تضع بعض الأفلام النقاد ولجان الجوائز في حيرة شديدة حين تكون شديدة التقليدية لا تخرج عن دائرة المعتاد والمتوقع والقديم، لكن أحد عواملها يتميز بشكل مبهر، فيستحيل تجاهلها بالكامل، ويصعب التغاضي عن عيوبها في ذات الوقت.

ينتمي الفيلم الأميركي "نياد" (Nyad) إلى ذات الدائرة؛ فالفيلم مرشح لجائزتي أوسكار عن فئة أفضل ممثلة وأفضل ممثلة مساعدة، كما لو أن في هذين الترشيحين إشارة واضحة لأهم ما يميز العمل الذي لولا أداء الممثلتين الرئيسيتين لأصبح كأن لم يكن.

اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4نجمة هوليود سوزان ساراندون: الحديث عن حقيقة ما يجري في غزة قد يفقدك رزقك وأصدقاءكlist 2 of 4في فيلم "القصاص".. بعض الضحايا خونة أيضاlist 3 of 4“الحب المنسي”.. فيلم يقف على حافة الميلودراماlist 4 of 4فيلم “طريق اليأس”.. ميل غيبسون يعود للأكشن بشكل جديدend of list

أخرج فيلم "نياد" الزوجان جيمي تشين وإليزابيث تشاي فاسارهيلي، وهو من بطولة أنيت بينينغ وجودي فوستر وتأليف جوليا كوكس اقتباسا عن مذكرات الرياضية ديانا نياد التي نشرتها عام 2015، ويُعرض حاليا على منصة "نتفليكس" بعد عرضه الأول في مهرجان "تيلوريد" السينمائي.

سباحة إلى المستحيل

يبدأ الفيلم بتعريف مشاهديه ببطلته السباحة "ديانا نياد" (أنيت بينينغ) التي استطاعت في شبابها سباحة مسافات طويلة وتحقيق العديد من الإنجازات الرياضية شبه المستحيلة، لكنها عجزت أمام التحدي الأهم في حياتها، وهو سباحة المسافة ما بين كوبا وفلوريدا، وقد حاولت ذلك وهي في الثلاثينيات من عمرها، وعندما فشلت في إكمال التحدي خرجت من البحر مقررة الاعتزال، لتعمل حتى اقترابها من الستينيات كمحللة رياضية، وتعيش حياة تختلط فيها مرارة إحباط الأحلام غير المحققة مع أشباح من الماضي تزورها لتنغص عليها أيامها.

تستعيد ديانا العجوز حلمها القديم في إحدى الليالي، وتقرر إحياءه بمساعدة صديقتها مدربة اللياقة البدنية بوني ستول (جودي فوستر)، ويعارض الجميع في البداية هذا الأمل المستحيل، فهي ليست بالستين من عمرها فحسب، بل إنها لم تمارس السباحة منذ عقود أيضا، هذا بالإضافة لصعوبة سباحة هذه المسافة على الأخص ما بين فلوريدا وكوبا (177 كيلومترا) نتيجة لتيارات المياه المتغيرة والكائنات البحرية القاتلة ومنها أسماك القرش.

لا تعرف نياد المستحيل، لذلك تحاول عاما بعد الآخر حتى تتمكن من تحقيق حلمها في النهاية، ويتتبع الفيلم هذه المحاولات واحدة تلو الأخرى، والمعوقات التي يحاول فريقها التغلب عليها باستخدام التكنولوجيا الحديثة أحيانا، وخبرات العاملين والسكان المحليين في كوبا أحيان أخرى، مستعرضا شخصية البطلة المتمحورة حول ذاتها وأحلامها بلا اهتمام حتى بتأثير حلمها هذا على صديقتها المفضلة التي تركت عملها وبلدها فقط لتتبع ديانا في مركب صغير خلال سباحتها الطويلة، وتشاهدها تتعرض للموت كل دقيقة تقريبا.

تصارع "نياد" في الفيلم تيارات المياه الصعبة لدرجة الاستحالة، وتشكك الآخرين في قدرتها على تحقيق الإنجاز بالنظر إلى كبر سنها، لا سيما أنها لم تحقق هذا الحلم وهي في أوج شبابها ونجاحها، ويستكشف شعور النساء بالوحدة في هذا العمر، ممثلا هذه الوحدة بما يشعر به أي سباح في الماء بعيدا عن أي اتصال بشري.

عمل شبه روائي وشبه وثائقي

يعتبر "نياد" الفيلم الروائي الطويل الأول لكل من جيمي تشين وإليزابيث تشاي فاسارهيلي، حيث قدما من قبل أفلاما ومسلسلات وثائقية من أشهرها فيلم "متسلق فردي حر" (Free Solo)، الفائز بجائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي، ويتتبع متسلق الجبال آليكس هولاند خلال رحلته الوعرة لتسلق حائط الكابيتيان في يوسميتي، والذي يبلغ ارتفاعه 914 مترا (3 آلاف قدم)، وذلك بدون حبال أو ملابس آمنة، ليصبح أول شخص في التاريخ يحقق هذا الإنجاز.

يبدو فيلم "نياد" بالتالي -رغم طبيعته الروائية واعتماده على نص أدبي- كامتداد لنوع الأفلام المفضلة للمخرجين، فهو يتناول قصة رياضية حقيقية ومسعاها لتحقيق إنجاز تاريخي شديد الخطورة، تخلت خلاله عن العديد من عناصر الأمان المستخدمة في مثل هذه الرحلات مثل الأقفاص الحامية من القروش.

الممثلة الأميركية جودي فوستر في فيلم "نياد" (آي إم دي بي)

على الجانب الآخر انعكست خبرة المخرجين في تصوير الأفلام الرياضية على التصوير، ويظهر ذلك جليا في المشاهد التي تصور البطلة خلال سباحتها في البحر المفتوح، وتناول الحياة البحرية التي لا تمثل فقط أخطار تتعرض لها نياد؛ بل أيضا العالم الذي تشعر خلاله بالاندماج التام مع الطبيعة.

يتضح هذا الانسجام بين الشخصية الرئيسية والبحر المفتوح من أداء الممثلة آنيت بيننغ التي تبدو أكثر سلاما بينما تتعرض للأخطار الجسدية في المياه، على عكس التوتر والعنف الذي يميزها خلال وجودها على البحر، لتبدو كاسم على مسمى، فكلمة "نياد" ذات أصل يوناني وتعني "حورية البحر".

قصة الهزائم وقصص الانتصارات

تبدو قصص الانتصارات دوما مثيرة، بينما في بعض الأحيان قصص ما بعد هذه الإنجازات هي الأكثر إثارة، ينطبق ذلك على قصة "ديانا نياد" وسباحتها من كوبا إلى فلوريدا، التي أصبحت وقتها محل اهتمام الإعلام وحتى الأشخاص العاديين غير المهتمين بالسباحة في الأوقات العادية، فهي ليست فقط منجز رياضي لم يحدث من قبل، ولكن قامت به امرأة تعدت الـ60 من عمرها، ودخلت بفضله موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية.

تظهر القصة براقة لأول وهلة، بينما في الحقيقة يخبو هذا البريق سريعا بعدما تعلن الجهات المعنية بهذا النوع من المنجزات الرياضية عن عدم يقينها من إتمام نياد السباحة دون تدخل فريقها، خصوصا مع غياب 9 ساعات من السجلات الرسمية للرحلة، ووصولها في وقت أبكر من المتوقع.

حاولت نياد وفريقها إقناع هذه الجهات بصدق رحلتها، ولكن حتى كتابة هذه السطور لا تزال هذه السباحة تُعد بمساعدة الفريق وليس سباحة فردية تماما كما حلمت ديانا وأعلنت بعد منجزها، وعلى هذا الأساس تم إزالة اسمها من موسوعة "غينيس".

تجاهل صنّاع الفيلم هذه الشكوك تماما، وتوقف السرد بوصول البطلة إلى بر الأمان، واحتفالها مع فريقها، بينما يستعرض الفيلم فيما بعد تترات النهاية لقطات وثائقية للسباحة الحقيقية وهي تنشر أفكارها الإيجابية المضادة لقيود العمر.

أدى هذا التجاهل لأحداث ما بعد النهاية إلى جعل الفيلم تقليديا إلى حد بعيد، مجرد قصة نجاح وانتصار تأتي بعد تدريبات وتحدي المستحيل، قصة معادة ومكررة قدمها المخرجان في أفلام سابقة، وتم سردها عبر سرد خطي والقليل من مشاهد الفلاش باك، ولولا الأداء شديد التميز للبطلتين لما استحق الفيلم أي ترشيحات للجوائز أو حتى اهتمام المشاهدين.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ما بعد

إقرأ أيضاً:

دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي تتعاون مع مبادلة لإطلاق برنامجين ثقافيين

أطلقت دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي ومبادلة، من خلال مؤسسة مبادلة، مبادرة «حياة مليئة بالفن» و«مسابقة بيت الحِرفيين للتصميم»، في إطار اتفاقية التعاون بين الجهتين على مدى الأعوام الخمسة المقبلة، لتعزيز المشهد الثقافي الحيوي في الإمارة.

وتدعم مبادرة «حياة مليئة بالفن» أهداف التعاون بين الجانبين، الذي يتمحور حول التنمية المجتمعية وتعزيز الجهود المبذولة لتحقيق الاندماج المجتمعي في ساحة الفنون. ويتضمَّن برنامج المبادرة أنشطة شاملة تقام على مدى العام، ومخصَّصة لتحفيز المواطنين من فئة كبار السن إلى المشاركة في الأنشطة الثقافية وتعلُّم الفنون.

وتكتسب أنشطة التعلُّم الثقافي أهمية خاصة في حياة المواطنين من كبار السن، حيث تؤدّي دوراً رئيسياً في الحفاظ على وظائف الإدراك، وتعزِّز الإحساس بوجود هدف في الحياة والشعور بالانتماء، وتُسهم في الحدِّ من مشاعر العزلة. وبناءً على الدور الحيوي للفنون وإسهامها في تعزيز الرفاهية والسلامة العامة، يهدف البرنامج إلى إشراك كبار السن في الأنشطة الإبداعية التي تحفِّز عقولهم، وتعزِّز علاقاتهم الاجتماعية والتفاعل مع محيطهم، حيث تتيح لهم أنشطة البرنامج فرصة استكشاف مواهبهم الفنية، ومشاركة تجاربهم، وبناء علاقات قوية وروابط هادفة مع أقرانهم.

ويشارك الفنانون القائمون على تنفيذ فقرات البرنامج في جلسات تدريبية متخصِّصة تركِّز على أفضل أساليب دعم كبار السن وتفعيل مشاركتهم المؤثِّرة، ما يُسهم في استعداد الفنانين لتحفيز التعبير الفني عند كبار السن، سعياً إلى إثراء حياتهم وتعزيز الشعور بالراحة والرفاهية.

وترعى مؤسَّسة مبادلة «مسابقة بيت الحِرفيين للتصميم»، التي طوَّرها ونفَّذها «بيت الحِرفيين»، وتهدف إلى الاحتفاء بالتراث الغني والحِرف اليدوية الإماراتية التقليدية، وتعزيز مجالات الابتكار الفني، وتصميم الأثاث، ودعم الحِرفيين من خلال الارتقاء بمعارفهم ومهاراتهم الفنية والإبداعية. ويستهدف البرنامج الطلبة الموهوبين والمبدعين والفنانين والمصممين من مواطني دولة الإمارات أو المقيمين فيها، لعرض إبداعاتهم من خلال تصميم وتنفيذ قطع فنية تعكس الماضي والحاضر وتعيد روابطهما. وتُسلِّط هذه القطع الفنية الضوء على المهارات الحِرفية، وفي الوقت ذاته توسِّع حدود التصميم الابتكاري المعاصر.

وقال سعادة سعود عبدالعزيز الحوسني، وكيل دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي: «يسعدنا إطلاق برنامجين جديدين في إطار شراكتنا الممتدة لخمسة أعوام مع مؤسَّسة مبادلة. وستسهم هذه البرامج في تحقيق الاندماج المجتمعي على نطاقٍ واسعٍ في دولة الإمارات، حيث نستهدف من خلالها شرائح متنوّعة من المجتمع، بدءاً من الطلبة الواعدين وحتى المواطنين كبار السن. وتعكس هذه البرامج التزامنا المتواصل بتعزيز القطاع الثقافي والإبداعي في أبوظبي، وتسهم في توسيع نطاق إمكانات وتأثير قطاعنا الثقافي. وستوفِّر هذه البرامج، من خلال التعلم الفني والثقافي، منصة لكبار السن للتعبير عن الذات وتعزيز تواصلهم المجتمعي».

وأضاف سعادته: «ندعو، من خلال مسابقة التصميم، الطلبة والفنانين والمبدعين والمصممين الطموحين في المنطقة للمشاركة في هذه الفرصة المبتكرة وتحدي أنفسهم، من خلال إعادة تصوُّر دور التراث وتأثيره في التصميم المعاصر».

وقال حميد الشمري، نائب الرئيس التنفيذي للمجموعة، والرئيس التنفيذي للشؤون المؤسسية والموارد البشرية في شركة مبادلة للاستثمار: «تؤكِّد هذه الشراكة المهمة التزامنا بإثراء الحياة الثقافية المتنامية في أبوظبي، ودعم مجتمعاتنا من خلال التعلُّم والفنون. ومن خلال جهودنا المشتركة، ستسهم هذه المبادرات كثيراً في المنظومة الشاملة للفنون والثقافة في الإمارة، ما يُحدِث تأثيراً إيجابياً على المستويين المحلي والعالمي. وتعمل هذه المبادرات على الارتقاء بالأنشطة الثقافية في أبوظبي، وتؤسِّس علاقات ثقافية مفيدة وتنتج أعمالاً فنيةً مبتكرة تعبِّر عن تراثنا الغني».

وقال منصور الكتبي، ممثِّل مؤسسة مبادلة والمدير التنفيذي للخدمات الرقمية والمؤسَّسية في شركة مبادلة: «نفخر بشراكتنا في هذه المبادرات المؤثِّرة التي تعكس التزامنا بتعزيز التنمية المستدامة وتمكين المجتمع. ومن خلال رعاية المواهب الفنية لكلٍّ من كبار السن وجيل الشباب، سنتمكَّن من إحداث تغيير إيجابي يدوم أثره في مجتمعنا».

وقالت ريتا عون، المدير التنفيذي لقطاع الثقافة في دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي: «تتمحور مهمتنا في قطاع الثقافة في أبوظبي حول إرساء ونشر المعرفة الثقافية من خلال مجموعة متنوّعة من البرامج، التي تهدف إلى إثراء مجالات التعبير الفني وبناء القدرات. ونعمل على تمكين الشباب للاستفادة من القوة التحويلية للفن، إلى جانب توفير منصة لكبار السن للاستكشاف الإبداعي. وتتيح شراكتنا مع مؤسَّسة مبادلة، التي تشاركنا التزامنا بتنمية وتطوير المجتمع وتعزيز الابتكار الفني والتعبير، إطلاق موجات جديدة من الإبداع وصولاً إلى مشهد ثقافي نابض بالحياة للجميع».


مقالات مشابهة

  • 17 ألف زيارة منزلية لـ «كبار السن وذوي الهمم» بالشرقية
  • مع تقلبات الجو.. اكتشف أعراض الالتهاب الرئوي وعلاجه
  • حياة مشتركة| دمج دور الرعاية والمسنين.. هل يمكن تطبيق الفكرة في مصر؟
  • "عايزة اساعدكم".. قرار قضائي ضد المتهمة بسرقة كبار السن في مدينة نصر
  • سياحة أبوظبي تتعاون مع مبادلة لإطلاق برنامجين ثقافيين
  • دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي تتعاون مع مبادلة لإطلاق برنامجين ثقافيين
  • تحذير من استخدام "باراسيتامول" لعلاج هشاشة العظام
  • دمج دور الرعاية والمسنين.. هل يمكن تطبيق الفكرة في مصر؟
  • يوم مفتوح لكبار السن بـ"تقنية مسقط"
  • مقترح قانون لتحديد السن القانوني للأطفال في 16 سنة لولوج مواقع التواصل الاجتماعي