الجذور الثقافية للفكر الديمقراطي في الصين
تاريخ النشر: 8th, March 2024 GMT
أشار الرئيس شي جين بينغ في تلخيصه لطريق التحديث الصيني النمط، إلى أن "النظرة الفريدة للعالم والقيم والتاريخ والحضارة والديمقراطية والبيئة وغيرها وما تأتي به من الممارسات العظيمة المشمولة في التحديث الصيني النمط، هي ابتكارات عظيمة في نظريات التحديث وممارساته في العالم." الديمقراطية تعد من المحتويات المهمة للقيم الاشتراكية الصينية الجوهرية.
الشعب هو مصدر سلطة الدولة
من أين تأتي السلطة؟ هذا هو السؤال الأول الذي يجب على جميع النظريات السياسية الإجابة عليه. حسب مفهوم الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة، السلطة من الشعب وإلى الشعب، ويتجسد هذا المفهوم بكل وضوح في الثقافة الصينية التقليدية الممتازة.
في الثقافة الصينية، السلطة الأعلى للسماء، وإرادة السماء هي الإرادة الأكثر مصداقية وتقديسا، وابن السماء، كرمز للدولة، يستمد قوته من تفويض إرادة السماء. اعتقد الصينيون القدماء أنه لا سر في إرادة السماء، وأن إرادة الشعب هي إرادة السماء، وقد جاء في ((كتاب شانغشو)) (من روائع الكتب القديمة) قول: "كل ما يريده الشعب، تستمع إليه السماء في النهاية." وإرادة السماء هي إرادة الشعب، فقد جاء في هذا الكتاب: "تستمع السماء إلى ما يريده الناس." لذلك فإن سلطة ابن السماء تأتي اسميا من إرادة السماء، ولكنها في الحقيقة تأتي من إرادة الشعب، واختيار الشعب يمثل اختيار السماء، وإرادة الشعب هي المصدر الشرعي الوحيد للسلطة. لذلك، في الثقافة الصينية، إرادة الشعب هي دائما وجود أسمى لا يقل أهمية عن إرادة السماء وأوامرها.
تركت فكرة "أن إرادة الشعب هي إرادة السماء" تأثيرا عميقا على تطور تاريخ الصين وسياستها، فعلق الأباطرة الحكماء والوزراء الفضلاء في الصين القديمة أهمية كبيرة على إرادة الشعب واتجاه قلوب الشعب، واعتبروها حجر الزاوية لاستقرار النظام وأعلى أساس للشرعية السياسية. واليوم، فإن السلطة السياسية الشعبية تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني هي اختيار تاريخي واختيار الشعب، وهي تجسد بشكل كامل وشامل إرادة الأغلبية الساحقة من الشعب الصيني.
الشعب هو غاية سلطة الدولة
الهدف الأساسي للحزب الشيوعي الصيني هو خدمة الشعب بكل أمانة وإخلاص، وهذا تجسيد مهم للديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة ويرتبط ارتباطا وثيقا بالتفكير التقليدي الموجه نحو حاجة الشعب. قال شيون تسي (عالم من عصر الممالك المتحاربة): "السماء ترعى كل الناس، وليس الإمبراطور وحده. بل العكس من ذلك، فإن الغرض من إقامة الدولة هو خدمة الشعب في حياته وإنتاجه."
تسي قونغ (أحد تلاميذ كونفوشيوس) سأل معلمه ذات مرة قائلا: "إذا كان الشخص محسنا إلى الآخرين ومساعدا لغيره دائما، فهل يعتبر شخصا فاضلا؟" قال كونفوشيوس: "ليس فقط شخصا فاضلا، بل هو ملاك، وحتى الملوك العظماء، مثل ياو وشون، يظلون بعيدين عن ذلك." من وجهة نظر كونفوشيوس، إن رعاية عامة الناس ومساعدتهم هي الهدف الأساسي للدولة، وهي المطلب الأساسي للملك أيضا. فيما يتعلق بالمثل الأعلى للتناغم، جاء في كتابه ((الطقوس)) أن الحالة المثالية للحوكمة هي تمكين كل شخص في الدولة من الحصول على مكانه الخاص، وأن تكون له حياة ونمو وإنجاز ورعاية. دعا منغ تسي الملك إلى أن "يستمتع مع الشعب"، واعتقد أن أهم وظيفة للدولة هي حماية الممتلكات الأساسية والحياة اليومية للشعب. في أوائل أسرة تشينغ (1644-1911)، طرح العالم الكبير هوانغ تسونغ شي رأيا مهما مفاده أن "الشعب هم السيد، والملك هو الضيف"، مشيرا إلى أن الشعب هو الجسم الرئيسي للسياسة، والملك هو الهدف الذي تم إنشاؤه لمصالح الشعب. لا ينبغي للملك أن يعتبر الدولة ملكا خاصا له، ولكن يجب أن يخدم الشعب، ولا يسعى وراء المصلحة الخاصة، ولكن يسعى لمصالح الشعب، ولا يجعل الكارثة الشخصية كارثة عامة، ولكن يعمل على تخفيف كوارث الشعب. إن قول الأمين العام شي جين بينغ: "أنا لست مِلكا لنفسي ولن أخيب آمال الشعب" ملخص وتفسير دقيق لجوهر هذا الفكر.
اعتقد الصينيون القدماء أن الشعب هو غاية الخدمة والهدف النهائي لسلطة الدولة، وهذه الفكرة التي تسطع بإشراق روح الديمقراطية، تواصل سطوعها في شكل الديمقراطية الشعبية في العصر الجديد.
مشاركة الشعب في حكم الدولة بطرق متنوعة
الديمقراطية التشاورية هي ترتيب مؤسسي مهم للشعب الصيني لإفساح المجال كاملا لإحساسه بالملكية والمشاركة في الحوكمة الوطنية، وهي تجسيد مهم للنظام الديمقراطي في الصين، حيث يتم الاستماع بشكل كامل إلى آراء واقتراحات الشخصيات من كافة الأوساط الاجتماعية.
تتماشى هذه النقطة مع المفهوم القديم لاختيار الأشخاص الأكفاء للخدمة العامة في الصين القديمة. كان هناك دائما مفهوم مهم للغاية في الثقافة الصينية مفاده أنه في الحكم الفعال للدولة لا ينبغي أن يكون الملك ديكتاتورا، ولكن يجب أن يستوعب تماما آراء الأشخاص الأكفاء، وأن الشخص، بغض النظر عن خلفيته، يمكن انتخابه لأجهزة الدولة وتولي مناصب حكومية. ومع ذلك، فإن هذا النوع من الانتخابات ليس ما يسمى بـ"شخص واحد صوت واحد" كما هو الحال في الدول الغربية، ولكن من خلال أشكال مختلفة من الترشيح مثل التزكية والفحص والاختبار لاختيار الأشخاص الأكفاء حقا.
بالإضافة إلى النظام الانتخابي، في الوحدات القاعدية على مستوى المحافظة وما دونها، أنشأ الصينيون القدماء أيضا أشكالا مختلفة من الحكم الديمقراطي الذاتي، ومن بينها نظام ميثاق القرية الذي ظهر في فترة أسرة سونغ. ميثاق القرية تنظيم قاعدي مستقل برئاسة شرفاء القرى، يتشكل من المتطوعين من أبناء القرى، وأعضاء التنظيم يرشحون القادة، ويناقشون أعراف القرية والتزاماتها، ويتوسطون في نزاعات أهلها، ويعالجون الشؤون العامة مثل الإغاثة والتعليم والضرائب فيها وما إلى ذلك، وكل ذلك وفقا لمبدأ التشاور الديمقراطي. إلى جانب ذلك، يدعو ميثاق القرية إلى الولاء والوئام والمودة بين الجيران. لعب ميثاق القرية دورا مهما في دفع أبناء الوحدات القاعدية إلى المشاركة بنشاط في إدارة الشؤون الداخلية واستقرار النظام الاجتماعي، وكان أيضا تجسيدا واضحا لروح الديمقراطية في المجتمعات القاعدية في الصين.
تصحيح الانحراف بنظام المؤرخ الإمبراطوري والمراقبة المتبادلة بين السلطات
نظام المؤرخ الإمبراطوري له تاريخ طويل في بلادنا. وتتمثل إحدى وظائف المؤرخ الإمبراطوري الأساسية في مراقبة سلوك الإمبراطور وتصحيح أخطائه. منذ فترة أسرة تشين، تم إنشاء منصب المؤرخ الإمبراطوري رسميا، وكان مسؤولا بشكل أساسي عن المراقبة، وهذا المنصب يشكل مع رئيس الوزراء المسؤول عن الإدارة والقائد الأكبر المسؤول عن الشؤون العسكرية، أجهزة السلطة الثلاثة الرئيسية تحت الإمبراطور. على مدى أكثر من ألفي عام، ثبت واكتمل المنصب باستمرار، وتحول إلى هيئة مراقبة شاملة ذات وظائف واضحة وعمليات مستقلة، مثل جهاز المراقبة الإمبراطوري في فترة أسرتي تانغ ويوان، ومركز التفتيش في فترة أسرتي مينغ وتشينغ. وقد لعب هذا النظام دورا حاسما في تسيير أعمال سلطات الدولة وساهم مساهمات عظيمة في تعديل الأخطاء، وتطهير الحكم من الفساد، وتعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وفي العصور القديمة، امتلك عديد من المؤرخين الجرأة على كشف الأخطاء واعترضوا على الأعمال غير القانونية، غير مبالين بالتضحية بأرواحهم، حتى لقب البعض منهم بـ"المؤرخ الإمبراطوري الحديدي".
الديمقراطية ليست فكرة مجردة، ولكل أمة أفكارها الديمقراطية الخاصة والفريدة في سياق تطورها التاريخي. إن النجاح الهائل الذي تحققه الديمقراطية الشعبية بعملياتها الكاملة في الصين حاليا، لا ينفصل عن الينابيع الثرية لثقافة الديمقراطية في الثقافة الصينية التقليدية الممتازة. وعلى أساس أفكار المحبة والقرب من الشعب واعتبار الشعب أساسا، قام الصينيون القدماء باستكشاف فعال وبناء مثمر لروح ونظام الديمقراطية في العديد من الجوانب، ولا تزال جهودهم ملهمة حتى يومنا هذا. من خلال امتصاص العناصر الغذائية للثقافة التقليدية الممتازة، سيصبح النظام الديمقراطي الصيني أكثر اكتمالا، وذلك سيساهم بمزيد من الحكمة الصينية في تقدم الحضارة السياسية الإنسانية في ظل النظام العالمي الجديد.
*تساو جينغ نيان.. تساو جينغ نيان، باحث في قاعدة أبحاث التبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات الصينية والأجنبية بمعهد كونفوشيوس في مدينة تشيويفو بمقاطعة شاندونغ.
المصدر: البوابة نيوز
إقرأ أيضاً:
رُفعتْ الجلسة
رُفعتْ الجلسة “قصيدة نثر”
بقلمي: إبراهيم أمين مؤمن-مصر
(1) حديث #الميزان المقلوب
من نعيمٍ يُزهِر #الحياة إلى عذابٍ مقيم،
أهكذا حكمتِ؟
أم هي لعبة الأقدار العمياء؟
تُصارعين في جلسةٍ خاطفة،
صرخةٌ تمزق نسيج الأيّام،
وضربةٌ بعصاكِ الثقيلة،
تهدم حلمًا قد وُلِدَ في رحم الليل الطويل.
كيف تقضين؟
أم تستقين دستوركِ من شريعة إبليس؟
كيف تُحوّلين الكمال نقصًا،
وتُخلقين القبح من الجمال؟
يا مَن أحللتِ الملاك شيطانًا،
وسكبتِ كمال الروح في كأس النقصان.
أسلمتِني إلى أحضان الهلاك، حيث تُسكن روحي بين الشياطين.
أيّ قضاءٍ هذا؟
يُبدّل معايير الحياة،
ويُقلب كفتيّ الميزان.
تبا لذاك الحكم الجائر،
ولألف لعنةٍ تصدح في وجه الظلم،
حتى ينهار قصر القهر،
وتعود الكفة لتزن الحقيقة.
(2)
حديث الفناء والعدم
ما كنتُ لأحكم بقلبكِ،
لكنّكِ أنزلتِ صاعقةً أشعلت ظلام روحي،
وتركتني عالقًا في رحم ذكراكِ،
حبّي لكِ… ليس اختيارًا،
بل هو نبضٌ ينسابُ في دمي،
وزفرةُ روحٍ تنادي باسمكِ في أبديةِ الصمت.
أنتِ…
جزءٌ لا يفنى منّي،
الفرح يتألّق في وهج قربكِ،
والألم يطول في مسافات الغياب.
إذا فقدتكِ،
تسقطُ السماءُ على روحي،
وإذا امتلكتُكِ،
تفيضُ الدنيا حياةً في صدري.
أنتِ الضوء الذي يغزل فجرًا من ظلام أيامي،
وأنتِ الماء الذي يروي عطشي الأبدي،
حتى حين تذوب الأحلام في نهر الليل،
تشرقين في داخلي كما لا يُشرق أحد.
(3)
حديث الدفاع
اسمعي دفاعي،
ما كنتُ يومًا صخرًا أصمًّا،
بل كان صوتي يُسبّح بحبّكِ،
فتألّق كبرياؤكِ كالقمر فوق أمواج البحار.
تأمّلي عينيّ،
أما رأيتِ فيهما نورًا شقَّ طريقه عبر وسادتكِ المعتمة؟
وحين كانت يداي تحتضنكِ،
ألقيتُ بكِ في حضن الملائكة،
هاربًا بكِ من شباك صيّاد لا يرحم.
وقدماي، لطالما حملتكِ،
تسابق بكِ الرياح إلى جنانٍ لم ترَها عيناكِ قطّ،
جنات تُزهر بألوان الأمل.
والآن،
هل يمكن للفراق أن يغلبنا؟
ألا نلتقي مرة أخرى،
لتصدّقي تاريخي المكتوب بنبض قلبي؟
ولتأويني في رحِم روحكِ، كما كنتُ أول مرة.
(4)
حديث الصاعقة
حين رفعتِ كفّكِ وأعلنتِ القرار،
كان صوتكِ كسيفٍ يشقّ الضباب،
فتصدّع كياني،
وتهاوت جدران قلبي كقلعةٍ عتيقةٍ،
تُحطّمها موجةُ زحفٍ لا يرحم.
غادرتِني،
وتركتِني واقفًا على حافة العدم،
حيث الصمت يحتضن صدى خطواتكِ،
يضيع في متاهة الزمان.
كأنني ورقةُ خريفٍ،
اقتُلِعت من غصنها،
تتلوّى في الهواء،
باحثةً عن أرضٍ تحتضنها أو تبتلعها.
لم أصرخ،
فصوتي كان مكبّلًا بقيود الحيرة،
لكن دمي فاض في عروقي صراخًا،
وكل خليةٍ فيّ شهقت ألماً.
رأيتُ العالم ينطفئ من حولي،
أضواءه تتلاشى واحدًا تلو الآخر،
حتى أصبحت عيني سجينة ظلامٍ أبدي.
وأخيرًا،
أصبحتُ قفصًا من العذاب،
أسيرًا في محكمة الفقد،
حيث لا حكمَ إلا الألم،
ولا قاضٍ إلا الذكريات.
(5)
حديث اللعنة
انشقت السماء لسطوة حكمكِ،
وخطف برقها الأبصار،
تصلّبت الصخور ذُعرًا أمام قسوتكِ،
وارتجّت الأرض من وطأة الألم،
وفرّ النور مذعورًا، ليذوب في أحضان العدم.
دفنتِ العدالة تحت ركام الغاب،
وأعلنتِ شريعة الوحش والدم،
وتظنّين أنكِ أصبتِ!
لكنّ التاريخ سيحكم عليكِ، بجلد السنين،
وسيلعنكِ في كل صفحةٍ من صفحاته.
أنا، سأكتب عنكِ،
وسأظلّ أكتب،
حتى لو نفدت أحبار الوجود،
سأكتب بدمائي على جبين الأبد،
وأجعل الثقلين يشهدون خطاياكِ،
كما يلعنون إبليس،
في المشرقين،
وفي المغربين.
(6)
حديث الفجر الجديد
لا زلتُ أخيط العزيمة،
أجدلها خيطًا خيطًا،
أنسج من صبرها حبالًا لا تنقطع،
تحلق بي بعيدًا عن أشواك الطريق وأفخاخ الظلام.
لن أستسلم،
سأغمر جراحي العميقة بآياتٍ
تشفي الألم،
وتُبدّد الظلم،
وتطرد شياطين البؤس من روحي.
لن أستسلم،
سأبني سماءً جديدة، ليست كسحبكِ المظلمة،
بل كسحب غيثٍ يروي وجوه الموتى بابتسامة،
ويضيء ليلي بنجوم الأمل الساطعة.
سأشق أرضًا ليست كأرضكِ،
فأرضكِ مزقتها الزلازل،
ودروبها أشواكٌ تمتصُ الرقاب،
لكن أرضي… ستكون خضراء،
تنبت أحلامًا ناضجة،
تمدّني بالقوة في كل خطوة.
لن أستسلم،
سأُبصر في العتمة ببصيرتي،
وأشقُّ طريقي بنورٍ لا يُطفأ،
حتى أكتب على وجه الحياة حكاية فجري الجديد.
(7)
حديث الولادة
من أعماق السماء،
يصرخ الأمل،
يُلوِّح بشُعلة النصر،
تتوهّج في قبضته.
تشقّق صدر الغمام،
وأطلّت الشمس مودّعةً عتمة الليل البهيم،
لتفيض شفاهُها بماء الحياة،
ينثر قطراته الأولى على أرضٍ عطشى،
يسقي جذوري الذابلة بالخُضرة والنماء.
تصغي أذني لصهيل الخيول،
جيادٌ تعانق أفق البطولة بنشوة الانتصار،
وأنا أهتف: تعالَ، أيها الفارس!
فالتاريخ ما زال ينتظر خطاك،
والمعركة لم تطوَ صفحاتها بعد،
وأحلامنا الجريحة تضيء جراحها بنور الخلود،
وترتوي من دموعك أملاً لا يفنى.