع الجوانب، تتخذ من قيادة الحزب الشيوعي الصيني ضمانة أساسية، ونظام مجالس نواب الشعب حاملا مؤسسيا، والديمقراطية الاستشارية شكلا مهما، والديمقراطية القاعدية تجسيدا حيا، مما أظهر فهما جديدا للديمقراطية التي تعتبر إحدى القيم المشتركة للبشرية جمعاء. إن فكرة وممارسة الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة متجذرة بعمق في حضارة الصين العظيمة الممتدة منذ أكثر من خمسة آلاف عام، وهي من جينات الثقافة التقليدية الأصيلة.

الشعب هو مصدر سلطة الدولة

من أين تأتي السلطة؟ هذا هو السؤال الأول الذي يجب على جميع النظريات السياسية الإجابة عليه. حسب مفهوم الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة، السلطة من الشعب وإلى الشعب، ويتجسد هذا المفهوم بكل وضوح في الثقافة الصينية التقليدية الممتازة.

في الثقافة الصينية، السلطة الأعلى للسماء، وإرادة السماء هي الإرادة الأكثر مصداقية وتقديسا، وابن السماء، كرمز للدولة، يستمد قوته من تفويض إرادة السماء. اعتقد الصينيون القدماء أنه لا سر في إرادة السماء، وأن إرادة الشعب هي إرادة السماء، وقد جاء في ((كتاب شانغشو)) (من روائع الكتب القديمة) قول: "كل ما يريده الشعب، تستمع إليه السماء في النهاية." وإرادة السماء هي إرادة الشعب، فقد جاء في هذا الكتاب: "تستمع السماء إلى ما يريده الناس." لذلك فإن سلطة ابن السماء تأتي اسميا من إرادة السماء، ولكنها في الحقيقة تأتي من إرادة الشعب، واختيار الشعب يمثل اختيار السماء، وإرادة الشعب هي المصدر الشرعي الوحيد للسلطة. لذلك، في الثقافة الصينية، إرادة الشعب هي دائما وجود أسمى لا يقل أهمية عن إرادة السماء وأوامرها.

تركت فكرة "أن إرادة الشعب هي إرادة السماء" تأثيرا عميقا على تطور تاريخ الصين وسياستها، فعلق الأباطرة الحكماء والوزراء الفضلاء في الصين القديمة أهمية كبيرة على إرادة الشعب واتجاه قلوب الشعب، واعتبروها حجر الزاوية لاستقرار النظام وأعلى أساس للشرعية السياسية. واليوم، فإن السلطة السياسية الشعبية تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني هي اختيار تاريخي واختيار الشعب، وهي تجسد بشكل كامل وشامل إرادة الأغلبية الساحقة من الشعب الصيني.

الشعب هو غاية سلطة الدولة

الهدف الأساسي للحزب الشيوعي الصيني هو خدمة الشعب بكل أمانة وإخلاص، وهذا تجسيد مهم للديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة ويرتبط ارتباطا وثيقا بالتفكير التقليدي الموجه نحو حاجة الشعب. قال شيون تسي (عالم من عصر الممالك المتحاربة): "السماء ترعى كل الناس، وليس الإمبراطور وحده. بل العكس من ذلك، فإن الغرض من إقامة الدولة هو خدمة الشعب في حياته وإنتاجه." 

تسي قونغ (أحد تلاميذ كونفوشيوس) سأل معلمه ذات مرة قائلا: "إذا كان الشخص محسنا إلى الآخرين ومساعدا لغيره دائما، فهل يعتبر شخصا فاضلا؟" قال كونفوشيوس: "ليس فقط شخصا فاضلا، بل هو ملاك، وحتى الملوك العظماء، مثل ياو وشون، يظلون بعيدين عن ذلك." من وجهة نظر كونفوشيوس، إن رعاية عامة الناس ومساعدتهم هي الهدف الأساسي للدولة، وهي المطلب الأساسي للملك أيضا. فيما يتعلق بالمثل الأعلى للتناغم، جاء في كتابه ((الطقوس)) أن الحالة المثالية للحوكمة هي تمكين كل شخص في الدولة من الحصول على مكانه الخاص، وأن تكون له حياة ونمو وإنجاز ورعاية. دعا منغ تسي الملك إلى أن "يستمتع مع الشعب"، واعتقد أن أهم وظيفة للدولة هي حماية الممتلكات الأساسية والحياة اليومية للشعب. في أوائل أسرة تشينغ (1644-1911)، طرح العالم الكبير هوانغ تسونغ شي رأيا مهما مفاده أن "الشعب هم السيد، والملك هو الضيف"، مشيرا إلى أن الشعب هو الجسم الرئيسي للسياسة، والملك هو الهدف الذي تم إنشاؤه لمصالح الشعب. لا ينبغي للملك أن يعتبر الدولة ملكا خاصا له، ولكن يجب أن يخدم الشعب، ولا يسعى وراء المصلحة الخاصة، ولكن يسعى لمصالح الشعب، ولا يجعل الكارثة الشخصية كارثة عامة، ولكن يعمل على تخفيف كوارث الشعب. إن قول الأمين العام شي جين بينغ: "أنا لست مِلكا لنفسي ولن أخيب آمال الشعب" ملخص وتفسير دقيق لجوهر هذا الفكر.

اعتقد الصينيون القدماء أن الشعب هو غاية الخدمة والهدف النهائي لسلطة الدولة، وهذه الفكرة التي تسطع بإشراق روح الديمقراطية، تواصل سطوعها في شكل الديمقراطية الشعبية في العصر الجديد.

مشاركة الشعب في حكم الدولة بطرق متنوعة

الديمقراطية التشاورية هي ترتيب مؤسسي مهم للشعب الصيني لإفساح المجال كاملا لإحساسه بالملكية والمشاركة في الحوكمة الوطنية، وهي تجسيد مهم للنظام الديمقراطي في الصين، حيث يتم الاستماع بشكل كامل إلى آراء واقتراحات الشخصيات من كافة الأوساط الاجتماعية.

تتماشى هذه النقطة مع المفهوم القديم لاختيار الأشخاص الأكفاء للخدمة العامة في الصين القديمة. كان هناك دائما مفهوم مهم للغاية في الثقافة الصينية مفاده أنه في الحكم الفعال للدولة لا ينبغي أن يكون الملك ديكتاتورا، ولكن يجب أن يستوعب تماما آراء الأشخاص الأكفاء، وأن الشخص، بغض النظر عن خلفيته، يمكن انتخابه لأجهزة الدولة وتولي مناصب حكومية. ومع ذلك، فإن هذا النوع من الانتخابات ليس ما يسمى بـ"شخص واحد صوت واحد" كما هو الحال في الدول الغربية، ولكن من خلال أشكال مختلفة من الترشيح مثل التزكية والفحص والاختبار لاختيار الأشخاص الأكفاء حقا. 

بالإضافة إلى النظام الانتخابي، في الوحدات القاعدية على مستوى المحافظة وما دونها، أنشأ الصينيون القدماء أيضا أشكالا مختلفة من الحكم الديمقراطي الذاتي، ومن بينها نظام ميثاق القرية الذي ظهر في فترة أسرة سونغ. ميثاق القرية تنظيم قاعدي مستقل برئاسة شرفاء القرى، يتشكل من المتطوعين من أبناء القرى، وأعضاء التنظيم يرشحون القادة، ويناقشون أعراف القرية والتزاماتها، ويتوسطون في نزاعات أهلها، ويعالجون الشؤون العامة مثل الإغاثة والتعليم والضرائب فيها وما إلى ذلك، وكل ذلك وفقا لمبدأ التشاور الديمقراطي. إلى جانب ذلك، يدعو ميثاق القرية إلى الولاء والوئام والمودة بين الجيران. لعب ميثاق القرية دورا مهما في دفع أبناء الوحدات القاعدية إلى المشاركة بنشاط في إدارة الشؤون الداخلية واستقرار النظام الاجتماعي، وكان أيضا تجسيدا واضحا لروح الديمقراطية في المجتمعات القاعدية في الصين. 

 

تصحيح الانحراف بنظام المؤرخ الإمبراطوري والمراقبة المتبادلة بين السلطات

نظام المؤرخ الإمبراطوري له تاريخ طويل في بلادنا. وتتمثل إحدى وظائف المؤرخ الإمبراطوري الأساسية في مراقبة سلوك الإمبراطور وتصحيح أخطائه. منذ فترة أسرة تشين، تم إنشاء منصب المؤرخ الإمبراطوري رسميا، وكان مسؤولا بشكل أساسي عن المراقبة، وهذا المنصب يشكل مع رئيس الوزراء المسؤول عن الإدارة والقائد الأكبر المسؤول عن الشؤون العسكرية، أجهزة السلطة الثلاثة الرئيسية تحت الإمبراطور. على مدى أكثر من ألفي عام، ثبت واكتمل المنصب باستمرار، وتحول إلى هيئة مراقبة شاملة ذات وظائف واضحة وعمليات مستقلة، مثل جهاز المراقبة الإمبراطوري في فترة أسرتي تانغ ويوان، ومركز التفتيش في فترة أسرتي مينغ وتشينغ. وقد لعب هذا النظام دورا حاسما في تسيير أعمال سلطات الدولة وساهم مساهمات عظيمة في تعديل الأخطاء، وتطهير الحكم من الفساد، وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وفي العصور القديمة، امتلك عديد من المؤرخين الجرأة على كشف الأخطاء واعترضوا على الأعمال غير القانونية، غير مبالين بالتضحية بأرواحهم، حتى لقب البعض منهم بـ"المؤرخ الإمبراطوري الحديدي". 

الديمقراطية ليست فكرة مجردة، ولكل أمة أفكارها الديمقراطية الخاصة والفريدة في سياق تطورها التاريخي. إن النجاح الهائل الذي تحققه الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة في الصين حاليا، لا ينفصل عن الينابيع الثرية لثقافة الديمقراطية في الثقافة الصينية التقليدية الممتازة. وعلى أساس أفكار المحبة والقرب من الشعب واعتبار الشعب أساسا، قام الصينيون القدماء باستكشاف فعال وبناء مثمر لروح ونظام الديمقراطية في العديد من الجوانب، ولا تزال جهودهم ملهمة حتى يومنا هذا. من خلال امتصاص العناصر الغذائية للثقافة التقليدية الممتازة، سيصبح النظام الديمقراطي الصيني أكثر اكتمالا، وذلك سيساهم بمزيد من الحكمة الصينية في تقدم الحضارة السياسية الإنسانية في ظل النظام العالمي الجديد.

 

*تساو جينغ نيان.. تساو جينغ نيان، باحث في قاعدة أبحاث التبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات الصينية والأجنبية بمعهد كونفوشيوس في مدينة تشيويفو بمقاطعة شاندونغ.

المصدر: البوابة نيوز

إقرأ أيضاً:

كيف تتهرب البضائع الصينية من الرسوم الجمركية الأمريكية؟

نشرت صحيفة "إيكونوميست" تقريرًا يسلط الضوء على كيفية تملص البضائع الصينية من الرسوم الجمركية الأمريكية؛ فبدلاً من شحن البضائع الصينية مباشرةً إلى الولايات المتحدة، يتم تفريغ الحاويات في مستودعات قريبة من الحدود المكسيكية، ثم إعادة تعبئتها ونقلها داخل الأراضي الأمريكية من أجل التهريب من الرسوم الجمركية. 

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن طوابير الشاحنات التي تصطف على الحدود المكسيكية محاولةً الدخول إلى أمريكا أصبحت أمرًا معتادًا؛ حيث تصطف الشاحنات مؤخرًا عند معبر أوتاى ميسا، الذي يفصل بين كاليفورنيا ومدينة تيخوانا، في طوابير طويلة، ولا تسافر الشاحنات بعيدًا، فهي تفرغ حمولتها من حاويات الشحن في مستودعات تم بناؤها حديثًا على بعد 15 كم فقط جنوب الحدود، ثم تُفصل البضائع إلى آلاف العبوات الصغيرة وتُعاد إلى أمريكا، ورغم  أن هذه الواردات مصنوعة في الصين وتُباع في أمريكا، إلا أنه لا يتم دفع أي رسوم جمركية عليها. 

وهذه الخطوة المزدوجة هي طريقة يستفيد بها بعض تجار التجزئة من ثغرة في قواعد التجارة الأمريكية المعروفة باسم إعفاء "دي مينيميس"، والتي تعني "صغيرة جدًا بحيث لا يمكن العبث بها"، وتسمح للطرود التي تقل قيمتها عن 800 دولار بالدخول إلى أمريكا دون فرض رسوم، ومن المتوقع أن يصل أكثر من 1.4 مليار طرد، بقيمة 66 مليار دولار على الأقل، بموجب هذا الإعفاء هذه السنة، بزيادة عن 500 مليون طرد في سنة 2019، وتكشف هذه القاعدة عن عيوب في إستراتيجية الرسوم الجمركية؛ حيث يجب على تجار التجزئة الذين يستوردون من الصين دفع الرسوم، بينما يتخطاها منافسوهم في الخارج تمامًا. ويريد بعض المشرعين الآن إغلاق هذه الثغرة، وهي خطوة من شأنها أن تضر بالأمريكيين الفقراء.


على حافة الجنون
وأوضحت الصحيفة أن الكونغرس أقرّ هذا الإعفاء في الثلاثينيات من القرن الماضي للحد من المتاعب التي يواجهها السائحون الذين يجلبون الهدايا التذكارية إلى بلادهم، لكن سياسات عهد ترامب وصعود التجارة الإلكترونية جعلته أكثر أهمية، ففي سنة 2016 رفع المشرعون الحد الأدنى على الطرود من 200 دولار إلى 800 دولار لتوفير تكاليف التنفيذ، وفي 2018-2019 رفعوا الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية، مما زاد من حافز البحث عن حيلة لتجنب دفع الرسوم، وخلال جائحة كوفيد-19، ارتفعت الواردات الأمريكية من السلع الرخيصة مثل الملابس والأدوات المنزلية، والتي غالبًا ما تكون تحت حد الإعفاء.

وأصبحت التجارة من خلال الإعفاء الآن كبيرة جدًا لدرجة أنها تشوه البيانات الوطنية، فسبعة من كل عشرة طرود من الطرود الصغيرة تصل من الصين، وتمثل شركتا شي إن وتيمو وحدهما ثلاثة من كل عشرة، وتشير الحسابات إلى أن العجز التجاري الأمريكي في السلع أكبر بنسبة 13 بالمائة مع الصين، و5 بالمائة من باقي العالم، وقد يساعد ذلك في تفسير لغز متزايد في إحصاءات التجارة الصينية الأمريكية، فالصين تقول إنها تصدر حوالي 73 مليار دولار أكثر مما تعتقد أمريكا أنها تستقبله، ويعتقد بعض الاقتصاديين أن الفجوة الحقيقية قد تكون أكثر من 150 مليار دولار، وتشير الأرقام الصادرة عن هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية إلى أن 37 مليار دولار على الأقل من الفجوة تأتي من السلع التي تقع تحت عتبة 800 دولار.

قد تكون الحصيلة الحقيقية للحد الأدنى أكبر من ذلك، حيث تعتمد هيئة الجمارك على القيم التي يدخلها الشاحنون الأجانب، الذين يفتقرون لكل من التدريب والسبب للتصريح عن البضائع بدقة، ووفقًا لبيانات من شركات النقل الخاصة فإن نسبة عالية غير محتملة تبلغ 16 بالمائة من الطرود تدعي أن قيمتها تبلغ دولارًا واحدًا أو أقل، وقد وجد تحقيق أجراه مجلس الشيوخ في سنة 2018 أن بيانات الشحن الأجنبي غالبًا ما كانت عبارة عن "سطر طويل من الحروف غير المنطقية" بدلاً من المعلومات حول منشأ الطرود وقيمتها.

وأضافت الصحيفة أن بعض البائعين يستغلون الحد الأدنى بطرق أخرى، وأحد الخيارات هو الإعلان الكاذب عن قيمة السلعة، وقد وجد أميت خانديلوال من جامعة ييل وبابلو فاجيلباوم من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس أن أمريكا تتلقى شحنات من الصين بقيم معلنة تزيد قيمتها عن 800 دولار أمريكي أقل بنسبة 79 بالمائة مقارنةً بما دونها، ورغم أن بعضًا من هذا قد يعكس اختيار المستهلكين للسلع الأرخص ثمنًا لتجنب الرسوم الجمركية، إلا أنه من غير المرجح أن يكون الفرق كله كذلك، فقد وجدت السلطات الأمريكية مؤخرًا أن ما يقرب من عُشر الطرود انتهكت قواعد الاستيراد، عادةً عن طريق إدراج محتوى أو قيمة الواردات بشكل خاطئ.

وهناك نهج مختلف، وهو ما يسميه مكتب الجمارك وحماية الحدود "الهيكلة"؛ حيث يقوم المرسلون بتقسيم طلبية عالية القيمة من عميل واحد إلى طرود متعددة مؤهلة للإعفاء من الرسوم الجمركية، وتنصح العديد من منصات التجارة الإلكترونية المتسوقين بتقسيم الطلبات عندما تتجاوز سلة التسوق عتبة 800 دولار، وهو أمر مسموح به طالما أن الطلبات يتم وضعها بفارق 24 ساعة، وتُعد ثغرة تيخوانا حيلة أخرى ماكرة ولكنها ليست غير قانونية؛ حيث تهبط الحاويات في أمريكا، قبل أن تنتقل في شاحنات "مترابطة" إلى المكسيك، مما يعني أن البضائع تُعامل كما لو أنها لم تدخل البلد، وبمجرد وصولها إلى مركز توزيع مكسيكي، يتم تقسيمها إلى طرود أصغر وإرسالها إلى أمريكا، لتصل إلى أقل من الحد الأدنى البالغ 800 دولار، توفر هذه المناورة على البائعين ما بين 6-12 بالمائة من قيمة الطرد الواحد. 

وأشارت الصحيفة إلى أن هناك بعض الرابحين الكبار من هذا التهرب من التعريفة الجمركية، ومن بينهم المنتجون الصينيون، لكن هذه التهرب يولد أيضًا مكاسب غير متوقعة للمستهلكين الأمريكيين، وحسب إحصاءات كل من كانديلوال وفاجلباوم، فإن المستهلكين كانوا سيدفعون 7.8 مليار دولار أمريكي إضافية من الرسوم الجمركية في غياب الإعفاء سنة 2021، أضف إلى ذلك الرسوم وحقيقة أن المنتجين غالبًا ما يخفضون الأسعار إلى ما دون الحد الأدنى لتجنب التعريفات الجمركية. وتستفيد الأسر الفقيرة أكثر من غيرها لأنها أكبر مستهلك للسلع الصينية الرخيصة. وبالفعل، يصل واحد من كل طردين من الطرود الصينية إلى أفقر المناطق البريدية، مقارنة بواحد من كل خمسة طرود إلى أغنى المناطق، وبدون الإعفاء، ستكون التعريفات الجمركية على الصين أكثر رجعية.

وتعد المدن الحدودية وأولئك الذين يبحثون عن عمل فيها، هم الرابحون الآخرون، فرغم تضاعف عدد الممرات التجارية في معبر أوتاي ميسا خلال العام الماضي، إلا أن أوقات انتظار الشاحنات التي تدخل المكسيك قد ارتفعت، وهذا هو مستوى الطلب؛ حيث تقوم الشركات ببناء المستودعات بسرعة، فقد قامت شركة دي إتش إل ببناء 15 مستودعاً في المكسيك منذ سنة 2016، ونمت المساحة الأرضية الصناعية على الجانب الأمريكي من أوتاي ميسا بنسبة 45 بالمائة منذ سنة 2019، وقامت شركة أمازون ببناء 340,000 متر مربع من المستودعات في أوتاى ميسا وتيخوانا في 2021-2022.

ولكن هناك أيضًا خاسرون، فموجة الطرود الصغيرة المليئة بالملابس الرخيصة تضرب قطاع المنسوجات الأمريكي بشدة، ويقول ممثلو الصناعة إن 18 مصنع قطن قد أغلقت أبوابها منذ الصيف الماضي، وتجار التجزئة الذين لديهم متاجر فعلية يستقبلون شحنات بالجملة، وبالتالي لا يمكنهم تجنب الرسوم الحدودية؛ حيث يضطرون مثلًا لدفع رسوم جمركية بنسبة 16.5 بالمائة، و7.5 بالمائة من الرسوم الجمركية الخاصة بالصين، بالإضافة إلى رسوم السمسرة والجمارك، وهذا يفسر جزئيًا كيف تستطيع "شي إن" إدراج سلع الأزياء النسائية بسعر أرخص بنسبة 39-60 بالمائة في المتوسط من "إتش أند إم".


أشياء جديدة من شي إن
وأفادت الصحيفة أن تقول بعض الشركات، بما في ذلك شركة شي إن، تقول إنها تريد قواعد تفرض المزيد من الشفافية على الشحنات ذات الحد الأدنى، مع الحفاظ على الإعفاء قائمًا. لا تُظهر الصين أي علامات على التراجع من جانبها، ففي أيار/مايو، أصدر مجلس الوزراء في البلاد قرارًا أعلن فيه عن رغبته في "توسيع الصادرات عبر التجارة الإلكترونية عبر الحدود ودفع عجلة تطوير التخزين في الخارج"، ويُعد إعفاء الحد الأدنى من الرسوم الجمركية أمرًا بالغ الأهمية لهذه الاستراتيجية، فبدونه سيقفز متوسط الرسوم الجمركية على الطرود الصينية التي تقل قيمتها عن 800 دولار من صفر إلى 15 بالمائة. 

وكل هذا يسبب القلق في أمريكا، ففي أيار/مايو، أوقفت هيئة الجمارك العديد من السماسرة من برنامج مصمم لتسريع الشحنات، ويُجبر الشاحنون الأجانب الآن على التصريح عن المحتويات قبل وصول الطرود إلى الشواطئ الأمريكية، ويشير أحد السماسرة إلى أن بعض الشحنات التي تفصح عن بيانات ضئيلة عن أسعارها تتأخر الآن بضعة أيام مع تكثيف هيئة الجمارك لعمليات التفتيش. قد يُطلب من الشاحنين في المستقبل تقديم صفحة ويب للمنتج حتى تتمكن السلطات الأمريكية من التحقق من أسعار البضائع المعنية، كما يعمل الكونغرس على مشروع قانون لسد الثغرة من خلال إزالة السلع الخاضعة للتعريفة الجمركية من أهلية الإعفاء، وهناك مشروع قانون آخر من شأنه أن يجعل أمريكا تطابق حدود الإعفاء الأدنى لشركائها التجاريين (تم تحديد الحد الأدنى للتعريفة الجمركية في الصين عند 50 يوان، أو 7 دولارات)، ومن المحتمل أن تأتي أي من هذه الخطوات عقب الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر.

واختتمت الصحيفة بقولها إنه أيًا من هذين الخيارين لا يعد جذابًا بشكل خاص، فالتخلص من إعفاء الحد الأدنى سيعاقب أفقر المستهلكين في أمريكا ويرفع الأسعار في الوقت الذي يبذل فيه صناع السياسة قصارى جهدهم لتهدئتها، ومع ذلك، فإن ترك الثغرة في مكانها يمنح الصين ما يشبه صفقة تجارة حرة على السلع منخفضة القيمة، بينما يفرض ضرائب على تجار التجزئة الأمريكيين، وهو نهج يتعارض بشكل هزلي مع بقية السياسة التجارية لأمريكا.

(المصدر)

مقالات مشابهة

  • «الثقافة»: نعمل على إدراج الأطعمة الشعبية في قائمة التراث العالمي
  • "رويترز": كوريا الشمالية تنقل بث التلفزيون الرسمي إلى قمر صناعي روسي
  • ندوة مصرية صينية لبحث سبل التعاون بمجالات الصناعات السينمائية بين القاهرة وبكين
  • الصين على ثقة من أن قمة منظمة شنغهاي ستعزز أمن جميع البلدان
  • 200 طفل روسي سيتجهون إلى كوريا الشمالية
  • كيف تتهرب البضائع الصينية من الرسوم الجمركية الأمريكية؟
  • الرئيس الصيني يحضر قمة منظمة شانجهاي للتعاون في كازاخستان
  • حزب الإصلاح يشيد بموقف الصين تجاه اليمن ويعلن التطلع لدور مستقبلي
  • أبوبكر الديب يكتب: 5 عوامل وراء ازدهار العلاقات الاقتصادية المصرية الصينية
  • كيف تفوقت صناعة السيارات الكهربائية في الصين رغم العقبات الغربية؟