مرتضى الغالي
"عماره" الرمز الأبرز في قبيلة الشكرية اصدر الخليفة عبدالله أمراً بإعدامه...وفي مخاطبته للخليفة وشفاعته لابن عمه عماره ينسج الحردلو استئنافاً شعرياً حميماً للاسترحام (clemency):
من قومة الجهل ولداً مميّز عومو
حافلات اللبوس فيهن بغزّر كومو
خليفة المنتظر..عماره أغفر لومو
جاك كبش الضحيه الليله آخر يومو.

.!
Here he’s standing before you, like a sacrificial lamb..!
وأخيراً عندما عفا الخليفة عن عمارة..سأل أحد الحاضرين بالمجلس الحردلو سؤالاً استنكارياً عن قيمة عمارة التي استحق بها هذا المديح العالي؛ كانت إجابة الحردلو:
إن أداك وكتّر ما بقول أديت
أب درق الموشّح كلو بالسوميت
أب رسوه الـ بكُر حجّر ورود "سيتيت"
كاتال في الخلا..وعُقباً كريم في البيت..!
Intimidating like a lion blocking access to River Setit
A fierce fighter in battle, yet hospitable at home..!
(أيش رأيك)..؟!
**
لاحقاً أرسل الخليفة عبد الله الحردلو ليعمل مساعداً لعامله قي الجنوب الشرقي من البلاد ، ويبدو أن الحردلو عانى من أيام صعبة تحت إمرة عامل الخليفة (ود البصير) بتكليفه بأعمال تحميل الجمال بجوالات الذرة ..وتوزيع حمولات الجمال على مواقع مختلفة عبر الحدود الشرقية..(الاستحقار) وهذه المعاملة الخشنة دفعت الحردلو إلى نفثات مريرة وأشعار حامضة في "ود البصير":
كان للمهدي داك..ولداً قدل فوق عزه
حت ود البصير سوانا في ...... وزّه..؟!
Now even Wad al-Basir
has squeezed us into goose asshole..!!
**
يروي الشاعر الشعبي (إبراهيم العبادي) لمحات فطنة من هذه المواقف الخطيرة الذي تأرجحت فيه مشاعر الحردلو بين الشفقة على أخيه عماره ومناصرة جماعة الخليفة شريف، وبين الخشية على وضع أسرته وأقاربه وعلى نفسه..وهو بين التصريح والتلميح وإضمار الغضب..ورجاء شفاعة الخليفة ومحاولة استرضائه ؛
قال إبراهيم العبادي: (الحردلو جا يستشفع في مسألة الخليفة شريف وقف قدام خليفة المهدي قال ليهو:
فوق لِقا فوق مَحل في الجايه ما بتتمحّن
فراج كُربة الهم القبايلو يزحّن
وكِت حسناتك السَيتِن قبيل ما صحّن..
صبر ايوب بتتقل- بو الليالي إن شحّن..!
يواصل العبادي: قام خليفة المهدي انصرف عن الحردلو.. قبّل منّو غادي...بعد دا الحردلو ضِمِن خلاص إنو اتختّ في (البلاك لست)...راح لفّ قدام خليفة المهدي.. جاهو تاني وقال ليهو مادحاً ومعتذراً:
عجل البُربُره الوقّف قرونو شراتي
نطح الصومعه..ولي اماتو جايي يتاتي
وقت الطَر مرق ركب السديس العاتي
والله البواردك في مشارعك خاتي...!!
**
صدى هذا المزاج (المانخولي) الحزين هيمن على معظم شعر الحردلو في العقدين الأخيرين من حياته خلال تلك الفترة الصعبة في المنفى وهي التي أرسل فيها مربعات الحنين الشهيرة:
البارح رقادي كسيده فوقا بريش
راكوبتاً تجيب صقطه ومعاها رِشيش
اللحماني ما أشهّل جمال العيش
هنهيناً بسوّنو الصباح بيشيش..!
On a palm frond bed and a straw mat..
I spent a sleepless night,
my shed hardly offering any shield from cold and rain
All night long haunted by their sweet coquettish whisper,
I couldn’t get in time to load sorghum on camels
صعب أمر هذا (الهنهين) وأصوات الغنج النسائية في آخر الليل..!!
**
وصل هذا المزاج السوداوي إلى ذروته في السنوات القليلة قبل وفاته عندما فقد كل أملاكه حتى اضطر لبيع سيفه مقابل بضع قبضات من حبوب العيش..!
إنه يصف كيف أنه وقد كان مالكاً مزهواً بقطيع ضخم من الأبقار انحدر إلى أن يعدم المليم..!
بعد أم بوح تقطط جامت العداد
بِعت "أب نامه" بي قيمت عشرت أمداد
إن جادت بـ خيت العنكبوت تنقاد
وأن عاقت تقطّع سلسل الحداد..!
الشطران الأخيران أصبحا من الأمثال السودانية السائرة..
حقاً هكذا الدنيا..!!:
Truly, life can be tame enough
to be led by a spider’s thread,
But it can also be stubborn enough
to break free from steel reins..!!
**
في براعة المخرج السينمائي يختار الحردلو فصلاً ختامياً يدفع بهذه التراجيديا إلى ذروتها القصوى..! إنه يستخدم أسطورة شعبيية ليجسّد صورة عاطفية لموته الوشيك..! قافلة أو موكب من الجمال يتنزّل من السماء..! "تبرك" الجمال في الأفق في انتظار اللحظة التي تخرج فيها روح الشاعر من جسده لتقوم بحملها إلى الجنة..!
وهو يختم هذا المشهد بصيحة أو صرخة في مواجهة الدنيا التي افتقدت النبل والتواضع..ولكنّه يرسل أيضاً آهة وداع حزينة لأرضه الأثيرة لديه:
زُمل القدرة جن..وفي الوطا ما ختّن
طارن للسما ومتل القماري انستّن
الجود والحيا من العقول انختّن
طال الشوق علي الوادي أب عيوشاً شتن
I’ll always miss my beloved valley,
ever bountiful and green
**
هذه التحولات الدرامية في حياة الحردلو حملت ومضات من التطورات الاجتماعية/الاقتصادية في السودان في عصره؛ حيث أنه عاصر ثلاث فترات لافتة هي: الحكم التركي المصري (1820-1885)، والمهدية (1885-1898)، وجزءاً من فترة الحكم الانجليزي المصري (1898-1956)....وكل فترة من هذه العهود تركت آثارها في شعره..والتأثير التراكمي لهذه الفترات الثلاث أسهم بقوة في ثراء تجربته وساعد في تأسيسه كأحد أهم الايقونات والرموز الحيّة في الثقافة السودانية..!

murtadamore@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

عفراء أحمد…عن معنى البيت في ذاكرة اليمني

يمن مونيتور/العربي الجديد

في معرضها “بنت القمرية” الذي افتتح في “غاليري أكسيس” بالقاهرة الثلاثاء الماضي ويتواصل حتى مساء الجمعة المقبل، تبحث الفنانة اليمنية المقيمة في مصر عفراء أحمد (1992) عن مفهوم المنزل وتحولاته في بلدها الذي تعرَّض لحربٍ وصراعات داخلية طوال العقد الماضي.

عنوان المعرض يشير إلى القوس نصف الدائري الذي يعلو نوافذ البيوت ذات الطراز المعماري المنتشر في اليمن منذ أكثر من أربعة آلاف عام، وأخذت القمرية اسمها من شكلها الذي يشبه القمر في حالة عدم اكتماله، وكانت تصنّع من الجص فوق لوح خشبي حيث تمتلئ بالزخارف.

تعود عفراء أحمد التي غادرت اليمن عام 2012 إلى القمرية، ربما لوظيفتها التي تتيح دخول الضوء إلى المنزل في محاولة لإنشاء نافذة تنفتح على الذاكرة، كما يشير قيّم المعرض الفنان أحمد شوقي حسن في تقديم المعرض إلى أن “تلك النافذة التراثية التي اشتهرت بها منازل اليمن، ذلك البلد “السعيد” الذي نشبت فيه الحرب، وبينما كان العالم يستعد أخيراً أن يفتح أبوابه بعدما أطاحه فيروس كورونا، انتهزت عفراء الفرصة وانتقلت إلى مصر التي أقامت بها حتى عودتها إلى اليمن مرة أخرى، وفي أثناء الرحلة توطدت العلاقة بين كلتيهما: عفراء وتلك النافذة، باعتبارهما نازحتين تبحثان عن شعور جديد بالوطن، اكتسبتا خلالها مفاهيم وخبرات جعلت كل منهما تُماهِي الأخرى”.

من المعرض

يشتمل المعرض على تركيبات متعددة الوسائط تشمل الصور والفيديوهات والمنحوتات والرسوم والمطبوعات أحادية النسخة، تحضر نماذج عدّة بتشكيلات مختلفة للقمرية، إذ يواجه الزائر واحدة مكسّرة في إحدى زوايا الصالة، بينما تقدّم الفنانة مجموعة من القمريات بأشكال دائرية هذه المرة معلقة من السقف وأخيلتها تتراءى فوق الجدران.

وتتكرّر القمرية كموتيف يحمل دلالات متنوعة تتعلّق بالهوية والجذور والنزوح والذاكرة ومعنى البيت/ الوطن، وتتولّد أيضاً تشكيلات جمالية متعددة، منها ثماني لوحات متجاورة تحتوي رسماً للقمرية بشكل يحاكي حالات القمر، بينما تعلّق عفراء أحمد صورة فوتوغرافية تظهر مراحل عملها فوق سلّم في صالة الغاليري.

ويبيّن حسن أن عفراء تفترض أن “المنزل” كفضاء مراوغ وجوده قد يعني المكان أو الأرض، أي البقاء والتاريخ، لكنه أيضاً يعني الزوال والنسيان، والحدود الجغرافية والافتراضية، والصراع والمصالح المشتركة، والعائلة والشعور بالانتماء، وكأنه الوطن أو هو بالفعل كذلك. تتساءلان عن طبيعة العلاقة التي تنشأ بمجرد أن ينقطع الاتصال بين الناس والمكان، ويختتم تقديمه بالتساؤل: كيف ينجح “المنزل” في أن يظل فكرة قائمة؟

يُذكر أن عفراء أحمد وُلدت في عدن، وحصلت على درجة البكالوريوس في تكنولوجيا الوسائط المتعددة من “جامعة آسيا والمحيط الهادئ” في كوالالمبور، وأقامت العديد من المعارض في مصر والولايات المتحدة الأميركية والأردن وماليزيا.

يمن مونيتور3 يوليو، 2024 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام دراسة: ليس البشر وحدهم يتقنون عمليات بتر الساق إنقاذا للحياة مقالات ذات صلة دراسة: ليس البشر وحدهم يتقنون عمليات بتر الساق إنقاذا للحياة 3 يوليو، 2024 أبين تستعر.. القبائل تحشد رجالها وسلطة وقوات المحافظة تخلي مسؤوليتها 3 يوليو، 2024 هجمات الحوثي على التجارة الدولية تعمّق معاناة اليمن وتؤثر على العالم 3 يوليو، 2024 “ميتا” مالكة فيسبوك تعلن إنهاء حظر كلمة “شهيد” 3 يوليو، 2024 اترك تعليقاً إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليق *

الاسم *

البريد الإلكتروني *

الموقع الإلكتروني

احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.

Δ

شاهد أيضاً إغلاق فكر وثقافة النطاقات المعرفية والإحالات المرجعية في شعر الأوقيانوس أنس الدغيم 2 يوليو، 2024 Main news عفراء أحمد…عن معنى البيت في ذاكرة اليمني 3 يوليو، 2024 دراسة: ليس البشر وحدهم يتقنون عمليات بتر الساق إنقاذا للحياة 3 يوليو، 2024 أبين تستعر.. القبائل تحشد رجالها وسلطة وقوات المحافظة تخلي مسؤوليتها 3 يوليو، 2024 هجمات الحوثي على التجارة الدولية تعمّق معاناة اليمن وتؤثر على العالم 3 يوليو، 2024 “ميتا” مالكة فيسبوك تعلن إنهاء حظر كلمة “شهيد” 3 يوليو، 2024 Most viewed واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 We chose for you النطاقات المعرفية والإحالات المرجعية في شعر الأوقيانوس أنس الدغيم 2 يوليو، 2024 مغامرة التعرّف واكتشاف الذات: توافقات الأسفار 23 يونيو، 2024 “اليونسكو” تعتمد عدة مشاريع لدعم العمل الصحفي في اليمن 22 يونيو، 2024 وسط دعوات للمحاسبة.. قتلى وجرحى بتهدم مسجد أثري في صنعاء القديمة أثناء عمليات ترميم 10 يونيو، 2024 المتحف الوطني في صنعاء: فرائد آثار ونقوش اليمن 9 يونيو، 2024 weather Sana'a غيوم متفرقة 25 ℃ 26º - 20º 23% 2.96 كيلومتر/ساعة 26℃ الأربعاء 25℃ الخميس 24℃ الجمعة 26℃ السبت 27℃ الأحد تصفح إيضاً عفراء أحمد…عن معنى البيت في ذاكرة اليمني 3 يوليو، 2024 دراسة: ليس البشر وحدهم يتقنون عمليات بتر الساق إنقاذا للحياة 3 يوليو، 2024 الأقسام أخبار محلية 26٬985 غير مصنف 24٬163 الأخبار الرئيسية 13٬779 اخترنا لكم 6٬785 عربي ودولي 6٬585 رياضة 2٬233 كأس العالم 2022 72 اقتصاد 2٬161 كتابات خاصة 2٬037 منوعات 1٬937 مجتمع 1٬801 تراجم وتحليلات 1٬653 تقارير 1٬550 صحافة 1٬470 آراء ومواقف 1٬463 ميديا 1٬342 حقوق وحريات 1٬276 فكر وثقافة 869 تفاعل 793 فنون 470 الأرصاد 249 أخبار محلية 161 بورتريه 63 كاريكاتير 32 صورة وخبر 28 اخترنا لكم 14 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل English © حقوق النشر 2024، جميع الحقوق محفوظة   |   يمن مونيتورفيسبوكتويترملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويترملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 أكثر المقالات تعليقاً 30 ديسمبر، 2023 انفراد- مدمرة صواريخ هندية تظهر قبالة مناطق الحوثيين 21 فبراير، 2024 صور الأقمار الصناعية تكشف بقعة كبيرة من الزيت من سفينة استهدفها الحوثيون 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 26 فبراير، 2024 معهد أمريكي يقدم “حلا مناسباً” لإنهاء هجمات البحر الأحمر مع فشل الولايات المتحدة في وقف الحوثيين 11 يونيو، 2024 اعترافات واتهامات شبكة التجسس الأمريكية التي أعلنها الحوثيون.. ما لم يتمكن المتهمون من قوله؟ 10 يونيو، 2024 هجمات الحوثيين والسلام في اليمن تهيمنان على نتائج اجتماع مجلس التعاون الخليجي أخر التعليقات SG

المذكورون تم اعتقالهم قبل أكثر من عامين دون أن يتم معرفة أسب...

سامي علي

ليست هجمات الحوثي وانماالشعب اليمني والقوات المسلحة الوطنية...

سامي علي

الشعب اليمني يعي ويدرك تماماانكم في صف العدوان ورهنتم انفسكم...

Abod

موقف الحوثيون موقف كل اليمنيين وكل من يشكك في مصداقية هذا ال...

yahya Sareea

What’s crap junk strategy ! Will continue until Palestine is...

مقالات مشابهة

  • ذكرى شهيد الكنيستين.. القديس يوحنا وزير المستنصر بالله الفاطمي
  • بقيق.. إغلاق جزئي لطريق الخليفة أبو بكر الصديق للصيانة
  • جدة مصرية تقوم بتنقية الأرز بحركات مبهرة.. دون أن تسقط حبة على الأرض
  • مفاوضات تسوية الاعتماد المصرفي رهن موقف مديره العام
  • فحص أمني لفيديو سائق سيارة نقل عرض حياة المواطنين للخطر
  • استمرار حبس مسجل خطر قتل عشيقته بالخليفة
  • «أسيوط» تنظم ندوة عن دور ثورة 30 يونيو في الحفاظ على الأمن القومي
  • البيت والحديقة!
  • عفراء أحمد…عن معنى البيت في ذاكرة اليمني
  • «زعبولا» يرث تجارة الجمال من أجداده.. «مقدرش أبعد عنهم»