الآلية الأفريقية والحرب في السودان
تاريخ النشر: 8th, March 2024 GMT
خالد هاشم خلف الله
مراسل سابق – راديو سوا سودان
Kld.hashim@gmail.com
مطلع الأسبوع الماضي ابتدرت الآلية الأفريقية الثى كونتها مفوضية الاتحاد الأفريقي في يناير الماضي للعمل على من أجل تسوية الصراع الدائر في البلاد وأوكلت رئاستها للدبلوماسي الغانى محمد بن شمباس الذى لديه خبرة وألمام بتعقيدات المشهد السودانى لكونه شغل سابقاً منصب الممثل المشترك للبعثة الأممية – الأفريقية المشتركة في دارفور ( يوناميد ) الآلية ابتدرت لقاءاتها بالأطراف السودانية بلقاء عقدته مع رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة الفريق عبد الفتاح البرهان في مقر أقامته بالعاصمة الإدارية بورتسودان ، وحسب البيان الذى نشره إعلام المجلس السيادى فإن الفريق البرهان قدم عرضاً وشرحاً لأعضاء الوفد لكل الظروف والملابسات التى قادت البلاد لحالة الأقتتال الحالية بين الجيش وقوات الدعم السريع وكان وأضحاً حسب بيان إعلام المجلس السيادى أن الفريق البرهان حرص على أبانة وتوضيح موقفه لوفد الآلية الأفريقية من ما وقع في 25 أكتوبر 2021 والذى بموجبه تم تجميد عضوية السودان في الأتحاد الأفريقى حيث قال البرهان لأعضاء الوفد أن ما حدث في ذلك التاريخ هو فض شراكة لغياب التوافق بين المكونين العسكرى والمدنى وليس أنقلاباً عسكرياً، ولذلك رهن البرهان قبوله بجهود الآلية الأفريقية للمساهمة في حل النزاع في البلاد باستعادة السودان لعضويته كاملة في الاتحاد الأفريقي وهو مطلب وفق منظور الفريق البرهان يعد مقبولاً لكونه حسب ما يرى لم يقم بانقلاب عسكرى على وضع دستورى راسخ تتولى سلطته حكومة منتخبة وهو ما يعنى حسب منظوره أن حيثيات تجميد عضوية السودان في الأتحاد الأفريقى باطلة وغير صحيحة .
أنتقل وفد الآلية الأفريقية للعاصمة المصرية القاهرة وهناك عقد يوم الأربعاء السادس من مارس الجاري لقاءً نادراً وغير مسبوق مع وفد من حزب المؤتمر الوطني الحزب الحاكم السابق والذى أطاحت ثورة ديسمبر بسلطته، وكان وفد المؤتمر الوطني مكون من اسامة فيصل والأستاذة اميرة الفاضل وحسب صحيفة سودان تربيون التى أوردت خبر اللقاء فاْن وفد حزب المؤتمر الوطني جاء للتعرف على ما يود وفد الآلية طرحه عليهم وأنهم أى أعضاء الوفد غير مفوضين لمناقشة الآلية في ما تطرحه من أجندة وأن وفد المؤتمر الوطنى نصح أعضاء الآلية بلقاء قادة الحزب داخل السودان ، هذا اللقاء الذى عقدته الآلية الأفريقية مع وفد حزب المؤتمر الوطنى الحاكم سابقاً يعطى مؤشراً لماهية خطة الحل التى تتبناها الآلية لحل قضية الحرب في السودان وهو طرح حل شامل تشارك فيه كل القوى السياسية السودانية بلا أستثناء بما فيها حزب المؤتمر الوطنى الحاكم السابق وهو ما يعنى أن الالية لن تبنى خططها للحل على ميراث الآلية الثلاثية السابقة قبل الحرب التى جمعت في عضويتها البعثة الأممية السابقة في السودان ( يونتامس ) وممثل للأتحاد الأفريقى ومنظمة إيقاد والتى كان لرئيس البعثة الأممية وقتها فولكر بريتس اليد الطولى في تسيير دفتها ويحملها البعض مسئولية جزئية في إندلاع الحرب الحالية في السودانية وأتهامها بأنها اسلمت قيادها بالكامل وأنحازت بالجملة لصف تحالف قوى الحرية والتغيير – المجلس المركزى ( قحت ) في الفترة التى سبقت أندلاع الحرب ، وبلا شك أن أعادة أدراج حزب المؤتمر الوطنى الحاكم السابق في نسق العملية السياسية التى ستقودها الآلية الأفريقية ستكون خبراً غير سعيد لمناوئه وعلى رأسهم تحالف قوى الحرية والتغيير المجلس المركزى ( قحت ) الذين لطالما عملوا وبلا كلل وبكل جهد منذ الأطاحة بالبشير لاٌقصاء نهائى وأبدى لحزب الأسلاميين من الساحة السياسية لكن كل من يعرف ميكانيزمات العمل السياسى في السودان يدرك ان كل ذلك الجهد لا يعدو عن كونه محض حرث في البحر وأنه لا يمكن تحقيق أى تسوية سياسية في البلاد دون مشاركة الأسلاميين فيها وأن لو هذا كان ممكناً لما أندلعت الحرب في البلاد أبتداءً ، سيتحتم على قادة الحرية والتغيير المجلس المركزى أن يحذوا حذو آية الله الخمينى وأن يتجرعوا مثله كأس السم قبل أقنتاعهم بأن لا جدوى ولا طائل من محاولاتهم لتحقيق حل سياسى لقضية الحرب في البلاد دون مشاركة الاسلاميين في الوصول لذلك الحل وفى هذا السياق تأتى مقابلة وفد الآلية الأفريقية بوفد حزبهم المؤتمر الوطنى في القاهرة كما أن مقر اللقاء العاصمة المصرية يعطى مؤشراً كذلك لعدم ممانعة الحكومة المصرية في مشاركة حزب المؤتمر الوطنى في اى عملية سياسية تقود لوضع حد لحرب السودان التى بدأت القاهرة في تلقى تداعياتها السلبية المتمثلة في تزايد معدلات لجوء المواطنين السودانيين إليها بسبب استمرار الأعمال القتالية في البلاد .
اللقاء الثالث الذى عقدته الآلية الأفريقية كان في القاهرة أيضاً وجمعها بممثلي الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية وموقف الكتلة الديمقراطية معروف في أنها تدعو الى توسيع المشاركة في التوصل لحل سياسي شامل لقضية الحرب كما أنها تحمل الحرية والتغيير المجلس المركزي مسئولية تأزيم الأوضاع السياسية في البلاد قبل الحرب بأصرارها على احتكار صفة تمثيل قوى ثورة ديسمبر وحصرها في نفسها ورفضها توسيع مظلة الاتفاق الإطارى الموقع في ديسمبر 2022 بحجة عدم أغراق العملية السياسية .
هذه كانت اللقاءات الاستكشافية للآلية الأفريقية التى شملت رئيس مجلس السيادة ، وحزب المؤتمر الوطنى الحاكم السابق ، والكتلة الديمقراطية وبقية اللقاءات التى ستتم خلال الفترة المقبلة مع تنسيقية تقدم برئاسة رئيس وزراء الفترة الإنتقالية السابق عبد الله حمدوك وبقية القوى التى خرجت منذ وقت مبكر من تحالف الحرية والتغيير مثل الحزب الشيوعى ، والبعث الاشتراكي الأصل الذى رفض التوقيع على الاتفاق الأطارى وخرج بموجب ذلك من تحالف المجلس المركزى ، وكما أسلفنا الى عزم الاتحاد الأفريقي على طرح حل شامل ينهى الحرب في السودان ويؤسس لنظام ديمقراطي تحظى فيه كافة القوى السياسية السودانية بالمشاركة فيه دون أقصاء مع وضع تدابير تعالج التداعيات التى سببتها الحرب من أنتهاك لحقوق الأنسان ، وتدمير للبنية التحتية ، لكن تبقى ثمة تساؤلات متعلقة بالجهود التى سبقت مبادرة الآلية الأفريقية لوقف الحرب في السودان مثل منبر جدة الذى قال قائد الجيش أنه يظل المنبر الوحيد الذى يمكن أن يجمعهم بالدعم السريع هل ستقوم الآلية باستصحاب النتائج التى توصل لها هذا المنبر سابقاً في جولاته التفاوضية خاصة تلك النتائج المتعلقة بمعالجة الأوضاع الإنسانية الثى تم التوصل إليها في أتفاق 11 مايو من العام الماضي وهو الاتفاق الذى يصر قادة الجيش على تنفيذه من قبل قوات الدعم السريع قبل العودة لعقد جولة مفاوضات جديدة على ذات الطاولة ،أما ستعمل على اجتراح مسار ضمن مبادرته لمعالجة القضية العسكرية والأمنية ، ثم السؤال الأهم كيف ستقابل القوى السياسية السودانية المناوئة لحزب المؤتمر الوطنى الحاكم السابق طرح الآلية الأفريقية لإعادة أدراجه في أى عملية سياسية تتبناها لحل قضية الحرب في البلاد .
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الآلیة الأفریقیة الحرب فی السودان الحریة والتغییر وفد الآلیة فی البلاد
إقرأ أيضاً:
عبقرية سعد!!
قلنا فى الأسبوع الماضى، إن ذكرى عيد الجهاد قد تركت لنا دروسًا لا يمكنُ أن تُنسى أو تُمحى أبد الدهر، مثل ظهور فكرة الوطنية المصرية الجامعة، وأن الوفد فكرة غير قابلة للتكرار ولايمكن أن تنجح محاولات استنساخها، وأن ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول نجحت فى تصحيح أخطاء الثورات السابقة، وأنها حققت إنجازًا كبيرًا للمرأة المصرية التى خرجت من حصارها إلى المجتمع الرحب تعمل وتنتج وتناقش وتشارك وتثور، واخيرًا عرفنا أن سعدًا كان زعيمًا لا يتكرر، فقد انحاز للشعب فانحاز الشعب له.
ولكن من ضمن عبقريات هذه المرحلة، هو تجاوزها لكل معوقات الاتصال ونجاحها فى الوصول لكل المصريين بسهولة منقطعة النظير.
قطعًا.. تستطيع أنت الآن خلال جلوسك فى منزلك، أن تقرأ معلومات كثيرة عن أسباب انطلاق ثورة 1919، سوف تعرف تفاصيل دقيقة اجتهد غيرك فى الحصول عليها من خلال الوثائق التى تسجل يوميات الثورة، من خلال مستندات أو كتب راقب أصحابها الأحداث عن كثب، وكانوا شهود عيان على الثورة الأم، وبروز اسم زعيمها الأول سعد زغلول، الذى دارت حوله الأساطير فى زمن لم يعرف وسائل الاتصال الحالية، ولم يعرف سرعة التواصل مع الجماهير عبر الإنترنت أو التليفزيون أو حتى الإذاعة التى لم تظهر إلا بعد اندلاع الثورة بسنوات!
كان الوقت الذى ظهر فيه سعد، وقتًا يبحث فيه الناس عن زعيم يخلصهم من الاحتلال، وقائد يثقون فيه ولا يندمون على أتباعه، فكان سعد الذى هزم كل وسائل الاتصال، فلم تكن جماهيره تمتلك هاتفًا محمولًا، ولم تعرف سوى نقل المعلومة بطريق مباشر من شخص إلى آخر، وكانت الصحف المطبوعة هى أقصى قدرات عالم الاتصالات فى بلد كانت الأمية تسيطر على نسبة كبيرة من أبنائه، فكان المتعلمون ينقلون المعلومة بأنفسهم لمن هم دون القدرة على القراءة، ورغم ذلك تمكن سعد زغلول من صنع أسطورة لا تتكرر بسهولة، ومن ضمن الأساطير التى اقترنت باسم سعد، ما قيل حول تأكيده عدم جدوى مقاومة الاحتلال، وهى قصة غير حقيقية، روجها الإنجليز وأعداء الثورة، للنيل من سعد وثورته، وحزبه! فقد كان الاحتلال يعلم أن أى كلمة تخرج من فم سعد.. يصدقها الناس.. فاستغلوا جملة قالها وقاموا بترويجها لنشر الإحباط بين الناس!!
إذن ما هى القصة الحقيقية لانطلاق هذه المقولة؟ الحقيقة أن سعد زغلول لم يكن رجلًا يائسًا بل كان مناضلًا لا يتوقف عن الكفاح من أجل وطنه وحريته ولذلك لا نجد صحة المقولة التى يرددها المصريون على لسانه عندما قال «مفيش فايدة» فهى دعوة لليأس لم يطلقها سعد من أجل العمل الوطنى ولكنه كان يقصد أن حياته انتهت بعدما سيطر عليه المرض، فقد اشتد عليه وبات على يقين بأنه هالك لا محالة فقال لزوجته صفية زغلول وهى تحاول إعطاءه الدواء، مفيش فايدة، وتناقلها المصريون على أنه يعنى أن الإنجليز لن يخرجوا من مصر، فقد كانت مقولة سعد يتم تداولها بسرعة البرق وساعد الإنجليز على تدعيم فكرة نشر المعنى السلبى للمقولة ولكن سعد لم يكن يقصد إلا نفسه وقد مات فعلًا بعدها بأيام ليبقى رمزًا وطنيًا علم الناس معنى الثورة حتى أنه أصبح نموذجًا للثائر المصرى الذى لا تموت ذكراه مع جسده، بل ظل علامة فى التاريخ والوجدان والذاكرة المصرية.
كان سعد أستاذا للثورة بمفهومها الواسع، ثورة ضد الظلم، وضد الفقر، وفى مواجهة الجهل، باقتصاد قوى ومؤسسات علمية راسخة وحريات لا تتوقف إلا عندما تصطدم بحقوق الآخرين، وكان يهدف من وراء الثورة عملًا ومستقبلًا لا يهتز، وتماسكًا وطنيًا لا يصاب بشرخ، ويدًا تبنى لا تهتز، فهو أستاذ الثورة وعلمها ونموذجها الأكثر شهرة وبقاءً فى وطن عرف الثورة بعده بما يقرب من مائة عام!
سعد زغلول، قيادة نادرة، تمكن من تعليم الشباب كيف يثورون على الظلم والطغيان، وكيف يقولون للسلطان الذى أصبح ملكًا، ويقولون للاحتلال الذى استغل موارد البلاد، نحن أصحاب البلد، أو كما قال لهم يومًا: «إنكم أنبل الوارثين لأقدم مدنية فى العالم وقد حلفتم أن تعيشوا أحرارًا أو تموتوا كرامًا»، كان يقوم بتدريس الحرية فى كل كلمة، فكان أستاذًا لمنهج جديد يدق باب الوطن اسمه «الليبرالية» فكان نتاج هذه المرحلة ظهور قيادات تاريخية فى الاقتصاد فكانت شخصية أحمد عبود باشا وطلعت حرب الاقتصادى العظيم، وقيادات تاريخية فى الفن مثل سيد درويش ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم ونجيب الريحانى، وأسماء لا تنُسى فى السياسة والأدب والعلوم!
لابد أن تقرأ تاريخ الوفد لتعرف أنه تأسس على يد زعيم عظيم، وأن زعيمه عرفه الناس بوسائل اتصال بدائية، واستمر لمدة مائة عام قائمًا ومستمرًا وثابتًا لأنه حفر اسمه فى كتب التاريخ، ولذلك سيبقى -بأبنائه المؤمنين بأفكاره المتشبعين بمبادئه- حزبًا معبرًا عن أمة تستحق أن تعيش وبلدًا يجب أن يكون فى المقدمة!