صورة «البشير» تتصدر غلاف كتاب عن الفساد والديكتاتورية
تاريخ النشر: 8th, March 2024 GMT
الأنظمة الاستبدادية لديها أسباب قليلة واضحة للتحقق من الفساد: يمكن قمع المعارضة السياسية، والمساءلة الرسمية ضعيفة
التغيير: كمبالا
تصدرت صورة الرئيس السوداني المعزول عمر حسن أحمد البشير، غلاف كتاب صدر عن دار كامبيردج للنشر، يتناول بالتحليل موضوع الفساد وعلاقته بالأنظمة الديكتاتورية عالميا وتاريخيا.
الكتاب عبارة عن مجموعة أبحاث ودراسات أكاديمية متخصصة أعدها باحثون وكتاب وأساتذة جامعيين وخبراء اقتصاد معروفين على مستوى العالم.
وفي التعريف بالكتاب نقرأ: “يتحدى المؤلفون الفكرة المقبولة على نطاق واسع بأن الديكتاتوريات مرادفة لمستويات عالية من الفساد، ويستكشفون سبب عرض بعض الأنظمة الاستبدادية لمستويات عالية من الفساد بينما لا تظهرها أنظمة أخرى. وباستخدام دراسات حالة من الأردن وماليزيا وأوغندا، قاموا بدراسة العوامل السياسية والاقتصادية التي يعتقدون أنها تثبط الفساد.
ونقرأ أيضا: “تطرح فينيتا ياداف وبومبا موخرجي سؤالاً مهماً: لماذا تكون بعض الأنظمة الاستبدادية أكثر فساداً من غيرها؟ ففي نهاية المطاف، مقابل كل سنغافورة هناك زيمبابوي أو اثنتين. ويرى المؤلفان أن الأنظمة الاستبدادية تقلل الفساد عندما تتحالف جمعيات الأعمال الصغيرة مع أحزاب المعارضة “في المجلس التشريعي للضغط على هذه القضية. ولدعم حجتهم، يقدمون أدلة من التحليلات واسعة النطاق عبر الوطنية ودراسات الحالة المصممة بذكاء. إن سياسة الفساد في الديكتاتوريات، التي تم طرحها بوضوح وأبحاثها الغنية، تستحق جمهورًا واسعًا. ”
ومن المقدمات التعريفية بالكتاب نقتطف: الأنظمة الاستبدادية لديها أسباب قليلة واضحة للتحقق من الفساد: يمكن قمع المعارضة السياسية، والمساءلة الرسمية ضعيفة، والفساد يمكن أن يكون مربحا لمن هم في القمة. ولكن من خلال تحليل البيانات ودراسات الحالة يرى ياداف وموكيرجي أن “من الواضح أن كل هذه الأنظمة خفضت الفساد إلى درجات ذات معنى. والدروس المستفادة من هذا التحليل الرائع مهمة لكل من السيطرة على الفساد وكيفية فهم الأنظمة الاستبدادية: فالإصلاح لا يحتاج إلى انتظار التحول إلى الديمقراطية، ويمكن العثور على فرص مكافحة الفساد في أماكن غير متوقعة”.
يذكر أن ثورة شعبية تمكنت من الإطاحة بحكم عمر البشير في 11 ابريل 2019 بعد أن اعتصم الثوار الغاضبون أمام مقر قيادة الجيش مطالبين برحيل النظام، مما دفع الجيش إلى الاستجابة لمطالبهم. وتم توقيف البشير وإيداعه سجن كوبر في الخرطوم.
واندلعت التظاهرات ضد نظام البشير في ديسمبر 2018 بعد قرار حكومي برفع سعر الخبز ثلاثة أضعاف قيمته.
وحكم البشير السودان متحالفا مع الإسلامين لمدة ثلاثين عاما، شهدت خلالها البلاد انفصال جنوب السودان، واندلاع العديد من الحروب الداخلية، وتدهورا غير مسبوق للاقتصاد السوداني.
ويعد عمر البشير أهم المطلوبين في ملف دارفور لدى محكمة الجنايات الدولية، في تهم تتعلق بالابادة الجماعية، وجرائم ضد الإنسانية.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية في العام 2009 مذكرة توقيف في حق البشير الذي اتهمته بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال النزاع المسلح في دارفور الذي اندلع في 2003 وقتل خلاله أكثر من 300 ألف شخص.
الوسومالديكتاتورية الفساد دارفور عمر البشير
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الديكتاتورية الفساد دارفور عمر البشير
إقرأ أيضاً:
هل ينتزع نتنياهو بالقمة ما عجز عنه بالقنابل؟
يجتمع اليوم قادة العرب وملوكهم في القاهرة، حيث تنعقد قمة عربية يُرتقب أن تصدر عنها قرارات مصيرية تتعلق بأخطر القضايا وأشدها حساسية، وفي مقدمتها المخطط الإسرائيلي لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية، وتحويل القطاع إلى “ريفيرا” سياحية، في إطار رؤية تتغذى على العدوان والاستيطان والتهويد. هذه القمة تُعقد في ظل ضغوط أمريكية وإسرائيلية هائلة، تهدف إلى فرض واقع جديد يُقصي المقاومة ويعيد رسم خريطة فلسطين وفق أجندات الاحتلال، بينما تقف الأنظمة العربية أمام اختبار تاريخي مفصلي: بين الإذعان أو المواجهة، بين الإرادة أو الخضوع.
نحن أمام مشروع استعماري جديد، امتداد لوعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو، يراد منه طيّ صفحة القضية الفلسطينية إلى الأبد، وتشتيت الفلسطينيين في دول الجوار، وإعادة رسم الخرائط والحدود عبر اقتطاع المزيد من الأراضي العربية في فلسطين ولبنان وسوريا والأردن ومصر، وربما حتى داخل العمق الخليجي. إنه مخطط يستهدف ليس فقط الشعب الفلسطيني، بل الأمن الإقليمي العربي برمّته.
لم يكن الطريق إلى القاهرة معبّدًا ولا خاليًا من التوترات، فقد سبقته قمة مصغرة في الرياض، جمعت دول مجلس التعاون الخليجي ومصر تحت مسمى “الاجتماع الأخوي”، لكنه بدا في مضمونه خطوة لتهميش الجزائر، التي رأت في استبعادها تجاوزًا لدورها السياسي، فجاء ردها صارمًا برفض الرئيس عبد المجيد تبون الحضور، مكتفيًا بإرسال وزير خارجيته، في موقف يعكس التصدع العميق في الصف العربي، الذي لم يستطع حتى الاتفاق على مبدأ موحّد قبل القمة.
في المقابل، كان بنيامين نتنياهو أكثر وضوحًا في رسائله، إذ استبق القمة بتشديد الحصار على غزة، ملوّحًا بتجديد العدوان، في إشارة إلى أن القادة العرب لن يكون أمامهم سوى الإذعان، وأنهم، مهما ارتفعت أصواتهم، سيعودون إلى قيودهم، ويسيرون في المسار المرسوم لهم. يدرك نتنياهو أن الأنظمة العربية، رغم مواقفها المعلنة، ستجد نفسها عاجزة عن تجاوز الخطوط الحمراء التي ترسمها واشنطن، مهما أبدت من رفض واستنكار.
وفي الظاهر، يتجه الموقف العربي إلى رفض التهجير، كما عبّرت عنه مصر والأردن والسعودية، إذ إن هذا السيناريو لا يهدد فلسطين وحدها، بل يهزّ استقرار الأنظمة نفسها، التي تدرك أن تهجير الفلسطينيين يعني خلق قنبلة ديموغرافية وسياسية قد تعصف بها. غير أن هذا الرفض، مهما بدا حاسمًا، يظل موقفًا تكتيكيًا في لعبة أكبر، حيث لا يقتصر المخطط على التهجير، بل يمتد إلى تنفيذ “اليوم الموالي”، وفق الرؤية الأمريكية - الإسرائيلية، التي تسعى إلى اجتثاث المقاومة، وإعادة بناء غزة وفق أسس تضمن ألا يكون فيها صوت يعترض، ولا يد تقاوم، ولا إرادة ترفض الهيمنة. ذلك كله تمهيدٌ لمرحلة جديدة من التمدد الاستيطاني، وصولًا إلى تحقيق الحلم الصهيوني بإسرائيل الكبرى، التي لم تعد مجرد رؤية متطرفة، بل مشروعًا ممهورًا بمباركة أمريكية علنية.
بعد أكثر من عام ونصف من حرب ضارية، وقفت إسرائيل أمام حقيقة مريرة حاولت إنكارها طويلًا: عجزها عن تحقيق أهدافها الكبرى بالقوة العسكرية. فشلت في القضاء على المقاومة، وفي استعادة أسراها عبر القوة المسلحة، وفي بسط سيطرتها المطلقة على غزة كما خططت في بداية العدوان. لكنها، وكعادتها، لا تعترف بالفشل، بل تعيد ترتيب أدواتها، مستندة إلى نهج قديم جديد: ما لا يُفرض بالقوة، يُنتزع بالدبلوماسية، وما لا يأتي بالحصار، يُفرض بالإملاءات والتنازلات المدعومة بغطاء أمريكي غير محدود.
وهنا يأتي الدور المطلوب من الأنظمة العربية، إذ يُراد لها أن تحقق لإسرائيل ما لم تستطع تحقيقه بالقوة، أن تنفذ أجنداتها عبر السياسة، فتكون الجسر الذي تعبر من خلاله المشاريع الصهيونية، لا السد الذي يصدّها. لكن هذه الأنظمة، في جوهرها، مكبّلة بالتبعية، عاجزة عن اتخاذ قرارات تتعارض مع الإرادة الأمريكية. بعضها يحتضن القواعد العسكرية الغربية، وبعضها يعتمد في اقتصاده على المساعدات الأجنبية، وأغلبها أنظمة استبدادية تخشى شعوبها أكثر مما تخشى أعداءها، وتخوض معاركها الحقيقية داخل حدودها، وليس خارجها.
ولذا، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا أن تخرج قمة القاهرة بموقف مزدوج: رفض التهجير في العلن، والقبول الضمني بمخطط “اليوم الموالي”، من خلال إعادة إعمار غزة وفق الشروط الأمريكية - الإسرائيلية، بما يضمن القضاء على المقاومة، ويفتح الطريق أمام الهيمنة المطلقة للاحتلال. وهذا بالضبط ما يريده ترامب وإدارته، برفع سقف المطالب إلى التهجير، ليحصل على تنازلات أقل، لكنها كافية لإخضاع غزة وتوسيع النفوذ الإسرائيلي في المنطقة.
غير أن هذه التسوية، إن تمت، لن تضمن استقرار الأنظمة العربية، بل ستضعها في مواجهة مباشرة مع الشارع العربي، الذي لا يزال يرى في القضية الفلسطينية معيار الشرعية الأهم، واختبار المصداقية الحقيقي. فالأنظمة التي تفرّط بفلسطين لا تفرّط في قضية بعيدة، بل في شرعيتها ووجودها ذاته، وتفتح على نفسها أبواب الغضب الشعبي، الذي وإن بدا صامتًا اليوم، فهو لا ينسى، ولا يغفر.
قمة القاهرة ليست مجرد اجتماع عربي عابر، بل لحظة مفصلية تحدد مستقبل المنطقة: إما أن يثبت العرب أنهم ما زالوا أصحاب قرار، أو أن يكرّسوا تبعيتهم المطلقة، ويوقعوا بأيديهم شهادة عجزهم.
لكن، ومهما تكن مخرجات القمة، فإن التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تغفر، والحقائق لا تُطمس، حتى لو تواطأ العالم بأسره. ففلسطين ستبقى بوصلة الأمة، ومن يفرّط بها، يكون قد فرّط بوجوده وبأساس شرعيته.