الجزيرة:
2024-12-26@21:44:21 GMT

هل تتحول معركة غزة إلى حرب استنزاف؟

تاريخ النشر: 8th, March 2024 GMT

هل تتحول معركة غزة إلى حرب استنزاف؟

بعد مرور نحو 5 أشهر على العدوان على غزة، لا يزال جيش الاحتلال يعاني فشلًا في تحقيق هدفي الحرب: القضاء على حماس واستعادة الأسرى، فيما تشتدّ الانتقادات ضد نتنياهو بسبب ذلك.

تغرق الساحة الإسرائيلية في الجدل حول أولوية هدفَي الحرب، وتزداد الشّقة بين أقصى يمين الحكومة ممثلًا في بن غفير وسموتريتش، وبين كل من جيش الاحتلال، وبقية أطراف الحكومة من اليمين العلماني، وكذلك بين هذه الأطراف نفسها، وبين السياسيين فيما بينهم.

ومع ذلك، يواصل الاحتلال حربه الشرسة المنزوعة من أي التزامات قانونية أو سياسية أو إنسانية وبدون وضوح للأهداف السياسية لهذا العنوان، باستثناء كليشيهات من مثل عدم السماح لحماس بالحكم في غزة، ورفض وجود السلطة الفلسطينية في غزة.

لا يزال الاحتلال يعتمد سياسة استهداف المدنيين، والتي تشتد وتستعر مع كل هزيمة أو خسائر تلحق به في الميدان، وقد رأينا كيف ينفّس جنود الاحتلال عن حقدهم بتدنيس المساجد والتسلّي بتدمير المنازل، أو حتى قتل الحيوانات من أجل المتعة

ويبدو أن المعركة تسير بدون ضوابط وتتسم بالصفرية، دون أن تتضح مآلاتها، في ظل صمود أسطوري للمقاومة الفلسطينية فاق كل التوقعات، وعقّد إلى حد بعيد العملية العسكرية لجيش الاحتلال.

الهدف المقاومة.. والضحايا مدنيون

اتسمت الحرب على غزة بأنها الأكثر استهدافًا للمدنيين في الحروب العالمية، حيث كان معظم الشهداء فيها هم من النساء والأطفال. وكان هذا الاستهداف متعمدًا لأكثر من سبب، حيث اتسق ذلك مع تسويق قادة الاحتلال لما ورد في التوراة المحرّفة التي حثّت الإسرائيليين على استهداف كل من ينتمي لمن يسمون (العماليق) من الرجال والأطفال والنساء والدواب والممتلكات، فضلًا عن أن هذه الحرب العمياء لبّت غريزة الانتقام لدى عامة الإسرائيليين الذين يرون أن كرامتهم الوطنية قد استبيحت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

تذرَّع الإسرائيليون بأن المقاومين يتخذون من الفلسطينيين دروعًا بشرية، أو أنهم يتسترون باللباس المدني أو يحفرون الأنفاق تحت المستشفيات والمدارس، وذلك لتبرير الاستهدافات المتتالية لها والتي راح ضحيتها الآلاف من الفلسطينيين.

غير أن كل هذه التبريرات كانت بهدف التغطية على فشل الاحتلال في تحقيق صورة نصر عسكري على المقاومة المتحصنة بالأنفاق المنيعة التي اعترفت مصادر استخبارية أميركية بأن الاحتلال غير قادر على تفكيكها، وفك ألغاز خرائطها. كما اعترف الاحتلال مؤخرًا بأنه اتبع طرقًا تقليدية لاكتشاف الأنفاق، مكذبًا روايات سابقة سوّقها بأنه وظّف التكنولوجيا في سبيل ذلك!

ولا يزال الاحتلال يعتمد سياسة استهداف المدنيين، والتي تشتد وتستعر مع كل هزيمة أو خسائر تلحق به في الميدان، وقد رأينا كيف ينفّس جنود الاحتلال عن حقدهم بتدنيس المساجد والتسلّي بتدمير المنازل، أو حتى قتل الحيوانات من أجل المتعة، وغيرها من الممارسات التي يندى لها جبين الإنسانية.

ورغم إعلان الاحتلال أنه أنهى مهمته في الشمال وفي مدينة غزة وصولًا حتى الوادي، فإن دخوله في المرحلة الثالثة بالتركيز على خان يونس لم يحقق له هدف الوصول لقادة حماس الذين قال؛ إنهم يختبئون في أنفاق هذه المدينة. بل إنه اضطر للعودة للشمال ولحي الزيتون ليواجه مقاومة متجددة ما زالت تكبده الخسائر بعد استعادتها مراكزها، ونجاحها في محاولة ضبط الحياة المدنية، ومنع انتشار الفوضى هناك.

ومع ذلك فقد أعلن نتنياهو الاستعداد لدخول مرحلة جديدة من الحرب بمهاجمة رفح التي تضم كثافة سكانية هي العليا في العالم بعد نزوح نحو 1.4 مليون فلسطيني من الشمال والوسط إليها.

وفيما برَّر نتنياهو ذلك بالقضاء على ما تبقى من كتائب لحماس في المدينة الحدودية مع مصر، فإنه جاء في ظلّ فشله في الوفاء بالمتطلبات الأميركية للتخفيف من استهداف المدنيين، ما أدَّى لاشتداد الخلاف مع الإدارة الأميركية التي ترى أنّ الدخول لهذه المدينة سيؤدي إلى مجازر لا يمكن احتمالها، خصوصًا مع فقدان الاحتلال الشرعية التي تمتع بها في بداية الحرب، وذلك بسبب الفظاعات التي ارتكبها بحقّ المدنيين والتي أوصلته للإدانة في محكمة العدل الدولية، وخسارة المدافعين عنه مبرّر دعمه تحت بند حق الدفاع عن النفس!

وقد أعلن نتنياهو أنه سيراعي مطلب مصر برفض تهجير الفلسطينيين إليها، وأن حكومته ستعمل على السماح للفلسطينيين بالانتقال دون أن يحدد إلى أين، مع استمرار رفض عودتهم للشمال باستثناء الأطفال والنساء، كما هو موقفه الآن في مفاوضات الهدنة مع المقاومة الفلسطينية.

الهجوم على رفح

رغم أنه لا يعرف حتى الآن ما هو السيناريو الذي ستكون عليه الحرب، فإنه وفي ضوء ما هو معلن من مواقف نتنياهو، فإن الهجوم على رفح قادم بصرف النظر إن تم بعد الهدنة أم بدونها، في حين تعمل الإدارة الأميركية ما وسعها لتسهيل التوصل لصفقة شاملة، تبدأ بهدنة في المرحلة الأولى وتنتهي (على افتراض نجاح الاحتلال في إضعاف حماس)، بوقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في قطاع غزة، ووقف الحرب في لبنان، وتوقف الحوثي عن استهداف السفن في البحر الأحمر.

وهذا سيؤدي لتسهيل مرحلة ما بعد الحرب عن طريق طرح الدولة المستقلة، وبما يستدعي حدوث تغيير للحكومة الإسرائيلية الحالية التي ترفض هذا الحل. وقد أظهر استطلاع للرأي أُجري في الكيان مؤخرًا أنه في حال جرت انتخابات اليوم فسيحصل حزب بيني غانتس على 39 مقعدًا، مقابل حصول حزب الليكود برئاسة نتنياهو على 17 مقعدًا.
وربما كانت هناك شكوك بنجاح واشنطن في ذلك بدون تعزيز التفاعلات السلبية في الحكومة تمهيدًا لتفكيكها، وإجراء انتخابات جديدة سيفوز فيها غانتس المدعوم أميركيًا.

وإن نجح ذلك، فسيتم تسهيل مهمة واشنطن للتوصل لاتفاق تطبيع إسرائيلي – سعودي، سيشكل اختراقًا يوقف تدهور شعبية بايدن مقابل خصمه دونالد ترامب.

وقد ذكر استطلاع لقناة فوكس نيوز أن 65% من الناخبين الأميركيين غير راضين عن أداء الرئيس بايدن في الحرب بين إسرائيل وحماس.
كما يتخوف بايدن من فقدان الدعم بين الناخبين المسلمين في ميشيغان ، وهي ولاية رئيسية في مواجهته المتوقعة مع ترامب.
وحتى هذه اللحظة لا يبدو أن حكومة نتنياهو تنصاع لمطالب واشنطن لها بتجنب الدخول لرفح، في ظل إصرار نتنياهو على تحقيق ما يسميه النصر الكامل، وسعيه للمضي بالحرب إلى منتهاها بصرف النظر عن فشله حتى الآن في تحقيق إنجاز كبير بالقبض على قادة حماس بغزة أو اغتيالهم أو حتى استسلامهم وإبعادهم إلى خارج غزة.

ورفضت قيادة حماس بغزة هذا الخيار، وأصرت على استمرار المقاومة، فيما يؤكد الكثير من المحللين، أن خيار الاستسلام ليس واردًا عند رأس الحركة في غزة يحيى السنوار، وأن قيادتها هناك لا تزال تملك الكثير من الوسائل القتالية التي تؤهلها للصمود لأشهر أخرى قادمة، في ظلّ استمرار احتفاظها بالعدد الأكبر من مقاتليها.

سيناريوهات الحرب

بناء على المعادلة أعلاه، وفي حالة فشل الجهود الأميركية للجم نتنياهو، والاكتفاء بتحقيق هدنة لمدة 40 يومًا بدون النجاح في مدها للتوصل لاتفاق شامل ينهي احتلال غزة كما تطالب المقاومة وتصر عليه، أو حتى فشل الهدنة، وتمكن نتنياهو من الاستمرار في الحكم والنجاة من الهزات في حكمه، فإن هذا سيمهد الطريق لاستمرار الحرب لأشهر قادمة، خصوصًا مع استمرار فشل جيشه ميدانيًا في إلحاق الهزيمة بحماس.

ومن هذه النقطة، فهناك احتمالان: الأول أن يصل الاحتلال بعد فترة من اجتياح رفح وإلحاق أضرار فادحة فيها، وارتكاب فظاعات، إلى حالة من الإنهاك وتعاظم الخسائر مع تصاعد الضغوط الأميركية والدولية عليه، بما يضطره للدخول في المرحلتين الثانية والثالثة من إطار باريس، بما يؤدي إلى تبادل أسرى مع المقاومة، مع احتمال اضطراره للانسحاب من غزة، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، مع وجود أكثر من احتمال على صعيد الوضع السياسي الفلسطيني، وهذا يحتاج لمبحث آخر.

والثاني، هو استمرار حالة التعادل وتحمل تكلفة الحرب على الطرفين، وتحول المعركة إلى حرب استنزاف لا يعلم مداها أحد، ويتضمن ذلك إعادة تموضع قوات الاحتلال على طول كيلو متر واحد من الحدود مع إسرائيل، مع إمكانية احتلال شريط صلاح الدين (فيلادلفيا) على الحدود مع مصر، وإمكانية ارتكاب المجازر التي تؤدي إلى تهجير عشرات الآلاف لمصر التي قد ترضخ للأمر الواقع.

وهذا قد يثير احتجاجات عالمية على الكيان قد تؤثر على استمرار الحرب. وسيعتمد طول هذه الحرب على مدى تطور تداعياتها على الولايات المتحدة التي يمكن أن تتخذ بعض الخطوات السلبية تجاه الكيان، وكذلك على الدول الغربية التي بدأت تتململ من أفعال وممارسات الاحتلال ضد المدنيين.

استنزاف منهك

ويرجح ألا ينجح الاحتلال في كسر شوكة حماس، حيث أثبتت الشهور الماضية، أن لديها الاستعداد للصمود، غير أن استمرار أمد الحرب قد يؤدي إلى تضاؤل ذخيرة المقاومة، وإن كان ليس للمدى الذي يؤثر على صمودها في ظل اعتمادها على خيار تصنيع السلاح في الأنفاق. وفي المقابل سيظل الاحتلال يتمتع بالمدد من الولايات المتحدة والغرب.

والاستنزاف سيكون منهكًا للطرفين على اعتبار ما يعاني منه الكيان الآن من تراجع معنويات القتال والأمراض النفسية لدى جنوده، وانفكاك الدعم الغربي عنه، فيما ستعاني المقاومة من ضغط الحاضنة الشعبية التي يستهدفها الاحتلال بالقتل والتهجير والتجويع.

وقد تتحول الأوضاع في غزة إلى أوضاع شبيهة بما يجري في الضفة، في المنطقة المصنفة A أو حتى B حيث يشن الاحتلال يوميًا هجمات على المقاومة انطلاقًا من الحدود أو مناطق التماس، مع محاولة إيجاد وضع شبيه بروابط القرى المتعاونة مع الاحتلال في السبعينيات.

ولكن على الأغلب ألا يظل ذلك إلى ما لا نهاية، حيث يمكن أن يحدث تغيير سياسي في الكيان يدفع الحكومة الجديدة إلى تبني الانسحاب من غزة، مع محاولة ترتيب الوضع السياسي في غزة بالترتيب لوجود السلطة الفلسطينية، بما يؤدي للجم فاعلية المقاومة، وهو خيار مشكوك جدًا بنجاحه في ظل استمرار قوة وتأثير المقاومة، إلا إذا حصل توافق فلسطيني على دمج حماس بالمنظمة، مع اعتماد برنامج على أساس الثوابت الفلسطينية، ولا يعيق استمرار المقاومة.

وفي ظل غياب أي حل سياسي، فإن مستوطني منطقة غلاف غزة لن يتمكنوا من العودة لمستوطناتهم، الأمر الذي سيستمر في تشكيل معضلة كبيرة للاحتلال.

وبصرف النظر عن السيناريو الأرجح للمعركة، فإن هذه الجولة لن تكون النهائية في الصراع مع المحتل، بل ستشكل مجازر الاحتلال وبطولات المقاومة وقودًا جديدًا وملهمًا للأجيال في فلسطين والدول العربية والإسلامية، فيما سيخرج الاحتلال مهشمًا على صعيد المعنويات وعلى صعيد نظرة الغرب له، وربما تضعضع تحالفاته مع الغرب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الاحتلال فی استهداف ا فی غزة أو حتى

إقرأ أيضاً:

الحرب في غزّة إلى أين؟

 

سؤال يلحّ على جميع المهتمّين بما يحدث في قطاع غزّة من الطرفين؛ المقاوم وحلفائه وأنصاره، والمشروع الاستعماري وأدواته وأنصاره.
في غزّة يطرح المقاومون الصمود والتمسّك بالأرض وفرض وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار وإطلاق سراح الأسرى كشروط لنهاية الحرب، وتتفرّع عن هذه النهاية خطط ومشاريع من قبيل لجنة مختصة لإدارة شؤون القطاع بإشراف حكومة رام الله (لجنة الإسناد المجتمعي)، وكذلك لجان عربية أو دولية تشرف على عملية إعادة الإعمار.
أما العدو، فيطرح أهدافه بتصفية جميع قوى المقاومة سواء كانت منظّمات أو دولاً، وتحرير الأسرى في قطاع غزّة بالقوة، والاحتفاظ بقوات من “جيش” العدو في مناطق محدّدة من قطاع غزّة مثل محوري فيلادلفيا ونتساريم، وخلق منطقة عازلة في جنوب لبنان. تتفرّع عن هذه الأهداف مشاريع مثل عودة الاحتلال الكامل للقطاع، وإعادة حركة الاستيطان فيه، وتتصدّر هذا النشاط حركة “حباد” الصهيونية الأرثوذكسية التي أعلنت عن قيام أول مستوطنة “بيت حباد” في مبنى بلدية بيت حانون في شمال قطاع غزّة.
بين الموقعين يستمر مشهد المجزرة وسط صمت عالمي مدوٍ، صامدون يقدّمون التضحيات، وقتلة لا يتردّدون في قتل المدنيين وتدمير البنى التحتية، مطاردة كلّ من يقف إلى جانب محور المقاومة في كلّ مكان في العالم. معظم الأنظمة العربية متواطئة سواء بالعمل على الأرض أو بالصمت والتظاهر بأن القضية إنسانية بحتة تقع ضمن اختصاصات الأمم المتحدة ومنظّماتها غير الحكومية. المطلوب استعمارياً تحقيق هدفين، القضاء على المقاومة بجميع أشكالها، وبثّ اليأس والاستسلام في نفوس جماهيرها، لتتحوّل هذه الجماهير إلى أقلية مسالمة تندمج في الكيانات الناتجة عن المشروع الاستعماري، وتصبح ما يمكن أن نسمّيه “أقلية مهملة” .
هذا السيناريو الذي قد يبدو للبعض وكأنه يحمل الكثير من المبالغة، كرّره المستعمرون أكثر من مرة عبر تاريخهم، خاصة في المرات التي احتلوا فيها أراضي الآخرين تحت شعارات ووعود دينية كما حدث في أمريكا وأستراليا ونيوزلندا. لقد اعتبر المستوطنون الأوائل أن أميركا هي “أرض الميعاد” المسيحية، وأنهم حجّاج أرسلهم الرب لإقامة مملكته، والقضاء على المتوّحشين الوثنيين. الشعارات نفسها أطلقتها حركة “حباد” الصهيونية التي اعتبرت العرب كفّاراً، لا بدّ من قتلهم لإقامة “دولة إسرائيل” من النيل إلى الفرات.
عبّرت هذه المشاريع عن نفسها سياسياً في الخرائط التي يرفعها غلاة الصهاينة من وزراء وقادة حركة الاستيطان، وتجد دعماً لدى الدوائر الاستعمارية كما حدث في تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب حول صغر مساحة الكيان الصهيوني وضرورة توسيعها.
تمرّ عملية التدجين بثلاث مراحل: الهزيمة العسكرية من خلال ارتكاب مجازر بحقّ الشعوب بحيث تتحوّل المطالبة بالبقاء على قيد الحياة مطلباً للشعوب المقهورة، في المرحلة الثانية يقوم العدو بفرض التسويات بشروطه من خلال بثّ روح الهزيمة واليأس من المستقبل.
وقد تحتاج هذه المرحلة إلى المزيد من المجازر غير المبرّرة، واحتلال المزيد من الأراضي كما يحدث اليوم في غزّة وسوريا ولبنان، وعند الوصول إلى المرحلة الثالثة يكون مصير الأقلية المهملة بعد تدجينها بالكامل، الحصول على ميزات اجتماعية واقتصادية على اعتبارات إثنية أو دينية أو ثقافية، فيعيش أفرادها في محميات خاصة، ويسمح لهم بممارسة طقوسهم وثقافاتهم بهدف تفتيت الهوية الوطنية، وتحويل الدول إلى ائتلاف من الهويات والثقافات الفرعية.
هذا ما فعله الاستعمار الأبيض مع أصحاب البلاد الأصليين، بل إن هذا المستعمر قد يلبس قناع الإنسانية ويتظاهر بالدفاع عن حقوق الأقليات المهملة، ويمجّد تاريخهم وينتج أفلاماً ودراسات عن تاريخهم.
إذا قبلنا بإمكانية حدوث هذا السيناريو، فإنه يلقي على عاتقنا مسؤوليات جساماً، تنبع من حقائق التاريخ والجغرافيا. الشعب الفلسطيني، الذي تشكّل قضيته مركزاً للصراع مع المشاريع الاستعمارية، يختلف عن سكان البلاد الأصليين الذين أبادهم المستعمر الأبيض في أكثر من مكان من العالم، فالشعب الفلسطيني يمتلك امتداداً عربياً في الجغرافيا، وامتداداً إسلامياً في التاريخ، هذان البعدان تجسّدا خلال معركة طوفان الأقصى، من خلال انخراط جبهات الإسناد العربية في اليمن وسوريا والعراق، وجبهة الإسناد الإسلامية التي مثّلتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدعمها المستمر للمقاومة الفلسطينية.
أدرك المستعمرون بعد الهزيمة المذلّة في شمال فلسطين، أن مخطّطاتهم مهما كان شكلها لن تجد طريقها إلى التنفيذ إلا بقطع التواصل بين أطراف محور المقاومة كخطوة أولى، ثم الانتقال إلى تدمير قوى محور المقاومة بشكل منفرد.
وفي هذا السياق وافق العدو على وقف إطلاق النار في لبنان، ويتجه إلى القبول ببعض التنازلات مقابل وقف إطلاق النار في غزّة بناء على المبادرة المصرية، في الوقت نفسه كان التحالف الاستعماري يعمل بمشاركة تركية على إسقاط الجبهة السورية لقطع خطوط إمداد المقاومة، وتفتيت جبهاتها، وكذلك فصل الحرب في سوريا عمّا يحدث في غزة وما حدث في لبنان.
لقد فتحت الحرب على غزّة أبواب منازلنا لقنوات الربيع الاستعماري، التي بادرت منذ اللحظة الأولى لانطلاق الحرب على سوريا إلى تبديل سياساتها، وشنّ هجوم إعلامي مركّز على الدولة السورية، والتركيز على فكرة “تحرير” المدن السورية، وتحميل الدولة السورية المسؤولية عمّا يحدث برفضها التعاون مع تركيا لمناقشة مستقبل سوريا، الفكرة التي طرحها الرئيس التركي أردوغان، ولقيت رواجاً لدى الكثيرين بمن فيهم بعض المثقّفين المناصرين لمحور المقاومة، ناسين أو متناسين أن الهدف الأصلي للحرب التي انطلقت عام 2011م كان مصادرة سيادة الدولة السورية ووضعها بيد آخرين سواء كانت التنظيمات الإرهابية أو داعميها في الغرب وتركيا، وهو ما تحقّق يوم 8 ديسمبر.
الهدف من الحرب على سوريا اليوم، هو توسيع مناطق سيطرة الجماعات الإرهابية وصولاً إلى الحدود اللبنانية، لقطع التواصل بين أطراف محور المقاومة، وعزل المقاومة في لبنان تمهيداً للاستفراد بها عسكرياً وسياسياً، وإلحاق قطاع غزّة بالنظام العربي المطبّع بواجهة فلسطينية مرتبطة بحكومة رام الله المنخرطة في التنسيق الأمني مع العدو.
وصل العدو الصهيوني إلى الحدود السورية اللبنانية والأردنية، واندفع الغرب والولايات المتحدة للتواصل مع حكومة الأمر الواقع في دمشق.
وواجب كلّ المقاومين وجمهورهم التصدّي للمشروع الاستعماري الجديد، عسكرياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً. هذا ما عبّرت عنه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والمقاومة اللبنانية واليمنية، وما على كل القوى السياسية في الوطن العربي المبادرة إليه، فهذه هي المعركة الأخيرة التي تحمل في طيّاتها إمكانية النصر أو الهزيمة وترسم ملامح مستقبل المنطقة.

كاتب سياسي أردني

مقالات مشابهة

  • نتنياهو ووقف إطلاق النار
  • شتاء ثانٍ تحت الحصار الإسرائيلي.. الجوع والبرد يفاقمان أزمة فلسطين مع استمرار الحرب
  • خبير عسكري: بنية المقاومة تضررت خلال الحرب لكنها لا تزال قادرة على العمل
  • نائب بالكنيست يوبخ نتنياهو: أنت آخر ديكتاتور في المنطقة وستسقط
  • الحرب في غزّة إلى أين؟
  • أستاذ علوم سياسية: نتنياهو يعيش نشوة انتصار رغم استمرار وجود أسرى بغزة
  • أيمن الرقب: نتنياهو يعيش نشوة انتصار رغم استمرار الأسرى في غزة
  • أستاذ علوم سياسية: نتنياهو يعيش نشوة انتصار رغم استمرار المحتجزين في غزة
  • مغردون عن عملية القسام ببيت لاهيا: هكذا يكون تحرير الأسرى يا نتنياهو
  • خيارات نتنياهو لمواصلة الحروب العدوانية