د. جمال سالمي *** يوم 17 جويلية 2023 أخطرت روسيا الأمم المتحدة وتركيا وأوكرانيا بأنها لن تجدد اتفاق الحبوب.. بعد أن سمح لأوكرانيا بالتصدير عبر البحر الأسود.. *** نزل الخبر على الخبراء الاقتصاديين الاستراتيجيين كالصاعقة.. *** إنه إعلان حرب.. ليس بالقنابل النووية كما كان متوقعا.. بل باستخدام سلاح استراتيجي جديد.
. لم يكن على قائمة أسلحة الدمار الشامل.. إنه القمح.. الحبوب.. *** يبدو جليا أن العصر الدموي الحالي صار وفيا لنظرية الراهب الاقتصادي المتشائم مالتيس.. *** لطالما طالب جهارا نهارا بتقليص عدد سكان العالم.. عبر شن الحروب وتجويع الناس.. *** كان شعاره الدماء ونشر المجاعات.. *** هبوب حروب الحبوب.. لم تكن الموافقة الروسية على الاتفاقية مجانية.. إذ طالبت في المقابل بإعادة ربط بنكها الزراعي بنظام سويفت.. الذي تم قطعه من قبل الاتحاد الأوروبي بعد الحرب.. نظام ينسق التعاملات المالية لأهم بنوك العالم.. ومنها بنوك روسيا المشرفة على تصدير العديد من أنواع
الحبوب للعالم برمته.. *** لم يكن هذا الانسحاب الروسي الأول من نوعه.. سبقه انسحاب آخر في 29 أكتوبر 2022 على خلفية تفجير الجانب الأوكراني لجسر القرم.. التحقيقات الروسية أثبتت وجود متفجرات في إحدى شاحنات الحبوب الأوكرانية.. *** كما تسبب استهداف السفن الروسية بطائرات الدرونز الأوكرانية في ميناء سيفاستوبول بتعزيز رغبة موسكو في الخروج من الاتفاق.. خاصة بعد أن تبين أنها خرجت من ميناء أوديسا باتجاه شبه جزيرة القرم.. *** تراجعت روسيا عن هذا القرار في 2 نوفمبر 2022 عقب مباحثات بين كلا الجانبين التركي والروسي.. أدت إلى ضمانات جديدة تؤكد للجانب الروسي عدم التعرض لأسطوله.. *** كما أرسلت أوكرانيا تعهداً كتابياً للحكومة الروسية بعدم استخدام الممر الآمن في العمليات العسكرية.. *** بوتين يقول أن صفقة الحبوب عبر البحر الأسود “لعبة أحادية الجانب”.. *** لم يتم تنفيذ أي عناصر من الاتفاقية تتعلق بمصالح روسيا.. خاصة تصدير الأسمدة والأغذية.. *** الحبوب لم تورد للدول الفقيرة.. بل إلى أوروبا.. *** جاء إعلان الكرملين بعد ساعات فقط من إعلان أوكرانيا مسؤوليتها عن هجوم شن على جسر في شبه جزيرة القرم أسفر عن مقتل مدنيين.. *** لكن الإدارة الروسية حاولت عدم الربط بين الأمرين.. فقد صرح بيسكوف بأن سماح روسيا بإنهاء صلاحية الاتفاق أمر لا علاقة له بالهجوم.. *** ترى روسيا أنها نفذت بنود الاتفاقية.. *** فقد ضمنت عبور السفن الأوكرانية المحملة بالحبوب بأمان.. *** لكن الجزء الثاني من الصفقة، المتعلق بوصول الحبوب والأسمدة الروسية إلى الأسواق العالمية، لم يتم تنفيذه.. *** نظراً لوقوف العقوبات الغربية حجر عثرة على طريق تطبيق الاتفاقية.. *** حيث تعاقب شركات التأمين وخدمات الموانئ السفن التي تتعامل مع روسيا.. *** كما ترفض أوكرانيا إطلاق خط أنابيب الأمونيا باتجاه دول الاتحاد الأوروبي.. *** قوات كييف كانت قد قامت لاحقاً بتفجير الخط.. بعد إعلان روسيا تعليق تسجيل السفن الأوكرانية في الموانئ حتى إطلاق خط أنابيب الأمونيا.. *** لم يتحقق الهدف الرئيسي من الصفقة: توريد الحبوب إلى البلدان المحتاجة، بما في ذلك القارة الأفريقية”. *** تعتقد موسكو أن اتفاقية الحبوب لم تدر عليها سوى المزيد من الألم.. *** في نهايات جانفي 2023 أعلن أليكس ليسيستيا، المدير التنفيذي لشركة “إي أم سي” الزراعية ورئيس رابطة نادي الأعمال الزراعية الأوكراني أن محصول الحبوب في أوكرانيا سينخفض إلى ما بين 35 و40 مليون طن في 2023.. *** إذ سيتراوح إنتاج القمح بين 12 و15 مليون طن والذرة بين 15 و17 مليوناً.. *** سبب هذا الانخفاض في الإنتاج تعرض مساحات شاسعة من الأراضي الأوكرانية، لا سيما في شرق وجنوب وشمال البلاد، للاحتلال أو التدمير بسبب الأعمال العسكرية.. *** يبدو انخفاض إنتاج القمح الأوكراني بنوع خاص، عاملاً مؤكداً في طريق نقص الحبوب اللازمة للاستهلاك المحلي.. مما قد يفضي إلى فرض قيود على صادرات القمح من أوكرانيا.. *** أدى إغلاق بحر آزوف والحصار الذي فرض على الموانئ الأوكرانية الواقعة على البحر الأسود، إلى حرمان الأسواق من أكثر من 25 مليون طن من الحبوب التي أصبحت عالقة في المزارع أو في مستودعات الموانئ. *** ستحدث انتكاسة على صعيد الأسعار العالمية للغذاء.. الأمر الذي سيصيب قطاعات واسعة حول العالم بمزيد من نقص الغذاء.. اتساع رقعة الجوع عالمياً.. *** حرمان العالم من الحبوب الأوكرانية سيؤثر في حياة الملايين في المجتمعات الأكثر فقراً.. سيكون هناك ارتفاع متوقع لأسعار الحبوب حول العالم.. بسبب نقص المعروض.. *** هل ستجوع أوروبا؟ في أبريل 2023، دب خلاف جديد داخل الكتلة الأوروبية.. مع فرض خمس 5 دول منها حظراً على واردات الحبوب الأوكرانية الضخمة.. الحجة: أضرت بالقطاع الزراعي لديها لأنها أرخص سعراً.. *** المفوضية الأوروبية رفضت القيود التي فرضتها بولندا وبلغاريا والمجر ورومانيا وسلوفيكيا على استيراد الحبوب الأوكرانية. *** تضم قائمة أكبر عشرين دولة مستلمة للمنتجات الزراعية الأوكرانية، البرتغال وبلجيكا وألمانيا وفرنسا ورومانيا. *** سيكون من الطبيعي جداً إذن أن تكون تلك الدول الأوروبية، في مقدمة الذين سيتأثرون سلباً من وقف تصدير الحبوب.. *** أمر يفهم بشكل واضح في ضوء المواقف الأوروبية من الحرب الأوكرانية.. *** حيث تمضي غالبية دول القارة المؤثرة في طريق دعم أوكرانيا عسكرياً، والاتساق مع الجانب الأميركي، على رغم الكلفة الباهظة التي تتحملها.. *** علاوة على الضرر البالغ الذي منيت به اقتصاداتها على نحو متفاوت جراء العقوبات المفروضة على روسيا والتي انعكست على معظم دول أوروبا. *** عواصم القارة الأوروبية واقعة بين مطرقة الروس وسندان الأميركيين. *** المفارقة هنا أن الجانب الأميركي، وعلى رغم التضحيات الكبيرة التي قدمتها أوروبا لدعم أوكرانيا، منذ انطلاق الحرب، لم يقدم للأوروبيين هامشاً من المنافع.. *** بل العكس هو ما حدث، فقد باعوا لهم النفط بأسعار مضاعفة، وكذلك الحبوب.. *** الواقعيون الأوروبيون: المتحمسون لإنهاء الحرب ينادون بضرورة إبقاء الخطوط مفتوحة مع روسيا.. بما يمكن من خلاله تحقيق اختراقات على مسار أي مفاوضات مقبلة لإنهاء الحرب.. مع تقليص فرص تصعيد المواجهة.. *** بل أبعد من ذلك، فإنهم يوصون بضرورة التوصل لتفاهمات اقتصادية حول القضايا الرئيسية، مثل ملف “تصدير الحبوب”، وغيرها من الملفات التي يمكن معالجتها بتقديم تنازلات محدودة أو التوصل لاتفاقات مرضية لجميع الأطراف. *** تبدو هناك تغيرات حقيقية على الأرض، أشارت إليها صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية، ومنها أن الاتحاد الأوروبي يدرس مقترحاً للبنك الزراعي الروسي لإنشاء شركة فرعية تتيح له إعادة الاتصال بالشبكة المالية العالمية كوسيلة لترضية موسكو. *** في ظل خضوع البنك لعقوبات، تستهدف هذه الخطوة حماية اتفاق تصدير الحبوب عبر موانئ البحر الأسود التي تسمح لأوكرانيا بتصدير الغذاء إلى الأسواق العالمية. *** يكاد الأوروبيون يصلون لقناعة أنهم أخطأوا في ما يخص تقديم الدعم بهذا الشكل الكبير والواضح لأوكرانيا.. *** الأمر الذي كلفهم ضياع فرصة واحدة من أهم الفرص التاريخية التي حلم بها قادة أوروبا الكبار، مثل الرئيس الفرنسي شارل ديغول، الرجل الذي حلم بقيام أوروبا وآسيا، ببلورة الكيان الأوراسي.. *** ذاك الذي يبدأ من المحيط الأطلسي غرباً، وصولاً إلى جبال الأورال شرقاً. *** بعد أن تفعل العقوبات الروسية الخاصة بالحبوب فعلها في الجانب الأوروبي، سوف يعتبر الأوكرانيون أن الجانبين الأميركي والأوروبي قد وقعا في فخ روسي، سيقود إلى إنهاء الحرب لمصلحة بوتين. *** لا يعلم الغيب إلا الله تعالى.. إذ يعكف حاليا أغلب الخبراء الاقتصاديين الاستراتيجيين للإجابة على التساؤل الجوهري التالي: كيف سيكون المشهد العالمي بعد الانسحاب الروسي الأخير وتهديد القوات المسلحة الروسية بالتعامل مع أي سفينة أوكرانية تحمل شحنات من الحبوب في البحر الأسود، كأنها تحمل أسلحة؟
المصدر: رأي اليوم
كلمات دلالية:
الحبوب الأوکرانیة
البحر الأسود
إقرأ أيضاً:
فعاليات تعكس جمال الثقافة الروسية وفنون تعرف بتاريخها وتقاليدها
احتضن المتحف الوطني ممثلًا في مركز التعلم، بدعم من شركة "بي. بي. عُمان" فعاليات ثقافية بعنوان "روسيا إكسبريس"، وهو جزء من مبادرة ثقافية عالمية أطلقتها وزارتا الثقافة الروسية والخارجية.
وأقيمت اليوم محاضرة تعليمية للمبتدئين في تعلم اللغة الروسية بمقر المتحف الوطني، قدمها ألكسندر سومين، محاضر في معهد اللغة الروسية والثقافة في جامعة موسكو الحكومية "لومونوسوف"، تناول جزء منها أعمال الشاعر ألكسندر بوشكين، الذي يُحتفل هذا العام بالذكرى الـ 225 لميلاده.
وافتتح ضمن الفعاليات معرض "روسيا"، الذي يعرض صورًا للمواقع الطبيعية الروسية ونماذج من العمارة الخشبية والحجرية، بالإضافة إلى مشاهد نادرة لمدن روسية. كما أقيمت حفلة موسيقية قدمتها فرقة الأكاديمية الشعبية الشمالية الروسية، بقيادة الفنانة المكرمة سفيتلانا إغناتيفا، التي تعتبر أستاذة في قسم الغناء الشعبي في أكاديمية غينيسينخ الروسية للموسيقى. وتأسست الفرقة عام 1926 في مدينة فيليكي أوستيوغ، حيث تتألف من أصوات نسائية فقط وفقًا لتقاليد بومور. واستقبل الحضور فرقة "فيتشوركا" للموسيقى الشعبية الروسية من موسكو بفرح وتفاعل.
الجدير بالذكر أن معرض "روسيا"، يحظى بدعم من وزارة الثقافة بالاتحاد الروسي، وتُنظم الفعاليات في سلطنة عُمان بالتعاون مع المؤسسة الحكومية "روس كونسرت" (ROSCONCERT).. ويهدف البرنامج إلى تعزيز اللغة الروسية من خلال برامج تعليمية وحفلات موسيقية تقدمها فرق فلكلورية وطنية روسية، بهدف تعريف سكان العالم بجمال اللغة الروسية وثقافتها. وتم تنفيذ المشروع في عدة دول العام الماضي، ومنها تنزانيا، وميانمار، وفنزويلا، والمغرب، وفي هذا العام يشمل البرنامج البرازيل ولاوس، لتعزيز التفاهم الثقافي بين الدول.