استراتيجية لإصلاح التعليم في السودان تماشياً مع شعارات ثورة ديسمبر 2018
بقلم
الدكتور أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الأزهري - جامعة الخرطوم

شهادات التعليم العام في السودان بين الجرح والتعديل
مشروع لاعادة صياغة الشهادة السودانية : الجزء (17)

الغاء امتحانات شهادات التعليم العام
جاءت ثورة ديسمبر 2018 المجيدة لارساء أسس الديموقراطية وتأسيس الدولة المدنية، وهي بالضرورة دولة القانون والحقوق المتساوية، ودولة المؤسسات التي يحرسها مواطنون صالحون بالضرورة؛ وعلى دراية بمتطلبات هذه الدولة الحديثة.

وصناعة هذا النوع من المواطنة يتم في مصانع الدولة التربوية والتعليمية ولذلك نقول (أن مصير وقدر أي أمة من الأمم يبدأ دائماً من بين جدران الفصل الدراسي) أي ان رفعة الامة يكون بقدر رفعة ابنائها في تحصيلهم العلمي والمهارات الحيايتة التي يكتسبونها من الدراسة في الفصل المدرسي أو المدرج الجامعي.، وأن مصير الدولة ونموها وازدهارها مرتبط بمخرجات التعليم بشكل عام، والتعليم العام بصورة خاصة كأساس للبناء والتنمية.
نحن نؤمن تماماً أن التعليم وسيلة لتحقيق الحرية على مستوى الفرد والجماعة والرفاهية وهي توافر مستلزمات الحياة الكريمة للمواطن في حدها الادنى الذي يحفظ له كرامته من غير من ويحافظ على حياته باعتبارها أغلى ما يملك. ونأمل أن تتم جميع عمليات التعليم والتعلم بمبادئ سليمة تتسم بالنزاهة والصدق والعدالة، وهي شعارات الثورة. ونؤمن بأن إصلاح التعليم لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تطبيق نظام تقييم أكاديمي شامل من توفير البيئة المدؤسية الجاذبة والمعلم الملتزم والمنهج السليم يتبعه نظام تقويم وامتحانات مدرسية نزيهة تقيس تماما اثر التعليم وجودة مخرجاته.
وعليه، فإننا نظن أن إدارة هذا الملف بالصورة الحالية قد ألحقت أضراراً بالغة بالتعليم في السودان، الأمر الذي يتطلب تدخلاً سريعاً لمعالجة هذه المشكلات. وفي هذا السياق، نقدم هذه الموجهات في البحث عن منطقة إنزال آمنة لتحقيق تطلعات أمتنا السودانية، فنحن بحاجة إلى ما يلي:
- أن ندرك أن التعليم يعاني من أزمة حقيقية تتطلب معالجة سريعة وشاملة.
- التأمل في أن امتحانات الشهادة الأساسية السودانية والشهادة الثانوية لم تعد معايير موثوقة لقياس مخرجات التعليم في السودان، حيث انتشرت ظاهرة الغش على جميع المستويات في كل عام.
- تعتبر هذه الشهادات بصورتها الحالية شهادات "مزورة" تحمل التوقيع الرسمي وختم الدولة. ومنح هذه الوثائق - التي لا تساوي الحبر الذي كتبت به - جريمة كاملة بحق الوطن والمواطن.
- لم تعد هذه الوثائق في شكلها الحالي صالحة كمعيار للقبول في مؤسسات التعليم العالي في السودان بسبب المعالجات الإحصائية التي تؤدي إلى تضخم وتراكم الدرجات العليا.
- كما تسببت في ارباك سياسة القبول في الجامعات كما حدث منذ عامين حيث تكدست الدرجات في القبول لكليات الطب والهندسة بحرمان طلاب من المنافسة اوشكوا على حصول الدرجات النهائية في الاختبارات.
- كما يجب ملاحظة الهدر التعليمي في الجامعات وعدم القدرة على مواصلة الدراسة نتيجة قبول طلاب بشهادات زائفة حصلوا عليها بالغش في امتحانات الشهادة الثانوية. مما يجعلهم يتساقطون من بداية المشوار الجامعي.
- تكلف عملية إجراء الامتحانات القومية السنوية مليارات ومليارات من الجنيهات، وهي أضعاف ميزانية وزارة التربية والتعليم السودانية، والناتج التعليمي متدني للغاية كما نلمسه الآن في الضعف الواضح في قدرة الطلاب على التعبير والكتابة واجراء عمليات حسابية مبسطة فخريجوا الابتدائي أقرب الى الامية وتدني واضح في مستوى اللغات العربية والاجنبية معاً. وعليه فإننا نرى تحويل هذا المبلغ الضخم لدعم رواتب المعلمين وتدريبهم وإصلاح البيئة المدرسية لجعل المدارس مكان جاذب للأطفال.
• العلاج:
تعتبر الاختبارات بشكل عام وسيلة للقياس وأداة للتحكم في ضبط جودة عمليات التعليم والتعلم. فمن خلال الاختبار الجيد يمكننا:
- الحكم على مستوى تحصيل الطالب الأكاديمي ومقدار هضمهم للمقررات الدراسية.
- مراقبة أداء أعضاء هيئة التدريس لتحقيق أهداف التدريس المنهج بشكل كامل وفعال.
- استنتاج أن عمليات المراقبة والمتابعة قد تمت بصورة فعالة من قبل المشرفيين التربويين في متابعة تنفيذ الخطة الدراسية وإعداد الاختبارات الفصلية أو النهائية بكل صدق واختبار شامل.
- تقويم أداء الكادر الإداري، حيث تتم المراقبة اليومية على أداء المعلمين، في تنفيذ خطة الدروس اليومية، من خلال التوقيع على سجل إعداد الدروس (وسنفرد له حلقة كاملة ان شاء الله) وكراسة الحضور ومتابعة الاختبارات الدورية.
- تقييم فاعلية ونجاح المنهج من حيث المخرجات التعليمية وانعكاس التعليم على سلوكيات الدارسين في الواقع العملي في حياتهم اليومية.
- تحقيق أجندة الدولة من الفلسفة التربوية للتعليم بصورة عامة وتحقيق الأهداف الاجتماعية والثقافية المضمنة من خلال مراجعة المناهج المدرسية القومية.
ومن المؤسف أن معظم هذه الأهداف غائبة لأسباب عديدة لا يمكن التفصيل فيها هنا. ومع ذلك، ومع تفاقم الأمر بسبب انتشار الفساد في معظم عمليات التعليم والتعلم، فإننا نعتقد أن المعالجة الجذرية لكل ما يتعلق بالتعليم يجب أن تكون مصحوبة ب:
- الإعتراف بأن التعليم في أزمة تتطلب معالجة سريعة وفعالة في التعليم العام والخاص.
- وضع القوانين والأنظمة التي تنظم العلاقة بين أصحاب المصلحة والمؤسسات التعليمية مع ضمان مراقبة ذلك من خلال الوزارات والإدارات والنقابات والمدارس والجامعات.
- تطبيق أساليب إدارة عمليات التقويم التربوي بالتعليم لحسم الفساد المستشري في تسريب الامتحانات والغش من قبل الطلاب بمساعدة بعض المعلمين غير المنضبطين في كل هذه العمليات.
- أدت المماراسات غير المسئولة الى إفـراغ شهادات التعليم العام مـن محتواهـا، مما افقدها مصداقيتهـا في أن تكون معيـاراً سليماً للقبـول في مؤسسـات التعليـم العالي في السـودان، بسـبب التضخـم الناتــج عــن المعالجات الاحصائيـة وعمليــات المكياج والديكـور التـي تتـم قبـل ظهـور النتائـج.
• التوصيات :
1. يجــب إلغــاء اختبــارات الشــهادات مرحة الاساس والمتوسطة فيـمـا بعــد اعتبــاراً مــن العــام المقبــل ليتــم منــح شــهادة اتمام مرحلة الأساس باختبــارات نقــل عاديــة تتــم داخــل المؤسسة العلميــة التــي ينتمــي اليهــا الــدارس.
2. يجــب عقــد مؤتمـرات وورش عمــل ونــدوات لمناقشة مقـتـرح (بالغــاء امتحانــات الشــهادة الثانويــة الســودانية) ومنــح شــهادة اتمام المرحلة الثانويــة مــن نفــس المدرسة كـمـا هــو الحـال في بعـض الـدول العربيـة، مثـل السـعودية وغانـا ونيجيريا، مما أدى الى بحث الجامعـات في غرب افريقيا على اختـراع آليـة قبـول جديـدة في مؤسسات التعليم العالي. (سنتحدث عن هذ الآلية في مقال لاحق).
3. يجـب عـلى وزارة التعليـم العالي أن تضـع أسـس ومعايـر جديـدة كمتطلبـات للقبـول في مؤسسـات التعليـم العالي- كمـا هـو الحـال في الكليات العسـكرية في السـودان وكذلـك في معظـم جامعـات العالم - حيـث لم تعـد الشـهادة الثانوية وحدها المعيار الوحيد لقبــول الطلاب بالجامعــات.
4. كما ان هذه الشهادات لا تستطيع ان تعطينا درجة التنبؤ في اســتعداد الطالــب بالاســتمرار في الدراســة الجامعيــة بــلا عوائق؛حيــث تشـيـر الدلائل الى تعـثـر العديــد من الطلاب في التعليـم الجامعـي، والى تفاقـم زيـادة الرسـوب في الجامعـات السـودانية، بسـبب عـدم القدرة على اجتيـاز هـذه المرحلة (برجولة)؛ ممـا ادى الى التراخي والتعاطـف المضر من بعض هيئات التدريس في بعض الاحيان في مسـاعدة الطلاب عـلى اجتيازهـا بالحصـول عـى الحـد الأدنى مـن متطلبـات التخـرج.
5. استغلال تلك المليارات من الجنيهات – بالإضافة إلى ميزانية وزارة التربية والتعليم الفيدرالية - التي تنفق في عمليات إدارة الشهادات الأساسية والثانوية لتحسين أوضاع المعلمين والبيئة المدرسية بشكل عام.
6. وضع القوانين واللوائح المنظمة لعلاقات أصحاب المصلحة من الطلاب وأولياء الأمور والوزارات المعنية ومنظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية، والتي تساهم جميعها في إنجاح التعليم وتحسين نتائجه، والتي من المتوقع أن تسهم بشكل فعال في نهضة البلاد.
ثم ما هو البديل؟ في الحلقة القادمة ان شاء الله...

aahmedgumaa@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التعلیم العام التعلیم فی من خلال

إقرأ أيضاً:

لجنة التعليم العالي تبحث سبل تطوير منظومته في الدولة

عقدت لجنة التعليم العالي أول اجتماعاتها السنوية، برئاسة معالي الدكتور عبدالرحمن العور، وزير الموارد البشرية والتوطين، ووزير التعليم العالي والبحث العلمي بالإنابة.

وبحث الاجتماع الذي عقد في مقر جامعة الإمارات العربية المتحدة في مدينة العين، أولويات قطاع التعليم العالي والبحث العلمي في الدولة، وسبل تطوير منظومة التعليم التقني والمهني، وتشكيل اللجان المنبثقة عن لجنة التعليم العالي، بجانب استعراض إنجازات جامعة الإمارات العربية المتحدة وخططها المستقبلية.

وكان مجلس التعليم والتنمية البشرية والمجتمع، قد اعتمد تشكيل لجنة التعليم العالي برئاسة معالي الدكتور عبدالرحمن العور، وعضوية كل من معالي شما بنت سهيل المزروعي، وزيرة تمكين المجتمع ورئيسة مجلس أمناء جامعة زايد، ومعالي الدكتور أحمد بالهول الفلاسي، وزير الرياضة ورئيس كليات التقنية العليا، ومعالي زكي أنور نسيبة، المستشار الثقافي لصاحب السمو رئيس الدولة، الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى سعادة الدكتور محمد المعلا، وكيل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وسعادة شهاب أبو شهاب، مدير عام مجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة، وشيماء يوسف العوضي، وكيل وزارة الموارد البشرية والتوطين لتنظيم وتطوير سوق العمل بالإنابة، وسعادة آمنة آل صالح، الوكيل المساعد لقطاع المناهج والتقييم بالإنابة بوزارة التربية والتعليم، والدكتورة سميرة عبد الرحمن الملا، مدير مفوضية الاعتماد الأكاديمي بالإنابة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.

وأشار العور، إلى أهمية دور لجنة التعليم العالي في تنسيق ومواءمة استراتيجيات وسياسات قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، وربطها بمخرجات قطاع التعليم العام ومتطلبات سوق العمل؛ لضمان تزويد الأجيال الجديدة بالمهارات والعلوم التي يحتاجونها للتميز في مسيرتهم المهنية بعد التخرج.

وأكد أن التعليم يمثل محوراً أساسياً ضمن الاستراتيجيات الوطنية للتنمية المستدامة والتطوير المجتمعي، لافتاً إلى أن التعليم المتميز هو الأساس لبناء مستقبل مزدهر ومستدام، وأن التركيز منصب على إجراء تحولات رئيسية في قطاع التعليم العالي بما يتماشى مع المستهدفات الوطنية، الأمر الذي سيسهم في بناء مجتمع فاعل واقتصاد متين.

من جانبها أكدت معالي شما بنت سهيل المزروعي، أن المشاركة في الاجتماع ، تمثل محطة أساسية في مسيرة تطوير قطاع التعليم العالي في دولة الإمارات، ومناقشة المسارات الاستراتيجية، ومعالجة الفجوات في منظومة التعليم العالي، ومواءمة الجهود مع المعايير العالمية، بما يعكس التزام الدولة بتطوير بيئة تعليمية مرنة ومتقدمة، قادرة على تأهيل خريجين يتمتعون بالمهارات والقدرة على التكيف مع متطلبات الاقتصاد الوطني المتغير.

وتركزت النقاشات حول أولويات التعليم العالي والبحث العلمي خلال المرحلة المقبلة والتي تشمل ثلاثة محاور رئيسية هي إعادة تصميم رحلة الطالب بشكل شامل لتلبي احتياجات الطلبة وتمكنهم من الانتقال بسهولة إلى سوق العمل، وبناء الشراكات المثمرة والبناءة مع مؤسسات التعليم العالي بما يعزز تنافسيتها ويرتقي بجودة مخرجاتها ويقدم فوائد ملموسة للطلبة، وتطوير أطر السياسات والإجراءات وتحديثها بما يواكب متطلبات المرحلة الحالية والتوجهات المستقبلية في الدولة.

أخبار ذات صلة "الطوارئ والأزمات" بأبوظبي يطلق حملة "مجتمعنا جاهز" سيدة كولومبيا الأولى تطلع على مبادرات التبادل المعرفي الإماراتي

وبحث الاجتماع أبرز مستجدات المبادرات والمشروعات التحولية التي تقودها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ضمن هذه المحاور.

كما ناقش أعضاء اللجنة التحديات التي تواجه تطوير قطاع التعليم التقني والمهني، وأبرز الحلول والمبادرات التي من شأنها تحويل هذه التحديات إلى فرص بما يسهم في إعداد الطلبة لمتطلبات سوق العمل.

وأشار معالي الدكتور أحمد بن عبدالله بالهول الفلاسي، إلى أن اللجنة ستسعى لإعادة رسم منظومة التعليم العالي ودوره في المجتمع والنهضة الاقتصادية الشاملة، لتقدم نموذجا تعليميا قادرا على الاستجابة للتحديات التي يفرضها القرن الحادي والعشرين.

وذكر أن دولة الإمارات شهدت نقلة نوعية في مجال التعليم العالي، وبالأخص التقني والمهني على مدار السنوات الماضية من حيث عدد الكليات التطبيقية والمهنية وتنوعها، ومن بينها مَجْمع كليات التقنية العليا التي تتصدر اليوم هذا التحول بخطط طموحة تستجيب لمتطلبات سوق العمل المتغيرة.

واستعرضت جامعة الإمارات العربية المتحدة خلال الاجتماع أبرز إنجازاتها وخططها التطويرية خلال المرحلة المقبلة، حيث تحتل الجامعة التصنيف 261 عالمياً وفقاً لتصنيف QS وتعد بين أفضل 300 جامعة على مستوى العالم وفقاً لتصنيف THE العالمي.

وقال معالي زكي أنور نسيبة، إن جهود لجنة التعليم العالي تسهم بشكل جوهري في تحديد مسارات التطوير المستقبلي، مؤكدا إيمان جامعة الإمارات العربية المتحدة، بأن تعزيز التعاون بين مؤسسات التعليم العالي، إلى جانب الشراكة مع القطاعين الحكومي والخاص، من الركائز الأساسية لتحقيق التميز الأكاديمي والبحثي.

وأضاف أن تعزيز بيئة التعليم والبحث العلمي في الدولة، يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق رؤية قيادتنا الرشيدة في بناء اقتصاد قائم على المعرفة، وتوفير حلول مبتكرة للتحديات المستقبلية.

المصدر: وام

مقالات مشابهة

  • لجنة التعليم العالي تبحث تطوير منظومته في الدولة
  • استشاري تربوي: تحفيز الطفل يبدأ من البيت لاستقبال الفصل الدراسي الثاني بحماس
  • لجنة التعليم العالي تبحث سبل تطوير منظومته في الدولة
  • لجنة التعليم العالي تبحث سبل تطوير منظومته في الإمارات
  • خبيرة: إعداد الطفل نفسيا لاستقبال الفصل الدراسي الثاني يبدأ من المنزل
  • الفصل الدراسي الثاني| رسالة وزير التعليم العالي لأعضاء هيئة التدريس
  • رسالة تحفيزية من وزير التعليم العالي مع انطلاق الفصل الدراسي الثاني
  • 14 قرارا من «التعليم» لمديري المدارس مع بدء الفصل الدراسي الثاني
  • وزير التعليم العالي يؤكد جاهزية الجامعات لاستقبال الفصل الدراسي الثاني
  • وزير التعليم العالي: افتتاح 10 جامعات أهلية جديدة العام الدراسي المقبل